سيدنا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه
من الفتية الذين تربوا في حجر المصطفى صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم وتحت أنظاره :
سيدنا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه .
هو سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم الأسلمي، يكنى أبا مسلم، وقيل: أبو إياس، وقيل: أبو عامر، والأكثر أبو إياس.
وهو أحد من بايع تحت الشجرة، وكان من فرسان الصحابة ومن علمائهم، كان يفتي بالمدينة وله مشاهد معروفة و مشرفة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، توفي بالمدينة وقد جاوز السبعين سنة.
كان شجاعاً رامياً سخياً خيراً فاضلاً. وكان من الشجعان ويسبق الفرس اي الخيل عدوا (أي جريا على رجليه ).
روى العطاف بن خالد عن عبد الرحمن بن رزين قال أتينا سلمة بن الأكوع بالربذة فأخرج إلينا يدا ضخمة كأنها خف البعير فقال بايعت بيدي هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأخذنا يده فقبلناها .
قال مولاه يزيد رأيت سلمة يصفر لحيته وسمعته يقول بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت وغزوت معه سبع غزوات.
قال ابن إسحاق: وقد سمعت أن الذي كلمه الذئب سلمة بن الأكوع قال سلمة: رأيت الذئب قد أخذ ظبياً فطلبته حتى نزعته منه فقال: ويحك! مالي ولك عمدت إلى رزق رزقنيه الله ليس من مالك تنتزعه مني قال: قلت أيا عباد الله إن هذا لعجب ذئب يتكلم. فقال الذئب: أعجب من هذا أن النبي في أصول النخل يدعوكم إلى عبادة الله وتأبون إلا عبادة الأوثان. قال: فلحقت برسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فأسلمت.
حدثنا إياس بن سلمة عن أبيه قال أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا ومسح على وجهي مرارا واستغفر لي مرارا عدد ما في يدي من الأصابع وروى البيهقيّ أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم مسح يد محمَّد بن حاطب وكانت قد احترقت بالنَّار فبرأ من ساعته، ومسح رجل سلمة بن الأكوع وقد أصيبت يوم خيبر فبرأت من ساعتها، ودعا لسعد ابن أبي وقاص أن يشفى من مرضه ذلك فشفي. (1862)
روى البخاري: من حديث يزيد بن أبي عبيدة، عن سلمة بن الأكوع قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوات، وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات، علينا مرة أبو بكر رضي الله عنه، ومرة أسامة بن زيد رضي الله عنه .
حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع؛ أنه دخل على الحجاج فقال: يا ابن الأكوع! ارتددت على عقبيك؟ تعربت؟ (أي أصبحت من الأعراب أهل البادية ) قال: لا. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو.
(ارتددت على عقبيك. تعربت) قال القاضي عياض: أجمعت الأمة على تحريم ترك المهاجر هجرته ورجوعه إلى وطنه. وعلى أن ارتداد المهاجر أعرابيا من الكبائر. ولهذا أشار الحجاج. إلى أن أعلمه سلمة رضي الله عنه أن خروجه إلى البادية إنما هو بإذن النبي صلى الله عليه وسلم. أو لأن الغرض في ملازمة المهاجر أرضه التي هاجر إليها فرض ذلك عليه إنما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لنصرته، أو ليكون معه، أو لأن ذلك إنما كان قبل فتح مكة. فلما كان الفتح وأظهر الله الإسلام على الدين كله، وأذل الكفر وأعز المسلمين - سقط فرض الهجرة. قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا هجرة بعد الفتح. وقال: مضت الهجرة لأهلها، أي الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم قبل فتح مكة لمواساة النبي صلى الله عليه وسلم وموازرته ونصرة دينه وضبط شريعته.
علمه رضي الله عنه:
عن حماد بن مسعدة عنه حدثنا محمد بن عمر حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن زياد ....قال كان ابن عباس وأبو هريرة وجابر ورافع بن خديج و
وسلمة بن الأكوع مع أشباه لهم يفتون بالمدينة ويحدثون من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا وعن عبادة بن الوليد أن الحسن بن محمد ابن الحنفية قال اذهب بنا إلى سلمة بن الأكوع فلنسأله فإنه من صالحي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم القدم فخرجنا نريده فلقيناه يقوده قائده وكان قد كف بصره رضي الله عنه و عنهم جميعا.
شجاعته :
يقول رضي الله عنه :" كنا راجعين إلى المدينة، فنزلنا منزلا ، بيننا وبين بني لحيان جبل، وهم المشركون. فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقى هذا الجبل الليلة ،كأنه طليعة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثا. ثم قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه وخرجت معه بفرس طلحة أنديه (أدربه و أحسنه) مع الظهر (مع الجمال ). فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه. قال فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيدالله ،وأخبر رسول الله أن المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثم قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز أقول: أنا ابن الأكوع * واليوم يوم الرضع... فألحق رجلا منهم. فأصك سهما في رحله.حتى خلص نصل السهم إلى كتفه. قال قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع قال: فوالله! ما زلت أرميهم وأعقر بهم فإذا رجع إلي فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم رميته فعقرت به، حتى إذا تضايق الجبل ،دخلوا في تضايقه، فعلوت الجبل فجعلت أرديهم بالحجارة. قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله إلا خلفته وراء ظهري. وخلوا بيني وبينه. ثم تبعتهم أرميهم. حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا. يستخفون ولا يطرحون شيئا إلا جعلت عليه آراما من الحجارة ،يعرفها رسول الله وأصحابه ،حتى إذا أتوا متضايقا من ثنية فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري فجلسوا يتضحون (يعني يتغدون). وجلست على رأس قرن (جبل ). قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا، من هذا البرح ( الداهية أو السريع) والله! ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، . قال: فصعد إلي منهم أربعة في الجبل. قال: فلما أمكنوني من الكلام قال قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا ومن أنت؟ قال قلت: أنا سلمة ابن الأكوع. والذي كرم وجه محمد ! لا أطلب رجلا منكم إلا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني قال أحدهم: أنا أظن. قال: فرجعوا. فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله يتخللون الشجر. قال: فإذا أولهم الأخرم الأسدي. على أثره أبو قتادة الأنصاري. وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي.
فوصل أبو قتادة الأنصاري
وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: ولوا مدبرين..؟ قلت: يا أخرم! احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله وأصحابه،قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليته. فالتقى هو وعبدالرحمن. قال: فعقر بعبدالرحمن فرسه وطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحول على فرسه ، ولحق أبو قتادة، فارس رسول الله بعبدالرحمن. فطعنه فقتله. فوالذي كرم وجه محمد ! اتبعتهم أعدو على رجلي. حتى ما أرى ورائي، من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم غبارهم شيئا. حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء. يقال له ذو قرد. ليشربوا منه وهم عطاش. قال: فنظروا إلي أعدو ورائهم. فحليتهم عنه (يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدون في ثنية. قال: فأعدوا فألحق رجلا منهم. فأصكه بسهم في نغض كتفه. قال قلت: خذها وأنا ابن الأكوع. واليوم يوم الرضع. قال: يا ثكلته أمه! . قال: وأردوا فرسين على ثنية. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله . قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن. وسطيحة فيها ماء. فتوضأت وشربت. ثم أتيت رسول الله وهو على الماء الذي حلأتهم منه. فإذا رسول الله قد أخذ تلك الإبل. وكل شيء استنقذته من المشركين. وكل رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم. وإذ هو يشوي لرسول الله من كبدها وسنامها. قال قلت: يا رسول الله! خلني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته. قال: فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه في ضوء النهار. فقال (يا سلمة! أتراك كنت فاعلا؟) قلت: نعم. والذي أكرمك! فقال (إنهم الآن ليقرون في أرض غطفان) قال: فجاء رجل من غطفان. فقال: نحر لهم جزورا. فلما كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلما أصبحنا قال رسول الله (كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجالتنا سلمة).
حدثنا عكرمة (وهو ابن عمار) حدثني إياس بن سلمة حدثني أبي قال:
قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله على جبا الركية (البئر ) فإما دعا وإما بصق فيها. قال: فجاشت فسقينا واستقينا. قال: ثم إن رسول الله دعانا للبيعة في أصل الشجرة، قال فبايعته أول الناس ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط من الناس قال :(بايع. يا سلمة!) قال قلت: قد بايعتك. يا رسول الله! في أول الناس قال (وأيضا) قال: ورآني رسول الله عزلا (يعني ليس معه سلاح). قال: فأعطاني رسول الله حجفة أو درقة(شبيهتان بالترس ) ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال (ألا تبايعني؟ يا سلمة!) قال: قلت: قد بايعتك. يا رسول الله! في أول الناس، وفي أوسط الناس قال (وأيضا) قال: فبايعته الثالثة ثم قال لي (يا سلمة! أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك؟) قال قلت: يا رسول الله! لقيني عمي عامر عزلا فأعطيته إياها قال: فضحك رسول الله وقال (إنك كالذي قال الأول: اللهم! أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي).
ثم إن المشركين راسلونا الصلح حتى مشى بعضنا في بعض واصطلحنا قال: وكنت تبيعا لطلحة بن عبيدالله. أسقي فرسه وأحسه(أحك ظهره من الغبار بالمحسة ) وأخدمه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها، فاضجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة.، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبغضتهم. فتحولت إلى شجرة أخرى، وعلقوا سلاحهم واضطجعوا فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم قال: فاخترطت سيفي. ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا (حزمة )في يدي قال: ثم قلت: والذي كرم وجه محمد! لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه، قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس مجفف(ثوب كالجل يلبسه الفرس ليتقي السلاح ) في سبعين من المشركين فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (دعوهم.... فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله: {هو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} [48 /الفتح /24] الآية كلها.
بعد غزوة ذات قرد كافأه رسول الله صلى الله عليه بأن أعطاه سهمين؛ سهم الراكب و سهم الراجل وأردفه خلفه على البعير.يقول : فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا (عدوا على الأرجل )، قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلما سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريما ولا تهاب شريفا؟ قال: لا إلا أن يكون رسول الله ، قال قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي! ذرني فلأسابق الرجل.، قال (إن شئت) قال قلت: اذهب إليك ،وثنيت رجلي فطفرت فعدوت، قال: فربطت عليه شرفا (مرتفعا)أو شرفين أستبقي نفسي. ثم عدوت في إثره، فربطت عليه شرفا أو شرفين، ثم إني رفعت حتى ألحقه، قال فأصكه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت. والله! قال: أنا أظن قال: فسبقته إلى المدينة.
و في يوم هوازن:
غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن.، فبينا نحن نتضحى (نتغدى )مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ثم انتزع طلقا (عقالا من جلد )من حقبه (حقو الجمل )فقيد به الجمل. ثم تقدم يتغدى مع القوم وجعل ينظر أي باستخفاف إلينا، وفينا ضعفة ورقة في الظهر ( ضعف و هزال ). وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد. (يعدو ) فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخ وقعد عليه فأثاره( ركبه )فاشتد به الجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء، قال سلمة: وخرجت أشتد، فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل. ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر(سقط )،ثم جئت بالجمل أقوده، عليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقال (من قتل الرجل؟) قال: ابن الأكوع. قال: (له سلبه أجمع).
وفاته :
حين قتل عثمان بن عفان أدرك سلمة بن الأكوع أن الفتنة قد بدأت ، فرفض المشاركة بها ، وغادر المدينة الى الربذة ، حيث عاش بقية حياته ، وفي يوم من العام أربع وسبعين من الهجرة سافر الى المدينة زائرا ، وقضى فيها يومان ، وفي اليوم الثالث مات ، فضمه ثراها الحبيب مع الشهداء والرفاق الصالحين . رضى الله عنهم اجمعين .
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات