الإفحام
عرف العرب بالفصاحة والإفحام في الأجوبة الـمُسِكتة والمستحسنة، وقد روي أن أبا الفضل بن المضاء أحد أمراء بني الأغلب كان يخضب شعره، فأراد أبو شراحيل شريح بن عبدالله بن غانم بن العاص أن يعبث به ويعرض بذكره، فقال له:
لعمرُك ما الخضابُ إذا تولّى شبابُ المرءِ إلا كالسرابِ
فأجابه أبو الفضل مرتجلاً:
فلا تعجلْ رويدَك عن قريبٍ كأنكَ بالمشيبِ وبالخضابِ
وروي أن أحد الملوك مرّ بغلام عربي يسوق حيواناً بعنف وشدّة، والحيوان بطيء الحركة قليل الهمّة، فقال الملك: يا غلام ارفق بهذا الحيوان. قال الغلام العربي: أيّها الملك في الرفق به مضرّة له. فقال له الملك: وكيف ذلك وإني لا أرى مضرّة غير الذي هو فيه الآن.
قال الغلام: ذلك أنه إذا أبطأ يطول طريقه ويشتدّ جوعه، ففي العنف به إحسانٌ إليه. فقال الملك: وما الإحسان إليه؟ قال الغلام: يخفّ حمله ويطول أكله.
فأعجب الملك بجوابه، وكافأه، فقال الغلام: هو رزق مقدور وواهب مأجور.
فقال الملك: قد أمرت بإثبات اسمك في بطانتي. قال الغلام: كفيت مؤونة ورزقت بها معونة، قال الملك: ولولا حداثة سنّك لاستوزرتك. قال الغلام: لن يُعدم الفضل من رزق العقل. فقال الملك: فهل تصلح لذلك يا غلام؟ قال الغلام: إنما يكون المدح والذمّ بعد التجربة، ولا يعرف الإنسان نفسه حتى يبلوَها.
أما المُفْحَم لغة فهو العَييُّ، والمفْحَم: الذي لا يقول الشعر.
وأفْحَمه الهمُّ أو غيره: منعه من قول الشعر.
وهاجاه فأَفْحَمه: صادفه مُفْحَماً.
وكلَّمه فَفَحَم: لم يُطق جواباً.
وكلمته حتى أفْحَمْته إذا أسكتَّه في خصومة أو غيرها.
وأَفْحَمْته أي وجدته مُفْحَماً لا يقول الشعر. يقال: هاجَيْناكم فما أفْحَمْناكم. وقال ابن بري: يقال هاجيته فأَفْحَمْته بمعنى أََسكتُّه، قال: ويجيء أفحمته بمعنى صادفته مُفحَماً، تقول: هَجَوته فأفحمته أي صادفته مفحماً، قال: ولا يجوز في هذا هاجيته لأن المهاجاة تكون من اثنين، وإذا صادفه مُفْحَماً لم يكن منه هجاء، فإذا قلت فما أفحمناكم بمعنى ما أسكتناكم جاز كقول عمرو بن معد يكرب: وهاجيناكم فما أفحمناكم أي فما أسكتناكم عن الجواب.
وفي حديث عائشة مع زينب بنت جحش: فلم ألبث أن أفْحَمْتها أي أسكتُّها.
وشاعر مُفْحَم: لا يجيب مُهاجِيه، وقول الأخطل:
وانزِعْ إلَيْكَ، فإنَّني لا جاهلٌ بَكِمٌ، ولا أنا، إنْ نَطَقْتُ، فَحُوم
قيل في تفسيره فَحُوم مُفْحَم، ويقال للذي لا يتكلم أصلاً فاحِم.
وفَحَم الصبيُّ، بالفتح، يَفْحَم، وفَحِمَ فَحْماً وفُحاماً وفُحوماً وفُحِمَ وأُفْحِمَ كل ذلك إذا بكى حتى ينقطع نفَسُه وصوته.
ابن الرومي:
فيه بشاشة وصّـــــالٍ ورونقُــــهُ وفيه إن راب ريبٌ حَدُّ صرّام
إذا ارتأى الرأي في خَطْبٍ أُتيحَ له فيه السدادُ بفكرٍ أو بإلهـام
فلم يَهِمْ بين إنكارٍ ومعرفـــــــــةٍ ولم يخمِ بين إحجام وإقـدام
خبِّرهُ بالداء واسألــــــــه بحيلته تُخْبَرْ وتَسْلَ أخافهمٍ وإفهام
كم اشترى بكــرى عينيـــــه من سهرٍ وباع في اللَّهِ لذَّاتٍ بآلام
آبوا بحظ بلا إثم وكـــــم صدروا عن آخريـــــن بحرمان وآثام
يُعْطى فينطق ذا الإفحام نائله ويُفحم الفحل شِعرا أيّ إفحام
إسماعيل ديب
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات