الأحاديث المنتقاة
في فضائل سيدنا رسول الله صلّى الله عليه و سلّم
للإمام الحافظ أبى الفضل عبد الله بن الصديق الغماري الحسني الإدريسي
المقدمة
الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد و لم يولد ، و لم يكن له كفوًا أحد ، أحمده تعالى وأثنى عليه وأشكره ، و أستهديه سبحانه و أستعينه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا هو ، المنفرد بالخلق و الإيجاد ، المنزه فى ذاته وصفاته وأفعاله عن الشركاء والأنداد ، و أشهد أن سيّدنا محمّدًا عبده ورسوله ، وصفيّه وخليله ، جعله نبيّاً وأدم منجدل في الطين ، وأخذ الميثاق به على جميع النبيين ، ثم بعثه مؤيّدًا بالمعجزات الباهرات ، وفضله بأنواع الخصائص والمكرمات ، فشرح صدره ، ورفع ذكره ، وأعلى قدره ، وأعظم أجره ، وختم به الرسل والأنبياء ، وكتب لشريعته الخلود والبقاء ، إلى يوم الجزاء ، صلّى الله وسلّم و بارك عليه ، و زاده شرفاً و كرامة لديه ، و أعطاه من صنوف الفضل ما لا يصل أحد إليه ، و رضي عن آله وأصحابه ، وكل من اندرج فى زمرة أتباعه وأحبابه .
أما بعد ، فهذه "أربعون حديثًا منتقاة في فضائل سيّدنا مولانا رسول الله" خدمت بها الجناب النبوي ، و أتحفت بها المحبين لمقامه العليّ ، و جعلتها وسيلة أنال بها شفاعته يوم يفر المرء من أخيه ، وأمّه وأبيه ومن الحميم والوفي ، تقبلها الله بقبول حسن ، وأذهب عنّا كلّ كرب و هم و حزن بفضله وجوده ، إنّه ذو الفضل العظيم ، وصاحب الجود الواسع العميم لا يردّ من سأله ، ولا يخيب من أمله لا سيما و قد استشفعنا إليه بأكرم خليقته و أفضل بريته ، سائلين منه - سبحانه - أن يحقق رجاءنا ، ويقبل دعاءنا ، و يمحو وزرنا ، ويجبر كسرنا ، إنه قريب مجيب.
الحافظ المحدث السيد عبد الله بن الصديق
و به نستعين
(1)عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال :
" قالوا يا رسول الله متى وجبت لك النبوة ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد ."
رواه الترمذي و قال : حديث حسن صحيح غريب .
(2)عن ميسرة الفجر قال :
"قلت يا رسول الله متى كنت نبيّاً ؟ قال: وأدم بين الروح والجسد"
رواه الإمام أحمد والبخاري في التاريخ ‘ و الطبرانى والحاكم وصحّحه ‘ وقال الحافظ : سنده قوي
قلت : ورواه أبو الحسين بن بشران و من طريقه ابن الجوزي في كتاب الوفا بفضائل المصطفى بلفظ (يلاحظ أن كلمة "قلت" أي قال الراوي المحدّث عبد الله بن الصديق الغماري) :
" قلت يا رسول الله متى كنت نبيّاً ؟ قال : لمّا خلق الله الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وخلق العرش كتب على ساق العرش محمّد رسول الله خاتم الأنبياء , وخلق الله الجنّة التي أسكنها آدم وحواء فكتب اسمي على الأبواب والأوراق والقباب والخيام وآدم بين الروح والجسد فلمّا أحياه الله تعالى نظر إلى العرش فرأى اسمي فأخبره الله أنّه سيّد ولدك فلمّا غرهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه."
وإسناد هذه الرواية قويّ أيضاً .
(3)عن علي عليه السلام أن النبي صلّى الله عليه وآله و سلّم قال :
" خرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبى و أمي ، لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء ."
رواه الحافظ محمد بن يحيى بن أبى عمر العدني في مسنده قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : أشهد على أبي يحدثني عن أبيه عن جده عن علي به . و هذا مسلسل بأهل البيت النبوي الشريف .
و رواه أيضاً الطبراني في المعجم الأوسط وأبو نعيم في دلائل النبوة وابن عساكر في التاريخ ، وورد نحوه من
حديث ابن عباس وعائشة .
(4)عن واثلة بن الأسقع قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول :
"إن الله اصطفي كنانة من ولد إسماعيل واصطفي قريشاً من كنانة واصطفي من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم "
رواه مسلم والترمذي وقال : حسن صحيح غريب .
(5)عن العرباض بن سارية أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال :
" إني عبد الله وخاتم النبيين و إن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسي ورؤيا أمي وكذلك أمهات الأنبياء يرين وإن أم رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – رأت حين وضعته نورًا أضاء له قصور الشام حتى رأتها "
رواه شيوخ الإسلام أحمد والبراز والبيهقي ، وصححه الحافظان ابن حبان والحاكم أقر تصحيحهما الحافظ ابن حجر .
(6)أمر الحافظ بحذفه في كتابه سبيل التوفيق ص 95 لأنه موضوع حيث اعتمد على الخصائص الكبرى الذي قال الحافظ السيوطي بأنّه صانه من الموضوع ثم وجده بعد نشر الفضائل بالموضوعات للسيوطي نفسه فتأسف!
(7) عن عائشة - رضي الله عنها – قالت :
" قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لي جبريل : قلّبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمّد ولم أجد بني أب أفضل من بني هاشم "
رواه الطبراني والبيهقي وغيرهما ، وقال الحافظ ابن حجر : لوائح الصحة ظاهرة على صفحات المتن .
(8) عن جبير بن مطعم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول :
" إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي ، الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر ، الذي يحشر الناس علي قدمي ، وأنا العاقب - و العاقب الذي ليس بعده نبي - "
رواه البخاري ومسلم .
(9) عن جابر بن سمرة – رضي الله عنه – قال :
" قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلّم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن "
رواه مسلم في صحيحه وغيره
وللترمذي عن عليّ عليه السلام قال :
" كنت مع النبي صلّى الله عليه وآله و سلّم بمكة ، فخرجنا في بعض نواحيها ، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول : السلام عليك يا رسول الله "
قلت قصة تسليم الحجر والشجر عليه واردة من طرق .
(10) عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال :
" انشق القمر علي عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه ، فقال رسول الله عليه وآله وسلم :" اشهدوا ""
رواه البخاري و مسلم ، ولهذه القصة طرق عن ابن مسعود وأنس وابن عباس عند البخاري و مسلم وعن ابن عمر عند مسلم في صحيحه ، وعن جبير بن مطعم عند أبي نعيم و البيهقي و غيرهما .
(11) عن أنس :
"أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أتي بالبراق ليلة أسري به ملجماً مسرجاً فاستصعب عليه فقال جبريل عليه السلام : أبمحمد تفعل هذا ! فما ركبك أحد أكرم علي الله منه ، قال : فارفض عرقاً. "
رواه أحمد والترمذي والبيهقي وغيرهم وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان.
(12) عن أنس أيضاً قال :
" إن نبي الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه كانوا بالزوراء فدعا بقدح فيه ماء فوضع كفه فيه فجعل الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ أصحابه قال قتادة : كم كانوا يا أبا حمزة ؟ قال : كانوا زهاء الثلاثمائة "
روا
ه البخاري ومسلم . قلت قصة نبع الماء من أصابعه الشريفة تكررت عدة مرات ووردت في أحاديث كثيرة .
(13) عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال :
" جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : بم أعرف أنك نبي ؟ قال : أرأيت لو دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله ؟ قال نعم فدعا العذق فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض فجعل ينقز حتى انتهى إليه فقام بين يديه فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : ارجع إلي مكانك فرجع إلي مكانه فأسلم الأعرابي " .
رواه أحمد والبخاري في التاريخ والترمذي والحاكم وصححاه وغيرهم
قلت : قصة إجابة الشجر وسجوده وسلامه تعددت ووردت في غير حديث .
(14) عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال :
" كان جذع يقوم إليه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع أصوات العشار حتى نزل النبي صلّى الله عليه و سلّم فوضع يده عليه فسكت ."
رواه البخاري في صحيحه ، وله طرق عن جابر و بريدة وعائشة وابن عمر وأنس وأبي بن كعب و أبي سعيد الخدري وابن عباس وأم سلمه وسهل بن سعد وغيرهم .
وروى أبو حاتم الرازي الإمام العلم عن شيخه عمرو بن سواد قال : قال لي الشافعي: ما أعطى الله تعالي نبيا ما أعطي محمّدًا أعطي عيسى إحياء الموتى فقال : أعطى محمّدًا حنين الجذع فهي أكبر من ذاك .
(15) عن حنظلة بن حذيم :
" أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مسح رأسه بيده وقال له بورك فيك " قال الذيال – هو حفيد حنظلة وراوي الحديث عنه – فرأيت حنظله يؤتي بالشاة الوارم ضرعها و البعير والإنسان به الورم فيتفل في يده و يمسح بصلعته ويقول بسم الله على أثر يد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيمسحه ، ثم يمسح موضع الورم فيذهب الورم ."
رواه الإمام أحمد البخاري في التاريخ ، و البيهقي وغيرهم ، وإسناد الحديث لا بأس به .
(16) عن سمرة بن جندب قال :
" كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نتداول في قصعة من غدوة حتى الليل يقوم عشرة ويقعد عشرة ، فمما كانت تمد قال من أي شي تعجب ؟ ما كانت تمد إلا من هنا و أشار بيده إلي السماء "
رواه الترمذي والحاكم و البيهقي و صحّحوه ، و قصة تكثير الطعام وردت في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما .
(17) عن أنس بن مالك :
" أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أتاه جبريل صلّى الله عليه وسلّم وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال : هذا حظّ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه ، و جاء الغلمان يسعون إلي أمه – يعني ظئره – فقالوا : إن محمّدًا قد قتل ، فاستقبلوه و هو منتقع اللون ، قال أنس :وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره "
رواه مسلم في صحيحه .
(18) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال :
"فضلت علي الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ، و نصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا ، وأرسلت إلي الخلق كافة ، وختم بي النبيين "
رواه مسلم في صحيحه .
(19) عن أبي هريرة – رضي الله عنه –قال :
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
" نصرت بالرعب ، وأعطيت جوامع الكلم ، و بينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي"
" قال أبو هريرة فذهب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنتم تنتثلونها."
رواه البخاري و مسلم .
(20) عن أبي هريرة أيضاً قال :
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
" أنا أبو القاسم ، الله يعطي و أنا أقسم "
رواه الحاكم وصححه ، وسلمه الذهبي و في صحيح مسلم عن جابر قال :
" قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، تسموا باسمي و لا تكنوا بكنيتي ، فإنّي أنا أبو القاسم ، أقسم بينكم ."
و في صحيح مسلم أيضاً عن جابر قال : ولد لرجل منا غلام فسماه محمّدًا فقلنا : لا نكنيك برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى تستأمره قال فأتاه فأخبره
فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم :
" سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإنما بعثت قاسماً أقسم بينكم"
فهذه الروايات الصحيحة تبين أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم يقسم بين أمّته ما يرزقهم الله من معارف و علوم وأموال وغيرها وليس قسمه عليه الصلاة والسلام خاصاً بمالي الفيء و الغنائم بل هو عام كما ذكرنا و الله أعلم .