أوراق من التراث... زفر بن الحارث يجير خالد بن عتاب



استعمل الحجاج خالد بن عتاب على الري، وكانت أمه أم ولد، فكتب إليه الحجاج يسب أمه ويقول: أنت الذي هربت عن أبيك حتى قتل – وقد كان حلف ألا يسب أحد أمه إلا أجابه كائنا من كان.

فكتب إليه خالد: كتبت إلي تشتم أمي، وتزعم أني فررت عن أبي حتى قتل، ولعمري لقد فررت عنه، ولكن بعد أن قتل، وحين لم أجد لي مقاتلاً.‏

ولكن أخبرني عنك يا لئيم حين فررت أنت وأبوك يوم الحرة(1) على جمل ثقال(2)، أيكما كان أمام صاحبه.‏

فقرأ الحجاج الكتاب وقال: صدق!‏

أنا الذي فررت يوم الحره‏

ثم ثنيت كرة بفره‏

والشيخ لا يفر إلا مره‏

ثم طلبه ففر إلى الشام، وسلم بيت المال، ولم يأخذ منه شيئاً.‏

وكتب الحجاج إلى عبدالملك بما كان منه. وقدم خالد الشام، فسأل عن خاصة عبدالملك فقيل له: روح بن زنباع: فأتاه حين طلعت الشمس، فقال: إني جئتك مستجيراً. فقال: إنني أجرتك إلا أن تكون خالداً. قال: فإني خالد. فتغير، وقال: أنشدك الله إلا خرجت عني، فإني لا آمن عبدالملك! فقال: انظرني(3) حتى تغرب الشمس. فجعل روح يراعيها حتى خرج خالد!‏

فأتى زفر بن الحارث الكلابي(4) فقال: إني جئتك مستجيراً. قال: قد أجرتك. قال: أنا خالد بن عتاب. قال: وإن كنت خالداً.‏

فلما أصبح دعا ابنين له، فتهادى بينهما – وقد أسن – فدخل على عبدالملك وقد أذن للناس، فلما رآه دعا له بكرسي، فجعل عند فراشه. فجلس، ثم قال: يا أمير المؤمنين؛ إني قد أجرت عليك رجلاً فأجره. قال: قد أجرته إلا أن يكون خالداً. قال فهو خالد. قال: لا ولا كرامة!‏

فقال زفر لابنيه: أنهضاني. فلما ولى قال: يا عبدالملك، أما والله لو كنت تعلم أن يدي تطيق حمل القناة لأجرت من أجرت! فضحك، وقال: قد أجرناه.‏

وأرسل إلى خالد بألفي درهم(5)‏

الهوامش:‏

(1) كانت وقعة الحرة أيام يزيد. وهي موضع بظاهر المدينة، وقعت في ذي الحجة من سنة 63 هـ.‏

(2) الثقال: البطيء من الإبل.‏

(3) انظرني: أمهلني.‏

(4) زفر بن الحارث الكلابي": (ت 75 هـ / 695م) أبو هذيل. أمير من التابعين من أهل الجزيرة. كان كبير قيس في زمانه. شهد صفين مع معاوية. وشهد وقعة مرج راهط مع الضحاك بن قيس الفهري. خزانة الأدب 1/393، والعيني: 2/383.‏

(5) الأغاني: 16/40‏