مواقف إسلامية
بطولات وأخلاقيات لا نظير لها
أسلم يزيد بن أبي سفيان في فتح مكة وهو شقيق معاوية من أبيه، وشقيق أم المؤمنين “أم حبيبة” زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد معه غزوة حنين وأعطاه من غنائمها مائة من الإبل وأربعين أوقية من الفضة، وفي خلافة أبي بكر الصديق عقد له مع أمراء الجيوش التي بعثها لفتح الشام ولعب دورا مهما في المسيرة الطويلة للفتوحات الإسلامية.ومعروف أن خالد بن سعيد بن العاص كان أول قائد عقد له أبو بكر الصديق لواء فتح الشام، وأمره أن يعسكر بجيشه في شمالي الحجاز، وألا يقاتل إلا إذا قوتل، بمعنى أن يكون جيش خالد بن سعيد عونا ومددا عند الضرورة، وأن تكون عينه على تحركات الروم، لا أن يكون طليعة لفتح بلاد الشام، لكن خالد اشتبك مع الروم الذين استنفروا بعض القبائل العربية لقتال المسلمين، فهزم بصورة مروعة واستشهد ابنه في المعركة، ورجع بمن بقي معه ينتظر قرار الخليفة.
عندما وصلت أنباء الهزيمة إلى المدينة فزع الصديق، وجهز أربعة جيوش إلى الشام بعد أن استشار أهل الرأي والخبرة من الصحابة، واختار لها أكفأ قادته وأكثرهم معرفة بأمور الحرب وخبرة بميادين القتال، وحدد لكل جيش وِجهته ومهمته التي سيقوم بها. كان الجيش الأول تحت قيادة يزيد بن أبي سفيان، ووجهته البلقاء بالأردن، وكان الجيش الثاني بقيادة شرحبيل بن حسنة، ووجهته منطقة بصرى. وجعل أبو بكر الصديق قيادة الجيش الثالث لأبي عبيدة بن الجراح، ووجهته منطقة الجابية، وجعل له القيادة العامة عند اجتماع الجيوش الأربعة. أما الجيش الرابع فكان بقيادة عمرو بن العاص، ووجهته فلسطين.
وصية جامعة
يقول الباحث أحمد تمام في دراسته القيمة “يزيد بن أبي سفيان.. ملامح وبطولات” كان يزيد أول أمراء الشام خروجا، فغادر المدينة وخرج أبو بكر يمشي معه، ويزيد راكب في جنده، فقال له: يا خليفة رسول الله إما أن تركب، وإما أن تأذن لي فأمشي معك، فإني أكره أن أركب وأنت تمشي، فقال أبو بكر: “ما أنا براكب وما أنت بنازل، إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله”، ثم أوصاه بوصية جامعة، تبين سلوك الفاتحين المسلمين وأخلاقهم في التعامل مع أهالي البلاد التي سيفتحونها، جاء فيها: “يا يزيد إني أوصيك بتقوى الله وطاعته، والإيثار له والخوف منه، وإذا لقيت العدو فأظفرَكم الله بهم، فلا تغلُل ولا تمثل ولا تغدر ولا تجبن ولا تقتلوا وليدا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تحرقوا نخلا ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تعقروا بهيمة إلا لمأكلة وستمرون بقوم في الصوامع يزعمون أنهم حبسوا أنفسهم لله، فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له”.
فى هذه الأجواء سار يزيد بجيشه من “ذي مرة”، وهي من أعراض المدينة، في ثلاثة آلاف جندي، ثم أمده أبو بكر الصديق حتى بلغ جيشه سبعة آلاف وخمسمائة، واتجه بهم حتى وصل إلى البلقاء، كما أمره الصديق. ثم اشترك يزيد في فتح دمشق وكان على كراديس “كتائب” الميسرة في معركة اليرموك التي قادها خالد بن الوليد، واستحدث نظاما جديدا، في الجيوش الإسلامية بأن جعلها كراديس ويضم كل كردوس نحو ألف رجل، وعلى رأسه قائد منهم ممن عرفوا بالشجاعة، وقد جمع خالد هذه الكراديس بعضها إلى بعض، وجعل منها قلبا وميمنة وميسرة، فكان أبو عبيدة بن الجراح على كراديس القلب، وعمرو بن العاص على الميمنة، ويزيد على الميسرة، وبعد أن تحقق النصر في اليرموك، وأصبح المسلمون سادة الشام قام أبو عبيدة بن الجراح بتوزيع الشام على قادته، وكان يتولى السلطة العامة على جيوش المسلمين، فاستخلف يزيد بن أبي سفيان على دمشق. ومنها خرج يزيد غربا إلى ساحل الشام، ففتح صيدا وعِرْقَة وجبيل وبيروت.
طاعون عمواس
بالرغم من الصراعات الشديدة التى حدثت في عهد يزيد، فإن الفتوحات الإسلامية لم تتوقف، واستمرت كما ذكرت “موسوعة الأسرة المسلمة” في العديد من الجهات، فهناك في الشرق واصلت الجيوش الإسلامية فتوحاتها في خراسان وسجستان تحت قيادة مسلم بن زياد، فغزا سمرقند وحُجَنْدة، أما في الغرب فقد أعاد يزيد بن معاوية، عقبة بن نافع واليا على إفريقيا، وكان معاوية قد عزله عنها، فواصل عقبة بن نافع فتوحاته حتى وصل إلى المحيط الأطلنطي فوقف عليه وقال مقالته التي حفظها له التاريخ: “يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدا في سبيلك. ثم عاد راجعا إلى القيروان”.
في العام الثامن عشر من الهجرة انتشر في الشام وباء مهلك عُرف بطاعون عمواس أفنى نحو خمسة وعشرين ألفا من المسلمين، وقد بدأ الوباء من عمواس، ثم عم الشام كلها، ومات في هذا الطاعون أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أمير أمراء فتح الشام، وله من العمر ثمانية وخمسون عاما ومعاذ بن جبل والفضل بن العباس بن عبدالمطلب، وشرحبيل بن حسنة، وسهيل بن عمرو رضي الله عنهم. ولما أتى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه خبر وفاة أبي عبيدة رضي الله عنه كتب إلى يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه بولاية الشام مكانه، لكن يزيد رضي الله عنه مرض وهو يحاصر قيسارية، فانصرف إلى دمشق حيث توفي بها.
:extra156: