فقد يكون يخاطب الروح فتأخذ ذلك للحسّ فتزلَّ قدمك (1)
قال الإمام أبو العزائم – رضي الله عنه -:
ما بين نفسي وروحي بل وباصرتي
كالثلـج والنـار قــد جمـعـا برحمـتـه
فهناك حرب شديدة بين الحسِّ، والنفس، وعين الروح. فالروح تشهد النور، والنفس من نار تشهد الأنانية والاستكبار، والحسُّ محجوب يشهد الآثار مع القيود، ويقيِّدها بالحدود.
فالروح تقول: الله قريبٌ، ظاهرٌ، مشهودٌ، متجلٍّ.
والنفس تقول: أنا، وحولي، ومالي!.
والحسُّ يقول: الدنيا، والأسباب، والمناصب!.
قال ابن الفارض (2) – رضي الله عنه وأرضاه - :
ما بين معترَك الأحداق والمُهَجِ
أنـا القتيـل بـلا إثــم ولا iiحــرجِ
فبين عين الرأس والروح صراع، فاحذر أن تعطي مشهد الروح للحسّ. قال الله تعالى: { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ } (3) .
ومتى فهمت هذا الموضوع سهل عليك فهم معاني كلام الرجال... .
ومتى شاءت العناية أن تسعدك بشهود وجه الجميل؛ أفاض عليك نوراً تشهد الحق بلا مثيل؛ فكنت تشهده بمدده ونوره... (4) .
ومتى قوي داعي الغرام، وزاد الشوق إلى الحبيب، أشرق عليك نور من حضرة الذات، فمحاك عن شهود الأسماء والصفات، لأن أنوار مجلى الذات تستر العبد المشاهد عن الأسماء والصفات... (5) .
============== الحاشية =========================
(1) : كما زلَّت أقدام كثير من أشباه العلماء، وطلبة العلم المبتدئين الذين لم يتعلموا في مدارس التربية ، مدارس أهل الله العارفين، فترى أحدهم ما إن يتقن قراءة كتاب أو يسمع "شريط كاسيت" لأحد خطباء الفتنة، إلا ويظن نفسه سيبويه زمانه، أو شافعي عصرنه وأوانه، لبَّس عليه شيطانه أنه محقق الوقت، كيف لا و: "هم رجال ونحن رجال!!"، وما درى ذلك المسكين أن في تلك المقولة سماً قاتلاً حيث تعدى قدره، وما علم هو وأمثاله أن أول علامات الرجولة أن يعرف المرء قدر نفسه، فلا يتطاول على أسياده وخاصة أهل الله ، والعلماء الصالحين العاملين من سلف هذه الأمة وأئمتها وخلفها السائرين على قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه هي أولى علامات الرجولة. ثم نقول لهؤلاء: أية رجولة تشبهون أنفسكم بسادة الأمة - ولا شبه –ثم ... هل عملتم كعملهم، هل قرأتم كتاب ربكم بتدبر كما قرأوا وتدبّروا، هل أخلصتم كإخلاصهم، هل تفقهتم كتفقُّهم، هل تورعتم عن الحرام وشبه الحرام كما تورَّعوا، وتركوا ما به بأس مخافة مما به بأس!، هل وهل وهل؟؟ فأين الشبه؟ خبروني بربكم. يا حسرة على العباد!، اللهم إنا نعوذ بك من مضلاَّت الفتن يا رب العالمين، وارزقنا الأدب معك، ومع رسولك صلى الله عليه وآله وسلم، ومع أوليائك الصالحين من سلف هذه الأمة وخلفها يا أرحم الراحمين ، بحق مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن قال آمين .
(2) : المعترك: اسم موضع العراك وهو القتال. انظر: ديوان ابن الفارض - 331 ، بتحقيق د. عبد الخالق محمود.
(3) : سورة الرحمن - الآيتان 19-20.
(4) : و {كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا }
(5) : وتلك هي الحالة التي يعبر عنها بالفناء؛ وتكون بغياب كل ما هو سواه سبحانه وتعالى، وسوى رسوله صلى الله عليه وسلم، وربما يرتقي هذا الفناء فلا يرى الفاني إلا الله وحده سبحانه وتعالى، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم مظهر التجليات الأعظم، فهو صلى الله عليه وآله وسلم حجاب الله الأعظم كما قال سيدي عبد السلام ابن مشيش في صلاته المباركة المشهورة بالصلاة المشيشية حيث قال:" واجعل اللهم الحجاب الأعظم حياة روحي وروحه سر حقيقتي وحقيقته جامع عوالمي" فالحجاب الأعظم هنا هو سيد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم. " اهـ
(يتبع إن شاء الله تعالى.... )