"الحداء" نواة الشعر الأولى وأصل الغناء
لمياء سليمان
الثلاثاء 10 آب 2010
قيل عنه بأنه أصل الشعر، لأن العربي شريك الإبل في البوادي شعر بحاجته إلى إيجاد كلام موزون ومقفى يشجي النفس حين يغنى، ويستحث الإبل على توسيع الخطو وهنا جاء "الحداء" فناً فرضته الحاجة فكان سابقاً للشعر والغناء وربما كان أصلاً لهما كما يرى بعض مؤرخي الأدب.
عرفه الباحث "عبد القادر عياش" بالقول: «الحداء نوع من أنواع غناء العمل المعروف في البادية، مصدره "حدا يحدو حدواً، حدا الجمال، أو حدا بها ساقها بالحداء، حداه على الأمر: بعثه عليه، دفعه إليه.
الحداء: غناء سائق الجمال وهو حاديها يستحثها على السير عندما يكون طويلاً موحشاً لا يرى فيه غير الرمال كوتها الشمس في النهار".
وهو غير حداء العرب الأوائل فذلك من بحر "الرجز" وهذا من بحر "البسيط" وينظم على شكل مقطوعات تتألف المقطوعة في الغالب من أربعة أشطر ثلاثة منها من قافية واحدة والشطر الرابع بقافية أخرى.
ولا ينشد بمصاحبة الربابة بخلاف أنواع الغناء الأخرى والقصيد، وتشارك العشائر السورية كلها في الحداء وهي تنقل عن بعضها بعضا، ففي "دير الزور" يحدون حداء "الموالي" وحداء "البدو"، ولمقطوعات الحداء رابط أو لازمة هو البيت الأول غالباً ومنه:
هذا عــيـدٍ للــبنــات / حـنا الحرايـب عـيدنا
لطعن وأدمي حربتي/ لعـيـون
السيد مفرح هادي الخلاوي
من يريــدنــا
كما أن أيام الحروب في عرفهم أيام حبيبة كأيام الأعياد تجلب السرور والفرح لهم:
ياحربنا حربٍ شديد / عند الحلايل والظـعـن
لطعن وادمي شلفتـي / لعـيون بيــضٍ دلـعـن
ياجاعدة بصدر النضد/ يامسعدة جرنج طويل
قومي لحيلج وانظري/ شوفي الهويش من الذليل
يا شيخـنا حـنا العـبـيد/ وحـنا بسامـير الحـديــــد
ماعندنا غـير الـفـشك/ والماطـلي ترعـد رعــيد
وهذا مطلع مقطوعة حداء "عقيلي" تتألف من عشرين بيتاً ذا نغم خاص، كان "جاسم الصفيف" من أبناء "دير الزور" يحدو به أحياناً مطلعه:
بكرتـي عفـرا ونجـيـة / توصل العدوان وتاتي
طالعت زول الركوبـة/ والبـيوت مســوبعاتــي
جم غديرٍ خضخضنه/ مجبـــلاتي ومجفـيــاتي
وجـم وليـدٍ شلكحـنـه / واحتـرم شـم الحيـاتــي
طالعن زول الركوبة / والـدلال مبـهــــراتــي
طالعن زول الركوبة / والسيوف مذهـباتــــي».
وعن الأنواع الأساسية للحداء المنتشر في منطقة بادية الفرات حدثنا السيد "مفرح هادي الخلاوي" من قبيلة
"العنزة، فخذ الفدعان": «للحداء نوعان رئيسيان الأول يقال على ظهور الخيل والثاني على ظهور الإبل، وهناك نوع ثالث هو حداء الغنم وهذا النوع من الحداء يقال عند قصاص صوف الغنم، أما حداء الإبل فيستخدم في السفر الطويل للتجارة أو البحث عن المرعى، وحداء الخيل يقال في أثناء السير للغزو أو العودة المظفرة منه، وهذا النوع من الحداء انتشر في "دير الزور" في الريف والمدينة والبادية لميله للحماسة وقيم الفخر بالعشيرة، وعموماً يمكن أن يقال حداء الخيل للإبل والعكس ممكن إلا أن حداء الغنم لا يصلح أبداً لهما وهناك بيت من القصيد يردده آباؤنا يعطي صاحب الخيل أو الإبل مرتبة أعلى من مرتبة الراعي:
ما ظنتي راعي الغنم صار خيال/ وما ظنتي شقـر الذوايب يبنه».
وعن ألوان الحداء حدثتنا السيدة "جوزة الصميد" من سكان البادية بقولها: «رغم أن "الحدي" هو من اختصاص الرجال إلا أن هذا لا يمنع من تعرف النساء عليه وعلى أنواعه ومن أنواع الحداء "هجيني"، "سامري"، "الركباني"، "حندة"، "محاورة" وهذا النوع يكون بين اثنين ويأتي بصورة عفوية وهناك أيضاً "التحورب" و"الطواح" وهذا الأخير منتشر في الريف بصورة خاصة، والحداء لا يختلف في المضمون والأداء وإن كان يختلف في معاني الكلـمات والألحان ومخارج الحروف بين عشيرة وأخرى، وعموماً كل ما يحتاجه الحادي هو الصوت العذب والحنجرة القوية».
عبد القادر عياش، الحماسة في حياتنا وتراثنا، ص15 ،عام1970.