بين التعصب والتسامح
بين التعصب والتسامح
من المصطلحات التي يتساهل الناس في استعمالها هذه الأيام التعصب والتسامح، فإذا أرادوا مدح رجل والثناء عليه قالوا إنه متسامح، وإذا أرادوا ذمه قالوا إنه متعصب من غير روية أو تثبت.
غير أنه ينبغي التمييز بين التعصب كظاهرة اجتماعية سلبية، لها آثارها السيئة على الأفراد والمجتمعات، وبين الولاء وشرعية التمسك بالحق. فلا شك أن لكل فرد حقوقاً أساسية، لا تستقيم حياته ولا تكتمل شخصيته من دونها، فمن واجبه الدفاع عنها والتمسك والمطالبة بها، حتى قيل : مَنْ سَكَتَ عَنْ الْحَقّ فَهُوَ شَيْطَان أَخْرَس (شرح النووي:1/128)، فمن حق الفرد أن يدافع عن حياته وعرضه وماله وأهله بكل ما يملك من وسائل إذا ما استهدف فيها، يقول عليه السلام : مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ أَوْ دُونَ دَمِهِ أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ (أبو داود: 12/ 388)، فتعصب الإنسان لحقوقه ولأصالته وهويته ووطنه أمر طبيعي والدفاع عنها واجب عليه وتساهله وتسامحه فيها نقيصة يذم عليها ويلام من أجلها.
وأما إذا كان الأمر يتعلق بحق غير أساسي فالتسامح فيه من الفضائل ومكارم الأخلاق كأن تعفو عمن ظلمك أو تسقط دين المدين. وكذا حقوق المجتمع فإنها مقدسة لا يجوز التفريط فيها، بل قد يعاتب المفرط فيها، ويعد التساهل فيها ضرباً من الاستكانة والخيانة تستوجب العقوبة، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أَمِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ قَالَ لا وَلَكِنْ مِنْ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُعِينَ الرَّجُلُ قَوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ (ابن ماجة:11/ 440).
فتعصب الفرد لحقوقه الأساسية ولحقوق مجتمعه تعصب إيجابي محمود، بل هو من الأخلاق الكريمة، يحفظ الكرامة ويصون الحرمات ويعطي القوة والمناعة للمجتمعات، والتسامح في كل ذلك منقصة وإخلال بالنظام يفضي إلى فوضى وامتهان، وهدر كيان المجتمع، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما طلب منه عمه أبو طالب التساهل مع المشركين والتخلي عن بعض ما يدعو إليه قال له:” يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته “(السيرة النبوي لابن كثير : 1/74).
أما التعصب السلبي المرفوض شرعاً وعقلاً فهو الرفض المطلق للآخر المخالف في الدين والحضارة، واضطهاده، وسوء معاملته، وسفك دمائه، فهذا ما وقف الإسلام أمامه منذ بدايته، يقول تعالى:” لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الممتحنة : 8)، يقول صلى الله عليه وسلم: مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ (مسلم: 9/ 392)، وقال أيضا: لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ (أبو داود : 13/ 325).
د. سالم بن نصيرة
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات