مرقد عبدالقادر الجيلاني شيخ الصوفية
بغداد - زيدان الربيعي:
يشهد مرقد الولي الصالح الشيخ عبد القادر الجيلاني
الذي يقع وسط مدينة بغداد وبالتحديد في منطقة باب الشيخ التي اخذت اسمها من اسم الشيخ الجيلاني في ليالي شهر رمضان المبارك توافد آلاف الزائرين الذين يقيمون فيه صلاة التراويح، وتمتلئ الحضرة القادرية وتقطع الشوارع المؤدية اليها في ليلة القدر المباركة بسبب كثرة المصلين.
وقبل دخول قوات الاحتلال الامريكي للعراق بسنوات كانت وزارة الاوقاف والشؤون الدينية التابعة للنظام السابق قد قامت بحملة توسيع واعمار كبرى لمرقد الشيخ الجيلاني، ولكن هذه الحملة توقفت بعد دخول قوات الاحتلال وترك الاعمار من دون ان يكتمل.
احمد الجيلاني مدير أوقاف الحضرة القادرية وأحد احفاد عبد القادر الجيلاني يقول: ان عبد القادر الجيلاني يلقب بالسيد السند والقطب الاوحد، شيخ الاسلام، زعيم العلماء وسلطان الاولياء، قطب بغداد والباز الاشهب، وهو أبو صالح محيي الدين عبد القادر الجيلاني الحسني أباً والحسيني اماً والحنبلي مذهباً. وأما نسبه من جهة ابيه هو عبد القادر بن موسى بن عبدالله بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبدالله بن موسى الجون بن عبدالله المحض بن حسن المثنى بن الحسن بن علي بن ابي طالب
أجمعين.
ولد الجيلاني سنة (470 ه 1077م) في بنيق قصبة من بلاد جيلان وهي بلاد متفرقة وراء طبرستان.
وأما علمه فقد اجتهد الشيخ في طلب العلم وزار الكثير من البلاد الاسلامية لهذا الغرض وتوسع علمه واكمل دراسته على أيدي اساتذة المذهب الحنبلي واصبح من علمائهم الواجب طاعته وقرأ الادب وابدع في النهل منه كما انه سمع الحديث على ايدي كبار علماء عصره. ودخل بغداد سنة 488 ه وعمره ثماني عشرة سنة ودرس الادب واصول الدين والحديث حتى اشتهر بعلمه واخلاقه. اما صفته كان نحيفاً ربع القامة عريض الصدر ذا لحية طويلة اسمر مقرون الحاجبين ذا صوت جهوري. وذكر علماء عصره عن الشيخ بأنه فقيه الحنابلة والشافعية في بغداد وشيخهم. وله آراء في الفقه والحكم بشريعة الاسلام، حتى أصبح مديراً لمدرسة الحنابلة في بغداد وله مؤلفات عديدة تدرس في كليات وعلوم الشريعة، منها الغنية لطالبي طريق الحق والمواهب الرحمانية والفتوحات الربانية، إضافة الى كتبه في تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد وصل الشيخ عبد القادر الى مرحلة عالية في اتباع مبادئ وتعليم الفقه والتصوف الى ان اصبح شيخ المتصوفين في بغداد وله جماعات كبيرة من المريدين وحلقات درس في جوامع بغداد وخاصة المدرسة الحنبلية التي تحولت فيما بعد الى جامع ومرقد الشيخ عبد القادر الجيلاني في الوقت الحاضر.
الطريقة القادرية:
قال احمد الجيلاني إن الشيخ أسس الطريقة القادرية في التصوف حيث اشتهرت في كل بقاع العالم وتدرس في جوامع عدة من العالم وقد اعتمدت هذه الطريقة على عشر توصيات لمريدي التصوف في العالم، وهذه الوصاية هي من حكم الدين الاسلامي واجتهاد الشيخ. وتعد الطريقة القادرية اوسع الطرق الصوفية انتشاراً في دول العالم الاسلامي حتى تفرعت عنها فروع كثيرة تحت تسميات مختلفة لكن الاصل والجوهر واحد. وبعد وفاة الشيخ عن عمر يناهز الواحد وتسعين عاما دفن في مدرسته في بغداد. وقام مريدوه ببناء القبر الذي كان يقع في المدرسة داخل أحد بساتين بغداد، الى ان جاء السلطان سليمان القانوني وأمر ببناء المصلى وعليها قبة يندهش الناظر من عظمتها وارتفاعها وبديع صنعها، وقد بناها المهندس سنان باشا. ثم بعد ذلك جرت اعمال التطوير على ايدي السلاطنة والمريدين من اتباع الشيخ الى ان وصلت الى ما هو عليه في هذا الوقت.
وللأسف فقد توقف الاعمار في هذا الصرح الكبير بعد احتلال بغداد على ايدي الامريكان، حيث توقف التعمير بشكل كلي بعد ان بدأ قبل عشر سنوات باعمار متميز شمل انشاء المدرسة القادرية وتطوير الصحن الخارجي للروضة القادرية.
وأشار الى أن الوقف القادري هو الذي يصرف الرواتب على موظفي الروضة القادرية وتوفير الطعام يومياً لمئات الزائرين، وفي المناسبات يتجاوز اعداد الزائرين الآلاف من جميع انحاء العراق والعالم الاسلامي، ولدينا خصوصية في ليالي شهر رمضان الكريم حيث يكون موسم الزيارة هذه الايام هو الاكثر من جميع ايام السنة ويكون الافطار على حساب الروضة يومياً. وهناك يقوم المداحون باحياء ليالي شهر رمضان الكريم، اضافة الى دروس الوعظ والارشاد في هذه الليالي التي يقيمها اساتذة المدرسة القادرية حتى الصباح في ذكر الله ورسوله والاولياء الصالحين.
المرقـــد:
الشيخ فضل الله فاضل خادم مرقد الجيلاني، يقول: القفص الذي يحيط بمرقد الشيخ كان من الخشب (الصاج) وخالياً من الزينة يغطى بستار من الحرير المطرز بخيوط من الفضة والذهب، ولكونه من الخشب فانه يتعرض للتآكل بمرور الزمن وكثرة لمسه من الزائرين، وقد رفع هذا القفص سنة 1404ه، لكي يحل محلة قفص صغير مربع مطلي بالذهب وبكرات صنعت من الالمنيوم وقد قدم هذا القفص من قبل احد افراد عائلة كزنزان الكردية واهديت معظم اجزاء القفص الى مرقد جنيد البغدادي، وبقي هذا القفص فوق الضريح لثلاث سنوات وقد رفع في سنة 1987م وجعل بدله قفص من الفضة صنع في باكستان. وأما القفص المذهب الذي رفع فقد ارسل الى مدينة عقر ليضع على مرقد الشيخ عبدالعزيز ابن الشيخ عبد القادر.
وأضاف: يقوم بزيارة المرقد ملايين الزائرين سنوياً من شتى بقاع العالم للزيارة والتبرك بمرقد الشيخ عبد القادر. وقد رأيت عشرات الحالات التي تثبت بركة الشيخ بإذن الله في شفاء الكثير من الحالات المرضية منها الحالات النفسية المضطربة وحالات العوق المؤقتة.
المكتبة:
نوري محمد صبري امين المكتبة القادرية العامة، يقول: مكتبة المدرسة القادرية العامة خزانة من خزائن كتب العهد العباسي في بغداد يرتقي تاريخها الى اوائل القرن السادس الهجري واوائل القرن الثاني عشر الميلادي، حيث انشئت للمرة الاولى مدرسة علمية على المذهب الحنبلي وقد وضع نواتها ابو سعيد المخرمي ثم زاد عليها اهل العلم من بعده وهذه المكتبة اقدم مكتبة للحنابلة في بغداد واعظمها شأنا واكثرها اوقافاً واطولها عمراً، والمكتبة تضم وقفيات لخزانات كتب عدد من المدارس في جوامع بغداد التي اهديت الى مكتبة شيخ عبد القادر. وتحتوي المكتبة على نفائس الكتب والمخطوطات التي تعود لاشهر المؤلفين في العصر العباسي من العرب والمسلمين. ويوجد لدينا عدد لا بأس به من الكتب التي انتشلت من نهر دجلة ابان الغزو المغولي لبغداد وما زالت آثار المياه على الكتب واضحة، إضافة الى عدد من المصاحف الشريفة بخط اليد ومن الحجم الكبير، مخطوطة بماء الذهب اهديت الى المكتبة القادرية من قبل مريدي ومحبي واتباع الشيخ عبد القادر الجيلاني.
اما بناء المكتبة فقد تم تصميمه وفق الطريقة الهندسية الاسلامية من حيث النقشات والقبب الاسلامية التي رفعت من دون وجود “حديد التسليح”. وتحتوي المكتبة على قاعات للمطالعة تم تشييدها واعمارها. ففي عام 1385 ه ثم بناء قاعة خاصة للمطالعين من الباحثين وطلبة الدراسات العليا. واما القاعات القديمة فقد خصصت لمطالعة النساء حيث تفتخر المكتبة بهذه القاعة التي تعتبر فريدة من نوعها في المكتبات العامة والوطنية، حيث ان قاعة النساء تضم كل المتخصصات وطالبات الدراسات العليا ليستفدن من خدمات المكتبة. أما القاعة الرئيسية فقد شيدت على طراز اسلامي عربي بديع فجعلت على شكل طابقين وزينت نوافذها بشبابيك من خشب “الصاج” المزخرف ترقى الى زهاء قرنين من الزمن، حيث جلبت هذه الشبابيك من بعض دور العائلات الجيلانية القديمة التي لم تبخل على المكتبة بشيء، وخاصة الكتب النفيسة والمخطوطات التي كان يحتفظ بها افراد العائلات الجيلانية. وقد افتتحت المكتبة في 11 مايو/أيار 1967 وما زالت اعمال التوسع جارية في المكتبة القادرية والتي تحتوي على وثائق ومخطوطات قديمة يبلغ عددها (1949) مخطوطة لغاية 17 يونيو/حزيران ،2004 في حين وصل عدد المطبوعات العربية والاجنبية التي تشمل لغات عدة عدا العربية الى (59956) مطبوعاً، وقد بلغ عدد المخطوطات المصورة الى (1766) لغاية 5 ابريل/نيسان ،2004 وان المكتبة تفتخر بزيادة عدد كتبها خلال هذه المدة لكن من المشاكل التي تواجها المكتبة هو توقف التوسع والصيانة لمباني المكتبة، حيث باشرت وزارة الاوقاف في عهد النظام السابق بحملة واسعة لبناء وتوسيع الحضرة القادرية ولكن بسبب الحرب وسقوط النظام توقف الاعمار نهائياً حتى ان الوقف السني لم يباشر بتكملة اعمار الحضرة.
الشيخ فؤاد حسن الخادم في الحضرة الكيلانية ومسؤول المطبخ، يقول: ان مطبخ الوقف القادري هو معروف في جميع انحاء العراق حيث دأب على تقديم خدماته يومياً لزوار مرقد الشيخ عبد القادر ويحرص كثير من الزائرين على الحصول على الطعام لغرض التبرك. ويقدم أصحاب النذور نذورهم الى المطبخ القادري الذي انتقل الى بناية جديدة قرب مقر الوقف القادري.
واضاف: اما في شهر رمضان المبارك فان الامور تختلف حيث نقوم باعداد افطار يومياً لزائري مرقد الشيخ واقامة المآدب الكبرى في الايام الخوالد من ليالي هذا الشهر الفضيل.
يقول الشيخ حسن الجيلاني: المدرسة القادرية من اقدم المدارس في بغداد فهي تهتم بعلوم اصول الدين والسنة النبوية والتاريخ الاسلامي، ولدينا كتب منهجية كاملة لاعداد رجال العلم، وهناك طاقم تعليمي كفء يضم خيرة اساتذة اصول الدين والنحو. وتسهم المدرسة في رفد البلد برجال الدين القادرين على تحمل اعباء الرسالة الجهادية. ولدينا اقسام لطلبة المسلمين من انحاء العالم، حيث نقدم لهم السكن والطعام، اضافة لتلقي العلم على ايدي اساتذة أكفاء. وتقع المدرسة في الطابق الثاني قرب برج الساعة الذي يشبه برج ساعة القشلة في بغداد وتم نصبها سنة 1286 ه وهذا البرج اكبر والساعة فيه هي اكبر من ساعة وبرج القشلة. وبعد مرحلة الاعمار الكبيرة والتوسع في بناء الحضرة القادرية اصبح للمدرسة بناية ضخمة ومهيأة لاستقبال الطلبة وفيها قسم داخلي لمنام الطلبة، لكن ما زالت البناية في حاجة الى تكملة الاعمار الذي توقف بعد الاحتلال الامريكي للعراق. لكن المدرسة ما زالت بنشاطها تستقبل اعداداً كبيرة من طلبة المسلمين.
المصدر: دار الخليج للصحافة والنشر