وأول ما يحترز منه المبتدئ في صناعة الإعراب ثلاثة أمور : أحدها : أن يلتبس عليه الأصلِّ بالزائد ، ومثاله أنّه إذا سمع أنّ
( أل ) من علامات الاسم ، وأنّ أحرف
( نأيت ) من علامات المضارع ، وأنّ تاء الخطاب من علامات الماضي ، وأنّ الواو الفاء من أحرف العطف ، وأنّ الباء واللام من أحرف الجر ، وأنّ فعل ما لم يُسمَّ فاعله مضموم الأول... سبقَ وهمهُ إلى أنّ ألفيت وألهبتُ اسمان ، وأنّ أكرمت وتعلمت مضارعان ، وأنّ وعظ وفسخ عاطفان و معطوفان ، وأنّ نحو بيت وبين ولهو ولعب كل منها جار ومجرور ، وأنّ نحو أدحْرج مبنيٌ لما لم يُسمَّ فاعلهُ ، وقد سمعت منْ يُعْرب
( ألهاكمُ التكاثرُ ) مبتدأ وخبراً ، فظنَّهما مثل قولك :
( المنطلق زيد ) . ونظير هذا الوهم قراءة كثير من العوام
( نارٌ حاميةٌ ألهاكم التكاثر ) بحذف الألف كما تحذف أول السورة في الوصل فيقال ( لخبيرٌ القارِعةُ ) .
وذكر لي عن رجل كبير من الفقهاء ممن يقرأ علم العربية أنّه استشكل قول الشريف المرتضى :
أتبيتُ ريّانَ الجفونِ منَ الكرى = وأبيتَ منْكَ بليلةِ الملْسوعِ ؟
وقال : كيف ضمّ التاء من تَبيتُ وهي للمخاطب لا للمتكلم ؟ وفتحها من أبيتَ وهو للمتكلم لا للمخاطب ؟ فبيّنتُ للحاكي أنّ الفعلين مضارعان ، وأنّ التاء فيهما لام الكلمة ، وأنّ الخطاب في الأول مستفاد من تاء المضارعة ، والتكلم في الثاني مستفاد من الهمزة ، والأول مرفوع لحلوله محل الاسم ، والثاني منصوب بأنْ مضمرة بعد واو المصاحبة على حد قول الحطيئة :
ألمْ أكُ جارَكمْ ويكونَ بيْني = وبيْنكمُ المودّةُ والإخاءُ
وحكى العسكري في كتاب التصحيف أنّه قيل لبعضهم : ما فعلَ أبوك بحماره ؟ فقال : باعِهِ ؟ فقيل له : لم قلت : باعِهِ ؟ قال : فلم قلت أنت بحمارهِ ؟ فقال : أنا جررته بالباء ، فقال : فلم تجرُّ باؤك وبائي لا تجر ؟ ومثله من القياس الفاسد ما حكاه أبو بكر التاريخي في كتاب أخبار النحويين أنّ رجلاً قال لسمّاكٍ بالبصرة : بكم هذه السّمكة ؟ فقال : بدرهمان ، فضحك الرجل ، فقال السماك : أنت أحمق ، سمعت سيبويه يقول : ثمنها درهمان .
وقلت يوماً : تردُ الجملة الاسمية الحالية بغير واو في فصيح الكلام ، خلافاً للزمخشري ، كقوله تعالى :
( ويومَ القيامةِ ترى الذين كذَبوا على الله وجوهُهم مسودّة ) فقال بعض منْ حضر : هذه الواو في أولها .
وقلت يوماً : الفُقهاء يلحنون في قولهم البايع بغير همز ، فقال قائل : فقد قال الله تعالى
( فبايِعهُنّ ) .
وقال الطبري في قوله تعالى :
( أثُمَّ إذا ما وقعَ ) : إنّ ثم بمعنى هنالك .
وقال جماعة من المعربين في قوله تعالى :
( وكذلك نُجِّي المؤمِنينَ ) في قراءة ابن عامر وأبي بكر بنونٍ واحدة : إنّ الفعل ماضٍ ، ولو كان كذلك لكان آخره مفتوحاً ، والمؤمنين مرفوعاً.
فإن قيل : سكنت الياء للتخفيف كقوله :
هو الخليفَةُ فارْضَوا ما رضي لكمُ
وأقيم ضمير المصدر مقام الفاعل .
قلنا : الإسكان ضرورة ، وإقامة غير المفعول به مقامه مع وجوده ممتنعة ، بل إقامة ضمير المصدر ممتنعة ، ولو كان وحده ، لأنّه مبهم .
ومما يشبه نحو
{ تولّوا } بعد الجازم والناصب، والقرائنُ تبيّن ، فهو في نحو
{ فإن تولّوا فقل حسْبيَ الله} ماض ، وفي نحو
{ وإنْ تولّوا فإنّي أخافُ عليكمْ } ,
{ فإنْ تولّوا فإنّما عليهِ ما حُمِّل وعليْكمْ ما حُمِّلتم } مضارع ، وقوله تعالى : { وتعاونوا على البرِّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعُدوان } الأول أمر ، والثاني مضارع ، لأنّ النهي لا يدخل على الأمر ، وتلظّى في
{ فأنذرتُكمْ ناراً تلظّى } مضارع ، وإلا لقيل : تلظّتْ ، وكذا تمنّى من قوله :
تمنّى ابنتايَ أن يَعيش أبوهما
ووهم ابن مالك فجعله ماضياً من باب :
ولا أرضَ أبقلَ إبقالها
وهذا حمل على الضرورة من غير ضرورة.