اللهمَّ صلِ علي نور الأنوار و سرِّ الأسرار و ترياق الأغيار و مفتاح باب اليسار
سيدنا محمد النبي المختار وعلي آله و صحبه و سلّم صلاة و سلام حقّ قدرك منك عليه......وبعد
ترجمة مولانا الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني (قدس الله سره)
مولده الشريف (رضي الله عنه) :
سئل الشيخ عبد القادر الجيلاني عن مولده فقال: لا أعلمه حقيقة، ولكن قدمت بغداد في السنة التي مات فيها التميمي، وعمري إذ ذاك ثمانية عشر سنة، والتميمي هذا أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحرف بن أسد، توفي سنة ثمانية وثمانين وأربعمائة هجرية، فيكون مولده رضي الله عنه، على هذا البيان، سنة سبعين وأربعمائة، وذكر الشيخ نور الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن جرير اللخمي في كتابه بهجة الأسرار، قال أخبرنا الفقيه أبو عبد الله محمد ابن الشيخ أبي العباس أحمد بن عبد الواسع بن أمير كاه بن شافع الجيلي الحنبلي قال أخبرنا جدي عبد الواسع قال ذكر أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي الحنبلي رحمه الله تعالى: أن مولد الشيخ محي الدين عبد القادر الجيلي (رضي الله عنه) سنة إحدى وسبعين وأربعمائة بجيلان وأنه دخل بغداد سنة ثمانية وثمانين وأربعمائة، وعمره ثمانية عشر سنة، وهو رضي الله عنه منسوب إلى جِيل بكسر الجيم وسكون الباء وهي بلاد متفرقة وراء قبرستان، وبها وُلـِد في نيف قصبة منها، ويقال فيها أيضاً جيلان وكيلان وكيل أيضاً قرية بشاطئ دجلة على مسيرة يوم من بغداد مما يلي طريق واسط، ويقال أيضاً جيل بالجيم ومن ثـَمَّ يقال كيل العجم وكيل العراق وجيل العجم وجيل العراق. وفي رواية أيضاً جيلاني، منسوب إلى جده جيلان وأبو عبد الله الصومعي من جملة مشايخ جيلان ورؤساء زهاده، له الأحوال السنية والكرامات الجلية.
وروى صاحب بهجة الأسرار: قال أخبرنا عنه الفقيه أبو سعد عبد الله بن علي بن أحمد بن إبراهيم القرشي قال: أخبرنا الشيخ الجليل أحمد بن إسحاق بن عبد الرحمن الهاشمي القزويني قال: أخبرنا الشيخ القدوة نور الدين أبو عبد الله محمد الجيلي قال: أخبرنا الشيخ العارف أبو محمد الدار باني القزويني قال: الشيخ أبو عبد الله الصومعي هو أحد ما أدركت بالعجم من المشايخ، وكان مجاب الدعـوة، وإذا غضب انتقم الله عز وجل له سريعاً، وإذا حبَّ أمراً فعله الله له كما يختاره، وكان مع ضعف قوته وكبر سنه كثير النوافل دائم الذكر ظاهر الخشوع صابراً على حفظ حاله ومراعاة أوقاته. وحكى لنا بعض أصحابنا أنهم خرجوا تجاراً فخرجت عليهم خيل في صحراء سمرقند، قال فصحنا بالشيخ أبي عبد الله الصومعي فإذا هو قائم بيننا ونادى سبوح قدوس ربنا الله تفرقي يا خيل الله قال فوالله ما كان الراكب يقدر على رد فرسه وفرَّت بهم في رؤوس الجبال وبطون الأودية ولم يجتمع منهم اثنان وسلمنا الله منهم، وطلبنا الشيخ بيننا فلم نره ولم ندري أين ذهب. ولما رجعنا إلى جيلان وأخبرنا الناس بذلك، قالوا والله ما غاب الشيخ عنا.
وأمه أم الخير أمة الجبار فاطمة بنت أبي عبد الله الصومعي المذكور آنفا. وكان لها حظ وافر في الخير والصلاح.
قال صاحب بهجة الأسرار: أخبرنا عنها الفقيه أبو علي إسحاق بن علي بن عبد الله الهمداني الصوفي، قال: أخبرنا الشيخ الأصيل أبو عبد الله محمد بن عبد اللطيف بن الشيخ القدوة أبي النجيب عبد القادر السهروردي قال: أخبرنا الشيخ أبو خليل أحمد بن أسعد بن وهب بن علي المقري البغدادي ثم الهروي قال: أخبرنا الزوجان الصالحان الإمام الورع أبو سعد عبد الله بن سليمان بن جعران الهاشمي الجيلي وأم أحمد الجيلية بها قالا: كان لأم الخير أمة الجبار فاطمة بنت عبد الله الصومعي أم الشيخ عبد القادر (رضي الله عنه)، قدم في هذا الأمر وسمعنا تقول غير مرة: لما وضعت إبني عبد القادر كان لا يرضع ثديي في نهار رمضان، وغمَّ على الناس هلال رمضان، فأتوني وسألوني عنه فقلت لم يلتقم اليوم ثديا، ثم اتضح أن ذلك اليوم كان من رمضان. واشتهر ببلادنا في ذلك الوقت أنه وُلِـد للأشراف ولد لا يرضع في نهار رمضان.
وكان له أخاً اسمه عبد الله، سنه دون سن الشيخ ونشأ نشأة صالحة في العلم والخير ومات بجيلان شاباً.
أما وصفه (رضي الله عنه) : كما أخبر به قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الإمام عماد الدين أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي قال : أخبرنا شيخنا الإمام العادل الرباني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي قال : كان شيخنا شيخ الإسلام محي الدين أبو محمد عبد القادر الجيلي نحيف البدن ربع القامة عريض الصدر عريض اللحية طويلها أسمر اللون مقرون الحواجب أدعج العينين ذا صوت جهوري وسمت بهي وقدر علي وعلم وفي رضي الله عنه وأرضاه.
نسبه الشريف (رضي الله عنه) :
هو شيخ الإسلام تاج العرفين محي الدين أبو محمد السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني ابن ابي صالح موسى بن عبد الله الجيلي بن يحى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الهاشمي القريشي.
نشأته (رضي الله عنه) :
ولد الشيخ عبد القادر الجيلاني في مدينة صغيرة اسمها نيف، وقيل بشتير، في إقليم جيلان الذي يقع في القسم الشمالي من إيران جنوبي بحر قزوين، وهو إقليم خصب التربة كثير الأنهار غزير الأمطار، وعاش في كنف جده لأمه السيد عبد الله الصومعي، فكان ينسب إليه عندما كان في جيلان، فيقال ابن الصومعي، وكان له أخاً واحداً، كذا ذكره ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب). إن أخاه كان اسمه عبد الله وكان أصغر منه وكان رجلاً صالحاً، عاش في جيلان وتوفي فيها وهو شاب، فنشأ (رضي الله عنه) عابداً صالحاً تقياً زاهداً في الدنيا مقبلا على الآخرة طموحاً إلى معرفة أصول الشريعة وفروعها ومداخلها ومخارجها، ولم يكن في بلاد جيلان ما يرضي طوحه ويروي ظمأه من علوم الشريعة، لذلك أخذت تحدثه نفسه بالسفر إلى بغداد حاضرة الدنيا في ذلك الزمان وكان أهل جيلان يدينون بالمذهب الحنبلي في ذلك العهد بعد النصر العظيم الذي نالته السنة المطهرة على يد حاميها ورافع لوائها الإمام أحمد بن حنبل (رضي الله عنه)، مما جعل ذكره يسير في البلاد ويتغلغل في قلوب العباد.
وكانت بغداد مثوى الإمام أحمد بن حنبل أيضاً حبيب أهل جيلان وهذا مما زاد.
شيوخه وأساتذته (رضي الله عنه) :
سمع الحديث (رضي الله عنه) من أبي غالب محمد بن الحسن الباقلاني وابي بكر أحمد بن المظفر، وأبي القاسم علي بن بيان الرذاذ، وأبي محمـد جعفر بن أحمد السراج مؤلف كتاب مصارع العشاق توفي سنة خمسمائة وتسعة، وأبي سعيد محمد بن خشيش، وأبي طالب بن يوسف، وتفقه على أبي الوفا بن عقيل، وكان شيخ الحنابلة في بغداد، وأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني الحنبلي، والقاشي أبي سعيد المبارك بن علي المخرمي المتوفي سنة خمسمائة وثمانية وعشرون، وأبي الحسن بن القاضي أبي يعلى الفرَّا الحنبلي، وقرأ الأدب وعلم البيان والبلاغة على أبي زكريا يحيى التبريزي المتوفي سنة خمسمائة واثنان هجرية، وأخذ علم التصوف عن أبي محمد جعفر بن أحمد السراج المتوفي سنة خمسمائة وتسعة، وعن الشيخ حماد بن مسلم الدباس المتوفي سنة خمسمائة وخمسة وعشرون من الهجرة، وعن القاضي أبي سعيد المخرمي المخزومي الذي أخذ الطريق عنه وتفقه على يديه وخلفه على مدرسته، كذا في المنتظم لابن الجوزي، والعبر في خبر من عبر وسير أعلام النبلاء للذهبي، والذيل على طبقات الحنابلة لإبن رجب.
وقرأ القرآن وعلومه وقراءته وتفسيره على أبي الوفا علي بن عقيل الحنبلي الخطاب محفوظ الكولذاني.
ومن شيوخه أيضاً أبو الغنائم محمد بن محمد بن علي الفرسي وعبد الرحمن بن أحمد بن يوسف وأبو البركات هبة الله المبارك وغيرهم. واستمر هذا الدرس والتحصيل هذا برع في الأصول والفروع وأنواع الخلاف وعلوم القرآن والبلاغة والأدب، وأنصب أكثر اهتمامه على دراسة المذهب الحنبلي ثم درس معه المذهب الشافعي ودام هذا الدرس والتحصيل ثلاثاً وثلاثين سنة، ولكنه لم يكن متصلاً بل متقطعاً على حسب الظروف والأحوال رضي الله عنه وأرضاه.
سنده في الطريقة (رضي الله عنه) :
سند مولانا الشيخ عبد القادر الجيلاني (رضي الله عنه) كما ذكره والدنا الشيخ محمد أحمد الماحي (رضي الله عنه):
أخذ (رضي الله عنه) السند، عن الشيخ المبارك المخزومي (رضي الله عنه)، عن الشيخ أبي الحسن القرشي (رضي الله عنه)، عن الشيخ طرطوس المكي (رضي الله عنه)، عن الشيخ عبد الواحد التميـمي (رضي الله عنه)، عن الشيخ أبو بكر الشبلي (رضي الله عنه)، عن الشيخ حبيب الله العجمي (رضي الله عنه)، عن الإمام الجنيد (رضي الله عنه)، عن الشيخ سري السقط (رضي الله عنه)، عن الشيخ معروف الكرخي (رضي الله عنه)، عن الشيخ حسن البصري (رضي الله عنه)، عن السيد علي الرضا (رضي الله عنه)، عن السيد موسى الكاظم (رضي الله عنه)، عن السيد جعفر الصادق (رضي الله عنه)، عن السيد محمد الباقر (رضي الله عنه)، عن السيد زين العابدين (رضي الله عنه)، عن الإمام الحسين (رضي الله عنه)، عن الإمام علي (كرم الله وجهه)، عن سيد الأنام خاتم الأنبياء الكرام (صلى الله عليه وسلم).
وذكر صاحب كتاب بهجة الأسرار سنداً عن وجه آخر:
أخذ (رضي الله عنه) السند، عن أبي سعيد المبارك المخزومي وهو أخذها عن سيدي أبي الحسن على بن يوسف القرشي الهكاري وهو أخذها عن سيدي أبي الفرج الطرطوسي وهو أخذها عن سيدي أبو بكر الشبلي وهو أخذها عن سيدي أبي القاسم الجنيد البغدادي وهو أخذها عن سيدي السر السقطي وهو أخذها عن سيدي أبي محفوظ معروف الكرخي وهو أخذها عن سيدي داود الطائي وهو أخذها عن سيدي حبيب العجمي وهو أخذها عن سيدي حسن البصري وهو أخذها من سيدي أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه).