الرَّحمنُ جلَّ جَلاَلُه
"إن هذا الاسم هو أوسع التنـزُّلات الإلهية، ولولا تنـزُّله بالرحمة الشاملة التي حفظت مراتب الوجود لاندكَّ العالم وتلاشى.
والرحمة هي: إرادة الخير للعالم.
أما معناها بالنسبة لنا؛ فهي: رقَّةٌ في القلب تقتضي العواطف على كل محتاج، والحقُّ - سبحانه وتعالى - منـزَّهٌ، إنما رحمته هي إرادة إيصال الخير الحقيقي للعباد (1) .
و"الرحمن" هو المنعم بجلائل النعم مثل إنعامه بالوجود، وبالحياة، وهي الروح التي هي من أمره، ومثل إنعامه علينا بالإيمان، وإنعامه علينا بسيد الأنام صلى الله عليه وآله وسلم، وإنعامه علينا بنـزول القرآن، وتلك النعم ليس لمخلوق فيها فضل (2) .
ولا يمكن لأي إنسان أن يكون له تخلُّقٌ بهذا الاسم لأنه من خواص الذات العلية، ولأجل هذا المعنى لم يسمَّ بهذا الاسم أحدٌ سوى الحق تعالى (3) . وقد نبَّهنا الحق إلى هذا السرّ.
فقال: { قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } (4) .
والفرق بين تجلِّي حضرة الألوهية والرحمانية، أن حضرة الألوهية: حضرة عزَّة، وغنى، وعلو، وعظمة، وكبرياء. وحضرة الرحمانية : حضرة تنـزُّلٍ، وتفضُّل، وتودُّد، وإحسان. لأن الرحمة تقتضي مرحومها، بخلاف الألوهية، فإنها تقتضي عزَّةً وعلواً، وقد أشار القرآن إلى نور هذا الاسم.
فقال: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء } (5) .
فما من موجود إلا وقد غمرته الرحمة، وشملته النعمة.
والرحمة دائرة واسعة شملت المؤمن والكافر، بخلاف المحبة الإلهية، فإنها دائرة خاصة بأهل العناية."اهـ200
اقتباس:======================= الحاشية =====================
(1) - : وللأصفهاني في مفردات القرآن عبارة بسيطة محررة في تعريف الرحمة وكيف تطلق على الإنسان وعلى الله تعالى بيَّن فيها الفرق بين الرحمة في حق الناس والرحمة في حق الخالق سبحانه . يقول :" الرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة ، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة ، نحو رحم الله فلاناً ، وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة . وعلى هذا روي أن الرحمة من الله تعالى انعام وإفضال ، ومن الآدميين رقة وتعطف ، وعلى هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم ذاكراً عن ربه أنه لما خلق الرحم قال : أنا الرحمن ، وأنت الرحم ، شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ، ومن قطعك بتته . فذلك إشارة إلى ماتقدم وهو أن الرحمن منطوية على معنيين : الرقة والإحسان ، فركز تعالى في طباع الناس الرقة، وتفرد بالإحسان. فصار كما أن لفظ الرحم من الرحمة ، فمعناه الموجود في الناس من المعنى الموجود لله تعالى فتناسب معناهما تناسب لفظيهما . والرحمن الرحيم نحو ندمان ونديم ، ولايطلق الرحمن إلا على الله تعالى ، من حيث أن معناه لايصح إلا له ، إذ هو الذي وسع كل شيء رحمة . والرحيم يستعمل في غيره ، وهو الذي كثرت رحمته ، قال تعالى { إن الله غفور رحيم } ، وقال في صفة النبي صلى الله عليه وسلم : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} . وقيل : إن الله تعالى هو رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ، وذلك أن إحسانه في الدنيا يعم المؤمنين والكافرين ، ومن الآخرة يختص بالمؤمنين ، وعلى هذا قال : { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون } تنبيهاً أنها في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين ، وفي الآخرة مختصة للمؤمنين) انتهى (راجع مفردات غريب القرآن مادة رحم )
(2) : قال سيدي ابن عجيبة رضي الله عنه: والمختار في تفسير(الرحمن الرحيم)، أن (الرحمن) : هو المنعم بنعمة الإيجاد، و(الرحيم) : المنعم بنعمة الإمداد . وفي الحكم : نعمتان ما خلا موجود منهما ، ولا بد لكل مكون منهما نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، أمدك أولاً بالإيجاد ، وثانياً بتوالي الإمداد ، انتهى.
(3) : قال سيدي ابن عجيبة الحسني والتخلق به: أن تنظر إلى كافة الخلق بعين الرحمة ، كما قال بعض المشايخ:-
ارحم بني جميع الخلق كلهم = وانظر إليهم بعين اللطف والشفقه
وقّر كبيرهمُ وارحم صغيرهمُ = وراع في كل مخلوق حق من خلقه
1
2ارحـم بـنـي جمـيـع الخـلـق iiكلـهـم وانظر إليهم بعين اللطف iiوالشفقه
وقّــر كبيـرهـمُ وارحــم iiصغيـرهـمُ وراع في كل مخلوق حق من خلقه
(4) : سورة الإسراء – الآية 110.
(5) : سورة الأعراف – الآية 156." اهـ204
(يتبع إن شاء الله تعالى مع: مناظرة بين إبليس لعنه الله وسيدنا سهل بن عبد التستري رضي الله عنه.... )