(إذا أردتم أن تُنادَوا يوم المِنَّة بـ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة *
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فيقول العارف بالله تعالى الحسيب النسب سيدي الشيخ إبراهيم الدسوقي رحمه الله تعالى: (إذا أردتم أن تُنادَوا يوم المِنَّة بـ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة}. فليكن طعامكم الذكر, وقولكم الفكر, وخلوتكم الأنس, واشتغالكم بالله تعالى, ثم علم مكسوب من الكتب, وعلم موهوب من قبل ربنا). اهـ.
أيها الإخوة الأحبة الكرام: لا شكَّ بأن كل مؤمن بالله واليوم الآخر هو حريص أن يُنادى يوم المنة الكبرى بقوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة}.
من نودي بهذا النداء يوم الحسرة فقد فاز بالمنة العظمى من الله تعالى, لأن الله تعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينذر الناس جميعاً يوم الحسرة قال تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون}.
فهو يوم حسرة على الكافرين لأن الواحد منهم يقول:{ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}. ويقول:{ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً}.
وهو يوم مِنَّة على المؤمنين, لأنهم يسمعون النداء: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة}. وبعدها يسمعون السلام من الملائكة: {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار}. وبعد كل هذه المنن يسمعون السلام من السلام: {سَلاَمٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيم}.
أسألك يا رب بأسمائك الحسنى وبصفاتك العُلا, وبحبيبك الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, وبعزِّ ربوبيَّتك وبذلِّ عبوديتنا لك, أن تجعلنا ممن يُنادى عليهم يوم المنة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة}. ونسألك يا ربنا أن تجعلنا أهلاً لهذا النداء.
وسيدي إبراهيم الدسوقي رحمه الله تعالى يرشدنا إلى هذه الوصايا إذا كنا حريصين على نيل ذاك المقام:
أولاً: الإكثار من ذكر الله تعالى, لأن ذكر الله تعالى حياة للقلوب , وأنواع الذكر كثيرة على رأسها تلاوة القرآن العظيم, ثم الإكثار من قول لا إله إلا الله, التي هي أفضل كلمة قالها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبيون من قبله, ثم الصلوات الشريفة على سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم...
ثانياً: التفكُّر في خلق الله حتى نعلم بأن لهذا الكون مُكَوِّناً, وأن هذا الكون متغيِّر ومتقلِّب فلا يجوز أن يركن قلبنا إلى متبدِّل ومتغيِّر وفانٍ, وأن نفكِّر بعواقب الطاعات وعواقب المعاصي.
ثالثاً: أن تكون لنا خلوات أُنْسٍ بيننا وبين الله تعالى, كما قال صلى الله عليه وسلم: (وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
استعداداً منا للأنس بربنا عز وجل إذا خرجنا من عالم الدنيا ودخلنا عالم البرزخ. اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة, ولا تجعلها حفرة من حفر النيران يا أرحم الراحمين.
رابعاً: أن نشتغل بما كلَّفنا ربنا عز وجل, لأن ربنا عز وجل ما خلقنا في هذه الدنيا عبثاً {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُون}. والمشغول بالخالق لا يشتغل بالخلق, فهو بقلبه مع الله تعالى وفي قالبه مع الخلق, ورحم الله من قال:
ولقد جعلتُك في الفؤاد محدِّثي *** وأبحتُ جسمي مَنْ أراد جلوسي
خامساً: أن نطلب العلم الشرعي لتصحيح عقائدنا وعباداتنا ومعاملاتنا وأخلاقنا, لأن العمل بدون علم لا يكون, كما أن العلم بدون عمل جنون, قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}. وهل يكون العمل بدون علم؟
لا يجوز أن نضيِّع أوقاتنا بدون طلب العلم.
سادساً: ومن عمل بما عُلِّم أورثه الله تعالى عِلْمَ ما لم يعلم, قال تعالى: {وَاتَّقُواْ الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله}. فالتقوى لا تكون بدون علم مكسوب, فمن تعلَّم العلم المكسوب وعمل به أورثه الله تعالى علماً موهوباً من لدنه, قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}. فنسألك يا رب أن تكرمنا بما أكرمت به عبادك الصالحين. آمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين.