بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمّد النّبيّ الأميّ وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فكل عام وأنتم بخير ورمضان مبـــــــــــــــارك للجميع
وأحببت أن أضع بعض المسائل الفقهية في الصيام, على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي.
واعتمدت في ذلك بشكل رئيسي على متن نور الإيضاح ونجاة الأرواح للشيخ أبي الإخلاص الحسن بن عمار الشرنبلالي الحنفي الوفائي وهو من المتون المعتمدة في المذهب الحنفي, واعتمدت كذلك على شرحه إمداد الفتّاح, وعلى مختصر الشرح مراقي الفلاح, وعلى حاشية الإمام أحمد الطحطاوي على مراقي الفلاح, قمت بالتصرف ببعض العبارات لتسهيل المسائل.
وهناك أيضاً ذكر لكتب أخرى من المذهب كالفتاوى الخانية لشيخ الإسلام فخر الدين قاضيخان, والنهر الفائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم والكافي للحاكم الشهيد, وغيرها.
ولنبدأ
تعريف الصوم:
لغة: هو الإمساك عن الفعل أو القول مطلقاً في أي وقت كان.
ألا ترى إلى قوله تعالى حكاية عن سيدنا عيسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسّلام في قوله لأمه مريم: "إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا" سورة مريم 26
شرعاً: هو الإمساك نهارا عن إدخال شيء عمدا أو خطأ بطنا أو ماله حكم الباطن وعن شهوة الفرج بنية من أهله.
والنهار هو الوقت الممتد من طلوع الفجر الصادق "الثاني" إلى غروب الشمس. وهو الوقت الشرعي للصيام.
فقد قال سبحانه وتعالى: "ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" سورة البقرة 187.
وروى الإمام البخاري عنه صلى الله عليه وسلم : "إذا أقبل الليل من ههنا فقد أفطر الصائم" في الصوم, باب تعجيل الإفطار.
وقوله (عن إدخال شيء) أي سواء كان الشي المدخل إلى الجوف معتادأ كالأكل والشرب وما يؤكل عادة للطب مثلاً, أو كان الشيء الذي دخل لا يؤكل كالحديد والتراب والسم وغيرها, واحترز بقوله إدخال عن الدخول من غير صنعه كدخول الغبار مع النفس.
فدخول أي شيء إلى الجوف عمداً يفطر الصائم سواء كان مأكولاً أو غير مأكول, وتجدر بنا هنا أن ننبه إلى أن المأكول وغير المأكول يشتركان في أنهما ومفطران ويفترقان في إيجابهما للكفارة, وسيمر معنا هذا.
أما الناسي فلا يفطر سواء أكل أو جامع.
تعريف النسيان: هو عدم استحضار الشيء عند الحاجة إليه. ط
وقوله: (عمدا أو خطأ) احترز بهذا عن النسيان, فالناسي لا يفطر كما أسلفنا, واما الافطار في العمد فظاهر وأما المخطئ فمثاله كمن تمضمض واستنشق فدخل الماء إلى جوفه, فهو هنا ذاكر لصومه ووأدخل الماء خطأ إلى جوفه فأفطر, فلا يرد عليه الناسي ومن دخل المفطر إلى جوفه بلا صنعه ولا مباشرة منه.
تعريف المخطئ: وهو الذاكر للصوم غير القاصد للفطر. بأن لم يقصد الأكل ولا الشرب بل قصد المضمضة أو اختبار طعم المأكول فسبق شيء منه إلى جوفه, أو باشر مباشرة فاحشة فتورات حشفته فإنه يفسد.
والمكره والنائم كالمخطئ كذا في شرح السيد. ط
***********
حكم من نسي أنه صائم:
الناسي -أي من نسي أنه صائم- لا يفطر وإن أكل وشرب وجامع.
إذا رأى شخصاً يأكل أو يشرب ناسياً أنه صائم:
- (إن كان للناسي قدرة على إتمام الصوم إلى الليل بلا مشقة ظاهرة كأن كان شاباً قوياً لزمه أن يذكره بصيامه وإن تركه كره تحريماًعدم تذكيره في المختار كذا في الفتح.
وقيل من رأى غيره في رمضان يأكل ناسيا لا يخبره مطلقاً لأن بأكله هذا لا يفسد صومه.
- وإن لم يكن للناسي قوة فالأولى عدم تذكيره لما فيه من قطع الرزق واللطف به سواء كان شيخا أو شابا.
إذا ذُكِّر الناسي وهو يأكل فقيل له إنك صائم فلم يتذكر يلزمه القضاء في المختار وهذا عند الشيخين -أي الإمام وأبي يوسف- وهو الصحيح لما أنه أخبر بأن الأكل حرام وخبر الواحد حجة في الديانات.نهر
***********
النخامة:
(دخل) يعني نزل من رأسه ووصل إلى (أنفه مخاط فاستنشقه عمدا وابتلعه) لا يفسد صومه (وينبغي إلقاء النخامة حتى لا يفسد صومه على قول الإمام الشافعي رحمه الله) فإنه إذا خرجت النخامة من مجراها إلى فيه وقدر على مجها -أي رميها من فمه- ولم يفعل بل ابتلعها أفطر ف أصح الوجهين عند الإمام الشافعي رحمه الله. قال العلامة ابن الشحنة رحمه الله: أحببت التنبيه عليه حتى لا يفسد صومه على قول مجتهد فإنه مهم فلذا ذكرته.
***********
الريق:
لو خرج ريقه من فمه فأدخله وبلعه:
- إن كان لم ينقطع من فيه بل متصل كالخيط فتدلى إلى الذقن فاستشربه لم يفطر,
- وإن انقطع فأخذه وأعاده أفطر كذا في الفتح و التاتارخانية.
قال الشيخ الإمام أبو جعفر أنه إذا خرج البزاق على شفتيه ثم ابتلعه فسد صومه.
وفي الخانية ترطب شفتاه ببزاقه عند الكلام ونحوه فابتلعه لا يفسد صومه.
وفي الحجة سئل ابراهيم عمن ابتلع بلغماً قال إن كان أقل من ملئ فيه لا ينقض إجماعاً وإن كان ملئ فيه ينقض صومه عند أبي يوسف وعند أبي حنيفة لا ينقض.
***********
القيء:
لا يفطر إذا (ذرعه)أي سبقه وغلبه (القيء) ولو ملأ فاه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء, وإن استقاء عمداً فليقضِ" [أخرجه أبو داود في الصيام باب الصائم يستقيء عمداً, والترمذي في الصوم باب ماجاء فيمن استقاء عمداً] رواه أصحاب السننوغيرهم, كما في البرهان, (و) كذا لا يفطر لو (عاد) ما ذرعه (بغير صنعه ولو ملأ) القيء (فمه في الصحيح) وهذا عند محمّد, لنه لم يوجد صورة الفطر وهو الابتلاع ولامعناه لأنه لا يتغذى به عادة, (أو استقاء) أي تعمد إخراجه وكان (أقل من ملء فيه على الصحيح) وهذا عند أبي يوسف, وقال محمّد يفسد, وهو ظاهر الرواية (ولو أعاد في الصحيح) لا يفسد عند أبي يوسف كما في المحيط لعدم الخروج حكماً حتى لا ينقض الطهارة, وقا ل الكمال وهو المختار لعدم الخروج شرعاً. وقال محمّد يفسد وهو ظاهر الرواية, ورواية أبي يوسف بإطلاق ما روينا.
***********
أكل ما بين الأسنان وبقايا الطعام في الفم:
لا يفطر إذا (أكل ما بين أسنانه ) مما بقي بفيه من سحوره (وكان دون الحمصة) لأنه تبع لريقه وهذا القدر لا يمكن الاحتراز عنه عادة أو يتعسر, وقال الكمال من المشايخ من جعل الفاصل بين القليل والكثير كون ذلك مما يحتاج في ابتلاعه إلى الاستعانة بالريق أو لا يحتاج الأول قليل والثاني كثير وهو حسن لأن المانع من الحكم بالإفطار بعد تحقق الوصول كونه لا يسهل الاحتراز عنه وذلك مما يجري بنفسه مع الريق لا فيما يتعمد في إدخاله لأنه غير مضطر فيه انتهى.
***********
إذا أكل طعاماً من خارج الفم:
لا يفطر إذا (مضغ مثل سمسمة) أي قدرها وقد تناولها (من خارج فمه حتى تلاشت ولم يجد لها طعما في حلقه) كذا في الكافي, قال الكمال وهذا حسن جدا فليكن الأصل في كل قليل مضغه.
إن شاء الله يتبع ............