السوق "المقبي" في "الميادين".. استحضارٌ لذاكرة المكان
فريد موسى
الأحد 27 آذار 2011
الميادين
ربما يكونُ هذا المكان ليس إلا سوقاً شعبياً يرتاده المُتبضّعون في "الميادين" لاقتناء حاجياتهم المختلفة تحت قُبّتهِ العالية التي تجمع العديد من المحلات التجارية المبنيةِ من جدرانٍ عتيقة وتحتضن بداخلها أنواع البضائع، لكن عند التأمل مليّاً في تصميم ذاك السقف المُقبب المُكونِ من صفيحٍ وأعمدةٍ خشبية؛ قد نُدرك حينها أنه أحد أقدم أسواق هذه المدينة عبر التاريخ واستطاع حتى اليوم الحفاظ على ذاكرة المكان.
فخلال جولته لمدينة "الميادين" حاول eSyria فتح أبواب هذا السوق على مصاريعها ليتعرف أكثر عما تُخبئه تلك الجدران وذاك السقف المُتصدع من ذكريات.
السيد "عبد السلام عليوي" صاحب محل لبيع الأدوات المنزلية يقول: «أملك هذا المحل قبل عشرين عاماً، وقد كان النموذج القديم لجميع هذه المحلات مختلفاً عما هو عليه الآن؛ فواجهاتها كانت على شكل قوس وأبوابها كانت من الخشب وتتألف من قسمين؛ قسمٌ يُفتح من الجنب والآخر يُرفع إلى الأعلى ويُصبح مثل مظلة للمحل؛ وعند الإغلاق يُنزل إلى الأسفل ويُقفل بمرفقٍ معدني مُحكم. ويُعتبر هذا السوق مقصداً لأغلب سكان المدينة وريفها؛ إذ يجد المُتبضع كل ما يحتاجه من لوازم».
أما السيد "إياد السلطان" /46/ سنة؛ صاحب محل بيع المجوهرات؛ فتحدّث عن البناء العمراني للمحلات الموجودة في هذا السوق؛ قائلاً: «كنت أتردد إلى هنا منذ كان عمري /7/ سنوات وهذا المحل ورثته عن والدي قبل /30/ عاماً؛ ومن ذلك الوقت وحتى اليوم طرأت بعض التغييرات على هيكل هذه المحلات بعد أن استلمها جيل الشباب قبل سنواتٍ مضت؛ فأغلب أصحاب المحلات الحاليين أزالوا جزءاً من البنية الهيكلية لها وأعادوا بناءها من جديد وفق طراز حديث، فقد كانت في الماضي مؤلفة من جدرانٍ مبنية من الحجر والجص ويصل
السيد "عبد السلام عليوي" صاحب محل لبيع الأدوات المنزلية عرضها إلى /50/سم؛ أما سماكة سقفها فتبلغ حوالي /1/ متر والسبب أن أصحاب هذه المحلات كانوا يقومون في كل عام بصقلها من جديد بإضافة كمية من الجص والطين لمنع تسرب مياه الأمطار في الشتاء إلى الداخل لذلك تكدست عاماً بعد عام لتصل إلى هذه السماكة الكبيرة».
بينما تحدث الحاج "حسين عبد الواحد" /60/سنة؛ عن عدد المحلات المتواجدة في السوق؛ قائلاً: «يعود تاريخ هذا السوق إلى أكثر من مئة سنة فقد ورثتُ هذا المحل من والدي قبل /40/ عاماً؛ وفي ذلك التاريخ لم يكن عدد محلات السوق المقبي يتعدى مئة محل؛ لكن فيما بعد تم إضافة بعض المحلات المتواجدة في الساحة المقابلة والتي تسمى "العراصة" إلى هذا المكان بعد تغطيتها بسقف لتصبح مماثلة للسوق القديم وبذلك ازداد عدد المحلات في الوقت الحالي لتصبح حوالي /200/ محل ومعظمها بات مبنياً وفق الطراز الحديث المكوّن من الأسمنت».
ويبدو أن لكل جيل نظرته الخاصة إلى المكان الذي يعمل فيه؛ إذ يتحدث الشاب "محمد الحاج حسين" صاحب محل ألبسة نسائية؛ قائلاً: «معظم أصحاب المحلات في الوقت الحالي هم من جيل الشباب الذين ورثوها من آبائهم وأجدادهم قبل سنوات؛ وقاموا فيما بعد بإجراء تغييرات في الهيكل الخارجي لمحلاتهم وإضافة ديكورات داخلية
الحاج "حسين عبد الواحد" صاحب محل لبيع الألبسة الجاهزة لتتناسب مع روح العصر، حتى البضاعة التي كانت تُباع في الماضي تبدّلت، وقد أخبرني والدي نقلاً عن جدي بأن هذه السوق كان مُخصصاً لبيع الأقمشة فقط ومع الأيام تنوّعت البضاعة حتى أصبح كل محل مختصاً بنوع محدد، والمُميّز في هذا السوق هو الأسعار الرخيصة للبضائع، فمثلاً سعر قطعة الألبسة التي أبيعها في محلي أقل من سعر المحلات الموجودة في الشارع العام بنسبة /50/% لذلك نرى ضغطاً كبيراً من قبل أبناء المدينة والريف معاً».
إن كل من يقصد هذا السوق سيلاحظ تصدع جزء كبير من السقف الذي يغطيه بالإضافة إلى الحُفر المُتشكلة على أرضيته؛ وبهذا الخصوص يتحدث الحاج "خلف العبيد" /62/ سنة: «بات السقف مُعرضاً للانهيار والسقوط في أية لحظة؛ ولو تعرضت المدينة لرياحٍ قوية فسوف تتطاير هذه الصفائح في السماء وتتسبب بحوادث مؤلمة؛ أما أرضية السوق فبحاجة إلى تبليط أو تزفيت لتسهيل الانتقال والسير وتفتقد أيضاً إلى مطريات وصرف صحي للتخلص من المياه المُتشكلة من الأمطار أو شطف المحلات والأهم من ذلك هو مسألة إنارة السوق ليلاً لتفادي عمليات السرقة».
وكان لمرتادي هذا المكان رأيٌ أيضاً؛ فالسيد "خليل الطه" من أبناء الريف يقول: «في كل صباح أقصد السوق المقبي لشراء حاجيات المنزل؛ ولا أذهب إلى
الشاب "محمد حاج حسين" صاحب محل لبيع الألبسة النسائية أي سوقٍ آخر فكل شيء موجود هنا من الخضراوات واللحم والأحذية والأدوات المنزلية حتى الألبسة ومحلات بيع الذهب، كما أن أسعاره رخيصة بشكلٍ عام وتناسب جميع الناس».
وشاركنا الحديث السيد "بلال محيميد" من أبناء الريف قائلاً: «الشيء الجميل في السوق المقبي هو وجود كافة أنواع البضائع التي يحتاجها الأهالي؛ وخاصة بالنسبة لنا أبناء الريف؛ فلا وقت لدينا بالتجول في المدينة كلها لشراء غرضٍ ما؛ وهذا الأمر كافٍ لارتياد هذا المكان».