مشرفة القسم العام وقسم التراث والتاريخ
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 645
معدل تقييم المستوى:
16
(( كيف ترتوي من نور الله ))
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
هذا مقال نقلته وجزى الله كاتبه ألف خير يتكلم عن ساداتنا الصوفية ولعل هناك بعض التشبيهات التي قد لاتعجب الوهابية فنرجوا منهم أن يفتحوا عقولهم وآذانهم لهذا
وسطية الاسلام تتجلى فى أن نعمل ولا نفكر فى الشفاعة .. وفى الوقت نفسه لا ننكر وجودها
الصوفيون هم وديعة الله الذين أخفاهم الله عن خلقه .. هم صفوة الأمة .. إختارهم الله..وفضلهم .. وأثرهم بمحبته .. يتحابون فى الله .. ومن أجله سبحانه وتعالى .. وهم فى محبته إخوان .. يعرفون بعضهم بعضا بالشم كالخيل .. مهما فرقت بينها المسافات فإنها لن تعدم وسيلة للتفاهم والتناجى والاتصال عن بعد .. عبر ذرات الهواء وأثيره.
لقد خلق الله نفوسهم قبل أن يخلق أبدانهم .. وصفها إلى جانب العرش .. وأفاض عليها من نوره بالمقدار الذى قدره لها .. وظلت زمنا حتى ارتوت من النور .. وعندما تجسدت فى صورة بشر وجدناهم كالأرض .. يلقى عليها كل خبيث.. ويخرج منها كل طيب لقد سلموا قلوبهم كما سلم إبراهيم من حب الدنيا .. وصاروا بمنزله الحامل لأوامر الله .. دون أن ينسوا شجن داود..
وفقر عيسى .. وصبر أيوب .. وشوق موسى لمناجاة ربه.. وإخلاص سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
ولذلك فهم لا يتعبهم طلب .. ولا يزعجهم سلب .. ولا يشقيهم بلاء .. ولا يرفضون اختبارا .. فهم أطفال فى حجر الحق .. يعتصمون بسيدهم من شر أنفسهم .. علماء بأحكام الله يعملون بما علمهم .. ويتحققون بما استعملهم .. ويجدون بما تحققوا .. ويفنون بما وجدوا.
يواصلون مجاهدة النفس .. ينتقلون من حال إلى حال . وأرقى أحوالهم حالة الجذب والوجد.. وفى هذه الحالة يفنى الواجد .. وفى هذه الحالة يفنى الواجد والمجذوب عن نفسه بحقيقة وجوده فى الحضرة الإلهية .. وهو وإن فقد نفسه فقد وجدها.. وهى علامة الإنسان الكامل الذى لا سير له إلا إلى الله ومع الله وبالله .. وإذا رجع إلى عالم الظاهر الذى نعيشه فإنه يرجع أيضا مع الله.
وسيكون لنا من بينهم شفعاء.. هم وأهل البيت .. ولكن شفاعتهم ترتبط بمحض الإذن الإلهى.. ودون تحديد . فالشفاعة مرهونة بالارادة المطلقة لله سبحانه وتعالى .. لكن .. هل على الإنسان ألا يعمل ويعتمد على الشفاعة؟..والاجابة: إن الشفاعة أمر مكمل لما أمرنا به الله سبحانه وتعالى .. لقد أمرنا بالصلاة والزكاة والذكر والحج لمن استطاع إليه سبيلا.. أمرنا وأمرنا .. ثم فتح لنا بابا آخر للرحمة والمغفرة هو باب الشفاعة .. إنها زيادة فى تفضل الله على عبادة .. فهى ليست من الأمور الجازمة .. التصديق بها واجب .. والأمل فيها واجب .. لكن الاتكال عليها تقصير فهى قد تكون وقد لا تكون .. سهرت أعين .. ونامت عيون .. لأمور تكون او لا تكون .. إن ربك كفاك ما كان بالأمس .. سوف يكفيك فى غد ما يكون.
إن وسطية الاسلام تتجلى هنا .. فى أن نعمل ولا نفكر فى الشفاعة .. وفى الوقت نفسه لا ننكر وجودها .. لا نترك العمل على أمل أن تنقذنا الشفاعة .. فقد تأتى او لا تأتى لنا .. وفى الوقت نفسه لا نيأس من رحمة الله . فقد وسعت رحمته كل شئ .. وهو قادر على كل شئ .. دون أن يسأل أحد تفسيرا.
لا أحد يستكثر ذنوبه على الله .. هذه معصية فى حد ذاتها . إن اول الذنوب التى ستغفر ذنب رجل ارتكبه دون وجود شاهد عليه من خلق الله .. وآخر الذنوب التى ستغفر ذنب رجل ظن أن الله لن يغفر له ذنوبه .. إذا تاب العبد أنسى الله الملائكة الحفظة ذنوبه حتى يلقى الله وليس عليه شاهد على ما ارتكب . علما بأن ذنوبنا لا تضر الله شيئا .. وطاعتنا لا تنفع الله شيئا ..فالله هو الغنى الحميد .. يقول سبحانه وتعالى: " وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين"
وقد فتح الله باب الشفاعة حتى لا يستهين عباده بعضهم ببعض وحتى لا يتعالى المطيعون الذين يتعالون بعبادتهم على غيرهم ويتشددون .. وأكثر من ذلك وسعت رحمته كل البشر .. بما فيهم العاصى والفاسق والقاتل .. فلو أراد سبحانه وتعالى أن يدخل شخصا الجنة رغم ما فيه من مخالفات وتجاوزات فهذا شأنه وحده..
فالعبد عبده .. والنار ناره .. والجنة جنته .. لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله موقنا بها ولو مرة واحدة دخل الجنة" .. فكان ان راجعه ابو ذر الغفارى وهو صحابى جليل .. تساءل: "وان زنا وإن سرق" .. فقال رسول عليه الصلاة والسلام: "وان زنا وان سرق .. فكرر ابو ذر : و إن زنا و إن سرق" .. فكرر الرسول إجابته .. وأعاد أبو ذر جملته الاستفهامية التعجبية: " وإن زنا وإن سرق" .. فحسم الرسول هذه المرة قائلا: "و إن زنا و إن سرق رغم أنف أبى ذر" .. لكن .. ذلك لا يعنى التفريط وانما يعنى أن نفعل ما علينا .. ان نفعل وأن نشكر الله على ما انعم علينا به ونستغفره على ما ارتكبنا دون أن نيأس من رحمته.
تخيلوا رجلا معدما . ليس له مأوى ولا عنوان .. لا يملك من حطام الدنيا سوى قدرته على المشى فى الطرقات .. جاء إليه رجل ثرى كريم وأخذه من يده واشترى له سيارة "تاكسى" .. وأرسله لتعلم القيادة على حسابه .. واستخرج له رخصة قيادة دون أن يتحمل مليما .. بل إنه أعطاه "بونات" ليصرفها وقودا للسيارة مجانا .. ثم سلمه كل ذلك قائلا: هذا لك .. بلا مقابل .. خذ عائده ولا تحاسبنى .. بل إننى لو أرسلتك مشوارا سأدفع لك مقابله .. سأسجله لك فى حساب خاص حتى لو كان هذا المشوار أن تحمل من عندى خيرا لك ولأولادك.
إن التاكسى هو الجسد نستخدمه لأنفسنا .. والوقود هو الطعام والشراب .. والصيانة هى الدواء والعلاج .. والجراج هو البيت الذى ناوى إليه .. وقد منحنا الله كل ذلك دون مقابل .. بل أكثر من ذلك لو طلب منا تأدية شئ بالتاكسى نرسل له الفاتورة ونطالبه بعشرة أمثال ما فعلنا .. مع أنه مالك كل شئ .. التاكسى والوقود والجراج والصيانة .. إن الصلاة التى يطالبنا بها تعود بالخير علينا ورغم ذلك يكافئنا عليها .. وكذلك الصوم .. والزكاه .. لكن .. المثير للدهشة أننا إذا ما أدينا هذه العبادات التى تنفعنا طالبنا الله بعائدها . ونتفاخر بحساباتنا لديه سبحانه وتعالى .. نحسب ما لنا وكأننا دائنون . مع أننا مثقلون بالديون من شعر الرأس إلى أطراف القدمين.
نمسك بالنوتة ونحسب ما لنا عند الله .. منتهى التجاوز .. لكن .. ما إن يرقى مفهومنا وايماننا قليلا حتى ندرك أن عروقنا خالية من الدم ومشاعرنا خالية من الاحساس .. كيف نطالب صاحب رأس المال ومالك كل ما نحن فيه من نعم بمقابل عن بعض ما طلبه منا او بعض مما كلفنا به؟ ..إن كل ما نحن فيه هو دين علينا .. فى هذه اللحظة نشعر بالخزى فنمزق النوتة.. ونرقى بما فى قلوبنا أكثر فنتمنى أن يكلفنا الله بشئ .. إن التكليف هنا ليس دينا على الله وانما هو تشريف لنا .. يتميز من يختصه به.. هنا يرقى إحساسنا من إحساس الدائن إلى إحساس المدين .. من إحساس من له إلى إحساس من عليه .. من إحساس بالقوة إلى إحساس بالعجز .. العجز عن السداد .. ومن يحلم بالتكليف .. التكليف هنا تشريف .. اصطفاء .. اشتياق .. وهذه درجات العبادة.
هكذا يحدث رقى فى أخلاق المؤمن كلما ارتقى .. فيشعر بأن لا حول ولا قوة له .. ولا يجرؤ على إنكار الشفاعة بدعوى أن عنده رصيدا من الأعمال .. فهو أصلا لا يملك شيئا .. هو أصلا لا يساوى شيئا .. ولو وفقنا الله لشكره على نعمة وهبها لنا وحمدناه عليها فالشكر والحمد هما فى حد ذاتهما نعمة جديدة .. "لئن شكرتم لأزيدنكم " .. هنا يصبح العبد لا حول له ولا قوة . لا حول له على أداء عبادة .. ولا على أداء الحقوق .. ولا على شكر نعمه .. ولا على التوفيق للشكر .. هذا هو الأسلوب الراقى للأولياء والأنبياء.
لكن كيف نشكر الله؟ . إن كل نعمة لها شكر.. وهو رد النعمة إلى المنعم .. ثم تؤدى حقها .. إن كانت مالا وصحة فزكاة لغيرك .. إن كانت أمانة نحافظ عليها حتى نسلمها لصاحبها .. كان سيدنا إبراهيم الدسوقى يقول : إذا صمت فهو الذى صومك .. وإذا قمت فهو الذى قومك وإذا عبدت فهو الذى وفقك للعبادة" .. لهذا فكلنا مدينون .. يقول سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم: "فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين".
إن العدل يعنى شيئا مقابل شئ .. سلعة تعادل قيمة .. فلو أخذنا السلعة بنصف قيمتها أو بأزيد من قيمتها فهذا هو الاحسان .. سلعة بنصف قيمتها إحسان من صاحبها .. سلعة بأزيد من قيمتها إحسان إلى صاحبها .. أما الحصول على السلعة بلا مقابل فهذا هو الايتاء ..
عطاء بغير مقابل .. وبلا انتظار لكلمة شكر .. وبلا مبرر .. "ايتاء الزكاه" .. اى إخراجها دون انتظار شئ .. مثلا.
وقد جاءت كلمة إيتاء فى أكثر من موضوع فى كتاب الله .. "يؤتى الحكمة من يشاء" .. ومن يؤتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا" .. "قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء " .." ما أتاكم الرسول فخذوه .. "ويؤتى من لدنه أجرا عظيما" .. والمقصود أن الله يؤتينا ما يشاء .. دون انتظار شئ منا .. وإرادته هنا مطلقة .. ومشيئته لا نهاية لها.
إن أعمالنا بالنسبة إلى الله مثل الذى ينزح بإناء صغير ماء البحر من يمينه ليصبه فى الماء على يساره وفى نهاية اليوم يحصل على أجره مقابل ذلك .. لا الماء الذى على يمينة نقص .. ولا الماء الذى على يساره زاد ..فكل ما نفعل لا لزوم له لمالك البحر .. ومالك الكون كله .. إنه سبحانه وتعالى لم يستفد شيئا .. لكنه يعطينا أجورنا لأنه شديد الغنى .. على أن أغلب الناس لا يفهمون .. لا يستوعبون . لا يتعلمون .. ولا حول ولا قوة إلا بالله