ابن العوام . . عبقرية زراعية
علماء علموا العالم
كان شغوفاً بدراسة العلوم الزراعية وساعده في ذلك وفرة الخصوبة في بلاده، حيث الخضره والأشجار والمياه، وتبحر في دراسة العلوم النباتية حتى برع فيها وذاع صيته في الأوساط العلمية . وقد درس في علوم كثيرة إلى جانب علم النبات مثل علم الكيمياء والفلك والبيطرة .
إنه ابن العوام العالم الإسلامي المتخصص في علوم الزراعة والذي يقول عنه الدكتور محمد الجوادي في “موسوعة أعلام الفكر الإسلامي” “هو أبو زكريا بن محمد بن العوام، عالم عربي فذ، يعد بحق أول علماء الزراعة الأكاديميين، ولد في مدينة العلم والفن “أشبيلية”، وأخذ من علماء وشيوخ عصره جميع العلوم المختلفة، وتوفي سنة 580هـ 185م” .
ويضيف الدكتور محمد الجوادي “بوسعنا أن نكتشف قيمة عبقرية ابن العوام من خلال قراءة عناوين أبواب كتابه الكبير “كتاب الفلاحة” وقد عرف كتابه في الأوساط الغربية منذ نشر مع ترجمة أسبانية (1803م)، وهو كتاب مرجعي جامع لأقوال السابقين فضلاً عن خبرات مؤلفه وآرائه . وتنبئ أبواب الكتاب عن عبقرية زراعية مبكرة، متمكنة من جميع العلوم الزراعية حسب نظامنا الأكاديمي، فهو يتعرض لعلوم الأراضي والمحاصيل والبساتين والري والصرف وتربية الماشية” . وفي الكتاب إضافة إلى ذلك حس ديني وإيماني واضح، فهو يذكر في مقدمة الكتاب الأحاديث الشريفة المتعلقة بالزراعة ورعاية الأرض والنبات، وفيه أيضاً رؤية فلسفية وحرص على الحكمة .
وينهج ابن العوام في كتابه نهج كتب العلوم الأكاديمية في تعريفه للمصطلحات تعريفاً دقيقاً وضبطه للمقاييس، ويرمز للمؤلفين السابقين الذين نقل عنهم برموز، والكتاب حافل بذكر الطرق العلمية المساعدة على تقييم الأرض والتربة والبذور والمحاصيل . وقسم ابن العوام كتابه إلى جزءين، يقع الأول في ستة عشر باباً، ويقع الثاني في ثمانية عشر باباً، وقد خص الجزء الأول للحديث عن أنواع الأراضي، وأنواع الأسمدة، وأنواع المياه، والبساتين، كما يتناول تطعيم الأشجار، وتسمية الأشجار المعتاد زراعتها، ويتناول في الباب الثامن فكرة تركيب الأشجار ثم تقليمها، وفي الباب العاشر يتحدث عن حرارة الأرض المغترسة وتسمية الأشجار التي توافقها، ثم يذكر عملية تذبيل الأرض والأشجار المغروسة وغير المغروسة وما يوافق كل نوع من الذبول، وعلاج الأرض المالحة، وكيفية التسميد ثم يفصل القول في سقي الأشجار والخضر بالمياه وما يحتمل السقي الكثير، ويتحدث عن الأشجار المتحابة والمتنافرة، ويفرد باباً خاصاً لعلاج الأشجار من الأمراض، والبقول والخضر، ويتناول أفكاراً غير تقليدية من قبيل تغيير لون الورد وتدبير الورد حتى يورد، والتفاح حتى يثمر في غير أيامه، ويشرح كيفية العمل في اختزان الحبوب والفواكه الغضة واليابسة والتخليل وغيره مما نطلق عليه الآن مسمى الصناعات الزراعية . ويتحدث في الباب السابع عشر عما يريح الأرض ويصلحها من الحبوب والقطاني، واختيار البذور، واختيار ما يصلح لكل نوع من الحبوب من أنواع الأرض، ومعرفة أوقات الزراعة وصفة العمل في زراعة الأرز والذرة واللوبيا سقياً وبعلاً . ويخصص أبواباً متتابعة لزراعة البقول ذوات الأصول مثل الشلجم والجزر والفجل ثم القثاء والبطيخ والباذنجان والحنظل ثم البذور المستعملة في الأدوية كالكمون والكزبرة والكراوية وهو ما نطلق عليه الآن مسمى النباتات الطبية، ويخصص فصلاً للرياحين . وثانياً لأنواع النبات الذي تتخذ منه الجنان أي البساتين أو الحدائق، وثالثاً لاختيار البيادر والمدارس حيث تجمع المحاصيل وتدرس، وخصص الباب الثلاثين لاختيار مواضع البنيان ووقت قطع الخشب ومعاصر الزيت . أما الأبواب الأربعة الأخيرة فإنه يستعرض فيها المعلومات الخاصة بتغذية وتربية الحيوان ويتحدث عن كيفية اختيار الجيد ومدة الحمل ثم التسمين والعلف ثم علاج بعض علل الدواب مما يدخل في نطاق الطب البيطري وتحدث في فصل خاص عن الحيوان الطائر في البيوت (الدواجن) مثل الحمام والأوز والدجاج ونحل العسل، واقتناء الكلاب للصيد والزرع .
ويذكر الدكتور عبد الحليم منتصر أن “كازبري” في “فهرسه” كان أول من نبه الأذهان إلى وجود المخطوطات الكاملة لهذا الكتاب بمكتبة الأسكوريال، وقد نشر بانكويري هذا الكتاب مع ترجمة إسبانية سنة 1803م، وبعد أكثر من نصف قرن نشر “كليمان ميوليه” ترجمة فرنسية لهذا الكتاب 1864م ونقد “دوزي” ثم هنكادة كلا من المترجم والناشر .
اتسم ابن العوام بالأمانة العلمية في العرض والاستشهاد بأقوال الغير، ويعتبر أول من عرف وحدد التربة على أساس نوعها، وكان ينوه عن تجاربه العلمية واستعمل العديد من المصطلحات والمسميات .
وأخيراً فإن ابن العوام بحق من العلماء الذين انتهجوا الأسلوب العلمي والتطبيقي في علوم الفلاحة، حيث نجد في كتابه العديد من النظريات الزراعية والتجارب التي قام بها، وهذه الأسس المنهجية في الدراسة نجدها الآن في الجامعات .
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات