الحكمة من شق صدر النبى صلى الله عليه وسلم
لا تقل إن وصولي بالعمل .. أو بقطع الوقت في طول الأمل
إن مولانا تنزه عن علـل .. إنـه الرب المنـزّه والكبيـر
إياك أن تظن أن هذه الأشياء هي التي توصل فهذه الأشياء بدون فضل الله كيف تفعلها؟
ليس الرقي إلى العليا بأعمال .. ولا الوصول بأحوال وأموال
لكنه منة من فضل واهبـه .. به تعد جميلاً بين أبـــدال
ما الشيء الذي أجاهد فيه إذن؟ خلق عظيم وإيقان ومعرفة بالله ذي الفضل والإحسان والوالي هذا طريق الصالحين رضي الله عنهم في كل وقت وحين ، فالطريق المختصر إلى الله هم الصالحون والتسليم لمن أقامهم سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم في كل وقت وحين ، فالمشهد الأول هو المشهد الآخر وهو ما يعاد في كل زمان ومكان كما أخبر الله في القرآن
فإذا جاهد السالك بإشارات العارف فســيعينه الله على التغلب على الزخارف و المطارف ولا يوجد من يتغلب على هذه الأشياء بنفسه أبداً فإن لم تكن الإعانة من الله ودعوة من رجل صالح من عباد الله؟ من فينا يستطيع أن يتغلب على زخارف الدنيا؟
والإشارة واضحة في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الله طهَّره تطهيراً ، ولكنه بعث له بلجنة من الملائكة وشقوا صدره وأخرجوا حظ الشيطان من قلبه وغسلوه ، لكي يعرفنا أن هذه الأشياء لن تستطيع أن تقوم فيها بمفردك وإنما لا بد أن يقوم بها رجال حالهم ملكوتي وتكليفهم رباني كلفهم الله بذلك لك لأن الله يرى أنك أصبحت سالكاً ، وصالحاً
لذلك فالعبادات والمجاهدات كانت أولى بتطهير إبليس لأنه عبد الله اثنين وسبعين ألف سنة هل هذه العبادات طهرته؟ أبداً ، ولكنه والعياذ بالله أصيب بداء الغرور والكبر ولم ينفع معه علاج لكن التطهير يتطلب عناية من العلي الكبير:
نظر الله نظرة فحباني .. وإمام الهدى لذاتي رشيد
فالموضوع كله نظرة من الله ، وإرشاد من حَبيب الله ومُصطفاه ، لكن ما الذي معنا لنجاهد به؟ من فينا يستطيع أن يجاهد نفسه الأمارة إذا قامت عليه؟ لايوجد أحد إلا إذا أعانه الله وقواه مولاه ونظر إليه حَبيب الله ومُصطفاه
هنا يستطيع أن يلم بهذا الجهاد وأن يخلص من هذا التنائي وأن يرقى إلى بساط الوداد من الله ، وإذا أكرموه وأعانوه وطهَّروه فإن الله أول ما يفتح عليه ، يفتح عليه من علوم الإلهام ، علم حكمة الأحكام فلا يصنع حكماً ولا يقوم بأمر إلا ويظهر الله له حكمته مثلما رأى رسول الله حكمة الأحكام
حكمة الأعمال الصالحة وحكمة المنهيات ، فيرى الإنسان ذلك ويصل إلى أذن قلبه من هذه العلوم ما لا يستطيع أحد من العالمين من الأولين أو الآخرين كتابته لأنها علوم تترى على القلب ، إذا وصل إلى هذا المقام كلما يرى مشهد يواليه الله بعلوم تخص هذا المشهد
ومثل هذا لو دعى الناس إلى الله يؤثر فيهم لأنه يدعوهم بعلم اسمه علم الآيات فكلما يرى آيه يكشف الله عن علوم أهل العناية المبثوثة في هذه الآية فلما يظهر بعضها على قدر ما تتحمله العقول وعلى قدر ما تساعده الأدلة من النقول يؤخذ الحاضرون من هذا الكلام لأنه علم طازج ، ودائماً الإنسان يميل للشيء الحي القريب من الحي عز وجل
ولذلك كان الشيخ أبو مدين الغوث رضي الله عنه ، عندما كان يتحدث أمامه المتحدثون وكانوا يحضّرون دروسهم من الكتب كان يقول لهم: لا تحدثونا عن السابقين ولكن حدثونا بما فتح الله عليكم ، لأن هذا الكلام كان لأهل زمانهم وأهل عصرهم نحن نريد ما يناسب العصر والزمان ، ألم يقل الله في القرآن: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} القيامة19
متى هذا البيان؟ كل زمان له بيان وكل وقت بل كل نفس له بيان من القرآن وإياك أن تظن أن أحداً من العارفين له بيان في آية من القرآن ثابت لأن الآية الواحدة في كل نَفَس له بيان فيها من الله ولو كررها مرة ثانية له بيان ثان ثم بيان ثالث من أين؟ {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} الكهف65
لأن القلب طهر لله والفؤاد إحتشى بعلم اليقين من رجل صالح من عباد الله ، وأعانوه على تطهير سره لله فيمده الله من عنده بعلوم الإلهام: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} الكهف65
يريد أن يرتقي فيطالع بعين فؤاده في أحوال المقربين إن كانوا من المرسلين أو من النبيين أو من الصالحين ؛ يحاول أن يطالع أحوالهم ويطلِّع على أخلاقهم ليتأسى بهم في كيفية سيره إلى ربه ، كما فعل الله برسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد جمع الله له الأنبياء والمرسلين أجمعين ليتعرف على أحوالهم وعلى مواهبهم وعلى عطاءاتهم ويعرف ويدرك أن الله خصَّه بما لم يخصّْ واحداً منهم فيعلم إكرام الله له وخصوصية الحق التي خصَّه بها لأنه زاده على كل النبيين والمرسلين بما رآه وعاينه صلى الله عليه وسلم في ليلة القرب من ربه