الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
ترجمة الشيخ، المحقق و المدقق، شيخ زمانه، مولاي العربي الدرقاوي-رضي الله عنه و قدَّس الله سرَّه في أعلى عليين من كتاب "سلوة الأنفاس و محادثة الأكياس بـمن أقبر من العلماء و الصلحاء بفاس"
قال الإمام المحدّث محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني-رحمه الله-في ترجمة مولانا
العربي الدرقاوي-رضي الله عنه-ما نصه:
"........من أفراد الكمَّل العارفين بالله، الدّالين بأقوالهم و أفعالهم جميع أحوالهم
على الله، جامعًا لمحاسن الشيم و الأخلاق، طائرًا بصيته المعجب في جميع البلاد من المشرق و المغرب، حتى انتشرت أتباعُه في عامة الأقطار، و عمرت زواياه بالإخوان الفقراء في سائر البوادي و الأمصار، و صار شيخ العصر في مقام الجبر و الكسر، كعبةً للطائفين، و قدوةً للسالكين، و ملاذًا للخائفين، و سراجًا للسائرين، و ظهرت له كرامات أجلى من الشمس في الوضوح، يغدو بمشاهدتها جميع من أهَّله الله لرؤيتها و يروح، و تواترت بها النقول، فتلقاها العظماء بالقبول.
أخذ رحمه الله عن جماعة من الأولياء، و جمهور من الكبراء الأصفياء، و عمدته منهم الشيخ العارف بالله مولانا أبو الحسن علي الجمل-رضي الله عنه، فبه أشرقت في صدره أنوار العرفان، و تجلت له من ربّه شموس الإحسان، ووقع له الفتح الكبير، و المدد الفيَّاض الغزير، و تخرَّجَ على يده هو من لا يحصى من الشيوخ و أرباب التمكين و الرسوخ. منهاج طريقته:
و طريقته-رضي الله عنه-مبنية على اتباع السنة في الأقوال و الأفعال و العبادات و العادات، و مجانبة البدع كلها في جميع الحالات، مع كسر النَّفس و إسقاط التدبير و الاختيار، و التبري من الدَّعوى و الاقتدار، و الإكثار من الذّكر آناء الليل و أطراف النهار، و الإشتغال بالمذاكرة و ما يعني، و ترك ما يُعني.
و بالجملة فطريقته-رضي الله عنه-جلالية الظاهر جمالية الباطن، و إن شئت قلت: سفلية الظاهر علوية الباطن، كطريقة شيخه. ولادته:
ولد-رحمه الله-بعد الخمسين و المائة و الألف ببني زروال، وبها توفي ليلة الثلاثاء الثاني و العشرون من صفر الخير عام 1239هجرية الموافق لـ 25 من نوفمبر 1825 ميلادية. و أحواله و أوصافه و معارفه لا يفي بها قلم، و هي من الشهرة كنار على علم-رضي الله عنه-و نفعنا به و بأمثاله، آمين. من بركات المكان الذي وُلد فيه، أي بني زروال:
إن القبيلة التي وُلد فيها-رحمه الله- مباركة لها منافع كثيرة، و خواص شهيرة؛ منها:
أنَّ بها أولاد الخلفاء الأربعة ساداتنا أبي بكر و عمر و عثمان و علي-رضي الله عنهم
و منها ما جمع الله فيها من الزروع و الدروع و العنب و الزيتون و الفواكه و شجاعة أهلها
و منها أنَّ الولي الكبير الأستاذ الشهير سيدي الحاج بن فقيرة الزروالي، قرأ سلكة]أي ختمة[ برواية السبع في الروضة الشريفة، روضة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ختمها أجابه صلى الله عليه وسلم و قال: "هكذا أنزل عليَّ أيها الإمام الزروالي، بارك الله فيك و في قبيلتك الزروالية." قراءته و حفظه للقرآن:
حفظ القرآن-رضي الله عنه-في السلكة الأولى حفظًا مُتقنًا، و كان محبوبًا عند جميع من رآه. قال-رحمه الله-: "كنت أسلك للطلبة ألواحهم، و كثيرًا ما أقبض اللوح بيدي و أقول لصاحبه قبل أن أنظر فيه: هذا اللوح ثقيل فيه كذا و كذا خسارة، أو خفيف ما فيه إلاَّ كذا و كذا، أو لا شيء فيه، فلا أجد إلاَّ ما أخبرتهم به-إلهاماً من الله سبحانه و تعالى....."
و كانت حالته في القراءة عدم التَّكلف، بل يكتب اللوح و يتأمله قليلاً و يتركه، و يشتغل بالكتابة بألواح الطلبة و يسرد معهم، و كذلك قراءته للسبع حتَّى حفظها. قصة ملاقاته بشيخه في التصوف، الشيخ و سيدي علي الجمل-رحمها الله:
قال مولانا العربي الدرقاوي-رضي الله عنه:"......و كان من عادتي أن لا أقوم على أمر من الأمور، جليلاً أو حقيرًا، إلاَّ بعد الإستخارة النبوية، فاستخرت الله في تلك الليلة، فبت أخوض في صفاته ]أي الشيخ المربي[ كيف هو؟ و كيف تكون ملاقاتي معه؟ حتى لم يأخذني النوم تلك الليلة. و لـمَّا قصدته]أي شيخه، الشيخ علي الجمل[ لزاويته بالرميلة التي بين المدن عدوة الوادي من جهة القبلة-شرفها الله-و هي التي ضريحه بها الآن مشهور مقصودٌ للزيارة، فدققت الباب فإذا به قائمٌ يشطب ]أي يكنس[ الزاوية، إذ كان لا يترك تشطيبها بيده المباركة كل يوم مع كبر سنه و علو شأنه، فقال: أيش تريد؟ قلت: أريد ياسيدي أن تأخذ بيدي لله. فقام معي قومةً عظيمةً، و لبَّس الأمر عليَّ و أخفى عني حاله، و صار يقول: من قال لك هذا؟ و من أخذ بيدي أنا حتَّى آخذ بيدك؟ و زجرني و نهرني، و كل ذلك اختبارًا لصدقي، فوليت من عنده. قال: فاستخرت الله تلك الليلة أيضًا، فصليت الصبح، و قصدته لزاويته أيضًا، فوجدته على حاله يشطب الزاوية-رضي الله عنه، فدققت الباب؛ ففتح لي، و قلت: تأخذ بيدي لله؟ فقبض علي يدي و قال لي: مرحبًا بك، و أدخلني لموضعه بالزاوية، و فرح بي غاية الفرح، و سُـرَّ بي غاية السرور، فقلت له: يا سيدي كم لي أُفتش على شيخ؟! فقال لي: و أنا أفتش على مريد صديق!!! فلقنني الوِردَ، و قال لي:امش و اجيء ]أي تردد علي بلا حرج؛ أو تعالى لتزورني بدون حرج[، فكنت أمشي و أجيء كلَّ يوم؛ فيذكرني مع بعض الإخوان من أهل فاس-حرسها الله من كلِّ بأس.
و لزم مولاي العربي الدرقاوي-رضي الله عنه-شيخه سنتين، و لما فاجأه الفتح المبين، و تمكن من حاله غاية التمكين، و أراد الله نفع العباد به، خرق عنان عنايته إلى الإنتقال من فاس إلى بلده قبيلة بني زروال، حيث هو الآن بها، فاستأذن شيخه في الرحيل بأولاده فأذن له في ذلك.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 12-23-2010 الساعة 02:27 PM