في حكم ساب آل بيت النبي محمد
حدثنا القاضي الشهيد أبوعلي رحمه الله ، حدثنا أبو الحسين الصيرفي وأبو الفضل العدل ، حدثنا أبو يعلى ، حدثنا أبو علي السنجي ، حدثنا ابن محبوب ، حدثنا الترمذي ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا عبيدة بن أبي رابطة ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن عبد الله بن مغفل ، قال : قال رسول الله : الله ، الله في أصحابي . لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه .
وقال : لا تسبوا أصحابي ، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً و لا عدلاً .
وقال : لا تسبوا أصحابي ، فإنه يجيء قوم في آخر الزمان يسبون أصحابي فلا تصلوا عليهم ، ولا تصلوا معهم ، ولا تناكحوهم ، ولا تجالسوهم ، وإن مرضوا فلا تعودوهم .
وعنه قال : من سب أصحابي فاضربوه .
وقد أعلم النبي أن سبهم وأذاهم يؤذيه ، وأذى النبي حرام ، فقال : لا تؤذوني في أصحابي ، ومن آذاهم فقد آذاني .
وقال : لا تؤذوني في عائشة .
وقال في فاطمة : فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها .
وقد اختلف العلماء في هذا ، فمشهور مذهب مالك في ذلك الاجتهاد والأدب الموجع ؟ قال مالك رحمه الله : من شتم النبي قتل ، ومن شتم أصحابه أدب .
و قال أيضاً : من شتم أحداً من أصحاب النبي : أبا بكر ، أو عمر ، أو عثمان ، أو معاوية ، أو عمرو بن العاص ، فإن قال : كانوا على ضلال وكفر قُتِلَ ، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نُكِّلَ نكالاً شديداً .
وقال ابن حبيب : من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أدب أدباً شديداً ، ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر فالعقوبة عليه أشد ، ويكرر ضربه ، ويطال سجنه حتى يموت ، ولا يبلغ به القتل إلا في سب النبي .
وقال سحنون : من كفر أحداً من أصحاب النبي : علياً ، أو عثمان ، أو غيرهما يوجع ضربا ً .
وحكى أبو محمد بن أبي يزيد ، عن سحنون : من قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي : إنهم كانوا على ضلالة وكفر قُتِل . ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل ذلك نُكِّل النكال الشديد .
وروي عن مالك : من سب أبا بكر جلد ، ومن سب عائشة قُتِل . قيل له : لم ؟ قال : من رماها فقد خالف القرآن .
وقال ابن شعبان عنه : لأن الله يقول :(يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (النور : 17 )، فمن عاد لمثله فقد كفر .
وحكى أبو الحسن الصقلي أن القاضي أبا بكر بن الطيب قال : إن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سبح نفسه لنفسه ، كقوله : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ... ) (الأنبياء : 26 ) في آي كثيرة . وذكر تعالى ما نسبه المنافقون إلى عائشة فقال : (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) (النور : 16 ) ـ سبح نفسه في تبرئتها من السوء ، كما سبح نفسه في تبرئته من السوء .
وهذا يشهد لقول مالك في قتل من سب عائشة .
ومعنى هذا ـ والله أعلم ـ أن الله تعالى لما عظَّم سبَّها كما عظَّم سبَّه ، وكان سبُّها سباً لنبـيِّه ، وقرن سب نبيه وأذاه بأذاه تعالى ، وكان حكم مؤذيه تعالى القتل كان مؤذي نبيه كذلك كما قدمناه .
و شتم رجل عائشة بالكوفة ، فقدم إلى موسى بن عيسى العباسي ، فقال : من حضر هذا ؟ فقال ابن أبي ليلى : أنا ، فجلده ثمانين ، وحلق رأسه ، وأسلمه إلى الحجامين .
وروي عن عمر بن الخطاب أنه نذَر قطعَ لسانِ عبيد الله بن عمر ، إذ شتَم المقداد بن الأسود ، فكُلِّمَ في ذلك ، فقال : دعوني أقطع لسانَه حتى لا يشتِم أحدٌ بعدُ أصحابَ النبي .
وروى أبو ذر الهروي أن عمر بن الخطاب أتي بأعرابي يهجو الأنصار ، فقال : لولا أن له صحبة لكفيتكموه .
قال مالك : من انتقص أحداً من أصحاب النبي فليس له في هذا الفيء حق ، قد قسم الله الفيء في ثلاثة أصناف ، فقال :(لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحشر : 8 ).
ثم قال:(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر 9 )
وهؤلاء هم الأنصار .
ثم قال :(وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحشر : 10 ).
فمن تنقصهم فلا حق له في فيء المسلمين .
وفي كتاب ابن شعبان : من قال في واحد منهم إنه ابن زانية وأمه مسلمة حد عند بعض أصحابنا حدين : حداً له ، وحداً لأمه ، ولا أجعله كقاذف الجماعة في كلمة لفضل هذا على غيره ، ولقوله : من سب أصحابي فاجلدوه ، قال : ومن قذف أم أحدهم وهي كافرة حُدَّ حَدَّ الفرية ، لأنه سب له ، فإن كان أحد من ولد هذا الصحابي حياً قام بما يجب له ، وإلا فمن قام به من المسلمين كان على الإمام قبول قيامه ، قال : وليس هذا كحقوق غير الصحابة لحرمة هؤلاء بنبيهم ، ولو سمعه الإمام ، وأشهد عليه ، كان ولي القيام به ، قال : ومن سب غير عائشة من أزواج النبي ففيها قولان : أحدهما : يُقتل ، لأنه سب النبي بسب حليلته .
والآخر : أنها كسائر الصحابة ، يجلد حد المفتري ، ، قال : وبالأول أقول .
و روى أبو مصعب ، عن مالك ـ فيمن انتسب إلى بيت النبي يضرب ضرباً وجيعاً ، ويشهر ، ويحبس طويلاً حتى تظهر توبته ، لأنه استخفاف بحق الرسول .
وأفتى أبو المطرف الشعبي فقيه مالَقة في رجل أنكر تلحيف امرأة بالليل ، وقال : لو كانت بنت أبي بكر الصديق ما حُلِّفَتْ إلا بالنهار ، وصوب قوله بعض المتسمين بالفقه ، فقال أبو المطرف : ذكر هذا لابنة أبي بكر في مثل هذا يوجب عليه الضرب الشديد والسجن الطويل .
والفقيه الذي صوب قوله أحق باسم الفسق من اسم الفقه ، فيتقدم له في ذلك ، ويزجر ، ولا تقبل فتواه ولا شهادته ، وهي جرحة ثابتة فيه ، ويُبْغَضُ في الله .
وقال أبو عمران في رجل قال : لو شهد علي أبو بكر الصديق : أنه إن كان في مثل هذا لا يجوز فيه الشاهد الواحد ، فلا شيء عليه ، وإن كان أراد غير هذا فيضرب ضرباً يبلغ به حد الموت ، وذكروها رواية ......