قصّة قصيدة
عن أبي عبيدة قال: كانت امرأة من العرب ذات جمال وكمال وحسب ومال، فآلت أن لا تزوج نفسها إلا كريماً،ولئن خطبها لئيم لتجدعنَّ أنفه،فتحاماها الرجال حتى انتدب لها زيد الخيل وحاتم ابن عبد الله، وأوس بن حارثة بن لأم الطائيون. فارتحلوا إليها فلما دخلوا عليها قالت: مرحباً بكم ما كنتم زواراً، فما الذي جاء بكم؟ فقالوا جئنا زواراً وخطاباً، قالت أكفياء كرام ، فأنزلتهم وفرّقت بينهم وأسبغت لهم القرى وزادت فيه، فلما كان في اليوم الثاني بعثت بعض جواريها متنكرة في زي سائلةٍ تتعرض لهم، فدفع لها زيد وأوس شطر ما حمل إلى كل واحد منهما فلما صارت إلى رحل حاتم دفع إليها جميع ما حمل إليه، فلما كان في اليوم الثالث دخلوا عليها فقالت ليصف كل واحد منكم نفسه في شعره، فابتدر زيد وأنشأ يقول:
هلا سألت بني نبهان ما حسبي=عند الطعان إذا ما احمرت الحدق
وجاءت الخيل محمراً بوادرها=بالماء يسفح عن لباتها العلق
والخيل تعلم أني كنت فارسها=يوم الأكس به من نجدة روق
والجار يعلم أني لست خاذله=إن ناب دهر لعظم الجار معترق
هذا الثناء فإن ترضى فراضيةٌ=أو تسخطي فإلى من تعطف العنق
وقال أوس بن حارثة إنك لتعلمين أنا أكرم أحساباً وأشهر أفعالاً من أنصف أنفسنا لك، أنا الذي يقول فيه الشاعر:
إلى أوس بن حارثة بن لأم=ليقضي حاجتي فيمن قضاها
فما وطئ الحصى مثل ابن سعدي=ولا لبس النعال ولا احتذاها
وأنا الذي عُقَّتْ عقيقته فأعتقت عن كل شعرة منها نسمة وأنشأ يقول:
فإن تنحكي ماوية الخير حاتماً=فما مثله فينا ولا في الأعاجم
فتى لا يزال الدهر أكبر همه=فكاك أسير أو معونة غارم
فإن تنكحي زيدا ففارس قومه=إذا الحرب يوم أقعدت كل قائم
وصاحب نبهان الذي يتقى به=شذا الأمر عند المعظم المتفاقم
وإن تنكحيني تنكحي غير فاجر=ولا جارف جرف العشيرة هادم
ولا متق يوماً إذا الحرب شمرت=بأنفسها نفسي كفعل الأشائم
وإن طارق الأضياف لاذ برحله=وجدت ابن سعدي للقري غيرعاتم
فأي فتى أهدى لك الله فاقبلي=فإنا كرام من رؤس الأكارم
وأنشأ حاتم يقول:
أماوي قد طال التجنب والهجر=وقد عذرتني في طلابكم العذر
أماوي إما مانع فمبين=وإما عطاءٌ لا ينهنهه الزجر
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى=إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
وقد علم الأقوام لو أن حاتماً=أراد ثراء المال كان له وفر
إلى أن أتى على القصيدة وهي مشهورة، فقالت : أمّا أنت يا زيد فقد وترت العرب وبقاؤك مع الحرة قليل، وأمّا أنت يا أوس فرجل ذو ضرائر والصبر عليهن شديد، وأمّا أنت يا حاتم فمرضي الخلائق محمود الشّيم، كريم النفس، وقد زوجتك نفسي.
أمالي الزجاج