البقدونس مفروم.. والمحاشي جاهزة
سوق التنابل في سورية عنوان الكسالى والأثرياء
تأسس قبل حوالي 15عاماً وكانت انطلاقته من محل لبائع خضار جاء من سوق الشيخ سعد بمنطقة المزة بدمشق يلقب (أبوعدنان) وبعد نجاح أبوعدنان ومرابحه الكبيرة قلده العديدون وحولوا محلاتهم إلى بيع الخضار الجاهزة فتحول الشعلان إلى سوق كبير مشهور ومعروف بدمشق، خاصة وأنه يتوسط المدينة ويتفرع من أهم شارعين
هما الحمراء وأبو رمانة. ولكن شهرتها الأكبر جاءت من تخصصه الفريد والنادر ببيع كل أنواع الخضار الجاهزة للطبخ بعد تحضيرها مغلفة بشكل أنيق حيث لا تحتاج المرأة إلا لفتح كيس الخضار وتحضيرها للطبخ أو للمقبلات حيث يجد الزائر لسوق الشعلان البقدونس المفروم الجاهز لإضافته للسلطة والتبولة معبأ بأكياس وبأوزان مختلفة حسب رغبة السيدة التي تريد شراء البقدونس، كذلك هناك الكوسا والباذنجان واليقطين محفور ومنقوب بشكل جيد ومعبأ أيضاً بالأكياس وجاهز لحشيه بالرز واللحم وطبخه ليتحول إلى محاشي وهناك الجزر الجاهز أيضاً للطبخ والفاصولياء والبامياء واللوبياء المنقاة والمفرومة الجاهزة للطبخ!...
أشكال وأنواع من خضار دمشق يعرضها عشرات الباعة في سوق الشعلان والذي أصبح العامة يطلقون عليه ومنذ سنوات (سوق التنابل) أو سوق النساء الكسالى حيث زبائنه من النساء اللاتي يبحثن يبحثون عن الراحة في مطابخهن، ولذلك يشترين الخضار منه جاهزة للطبخ، وهذه التسمية يعترض عليها بعض الباعة والنسوة من زبائن السوق وسبب الاعتراض أن ليس كل زبائن السوق من النساء التنابل (أي الكسالى قليلات الحركة في منازلهن حسب التفسير المحلي لكلمة تنابل المنتشرة بين السوريين) فهناك النساء العاملات في دوائر الدولة والمعامل والشركات، وهؤلاء مضطرون لشراء الخضار الجاهزة من سوق الشعلان بسبب دوامهن الطويل وعدم مقدرتهن على التوفيق ما بين متطلبات الطبخ في منازلهن والعمل لساعات طويلة تمتد من الثامنة صباحاً وحتى الرابعة عصراً، كذلك هناك مدرسات الجامعات والطبيبات والمحاميات والمهندسات وسيدات الأعمال ونساء الجاليات الأجنبية المقيمات في دمشق وهؤلاء ليس لديهن الوقت لتحضير الطعام في مطابخهن فيرتادون سوق الشعلان، وبعد أن وجد أصحاب محلات السوق كثرة الإقبال على منتجاتهم من الخضار الجاهزة رفعوا أسعارهم بحيث تفوقت على أسعار كل أسواق دمشق المعروفة وصار يطلق على سوق الشعلان تسمية جديدة وهي: (سوق الغلاونجية) أي سوق المواد الغالية والمرتفعة الثمن. ويبرر أحد الباعة ويدعى (جواد السمير) ارتفاع الأسعار لديهم قائلاً لـ «الشرق الأوسط»: نحن نقدم خدمات مميزة للزبائن وهذه تحتاج لتكاليف مرتفعة، فالمتعارف عليه في عملنا أننا كأصحاب محلات هنا في سوق الشعلان نتعاقد مع نساء فقيرات في حارات دمشق الفقيرة والشعبية ونرسل يومياً لهن الخضار التي نشتريها بعبوات كبيرة من سوق الهيل في منطقة الزبلطاني بدمشق وتقوم النساء بما يشبه الورش حيث تشترك معهن بناتهن وحتى أزواجهن في فرم البقدونس وحفر الكوسا والباذنجان وتنقية الفاصولياء والبامياء وغيرها وبعد الانتهاء يتصلون بنا فنأتي بسياراتنا الشاحنة ونقوم بتعبئة الخضار بالأكياس وبأوزان مختلفة لتلبي رغبات النساء الزبونات وبالتالي فإن تكلفة تحضير هذه الخضار مرتفعة ما بين دفع أجور للنساء الفقيرات في الورش وأجور النقل والتغليف وغيرها، وهذه كلها ستؤدي لرفع أسعارها.
الشيء الطريف الذي أعلمنا به بعض الباعة في سوق الشعلان أن الأمور تتطور باستمرار فلم تعد بعض النساء من زبائن السوق تكتفي بشراء الخضار المفرومة والجاهزة بل بدأن يطلبنها مطبوخة وواصلة حتى إلى بيوتهن ولذلك يقول أبو عمار ـ وهو بائع في سوق الشعلان ـ: بدأنا نتعاقد مع بعض النساء الفقيرات الماهرات بالطبخ ليطبخن المحاشي من كوسا وباذنجان ويقطين أو ورق دوالي وشيخ المحشي والفاصولياء مع الرز ونرسلها لمن تطلبها من النساء وهؤلاء (يضيف أبو عمار) هن غالبا من الموظفات أو الكسالى جداً والثريات لأن التكلفة هنا مرتفعة جداً فأكلة محاشي على الطريقة الحلبية ـ يضحك أبو عمار معلقاً وقائلاً أليست حلب (أم المحاشي والكبب)!.. تكلف لخمسة أشخاص أكثر من ألف ليرة سورية( حوالي 20 دولاراً أميركياً) حيث تحتاج إلى لحم الغنم البلدي والرز والسمن والبندورة والكوسا والباذنجان المحفورة، فهل نحن غلاونجية بذلك السعر ـ يقول أبوعمار معلقاً على تسمية سوقه بسوق الغلاونجية
ـ.
الشيء الطريف الآخر ـ ومن منطلق «ما حدا أحسن من حد» ـ انتشرت في السنوات الثلاث الأخيرة في العديد من مناطق دمشق الراقية نساء ريفيات يبسطن على الأرصفة وغالباً ما يأتين برفقة أزواجهن وهؤلاء بدأن يقلدن سوق الشعلان، حيث يأتين بالخضار من قراهن ويجلسن على الأرصفة يحفرن الكوسا والباذنجان ويفرمن البقدونس والفاصولياء ويبعنها إلى نساء هذه المناطق اللواتي وجدن فيهن ظاهرة جيدة ومفيدة ومريحة لهن، خاصة وأن النساء الريفيات موجودات في شوارعهن ولا حاجة للذهاب إلى سوق الشعلان، وهنا الفائدة متبادلة بين الطرفين، ولكن المشكلة كما ترويها أم سالم ـ التي تفترش الرصيف في منطقة العباسيين الراقية بدمشق والقادمة من إحدى قرى غوطة دمشق الشرقية ـ هي في أن نساء المنطقة يساومنها ويطلبن منها تخفيض أسعارها، بينما لا يفعلن ذلك في سوق الشعلان، كذلك تواجهن مشكلة ملاحقة شرطة المحافظة لهن في بعض الأحيان بسبب إشغالهن لأرصفة المشاة، وتضيف أم سالم أن البائعين للخضار في المناطق التي يبسطون بها يحاربونهن ويشتكون عليهن للمحافظة وقد وجدوا حلاً لهم باتفاق أدبي وهو أن لا تبيع النساء الريفيات الخضار بأسعار أقل من أسعار هذه المحلات، وبالتالي تكون الأسعار موحدة على الرصيف ولدى الباعة في المحلات ولكن حتى بعض باعة سوق الشعلان يحرضون عناصر المحافظة عليهن ولذلك يضطررن في بعض الأيام للتغيب عن هذه المناطق حتى لا تقوم شرطة المحافظة بمصادرة الخضار الذي بحوزتهن