عندما وقف " محمود محمد " على قدميه في عرس ابنته بعد 16 سنة قضاها مقعدا على الكرسي المتحرك لم يصدق الحاضرون ما حدث بل إنهم نسوا أنهم في مناسبة عرس وفرح، ليذرفوا الدموع بشدة وهم يحتضنوه و كأنه كان في حالة غربة وسفر طويلة الأمد .
قصة أشبه بما يحدث بالأفلام العربية أو حتى أفلام الأكشن الأمريكية هي التي حدثت تفاصيلها لـ " محمود محمد " البالغ من العمر 47 عاما منذ سفره إلى سويسرا وعودته مقعدا على كرسي متحرك إلى حلب، ليقضي أيامه وهو يبيع الدخان المهرب في حي الشيخ مقصود جانب منزله إلى أن نهض من كرسيه مدهشا كل أهالي الحي بما يعتبره معجزة إلهية ليعتبر بها البشر بعد تراجع وقلة الإيمان لديهم .
هروب فاشل من السجن !
تبدأ القصة في عام 1993 في مدينة " زيورخ " بسويسرا عندما كان " محمود " يعمل كمسؤول عن الكراسين في أحد المطاعم في المدينة إلى أن وشى به أحد الأشخاص كونه لا يمتلك إقامة رسمية في البلد الأمر الذي دفع مجموعة من البوليس إلى القبض عليه وأشخاص آخرين وزجهم في السجن .
يروي " محمود " لـ عكس السير :" القي القبض علينا داخل المطعم وكنا ثمانية أشخاص وتم تحويلنا فورا إلى أحد السجون تمهيدا لترحيلنا خارج البلد ،وبعد ثلاثة أشهر في السجن قررت الهروب ووضعت خطة محكمة للتسلل عبر النوافذ خلال دقائق فقط لكني سقطت من ارتفاع ثلاثة عشر مترا على ظهري عندها شعرت بشلل تام في أطرافي السفلية ورغم ذلك أعادوني إلى السجن دون معالجة "
ويكمل :" بعد عدة أيام من الحادثة تم نقلي إلى مشفى جنيف بواسطة طائرة هليكوبتر وتغيرت نظرتهم اتجاهي بعد اكتشافهم مدى إصابتي وخضعت لعدة فحوص طبية ثم نقلت إلى مشفى ثان في مدينة بازل لقد أخبروني أنه من الممكن إن نجري لك عملية زرع بلاتين في ظهري والأمل ضعيف فأجبتهم بالرفض وطلبت منهم المعالجة الفيزيائية فقط وكان أملي بالله عظيما طوال الوقت "
لمدة عام و" محمود " يخضع لعدد هائل من الأدوية الطبية منها حقن مورفين في المعدة لتحفيز حركة الدم وعدد كبير من جلسات العلاج الفيزيائي والمساجات دون فائدة تذكر فقرر المشفى في النهاية خروجه لتمنحه الحكومة السويسرية منزلا مع تعويض مالي كبير و استقدام زوجته وأولاده أيضا .
يقول " محمود " : " أصبحت أعيش حياتي بشكل طبيعي في سويسرا وعندما أعادت الحكومة أسرتي إلى سوريا بعد مدة زمنية لرفضهم إقامتهم هنا قررت العودة إلى سوريا وكان ذلك في العام 1999 وطوال هذه السنوات كنت أخبر أهلي بأني سوف أنهض يوما ما من الكرسي وكانوا يرددون إنشاء الله "
بعد العودة إلى مدينة حلب وتحديدا في حي الشيخ مقصود شرقي اتخذ محمود من زاوية رصيف قرب منزله بسطة دخان لتأمين لقمة عيشه و لم تمنع حالته عناصر المكافحة من مصادرة عدد كبير من علب الدخان .
يقول " محمود " : " سنوات طوال وأنا أجلس في هذه الزاوية تحت شمس الصيف وأمطار الشتاء لأحصل على مصروف عائلتي ثم قررت أن افتح محلا للمواد الغذائية فاستدنت مبلغا من المال و بدأت بالعمل بجد حتى تمكنت من تحسين حالتي المادية وكل ذلك وأنا أجلس على الكرسي ومن يومها والناس يسمون المحل بدكان العاجز "
في العرس: الفرحة فرحتان
في الرابع من أيار من الشهر الحالي كانت المفاجأة، المكان هو أحد صالات الأفراح في مدينة حلب الكل يهنئ محمود " أبو كمال " المقعد على زواج ابنته ويتمنون لها أيام سعيدة وجميلة والأب متأثر لمغادرة ابنته المنزل إلى بيت زوجها كما جميع الآباء .
يقول " أبو كمال " : " لقد أخبرت أخي أنني سوف أنهض من الكرسي الآن ونهضت أمام الجميع وهم ينظرون إلي طلبت الميكرفون وقلت لهم هذه مشيئة الله التي قلت لكم أنها سوف تتحقق وأجهش جميع الحضور بالبكاء فرحا "
كمال ابن " العاجز الذي وقف " كما يسميه السكان حتى اليوم لا يصدق أن والده عاد ليمشي على قدميه في الحي ، الجميع يلقي التحية اليوم على أبو كمال تحية ربما تكون أكثر حرارة من ذي قبل .
أحد الأطباء طلب مجموعة من الصور لمتابعة حالته الاستثنائية كما يمكن اعتبارها في حين يعاني اليوم من بعض الانتفاخ في القدمين .
" محمود " الذي لم يشك يوما بقدرة الله يدعو الناس لأخذ العظة والدرس من حالته بعدم فقدان الأمل وهو يردد حتى اللحظة الجملة المحببة له .... يا قوي على كل قوي !
عمار دروبي - عكس السير