"ومتى ذكرت اسمه تعالى"الرحيم" وأنت مستحضر رحمته بك وبالعالم، انجذب قلبك إلى التخلُّق بأخلاق حبيبك سبحانه وتعالى، وعند ذلك تلبس حلةً إلهية، نورانيَّةً، مفاضةً من الحضرة القدسية، وهي أن يكتبك الله عنده رحيماً؛ والرحيم هو "الله" وأنت لابس حلَّة "الرحيم" فيحبّك الله لهذا المعنى الذي منه، وإن ملائكة اسماء تتنـزَّل لزيارة صاحب الخلق الإلهي، لأنه لبس حلَّة سيده، وتجمَّل بجمال موجدِه.
والذي لبس هذه الحُلَّة في الظاهر والباطن هو سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.
فقد صرَّح القرآن بقوله:{ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } (1) .
فقد جمله الله باسمين من أسمائه ليدلَّ الخلق على دليل عطائه، وكيف لا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرحم المنافقين، ويبكي أسفاً على ضياعه من ويرحم الكافرين، ويدعو لهم بالهدى مع التوالي عليه بالإيذاء (2) .
وقد سرت رحمته إلى الحيوان المذبوح؛ فكلَّفنا بأننا "نحدُّ السكين، ونذبحه بعيداً عن أخواته، ونريحه حال الذبح، ولا نريه السكين قبل الذبح!!!" (3) .
وسرت رحمته إلى من عليه جناية، أو يستحق القتل؛ بأننا لا نمثِّل به، ولا نشوِّهه، ولا نحرقه بالنار.
فالثعبان وهو عدوُّنا لا نحرقه بالنار، والمشرك الأسير لا نمثِّل به ولا نشوِّهه (4) .
فالقلب العامر بالرحمة صار بيتاً معموراً بأسرار "الرحيم".
قال الإمام ابو العزائم رضي الله عنه:
هي الأخلاق أسرار المعالي = تُفاضُ علىأولي الهِمَم العوالي
ترى الإنسان إنساناً عياناً = وتشهده بها نور المثالي
1
2هـي الأخـلاق أسـرار المعـالـي تُفاضُ علىأولي الهِمَم العوالي
تـرى الإنسـان إنسـانـاً iiعيـانـاً وتشـهـده بـهـا نــور iiالمثـالـي
فالإنسان المتخلِّق بأخلاق الله هو المثل الأعلى لسيِّده، يتجلَّى له معنى: { نورٌ على نور} ، فنور الرحمة في قلبه أشرقه عليه نور"الرحيم" في قربه، فرفعه فوق الملائكة قدرا، وأحيا له بين العالمين ذكرا." اهـ
اقتباس:========================== الحاشية =====================
(1) : سورة التوبة – الآية 128.
(2) : إذا كان هذا خلقه مع أهل الكفر والنفاق فما بالك بالمسلمين الموحدين؟!. ألا فليسمع أولئك الذين ما تركوا عبداً من عباد الله المسلمين إلا وأعطوه شهادة الشرك والتضليل والتبديع والتكفير لأدنى شبهة، أو أقل خطأ غير مقصود، وذلك دون خوف ولا وجل ولا حياء من الله تعالى، بل وجراءة ووقاحة ولؤم ما عرفنا بعضه منهم على أهل الفسق والمعصية والزندقة، شيئاً من الحياء يا عباد الله، وبعضاً من العدل والانصاف، والخوف من رب العزة والجلال، ومقام سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، وحفظاً لحرمة الأولياء وعباد الله من العباد والزهاد يا أيها العقلاء، العلماء، الـ......
(3) : كما جاء في الحديث النبوي الشريف عَنْ شَدّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "إنّ اللّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ. فَإذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ. وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذّبْحَ. وَلْيُحِدّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ. فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ". قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: أما القتلة فبكسر القاف وهي الهيئة والحالة. قال: ويستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة، وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى، ولا يجرها إلى مذبحها، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فأحسنوا القتلة) عام في كل قتيل من الذبائح والقتل قصاصاً وفي حد ونحو ذلك، وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام والله أعلم.
(4) : روى الإمام مسلم في صحيحه : ( الحديث رقم 1731) عن سليمان ابن بريدة، عن أبيه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أمر أمير على جيش أو سرية، أوصاه خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا. ثم قال (اغزوا باسم الله. وفي سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال). فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. ثم ادعهم إلى الإسلام. فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين. وأخبرهم أنهم، إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين. يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين. ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء. إلا أن يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبوا فسلهم الجزية. فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه. فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه. ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك. فإنكم، أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله. ولكن أنزلهم على حكمك. فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا). " اهـ 4/236
(يتبع إن شاء الله تعالى.... )