الحب عند الصوفية
الحمد لله رب العالمين اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا
الحب : ذاك الذي سرى بين ضلوع المحبين ليسيطر على كيانهم ووجدانهم لينبع من قلب صادق أُمر وتأمر على كيان المحبين فلا يتحركون إلا بأمر حبيبهم ولا يفعلون إلا ما يرضي حبيبهم , ولكلا منا أن يختار هذا الحبيب الذي يحكمه في دولة المحبين والعشاق ولكن قبل أن يختار الحبيب عليه أن يدرك أمورا لا بد منها فلله در القائل :
أنت القتيل بيد من أحببته فأختر لنفسك في الهوى من تصطفي
وذاك أن قد بعت روحك لمن تحب فلا أقل من تموت دون حبيبك .
فالذي يظن أنه يحب رغما عنه فإنه إنما غلب عليه حبه لمن أحسن إليه فأحبه دون قرار وما ذاك إلا مولاه وسيده وبذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أحبوا الله لما يغذيكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي)) المستدرك على الصحيحين ج3/ص 162 , فطبيعة الإنسان فطرة على حب من أحسن إليها ولكنك تجد في الحب نفسه درجات متفاوت وما تلك الدرجات إلا لتفاوت الناس بعضهم عن بعض في اليقين بأن الله هو المعطي وليس غيره وكل ما تشاهده إنما هي أسباب وضع الله فيها التأثير حسب ظاهر الحال مما أنعمه الله على عباده فكيف لك أن تحصي نعم الله علبك إن كان الله يقول ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النحل18 .
فإن كانت النعم التي أنعم الله عليك بها لا تحصى فما يقابلها من محبة يجب أن يكون لا يحصى أيضا أي بلا حدود فكان من حال العاشقين ما يعجز عنه الوصف وتقف فيه العبارات حائرة دون تفسير لها بل لك أن تستشعر ذلك في حالهم مع الله وذلك من مقولة السيدة رابعة العدوية رضي الله عنها (( كلهم يعبدوك من خوف نار ويرون النجاة حظا جزيلا أو بأن يسكنوا الجنان فيحظوا بقصور ويشربوا سلسبيلا ليس لي في الجنان والنار حظ أنا لا أبتغي بحبي بديلا )) إعانة الطالبين ج4/ص338 , فقد أدركت أن نِعم الله على عباده لا نحصى فكان الحب لا يثمنه بثمن فقررت حين عرفت مولاها أنه رب يعبد لا خوفا من ناره ولا طمع في جنته بل لأنه رب يعبد ولما علم مولانا أن الضعف أصل فينا قال الله تعالى ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ )) البقرة165 , فحبهم لله أشد من أي شئ يعترضهم من أمور تعتبر في حياتهم حبا ترغب به النفس وتريده .
ومن أجمل ما تضع في ذلك أن تجعل محور حياتك في هذه الدينا حب في الله وبغض في الله كما قال رسول الله وهذا حال من تمسك بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم ففيها قانون التعامل مع الخلق حب في الله وبغض في الله فأمور دنياك لا أقل من أن تكون حب في الله أو بغض في الله بذلك سار من سار إلى حب لله ومرضاته فكانت العطايا العظام من الله سبحانه وتعالى فوق ما يتصوره عقل بشر ففي الحديث النبوي يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(المتحابون في الله لهم منابر من نور يوم القيامة يغبطهم الشهداء ) المستدرك على الصحيحين ج4/ص466 .
فإذا سألت عن أهم ما في الأمر تجده إنما هو حب في الله ما خالطه شئ للدنيا قد قاما بحقه فكان لهما ذلك الجزاء العظيم لدرجة أن يغبطهم عليها الشهداء وليس هذا فقط بل وعندما يشتد الحر ذلك اليوم تجد فيمن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما في الحديث الصحيح يقول : رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه )) صحيح البخاري ج1/ص234 .
وهذا قسم من الحب لله وفي الله ولله المنة علينا بذلك فما كان لنا أن نحبه لو لم يحبنا فيقول تعالى ((يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )) المائدة54 فكانت محبته السابقة لحبهم تسأل الله أن يحققنا بصدق حبته و دوام عشقه وأن يجعلنا ممن قال الله فيهم ((يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )) المائدة54
قال سفيان: المحبة إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال غيره: دوام الذكر، وقال غيره: إيثار المحبوب. وقال بعضهم: كراهية البقاء في الدنيا. وهذا كله إشارة إلى ثمرات المحبة فأما نفس المحبة فلم يتعرضوا لها.
وقال بعضهم: المحبة معنى من المحبوب قاهر للقلوب عن إدراكه وتمتنع الألسن عن عبارته.
وقال الجنيد: حرم الله تعالى المحبة على صاحب العلاقة. وقال: كل محبة تكون بعوض فإذا زال العوض زالت المحبة.
وقال ذو النون: قل لمن أظهر حب الله احذر أن تذل لغير الله.
وقيل للشبلي رحمه الله: صف لنا العارف والمحب؟ فقال: العارف إن تكلم هلك، والمحب إن سكت هلك.
وقال الشبلي رحمه الله:
يا أيها السـيد الـكـريم حبك بين الحشا مـقـيم
يا رافع النوم عن جفوني أنت بما مر بي علـيم
ولغيره:
عجبت يقول ذكـرت إلـفـي وهل أنسى فأذكر ما نسـيت
أموت إذا ذكـرت ثـم أحـيا ولولا حسن ظني مـا حـييت
فأحيا بالمنى وأمـوت شـوقـاً فكم أحيا عليك وكـم أمـوت
شربت الحب كأساً بعد كـأس فما نفد الشرب ومـا رويت؟
فليت خياله نصب لـعـينـي! فإن قصرت في نظري عميت
وقالت رابعة العدوية يوماً: من يدلنا على حبيبنا، فقال خادمة لها: حبيبنا معنا ولكن الدنيا قطعتنا عنه.
وقال ابن الجلاء رحمه الله تعالى: أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: إني إذا اطلعت على سر عبد فلم أجد فيه حب الدنيا والآخرة ملأته من حبي وتوليته بحفظي.
وقال إبراهيم بن أدهم: إلهي إنك تلعم أن الجنة لا تزن عندي جناح بعوضة في جنب ما أكرمتني من محبتك وآنستني بذكرك وفرغتني للتفكر في عظمتك.
وسئل عليه الصلاة والسلام عن أفضل الأعمال فقال: " الرضا عن الله تعالى والحب له ".
وقال أبو يزيد: المحب لا يحب الدنيا ولا الآخرة، إنما يحب من مولاه مولاه
والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه الغر الميامين
التعديل الأخير تم بواسطة علاء الدين ; 12-13-2008 الساعة 09:37 PM