سيدي الامام جعفر الصادق رضي الله عنه
هو الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا-
ابن عم رسول الله صلىالله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وجد
الإمام جعفر الصادق لأمه أبو بكر الصديق رضي الله عنه-وبذلك يكون جمع المجد من أطرافه.
مولده ونشأته:
(ولد الإمام جعفر يوم 17 ربيع الأول 83 هـ وقيل سنة 80 هـ في المدينة المنورة وتوفي فيها عام 148هـ)، وروي إنه رأى بعض الصحابة كأنس بن مالك وسهل بن سعد[1].
وأمه:هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم -, وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر
أبناؤه:
كان له عشرة من الأبناء سبعة ذكور هم : عبد الله و جعفر الصادق إسماعيل وموسى وإسحاق و محمد والعباس و علي ( المعروف بالعريضي)، وثلاث بنات هن : أسماء و فاطمة وأم فروة – رضي الله عنهن جميعا.
لقبه:
لقب الإمام جعفر الصادق لأنه لم يعرف عنه الكذب.
أهم صفاته الخلقية والخلقية:
كان ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أبيض الوجه، أزهر له لمعان كأنه السراج، أسود الشعر، جعده، أشم الأنف قد انحسر الشعر عن جبينه فبدا مزهراً، وعلى خده خال أسود.وكان كريما ، واسع الصدر قليل الغضب، حسن الخلق يقابل الإساءة بالإحسان تاليا قوله تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنهولي حميم).
وكان جريئا في الحق لا يخاف في الله لومة لائم ،ومما يدل على ذلك إجابته للخليفة المنصور عندما سأله: لماذا خلق الله الذباب؟- بعد أن تضايق الخليفة من ذبابة كانت تحط على وجهه ولم يفلح في إبعادها-
بقوله : (ليذل به الجبابرة)، استنكارا لسؤاله.قال فيه العلامة أبو زهرة رحمه الله – هو-: التقي النقي.. سليل البركة النبوية والعترة المحمدية.. الإخلاص معدنه والتجرد في طلب الحقيقة مقصده.. لازم العلم وانصرف للعبادة. الورع الذي يُخفي تقشفه تطهيرًا للنفس من الرياء، لا يخشى في الله لومة لائم،
يكتب إليه الخليفة المنصور: لم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فيرد قائلاً: ليس لنا ما نخافك من أجله.. ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له.
فيكتب إليه المنصور ثانية: تصحبنا لتنصحنا، فيجيبه بعزة المؤمن: من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك.لم يغره الثناء ولم يثنه الهجاء.. أشرقت نفسه بنور الحكمة.. يسأله أبو حنيفة في أربعين مسألة فلا يكتفي بالإجابة الوافية، بل يبين اختلاف الفقهاء فيها وما يختاره من أقوالهم وما يخالفهم فيه جميعًا..
جلد صبور، عبد شكور، مات بين يديه ولد صغير فأخرجه إلى الدفن وهو يقول: سبحان من يقبض أولادنا فلا نزداد له إلا حبًّا. سخي جواد، يتحمل خسائر الناس ليمنع الخصومات ويعطي ذوي الحاجة في الظلمات حتى لا يعرفونه.
سمح كريم إذا شتمه شاتم يصلي طويلاً ثم يدعو ربه ألا يؤاخذ الجاني. ذو فراسة منعته من اقتحام السياسة والاستجابة لما كان يدعوه مريدوه، ينهى عن الخروج عن الحاكم ويرفض رئاسة الدعوة الشيعية في مواجهة الأمويين .
له من الهيبة ما يفوق الخلفاء.. يتلعثم بين يديه اللجوج صاحب البيان القوي من دعاة رؤوس الفرق المنحرفة.. متواضع مع تلاميذه ينزع الوسادة من تحته ليجلس عليها الإمام مالك وهو يتلقى منه العلم[2].ويقول : ما أحب لأحد أنعم الله عليه ألاأن يرى أثر نعمته عليه.
وكان مهابا حتى قال الإمام أبو حنيفة – رحمه الله – لما دخل على أبي جعفر المنصور وهو جالس بجواره : (أخذني من هيبة جعفر الصادق ما لم يأخذني من هيبة الخليفة أبي جعفر).
كان يقدر العلم وأهله ويحترم المخالف ، وكان يعتمد في حواره على الأدلة العلمية، وعلى الاستقراء والاستنباط ، وبذلك كان صاحب منهج علمي منضبط.، يذكر اختلاف المذاهب والآراء ثم يضيف رأيه واجتهاده.كما كان يحب النظر والتفكر والاستنباط ، ويعلي من شأن العقل وينبه على نعمته وفضله فقد قال له رجل يوما : إن ا لله تعالى يقول : ( ادعوني أستجب لكم )فما بالنا ندعوه فلا يجيبنا ؟ قال لأنك تدعو ما لا تعرف ،
فهو يحث على التفكر في ملكوت الله ومخلوقاته حتى يعرف العبد عظمة ربه وقدرته بالعلم لا بالتقليد..فيكون إيمانه عن علم ويقين راسخا رسوخ الجبال .. وهذا ما مكنه من قوة الحجة فاستطاع بذلك إقامة الحجة على الملحدين والزنادقة وبيان الحق للكثيرين بدلا من إصدار الأحكام المجردة عن البرهان والدليل !
ومن خلال جمعه بين الدراسة المعمقة للقرآن والسنة والبحث العلمي غدا بحق مفكرا إسلاميا ،وعالما ربانيا، إماما مجتهدا معدودا في كبار أئمة المذاهب الإسلامية .
عمله وعبادته:
كان عالما ورعا ، واشتهر بين الناس بذلك، وتلقى كبار العلماء العلم على يديه أمثال الإمامين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى ،
قال ابن حبّان في وصفه : من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً.
قال فيه أبو نعيم: اخرج عنه مسلم في صحيحه محتجا بحديثه, وكان مالك بن انس إذا حدث عنه قال (حدثني الثقة بعينه)،
وقال فيه: (وما رأت عين, و لا سمعت أذن, ولا خطر على قلب بشر, أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادةً وورعاً”. التقى أبو حنيفة مرّة بالإمام الصادق فقال له الإمام : «ما تقول في محرم كسر رباعية ظبي ؟».
فأجابه أبو حنيفة: يا ابن رسول الله ما أعلم ما فيه ؛ فقال له الإمام جعفر الصادق: « ألا تعلم أن الظبي لا تكون له رباعية ، وهو ثني أبداً ؟!»[3] .
قال الحافظ ابن حجر :جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المعروف بالصادق، صدوق فقيه ، إمام من السادسة مات سنة ثمان وأربعين بعد المائة روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في الصحيح وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه[4]
وقال فيه الذهبي : -هو- الإِمَامُ ، الصَّادِقُ ، شَيْخُ بَنِي هَاشِمٍ ، أَبُو عَبْدِ الله القُرَشِيُّ ، الهَاشِمِيُّ ، العَلَوِيُّ، النَّبَوِيُّ ، المَدَنِيُّ ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ . وذكر الإمام الذهبي أنه كان يغضب ممن يتعرض لجده أبي بكر الصديق رضي الله عنه [5].وقال عنه أبو نعيم : الإمام الناطق ذو ا لزمام السابق أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق أقبل على العبادة والخضوع ، وآثر العزلة والخشوع ونهى عن الرئاسة والجموع.
علمه بالكيمياء
عاش الإمام في وقت عزة الأمة وانتصاراتها وتفرغها للعلم والبحث والترجمة وانكباب العلماء على العلوم الوافدة فكان نصيب الإمام جعفر وافرا من ذلك حيث أكب على قراءة العلوم المختلفة وكان من بينها علوم الشريعة المختلفة ،وعلوم الكيمياء والطب والفلسفة والرياضيات .
أكثر الإمام جعفرمن قراءة كتب العلوم ومن التجارب والمقارنات حتى استطاع أن يؤسس في عصره مدرسة علمية تجمع بين علوم الشريعة والعلوم التجريبية، وتتلمذ على يده العديد من العلماء.
و يقال إنه من أوائل الرواد في علم الكيمياء حيث تتلمذ عليه
جابر ابن حيان وأخذ جعفرعلم الكيمياء حتى برع فيه[6] .
ومما ساعده على ذلك خروجه من الخلافات السياسية الدائرة بين الأمويين في آخر خلافتهم والعباسيين إبان نشأتهم .
من أقواله وحكمه وفقهه:
قوله لحمران :( يا حمران انظر إلى من هو دونك ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة فان ذلك أقنع لك بما قسم لك، وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك، واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند اللّه من العمل الكثير على غير يقين واعلم انه لا ورع أولى من تجنب محارم اللّه والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم، ولا عيش أهنأ من حسن الخلق، ولا مال انفع من القنوع باليسير المجزي، ولا جهل أضر من العجب.)
وقال : (هل الإيمان إلا الحب والبغض)، وكان يقول: (لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله، وتصغيره، وستره).
ومن فقهه-رضي الله عنه- أنه أفتى بأنه لا يحق للمسلم أن يدخر أكثر من قوت عام إذا كان في الأمة صاحب حاجة إلي طعام أو مسكن أو كساء أو علاج أو دواء أو ما يركبه!!. وأفتى بأن السارقإذا اضطر إلي السرقة لأنه لا يعمل، فولي الأمر هو المسئول والآثم .. فإذا سرقالسارق لأنه لا يحصل على الأجر الذي يكفيه هو وعياله، فالذي يستغله أولى بقطعاليد!
وكان جعفر يجل الصحابة أجمعين ويرفض سب أبي بكر وعمر، فيروي سالم بن أبي حفصة، وهو راو صدوق، قال: سألت أبا جعفر وابنه جعفر عن أبي بكر وعمر، فقال: يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى. ثم قال جعفر يا سالم: أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعة محمد (صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما، وأبرأ من عدوهما.
من وصاياه
ولجعفر الصادق حكم وأدعية أشبه بكلام النبوة، خرجت من نفس كريمة، وقلب مؤمن عظيم الإيمان، ورد كثير منها في كتب الشيعة، وروى بعضها الشهرستاني في الملل والنحل، والذهبي في سير أعلام النبلاء، من ذلك وصيته لابنه موسى، يقول فيها:
"يا بني، من قنع بما قسم له استغنى، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرًا، ومن لم يرض بما قسم له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه، ومن كشف حجاب غيره انكشفت عورته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيها.. يا بني، كن للقرآن تاليًا، وللسلام فاشيًا، وللمعروف آمرًا، وعن المنكر ناهيًا، ولمن قطعك واصلا، ولمن سكت عنك مبتدئًا...".
ومن كلامه: "لا زاد أفضل من التقوى، ولا شيء أحسن من الصمت، ولا عدو أضر من الجهل، ولا داء أدوأ من الكذب".
مؤلفاته
ينسب إلى الإمام الصادق عدد من الكتب لم يصل إلينا منها شيء، مثل: "كتاب الرد على القدرية"، وكتاب "الرد على الخوارج"، وكتاب "الرد على الغلاة من الروافض"، بالإضافة إلى بعض الرسائل التي كان يمليها على تلاميذه، ومنها وصاياه إلى ابنه موسى الكاظم، ورسالة في شرائع الدين، ورسالة إلى أصحاب الرأي والقياس، وتنسب إليه رسائل في الكيمياء جمعها تلميذه جابر بن حيان، وقد روت الشيعة عنه الكثير، حتى صنفوا من إجاباته عن المسائل كتبًا كثيرة سموها "الأصول"، فالمعروف أنه لم يرو عن أحد من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ما روي عن جعفر الصادق.
وفاته
كان الإمام جعفر من أعظم الشخصيات ذوي الأثر في عصره وبعد عصره، وجمع إلى سعة العلم صفات كريمة اشتهر بها الأئمة من أهل البيت، كالحلم والسماحة والجلد والصبر، فجمع إلى العلم العمل وإلى عراقة الأصل كريم السجايا، وظل مقيمًا في المدينة ملجأ للناس وملاذا للفتيا، ومرجعًا لطلاب العلم حتى توفِّي في شوال من سنة (148هـ= 765م)، ودفن في البقيع مع أبيه وجده.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 06-21-2010 الساعة 11:57 PM