ولد عبد الله يوركي حلاق عام 1911 في محلة الهزارة في حلب، لأسرة حلبية مسيحية تفخر بالعروبة وبنسبها الممتدِّ إلى غسان، والده يوركي حلاق ووالدته ملكة لباد.
تلقى علومه الأولية في ثانوية القديس نيقولاوس للروم الكاثوليك، وشغف منذ صغره بحب اللغة العربية وتراثها، وبدأ ينظم الشعر ويكتب المسرحيات والقصص القصيرة باكراً وينشرها في جريدة “التقدم” الحلبية، وبعد تخرجه عمل مدرساً للغة العربية وآدابها والتاريخ والتربية الوطنية في معهد اللاييك، وكلية حلب الأميركية، ومعهد الراهبات الفرانسيسكان، وثانوية القديس نيقولاوس.
عام 1931 أسس مع يوسف شلحت مجلة الضاد وهو في العشرين من عمره، ولما بلغ الخامسة والعشرين نقل امتيازها إلى اسمه وانفرد بإصدارها، كما تولى تحرير مجلة “الكلمة” منذ عام 1930، وتسلم رئاسة تحريرها بعد وفاة مؤسسها المحامي فتح الله الصقال عام 1970، ولم يكتفِ بتحرير هاتين المجلتين، بل نشر في صحف: «الشباب، والتقدُّم، والحوادث والجماهير، وبرق الشمال»، ومجلات: «اليقظة، والشهباء، والشرق، والمناهل، والكويت، وأضواء الكويت، والنهضة، والرسالة، والعمران، والأديب والثقافة وغيرها».
عام 1934، أسس فرقة تمثيلية باسم “فرقة حلب للتمثيل” ضمت نخبة من خيرة شبان حلب وشاباتها، ومثلت عدة تمثيليات، منها: «ميت يتكلم، في حمى الحرم، المنذر ملك الحيرة، الواجب، كولومبيا، وغيرها».
شارك منذ صغره في مكافحة الانتداب الفرنسي، وانتخب عضواً قيادياً في مجلس إدارة الحزب الوطني في حلب، وعضواً في مجلس الأمة الاتحادي في القاهرة إبان الوحدة مع مصر، وعضواً في لجنة الدستور، وعضواً في لجنة الشعر التابعة للمجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية في دمشق، وفي عام 1950 حاز على دبلوم الصحافة من جامعة القاهرة.
كان حلاق شديد الاعتداد بالعروبة والإسلام بوصفه المكوِّن الأساس في الشخصية العربية الحالية، ونذكر هنا أنه في عام 1958 تنادت مدينة حلب إلى تكريم الشاعر المهجري رشيد سليم الخوري، فوجهت إليه دعوة للحضور إلى مدينة حلب، وقد أقيم له احتفال تكريمي كبير في المركز الثقافي توالى فيه إلقاء القصائد والكلمات من قبل أدباء وشعراء سورية، وكانت الأنظار موجهة للشاعر عبدالله حلاق ترقباً لما سيقوله شاعر مسيحي احتفاء بشاعر مسيحي، فصعد المنبر، وألقى قصيدة رحب فيها بالشاعر الكبير بين أهله في الأرض التي أنجبت أبطال العروبة والإسلام، إلى أن قال:
في كل جندي شجاعة خالد وبكل بيتٍ خولة وضرار
عندها لم يتمالك رشيد الخوري نفسه فوقف وصاح بحماس: أحسنت يا عبدالله
يكفينا فخراً أننا أحفاد خالد يكفينا فخراً أننا من أمة محمد
فتابع الشاعر حلاق وسط تصفيق الجمهور:
العرب قوم بالبسالة والفدى شُهروا فلم ترهبهم الأخطار
إنا نصارى من سلالة يعرب فاسأل يجبك المجد والإكبار
عشنا على دين المروءة والندى والمسلمون رفاقنا الأبرار
حاز وسام الجمهورية العربية المتحدة من الرئيسِ جمال عبد الناصر عام 1961، ووسامُ صليبِ القدسِ من البطريرك مكسيموس الخامس حكيم عام 1989، ووسامُ مار أفرام السرياني برتبةِ فارس من البطريرك زكا الأول عيواص عام 1985 وغيرها.
ومن أهم مؤلفاته التي أغنى بها المكتبة العربية «المنـذر ملك الحيرة – الزفرات – خيوط الغمام – الكتاب المدرسي وضوح الإملاء – قصص الميلاد – حصاد الذكريات – سفراء بدون تكليف رسمي – قطاف الخمسين (مجموعة مقالات) – حلبيات – عصير الحرمان – وغيرها».
136295_2011_11_22_15_50_15.image2
من اليسار: عبد الرحمن المعمر وفاضل السباعي يتوسطهما عبد الله حلاق
إلا أن إنجازه الأبقى كان “مجلة الضاد” التي مازالت تصدر حتى يومنا هذا، والتي قال عنها نجله الأديب رياض عبد الله حلاق: «أما مجلته الضاد فقد كانت شيئاً في حياته يغذيها، ويعمل على رفع شأنها على الرغم من الصعاب والعثرات التي تعترض طريقه، وتسلَّح بالصبر والإيمان وقوة التحمل، ومدَّ الله في عمره حتى رأى “الضاد” تدخل عامها السادس والستين، وخلال ذلك كله استطاعت الضاد أن تستقطب جمهرة غفيرة من الشعراء، والكتاب، والنقاد، والمفكرين، والباحثين داخل سورية وخارجها أصبحوا يرفدون مجلته بنتاجهم الأدبي من أمثال: خير الدين الأسدي، وعمر أبو ريشة، وخليل الهنداوي، وسامي الدهان، وعبد السلام العجيلي من سورية، ومن أمثال العمالقة الشاعر القروي، وزكي قنصل، وجورج صيدح، وأمين الريحاني، ونظير زيتون، ورشيد سليم الخوري من المهجر، وأحمد حسن الزيات، وخليل مطران، ووديع فلسطين، وعادل الغضبان من مصر، والأخطل الصغير، وكرم ملحم كرم، وشبلي الملاط، وفوزي عطوي من لبنان، وعارف باشا العارف، والبدوي الملثم، وروكس العزيزي من الأردن، وحافظ جميل، وجعفر الخليلي، وناجي جواد، وهلال ناجي، ووحيد بهاء الدين من العراق، وأحمد السقاف، وفاضل خلف، وخليفة الوقيان، وعبد الله زكريا الأنصاري من الكويت، وغيرهم وغيرهم».
عام 1981 وفي حديث له مع صحيفة “الوطن” الكويتية قال حلاق: «من يقرأ مجلتي الضاد يجد كلَّ ما يجب أن يعرفه عني فأنا صريح ووحدوي ومع الأصالة العربية وفي حياتي مواقف أعتز بها، لأنها تدل على بعض ما بذلته في سبيل أمتي ووطني، ومن ذلك أنني تعرَّضت مراراً للمحاكمة والتوقيف التعسفي لتعلقي بعروبتي ومناهضتي الانتداب الفرنسي، ولكن الانتداب زال والكرامة الوطنية باقية».
صباح الجمعة 18 تشرين الأول عام 1996، توفي حلاق وشيَّعته حلب، وأقيم له حفل تأبيني على مدرج كلية الآداب في جامعة حلب شارك فيه نخبة من الشعراء والأدباء من سورية، ولبنان، والأردن، ومصر، والمهجر، وأطلق اسمه على الشارع الممتد من آخر شارع قسطاكي الحمصي حتى بداية شارع السليمانية في حلب.
قال عنه الراحل محمود فاخوري: «يعد الشاعر “عبد الله يوركي حلاق” من ذاك الرعيل الذي عرفته بلاد الشام في عالمي الأدب والصحافة خلال القرن العشرين. من أمثال: “شفيق جبري”، و”عمر يحيى”، و”بدر الدين الحامد”، و”عمر أبو ريشة”، و”سامي الدهان”، و”بدوي الجبل”، و”الأخطل الصغير”، و”الجواهري”، وغيرهم من أدباء الوطن والمهجر وشعرائهما».
منقول عن
http://www.souriatnapress.net/%D8%B4...4%D8%A7%D9%82/