معركة اليرموك المشرّفة كيف نستدل على موقعها؟! .. الاهتمام والدلالة على مكان المعركة ضرورة ملحة للتذكير بأن الدفاع عن الحق يكلل بالنصر دائماً
محمد قنبس
تعتبر معركة اليرموك واحدة من أشهر المعارك التي حققت فيها الجيوش العربية النصر على الروم وتم طردهم من بلادنا بقيادة خالد بن الوليد وبقدر لما لهذه المعركة التي دارت أحداثها على أرض حوران في وادي اليرموك من أهمية تاريخية مجيدة بقدر ما يلف المكان الذي جرت فيه هذه المعركة الإهمال من قبل الجهات المعنية في محافظة درعا بعدم وضع أي إشارة أو معلومة عن هذه المعركة للتذكير بها وتمجيد البطولة والنصر العربي والاعتزاز بالأجداد والتعريف بهذه البقعة التي اختارها الرومان لتكون ساحة لهذه المعركة التي سنتحدث عنها بشيء من التفصيل
الإعداد للمعركة
اجتمعت الروم بالواقوصة قريباً من وادي اليرموك وبعث الصحابة الى الصديق يعلمونه بما اجتمع من جيش الروم باليرموك، فكتب الصديق عند ذلك الى خالد بن الوليد بأن يذهب بجيشه الى الشام فإذا وصل إليهم فهو الأمير عليهم. وسار خالد بن الوليد بجيشه وعبر الصحراء قاطعاً المسافة البعيدة من الحيرة الى بصرى بمدة ثمانية عشر يوماً. وعطشت النوق وسقاها الماء واستاقها معه، فلما فقد الماء نحرها فشربوا ما في أجوافها من الماء وأكلوا لحومها حتى وصل الى قناة بصرى فكانت مدينة بصرى أول مدينة فتحت من الشام وعمل خالد بن الوليد على توحيد الجيوش التي وجدها متفرقة فأمرهم بالاجتماع وعدم التفرق فاجتمعوا وتصافوا ودعاهم إليه فأمّروه عليهم.
وقد أفزع ذلك الروم وكتبوا الى هرقل من حمص فأمر هرقل بخروج الجيوش الرومية في مقابلة كل أمير من المسلمين فبعث إلى عمرو بن العاص أخاه تذارق في تسعين ألفاً من المقاتلين وبعث جرجه بن بوذيها الى ناحية يزيد بن أبي سفيان في ستين ألفاً وبعث الدراقص الى ناحية شرحبيل بن حسنة وبعث الغنفار ويقال له القيقلان وهو خصي هرقل في ستين ألفاً الى أبي عبيدة بن الجراح وطلب هرقل من أمرائه بأن ينزلوا بهذه الجيوش بعد أن وصلته أخبار جمع الجيوش العربية بقيادة خالد بن الوليد في مكان واسع لمبرك الإبل وواسع للمطاردة والقتال، وضيق المهرب وتكامل جيش الروم حتى وصل عددهم أربعين ومئتي ألف مقاتل منهم 80 ألف مقاتل مقيدون بالسلاسل لئلا يهربوا و40 ألفاً مسلسلون للموت و40 ألفاً مربوطون بالعمائم لئلا يفروا وثمانون ألف راجل وكان على الناس أخو هرقل ليذارق وعلى المقدمة جرجه وعلى المجنبتين ماهان والدراقص وعلى البحر القيقلان. ويذكر أن عدد جيوش المسلمين 40 ألف مقاتل. فأخذ خالد بن الوليد يستطلع الأرض وقوة العدو وعدد قواته وغيرها من ضروريات المعركة وأخذ يعيد جيشه على أسس جديدة وقسم قواته إلى أربعين كردوساًَ كل كردوس يتألف من ألف مقاتل وألغى نظام الصف الذي كان العرب يتبعه في حروبهم واستعاض عنه بنظام الكراديس وقسم الجيش إلى ميمنة وميسرة وقلب وكانت الميمنة تضم 10 كراديس وعهد بقيادتها الى عمرو بن العاص ويعاونه شرحبيل بن حسنة وعهد بقيادتها إلى عمرو بن العاص ويعاونه شرحبيل بن حسنة وكانت الميسرة تضم 10 كراديس وعهد بقيادتها الى يزيد بن أبي سفيان وكان القلب يضم 18 كردوساً وعهد بقيادته إلى أبي عبيدة بن الجراح يعاونه عكرمة بن أبي جهل واحتفظ باحتياط عام يتألف من 3000 فارس وشكل طلائع الجيش من الخيالة وعهد بقيادتها إلى غياث بن أشيم وعين أبا الدرداء قاضياً للجيش ثم كلف النساء بالواجبات الإدارية كالتموين وإخلاء القتلى والجرحى وصد الهاربين من المعركة وإعادتهم إلى ساحة القتال عند الضرورة وكذلك قرر خالد أن تبدأ المعركة مع فجر 20 آب عام 636 ميلادي وأن يأخذ المبادرة والقيام بالهجوم من وراء النهر من الجانب الآخر وأذرعات (درعا) خلفهم ليصلهم الإمداد.
أحداث المعركة
خرج خالد بن الوليد في تعبئة لم يرُ مثلها ولا قبلها ولم تشهدها العرب قبل ذلك.
وأقبلت الروم في خيلائها وفخرها وقد سدت تلك البقعة سهلها ووعرها كأنهم غمامة سوداء ولهم أصوات مزعجة كالرعد. وثبت المسلمون على راياتهم حتى صارت الروم تدور كأنها الرحى فلم تر يوم اليرموك إلا مخاً ساقطاً ومعصماً مقطوعاً وكفاً طائراً ثم حمل خالد على ميسرة الروم فأزالوهم إلى القلب فقتل من الروم في حملته هذه ستة آلاف من الروم وبينما هم في جولة الحرب وحومة الوغى قدم البريد من الحجاز إلى خالد بوفاة الصديق وخلافة عمر وتولية قيادة الجيش إلى أبي عبيدة بن الجراح نيابة عن خالد بن الوليد. فأسّر ذلك خالد عن الناس لئلا يحصل ضعف ووهن في صفوف الجيش وعاد لتدبير الحرب والمقاتلة وخرج جرجه كبير أمراء جيوش الروم من الصف واستدعى خالد بن الوليد فقال له: هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاك إياه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم. فقال خالد: إن النبي محمد ے قال لي: أنت سيف من سيوف الله ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله فعند ذلك أسلم جرجه وانقلب على الروم مع خالد وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد حملة كادوا أن يزيلوا المسلمين عن مواقفهم فركب خالد وزحف بالمسلمين وتقارعوا بالسيوف وضعفت الروم ثم صال خالد حتى صار في وسط خيول الروم فعند ذلك هربت خيالتهم ثم عمد خالد إلى رحل الروم وفصلوهم عن آخرهم حتى هدمهم ثم تبع من فر من الخيالة واقتحم عليهم خندقهم في ظلام الليل إلى الواقوصة فجعل الذين تسلسلوا وقيدوا بعضهم ببعض إذا سقط واحد منهم سقط الذين معه فسقط فيها وقتل عندها 120 ألفاً من الرومان سوى من قتل في المعركة وقد قاتل نساء المسلمين في هذا اليوم وقتلوا خلقاً كثيراً من الروم وكنّ يضربن من ينهزم من المسلمين ويقلن لهم: أين تذهبون وتدعوننا للعلوج. وتجلل القيقلان وأشراف قومه ببرانسهم فجاء المسلمون فقتلوهم عن آخرهم وقتل في هذا اليوم من المسلمين ثلاثة آلاف منهم عكرمة وابنه عمرو وسلمة بن هشام وعمرو بن سعيد وأبان بن سعيد وضرار بن الأزور وهشام بن العاص وعمرو بن الطفيل وغيرهم. وهرب الروم وقتل تذارق أمير الروم وبات خالد بن الوليد في خيمته ثم تبع الروم إلى ثنية العقاب فقتل منهم خلقاً كثيراً ثم تبعهم إلى حمص فخرج إليه أهلها فصالحهم كما صالح أهل دمشق ثم بعث أبو عبيدة عياض بن غنم وراءهم فساقهم حتى وصل ملطية فصالح أهلها ورجع ولما بلغ ذلك هرقل بعث إلى مقاتليها فحضروا بين يديه فأمر بملطية فحرقت، وانتهت الروم منهزمة إلى هرقل وهو بحمص، والمسلمون في آثارهم يقتلون ويأسرون ويغنمون ولما وصل الخبراء إلى هرقل ارتحل من حمص وقال: أما الشام فلا شام وويل للروم من المولود المشؤوم. كما قال: أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشراً مثلكم وأنتم أكثر منهم أضعافاً في كل موطن فما بالكم تنهزمون. فقال شيخ من عظمائهم: من أجل أنهم يوفون بالعهد ويتناصفون بينهم ولا يفسدون في الأرض ولا يأمرون بالسخط ولا يركبون الحرام ولا ينقضون العهد وبذلك انتصرت جيوشهم وانهزمنا وهذا ما انتهت عليه معركة اليرموك. ويذكر أن خالد بن الوليد قد شارك في مئة معركة ولم يخسر في أية معركة وكانت معركة مؤتة التي سمي خلالها خالد سيف الله أول معركة خاضها مع جيوش المسلمين. وقد اعتزل خالد بن الوليد الحياة العامة وقضى مابقي له من عمره في محافظة حمص ولما حضرت خالد الوفاة قال: لقد شهدت مئة زحف أو نحوها وما في بدني موضع شبر إلا وبه ضربة أو طعنة أورمية وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء وقد توفي في خلافة عمر بن الخطاب سنة 21 هجرية 641 ميلادية وعمره بضع وأربعون سنة وكانت وفاته في حمص وقبره مشهور ويزار إلى الآن.
أما فيما يتعلق بالتعريف بموقع المعركة وضرورة وضع لوحات دلالة للتعريف بالمكان فقد اتصلنا مع رئيسي بلديتي تل شهاب وجلين اللتين تشرف بلديتيهما على الوادي فأجابونا
بأنهما لا يعرفان أين موقع المعركة نهائياً كما اتصلنا مع السيد مدير السياحة بدرعا فأجابنا بأن المديرية غير معنية بوضع لوحات وشارات للدلالة على أي موضع تاريخي أو أثري. كما اتصلنا مع السيد مدير آثار درعا فأجابنا بأنه سيتم وضع لوحات للدلالة على هذا الموقع وغيره من المواقع التاريخية والأثرية الأخرى فور تخصيص الاعتماد المالي اللازم لهذه الغاية ووجه الشكر لبلديتي جلين وتل شهاب إذ قامتا بوضع لوحات الدلالة على هذا الموقع.