"قال تعالى: { لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } (1) .
فمن ادَّعى الملك فليبرز حجَّته بذلك!. قال تعالى: { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا } (2) .
ويكفينا أن الله أذلَّ النمروذ ببعوضة ، وقد أعطى الله الملك لسيدنا سليمان، وصرَّفه في كل رتبة كونية، ولكنه وهو معصوم: { قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} (3) .
فكأنَّ الملك والتصريف فيه بلاء من الله تعالى ليمتحن العقائد والنفوس، وقد سلب الله الملك من سيدنا سليمان حتى لا يغترَّ الناس بأنه متصرِّف، وغَيرةً على مكانة الحضرة، حتى أرجعه لرتبة العبد.
فمتى تحقَّقت بالعبدية صرفك في الملك ، بل تترقَّى إلى أن يصرِّفك في الملكوت.
فالعبد الحقيقي للملك العلي يقول له "الملك": يا عبدي! أنا الغني عن الملُك، وقد صرَّفتك فيه بأمري، وعند ذلك يأنس العبد بالملك الجليل، ويتضح له السبيل.
ومن أراد أن يتخلَّق بسرِّ هذا الاسم: فليكن عادلاً بين قواه الظاهرة والباطنة، فلا يترك نفسه تطغى على روحه، ولا يترك شهوته تـثور على عقله، ولا يجعل حسَّه يحجب لطائف قلبه. فإن الجسم الإنساني مملكة عظيمة تدبِّرها الروح، وهي نور من الله، فهي قريبة من حضرته، والقلب لها مثل العرش تتنـزل أمورها عليه، ثم يسري إلى لوح الخيال، ويقوى العزم فتنفذ الجوارح وهم جنود المملكة، فإذا عرفت هذا المثال تجلَّى لك الملك المتعال:
الملك لله ، والأكوان خُدَّامُ =عبيده، وهو للأشياء علاَّمُ
كل الملوك وكلُّ الأغنيا صورٌ = في طيِّ قبضته، واللهُ قوَّامُ
أقامهم في مقام الامتحان وهم = لم يفقهوا سرَّه ، والكلُّ نُوَّامُ
1
2
3الـمـلــك لــلــه ، والأكـــوان iiخُـــدَّامُ عـبـيــده، وهــو لـلأشــيــاء iiعـــلاَّمُ
كـل الـمـلـوك وكـلُّ الأغـنـيـا iiصــورٌ فــي طـــيِّ قـبـضــتــه، واللهُ iiقـــوَّامُ
أقـامـهـم فـي مـقـام الامـتـحـان وهـم لـم يـفـقـهـوا سـرَّه ، والـكــلُّ iiنُــوَّامُ
وروي أن بعض الملوك مرَّ على رجلٍ من العارفين، فلم يعبأ به، فقال له: أتعرف من أنا؟.
فقال له: أعرفك، أنت عبد عبدي.
قال: وكيف ذلك؟.
قال: أنت عبدٌ لطمعك، وأنا ملكت طمعي، فأنت عبدٌ لعبدي!.
فالذي ملَّكه الله ناصية نفسه، فذلَّلها لله، وملك حظَّه وهواه،فقد تجلَّى له الملك الحق المبين." اهـ 4/260
==================== الحاشية ====================
(1) : سورة الشورى - الآية 49.
(2) : سورة النساء - الآية 53.
(3) : سورة النمل - الآية 40." اهـ
(يتبع إن شاء الله تعالى.... )