أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           سبحانك اللهم وبحمد ك وتبارك اسمك وتعالي جدك، ولا إله غيرك           

 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 05-01-2009
  #1
أبو يوسف
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 518
معدل تقييم المستوى: 16
أبو يوسف is on a distinguished road
افتراضي الشيخ محمد الحامد

:sm152:

[
COLOR="RoyalBlue"]


سيدي الشيخ محمد الحامد




عاش الشيخ محمود الحامد والد سيدي رحمهما الله تعالى ، غلبت عليه صفة التصوف واشتهر بها ، وكان حار المزاج حاد الطبع ، كثيراً ما تطغى عليه الأحوال الشديدة ، على جانب كبير من الصلابة الدينية والورع ، عفيف النفس ، كريم القلب ، يعيش من كتّـابه الذي أنشأه لتعليم الأطفال القراءة والكتابة . ولقد تربى وتلقى التصوف على يد الشيخ الكبير عبد الفتاح العبد رحمه الله تعالى ، الذي تتلمذ على يد الشيخ محمد سليمان الاروادي رحمه الله تعالى ، وهو أحد خلفاء مولانا خالد النقشبندي رحمه الله تعالى .




مولده :

في هذا البيت ، بيت العلم والتصوف ، ولد سيدي رحمه الله تعلى سنة 1328هـ - 1910م ، وكانت ولادته بعد انقطاع حمل أمه عدداً من السنين ، حتى شكا والده إلى بعض خواصه انقطاع حمل زوجته ، فأخبروه أنه كان في حمص شيخ مبارك اسمه الشيخ سليم خلف [ 1 "> ، يكتب بعض الكلمات على ورقة يعطيها لمن تشكو إليه انقطاع حملها ، فتلحسها ، فتحمل بإذن الله تعالى ، ولقد توفي ؛ لكن ولده الشيخ محمد أبو النصر يقوم مقامه في هذا ، وهو يتردد على حماة لتفقد مريديه.

وبتقدير الله سبحانه كتبت الورقة بيد الشيخ أبي النصر ، وحملت الأم بعد ذلك بإذن الله تعالى ، وولد الشيخ رحمه الله تعالى . وعاش في كنف والديه وبين أخويه ستة أعوام تقريباً ، وفجع في السادسة من عمره بوالده ، وفي العام نفسه فجع أيضاً بأمه ، وذاق مرارة اليتم والفقر عدداً من السنوات ، وكانت من أشد السنوات التي مرت على البلاد ، وهي سنوات الحرب العالمية الأولى .

وكان والده يتحدث مراراً أن ولده هذا سيكون عالماً ، ورآه مرة بعض الصالحين ، فأسرع إليه مقبلاً ومعانقاً وهو يردد : الشيخ محمد ، الشيخ محمد .

ولما مرض الوالد مرض الوفاة ، اشتد به القلق على أولاده ، خاصة وأنه لم يتمكن في خلال حياته كلها ، أن يوفر لهم شيئاً من المال يتركه لهم ، والبلاد تلفها المجاعات والأوبئة طيلة الحرب العالمية الأولى ، فأخذ يبحث عن وصي يوصيه عليهم ، فلم يجد أحداً ؛ لأن كل إنسان يشغل خلال الأزمات بنفسه ، فما كان منه إلا أن أوصى الله عليهم ، فكان يردد في مرض وفاته : " إني أوصي الله على أولادي " وأشار إلى ولده الكبير بدر – وكان حينئذ في سن الخامسة عشرة من عمره – ليقترب منه ، فهمس في أذنه بكلمات ، أوصاه بها أن يعتني بأخويه الصغيرين .

كانت وفاة الوالد في تلك الظروف القاسية ضربة شديدة ، تبعتها أخرى بوفاة الوالدة ، فلم تحتمل العائلة الصغيرة شدة هذه المصائب فتفرق شمل الإخوة ن واضطر الأخ الكبير للانفصال عن أخويه الصغيرين .

ذكر لي سيدي رحمه الله تعالى ، هذه المرحلة في حياته ، حدثني عن مشاعر الألم التي كانت تحز في نفسه ، وتمور في فؤاده ، دون أن يستطيع في ذلك الوقت التعبير عنها ، قال : لو كان لليتيم لسان يبين به عن لوعاته وآلامه ؛ لأبكي الحجارة الصماء ، مرت بنا أيام ، كنا كثيراً ما نبقى في المدرسة في فرصة الغداء دون طعام ، معظم التلاميذ يذهبون إلى بيوتهم ، ونحن نبقى في المدرسة ؛ لأنه لم يكن لنا بيت ولا طعام ، حتى إن أخي كان يبكي أحياناً من شدة الجوع ، أما أنا فكنت أشغل نفسي باللعب عن آلام الجوع .



نشأته العلمية :

لم يغفل بدر الدين عن تعليم أخيه محمد حتى في أشد أيام البؤس ، فقد أدخله المدرسة الابتدائية ، وهو ما يزال في الفترة التي كان يعيش فيها عند الأسر الفقيرة في أطراف البلد ، وأيقظ فيه روح الجد ، لما كان يرى فيه من مخايل الذكاء ، نال الدرجة الأولى على رفاقه في الصف الأول ، وفي السنة الثالثة من دراسته إنفرجت الحياة قليلاً لأخيه بدر الدين من بعد إنسحاب الأتراك من سورية وقيام الحكم الفيصلي فيها ، حيث عمل أخوه معلماً ابتدائياً ، واستمر الأمر هكذا حتى أنهى محمد مرحلة الدراسة الابتدائية ، وتخرج من الصف السادس سنة 1922م ، فأدخله أخوه المدرسة الإعدادية ، لكن محمداً لم ينسجم مع بيئته الجديدة في المدرسة ، وشعر بنفره منها ، وبدا عليه التقصير في دروسها ، فإن ميله إلى العلم الشرعي والتزامه حلقات بعض الشيوخ في طلبه ، وسلوكه الديني الصارم ، فأحس أخوه أنه يحمله على الذهاب إليها حملاً ، فأخرجه من المدرسة الإعدادية سنة 1923م ، ووضعه عند معلم خياطة للملابس العربية ليتعلم عنده مهنة الخياطة ، ويتابع معها طلب العلم الشرعي كما يريد فكان محمد يعمل في النهار في الدكان ، ويحضر بعد المغرب دروس العلماء في المساجد ، وينضم بعد العشاء إلى الحلقات الخاصة لطلب العلم ، إلى أن افتتحت في حماة مدرسة دار العلوم الشرعية سنة 1924م ، فرغب محمد في دخولها ، وكان أخوه بدر الدين في تلك السنة في دمشق يتمم دراسة الصف الأخير من دار المعلمين ، فأرسل خاله الشيخ سعيد الجابي يستشيره في إدخاله فيها ، فأقر بدر الدين الفكرة ، وعلى الفور ترك محمد دكان الخياطة ، ودخل المدرسة الشرعية ، التي كانت أسعد أيام حياته ، فرغم صغر سنة بين أقرانه من طلاب المدرسة كان الأول بينهم . وما كان رحمه الله يهتم لشؤون المعيشة ، إنما كان همة في إرواء ظمأه العلمي وإشباع طموحه الفكري ، ولم تكن المدرسة الشرعية كافية له بل كان يتردد صباحاً ومساءً على الدروس العلمية الخاصة التي كان يعقدها الشيوخ في المساجد لخواص طلابهم ، حتى بلغ عدد الحلقات العلمية التي كن يحضرها تسع حلقات في اليوم ، سمعت هذا منه رحمه الله تعالى.



مشايخه :

تتلمذ على أيدي كبار العلماء منهم شيخ الشافعية في حماة ، ورئيس جمعية العلماء فيها ، الشيخ محمد توفيق الصباغ أدام الله توفيقه ، ومنهم سماحة الأستاذ الجليل الشيخ محمد سعيد النعساني مفتي حماة ، ذو الباع الطويل في العلوم والمعارف ، ومنهم فضيلة الأستاذ الفقيه الحنفي ،

الحجة العالم العامل ، التقي الورع ، الزاهد في الدنيا ، شمس علماء حماة ، الشيخ أحمد المراد رحمه الله .



المدرسة الخسروية بحلب :

في سنة 1347هـ – 1928م أنهى رحمه الله دراسته في مدرسة حماة ، فرحل في السنة نفسها إلى حلب يبحث عن منهل علمي جديد يروي منه ظمأه العلمي ، فهيأ الله له سبيل الانتساب إلى المدرسة الخسروية الشرعية فيها ، ( وكانت تعتبر في ذلك الوقت من أرقى المدارس الشرعية في بلاد الشام ) ، وهنا ظهرت شخصيته العلمية بين أقرانه وحتى بين شيوخه ، فقد وصفه الشيخ أجمد الشماع -وهو أحد الشيوخ في المدرسة - قائلاً : " بحر علم لا تنزحه الدلاء " ، كان يحرص رحمه الله تعالى على شهود الدروس العلمية التي تلقى في مساجد حلب ، فكان يداوم على دروس عالم حلب الكبير الشيخ نجيب سراج الدين رحمه الله تعالى ، ولم يقتصر في دراسته على المناهج الرسمية بل كان يطالع الكثير من المصنفات ، يدفعه إلى ذلك شغفه العلمي ، وحرصه على بناء شخصيته العلمية بناءً كاملاً ، وكم كان يذكر رحمه الله كلمة أخيه الأستاذ بدر الدين وهو في وداعه قبل سفره إلى حلب ، قال له في محطة القطار : " أعوذ بالله من نصف عالم " .

شيوخه في حلب :

الأستاذ الشيخ أحمد الزرقا الفقه الجليل ، وكالشيخ أحمد الكردي مفتي الحنفية في حلب ، والشيخ عيسى البيانوني ، والشيخ إبراهيم السلقيني العالم العامل والتقي الورع ، والشيخ محمد الناشد ، والشيخ راغب الطباخ ، والشيخ أحمد الشماع ، والشيخ عبد المعطي ، والشيخ فيض الله الأيوبي الكردي المحقق العظيم في علمي التوحيد والمنطق ، والشيخ محمد أسعد العبجي مفتي الشافعية في حلب وهو والشيخ عبد الله حماد الباقيان في قيد الحياة من مشايخي ، جزاهم الله خير الجزاء وبارك عليهم أحياءً وأمواتاً .

ومما يزيد في أهمية هذه المرحلة بالنسبة لسيدي رحمه الله أنه فيها حصل له التحول الكبير عن أفكار دعاة السلفية ، التي كان يتبناها منذ كان في حماة ، إلى السلوك في طريق التصوف على يد شيخه العظيم الشيخ محمد أبي النصر خلف النقشبندي رحمه الله تعالى .

العودة إلى حَمَاة :

وفي سنة 1353هـ عاد رحمه الله بعد أن أنهى دراسته في حلب ، ولم تطل فترة استقراره في حماة ، فقد رحل عنها سنة 1356هـ إلى مصر ، ملتحقاً بالأزهر الشريف ، ففي هذه السنوات الأربعة أثبت الشيخ مكانته العلمية فجذب أنظار علماء البلد لديه ؛ حتى أكرهوه على أن يستلم بعض المناصب الدينية في البلد ، وكان كارهاً لها، ففي سنة 1354هـ كلف بالخطبة في جامع الأشقر، وألقى أول خطبة في الجامع المذكور يوم الجمعة لأربع خلون من ربيع الآخر .

وفي هذه الفترة أيضاً ، خاض الشيخ صراعاً فكرياً عنيفاً ضد الذين كانو يناوئون الصوفية في حماة ، وهم أتباع خاله الشيخ سعيد الجابي رحمه الله تعالى ، ومن المعلوم أن سيدي كان موافقاً لهم قبل رحلته إلى حلب ، بل إن خاله الشيخ سعيد كان يعدّه ليكون خليفته في هذا ، فأصيبوا بتحوله إلى الصوفية بخيبة أمل مريرة ، زاد من مرارتها الموقف الصارم الذي وقفه الشيخ منهم ، حتى تمكن رحمه الله من تثبيت أقدام الصوفية في البلد ، بعد أن زعزعتها الحملات العنيفة التي كان يشنها الشيخ سعيد عليهم في دروسه العامة .

وموقف سيدي هذا أدّى إلى تركه الخطبة في جامع الأشقر ، لكن الله سبحانه وتعالى عوضه عنه بجامع السلطان ، كما جر عليه كثيراً من التعب والعناء ، فنصحه شيخه أبو النصر أن يبتعد عنهم ، وعن مجادلتهم . وأنى له هذا وهو قريب منهم ! لذلك كتب إلى شيخه رحمه الله قائلاً : " كنتم أرسلتم لي كتاباً تأمرونني فيه بالإبتعاد عن المنكرين بقدر الإمكان ، وعدم مكالمتهم ومجادلتهم فيما يتعلق بأمر الطريق ، وقد وفقني الله تعالى لامتثال أمركم حسب الطاقة ، ووجدت له أثراً حميداً في نفسي وأشعرتُ بالتقدم والزيادة من الخير ببركتكم وعطفكم ، غير أني لا بد لي ياسيدي من الخلطة ببعضهم ، والاجتماع بهم ، وأنا من هذا تجاه أمر واقع ، أتمنى الخلاص منه ، فلا أقدر عليه ، ولا يخفى على مولاي – أعزه الله تعالى – أن المنكر لا يصبر عن الجدال مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم - : " ما ضل قوم بعد هديّ كانوا عليه ؛ إلا أعطوا الجدل " وعن هذا تقوم المجادلات بيننا ويشتد الخصام ، ولا نتوصل لنتيجة مرضية ، ويتعبني ذلك تعباً عظيماً وعناءً كبيراً ، وأحس بظلمة أرواحهم تسري إلى قلبي ... هذا وقد صار لي سوء الحظ بهم ، وليتني أتمكن من النجاة منهم ، فلا أراهم ولا أسمع بهم " اهـ

ومع هذا لم ينقطع الشيخ عن دراسته العلمية ، فقد كان دائب المطالعة ، وقد يسر الله له أن يستلم حجرة في الجامع الجديد ، جعل منها مكان لدارسة العلم مع بعض زملائه من شباب المشايخ في البلد ، كما بدأ يلقي دروسه العامة في هذه الفترة ، ففي سنة 1353هـ عهد إليه الشيخ أحمد المراد – رحمه الله تعالى – بالتدريس مكانه بعد الظهر في الجامع الجديد . وبعد تركه جامع الأشقر ، طلب منه الشيخ أديب الحوراني – رحمه الله تعالى – أن يخطب عنه في جامع السلطان ، وبعد مدة كلفه بالتدريس . ومنذ ذلك الوقت أصبح مسجد السلطان المركز الرئيسي لجهوده العلمية.



الرحلة إلى مصر :


وفي عام 1356هـ الموافق 1938م سهل الله له سبيل الارتحال إلى مصر ، والانتساب إلى الأزهر ، ومن الأسباب دراسته في مصر ما ذكره في رسالة أرسلها إلى شيخه أبي النصر بعد عودته إلى حماة ، قال فيها : " إن موقفي في حماة أرحج موقف ، فقد عاداني أقاربي وأتباع خالي ، وهم أكثر الناس عندنا ، وأصبحت غير مقبول النصح عندهم ، ومخدوشاً من الوجهة العلمية في نظرهم ، إذ يرون أن علمي خرافات وبدع ، جئتهم بها ، وقد فسد الرأي العام عندنا ، وأصبحت غريباً في وطني ، وغير خافٍ عليكم ضعف الطلب في حماة ، وإني أمرؤ أرغب في العلم ، لهذا كله أسأذنتكم فأذنتم لي ، وإني أعلم ما سأحمله من المشقة في البعد عنكم وعن إخواني ، ولكن الغاية التي أطلبها تدفعني إلى احتمال المصائب وتلقِّي الشدائد ، وقد قال لي أحد أشياخي لما ذكرت له أن الشوق لسيدي يكاد يحملني على العدول عن الأزهر : ( إن هذا السفر سعاد نلتها بسر شيخك. وذكر لي أن الذي يريد نشر الطريق في حماة ، ينبغي أن يكون واسع العلم ، لا يعبأ بالمنكرين ، بل يقيم الحجة عليهم ، ويلزمهم الحق بالدليل ، وهذا أمر لا تقدر عليه بدون تعلمك في الأزهر الشريف ) فوجدت لقوله وجهاً من الصواب " .اهـ

وسافر إلى مصر وهو يظن أنه يفاجأ باختلاف كبير ، فقد سبقت مصر البلاد العربية في تأثرها بأفكار الغربيين وعاداتهم ، فانتشر فيها السفور والاختلاط بين الرجان والنساء إنتشاراً كبيراً، ولم يستطع رحمه الله تحمل رؤية المنكرات ، فما كان منه بعد بضعة أيام من وصوله ، إلا أن عاد إلى حماة . ولكن الناس في حماة استهجنوا عودته ، ولاموه أشد لوم ، وأصبحت عودته حديث الأندية ، فأينما ذهب تأخذه الأبصار ، وحيثما سار تتبعه الغمزات و الابتسامات ، وسبب ذلك أن الناس كانوا ينظرون إلى الأزهر نظره إجلال وإكبار ، ويعتبرون الدراسة فيه نعمة كبرى ، ولهذا استقبلوا سيدي رحمه الله بما استقبلوه به ، وأنكروا عليه إنكاراً لم يستطع احتماله ، فكر راجعاً إلى مصر وترك حماة ليلاً ، ولم يتمكن من زيارة شيخه لوداعه .

والحقيقة أن ما يراه الزائر لأول وهلة في مصر ، لا يعبر عن حقيقة المجتمع المصري ، فالمجتمع المصري ينطوي على خير كثير ، ولا يزال في مصر الكثير من العلماء والصالحين ، وهذا ما حصل لسيدي رحمه الله ، فبعد بضعة أشهر تغير نظرته إلى المجتمع المصري ؛ وانقلب الكره والنفور عنده إلى محبة لمصر وأنس بالمصريين ، فتعرف على كثير من الصالحين ، وأقام صداقات قوية معهم ، واشتهر بلقب الشيخ الحموي ، وكانوا يراسلونه عندما يعود أثناء العطلة الصيفية إلى حماة.

وفي مصر تعرف على الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى ، وتحولت هذه المعرفة إلى علاقة حبيبة عالية بينهما ، وإلتقى بالعالم الكبير الشيخ زاهد الكوثري رحمه الله تعالى[2"> ، وقد نصح سدي أن لا يختلط بالناس كثيراً ، وذلك لما لاحظه عند سيدي من شدة نفوره من المنكرات ، وتألمه من رؤيتها ، وفيها تعرف على الرجل الصالح ، والعالم العامل ، فضيلة الشيخ مصطفى الحمامي رحمه الله تعالى ، تأثر به كثيراً وأعجب بصلاحه وتقواه ، وكان كثير الزيارة له .

ومن الملاحظ أن أكثر الذين تأثر بهم سيدي في مصر ، كانوا من خارج الأزهر ، ولم يستفد من الأزهر زيادة في علمه . فقد قالوا له بعد إختبار الانتساب إلى الأزهر : " إنك عالم لا تحتاج إلى الدارسة فيه " ، ولكنه كان يعلن أنه استفاد من دراسته في الأزهر طريقة تحقيق المسائل وتدقيقها ، وهو أمر ظاهر في آثاره العلمية وفي أجوبته الفقهية ، وكان زملاؤه في الدراسة يدهشون من كثره معلوماته ، وغزارة محفوظاته ، وخاصة في الأحكام الفقهية .

الاستقرار في حماة :

وفي عام 1362هـ / 1942م عاد رحمه الله إلى حماة ، ليعيش آخر مراحل حياته . وفي هذه المرحلة أثمرت جهودة ، وأينعت ثماره ، ومع أنها مرحلة الاستقرار ؛ فإنها كانت أكثر مراحل حياته ، تعباً ومشقة ، فهي مرحلة الجهاد ، فلما عاد الشيخ إلى حماة ، كانت البلاد في ذروة جهادها الوطني من أجل الحصول على الاستقلال ، وهذا أحد الأسباب التي دفعت الشيخ للرجوع إلى بلده . ليضم صوته إلى أصوات المطالبين بالاستقلال ، ويذكي بخطبه الحماسية جذوه النضال والجهاد في قلوب الأمة ، داعياً إلى الثورة على المستعمرين ، وتطهير البلاد منهم ، وهو الأمل من عمره الذي كان يراوده منذ رآهم يدخلون البلاد ، وكان وقتئذ في العاشرة من عمره ، ودعا الله سبحانه وتعالى ببراءة الطفل وصفائه ، أن يريره خروجهم من حماة كما شاهد دخولهم ، ولقد حقق الله أمنيته هذه ، وأقر عينه برؤيتهم يخرجون من نفس الشارع ، ومن أقواله ضد الإستعمار " أيها الإخوان لقد استخفت فرنسا بنا ، وخاست بكل العهود ، ولم ترع للمواثيق حرمة ، لقد طلبت منا آخراً أن نقبل أموراً ، فيها ترسيخ أقدامها في هذه البلد واستعباد أهلها ، فاغضبوا ثم اغضبوا ، وثوروا ثم ثوروا ، فما عاد السكون ينفع ، وما عاد السكوت يفيد ، لقد كان نبيكم صلوات الله عليه وسلامه يرتجز هو وأصحابه قائلين : *





المشركون قد بغَوا عليناوإن أرادوا فـتـنــة

أبَـــيْـــنــــا

أبَـيْـنـا ، أبَـيْـنـا





وما أجدرنا إعادة ذلك الرجز قائلين :



هذي فرنسا قد بَغَت عليناوإن أرادتْ فـتــنــةً

أبـــيْــــنــــا

أبَـيْـنـا ، أبَـيْـنــا





ولم ينقطع - رحمه الله تعالى - خطبة المنبرية أيام الجمع في أشد ساعات الخطر ، فلقد خطب وطائرات المستعمرين تضرب حماة ، وتلقي قنابلها على المساجد ؛ ولما وقت مأساة فلسطين ، تألم الشيخ كثيراً ، ودعا إلى الخروج للجهاد وأراد أن يخرج بنفسه ، ولكن كبار العلماء أشاروا عليه بالبقاء لحاجة الأمة إليه ، ولكثرة عدد المجاهدين ، ولقد استحوذت قضية فلسطين على اهتمامه ، فخصص لها الكثير من خطبه المنبرية ، وكتب عنها عدداً من المقالات في الصحف والمجلات ، وكان يرى رحمه الله تعالى ، أن حالنا مع اليهود لا تحلها إلا القوة ، وكان دائم الوصية للشباب ، لينضموا إلى الجيش ، ويكونوا من ضباطه وجنوده ، وفي عام 1956م أثناء الاعتداء الثلاثي على مصر انضم الشيخ إلى صفوف المقاومين الشعبيين ، وحمل السلاح بنفسه ، وكان يخرج على رأس إحدى المجموعات إلى حقول التدريب .

جهَادُهُ الاجتماعي :

منذ أن استقلت البلاد ، أدرك الشيخ – رحمه الله تعالى – أن الأمة أصبحت علىمفترق الطرق ، فقد ظهرت فيها دعوات مختلفة الاتجاهات ، تدعو إلى الميوعة ، والتحلل من التكاليف الدينية ، ونشر الفساد في البنية الاجتماعية للأمة ؛ وذلك بتشجيع السفور والتبرج ، واختلاط الرجال والنساء ؛ فضلاً عن أفكار تشكك الناس بعقيدتهم وتدفعهم إلى الإباحية والإلحاد .

ورأى أن واجبه الأول في هذه الحياة ، أن يقف في وجه هذه التيارات ، وأن يعمل للحفاظ على عقيدة الأمة وذاتيتها المستقلة ، وكيانها المتميز ، فقام رحمه الله تعالى بهذا الواجب ، متحملاً كل متاعبه ومسؤولياته ، ومعرضاً نفسه لمخاطر جسيمة .
[/COLOR]
__________________
خَليليَّ وَلّى العمرُ مِنّا وَلَم نَتُب = وَنَنوي فعالَ الصالِحات وَلَكِنّا
أبو يوسف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وصايا سيدنا الشيخ أحمد فتح الله جامي بزيارة قبل رمضان الماضي بحضور الشيخ محمد رجو محب الاحباب رسائل ووصايا في التزكية 5 03-14-2013 11:26 PM
صور جديدة لسيدي الشيح أحمد الجامي حفظه الله علاء الدين نفثات المحبين في حب وارث سيد المرسلين 9 01-30-2013 08:32 AM
بعض من وصايا سيدي الشيخ أحمد الجامي ( الثلاثاء 25/1/2010) علاء الدين رسائل ووصايا في التزكية 3 07-08-2012 03:39 PM
وصية 15-5-2012 لسيدنا الشيخ أحمد الجامي حفظه الله محب الاحباب رسائل ووصايا في التزكية 4 06-05-2012 02:50 AM
وصية الشيخ أحمد الجامي الـــــفراتي رسائل ووصايا في التزكية 5 10-22-2011 10:15 PM


الساعة الآن 03:11 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir