أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > المواضيع الاسلامية

إضافة رد
قديم 10-22-2014
  #1
عبد القادر الأسود
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبد القادر الأسود
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 216
معدل تقييم المستوى: 15
عبد القادر الأسود is on a distinguished road
افتراضي فيض العليم ... بسم الله الرحمن الرحيم (4)

أعيد نشر (بسم الله الرحمن الرحيم) تلبية لرغبة بعض الإخوة الكرام، لكنني سأنشرها على مراحل لتسهل مطالعتها

فيض العليم .... بسم الله الرحمن الرحيم

(4)...
...
وقال بعضُهم من بابِ الإشارة: كُسِرَتِ الباءُ في البَسملةِ تعليماً للتوصُّلِ إلى اللهِ تعالى والتَعَلُّقِ بأسمائِهِ بِكَسْرِ الجَنابِ والخُضوعِ، وذُلِّ العُبوديَّة، فلا يُتوصَّلُ إلى نوعٍ من أنواعِ المعرفةِ إلاَّ بنوعٍ مِنْ أنواعِ الذُلِّ والكَسْرِ، كما أَشار إلى ذلك سيّدي عُمرُ بنُ الفارضِ قَدَّسَ اللهُ
تعالى سِرَّهُ الفائضَ بقولِه:
ولو كنتَ لي مِن نُقطَةِ الباءِ خَفْضَةً ......... رُفِعْتَ إلى ما لمْ تَنَلْهُ بِحِيلَةِ
بحيثُ نَرى أنْ لا تَرى ما عَدَدْتَهُ .......... وأَنَّ الذي أَعْدَدْتَهُ غيرُ عُدَّةِ
فإنَّ الخفضَ يُقابلُ الرفعَ فمَنْ خَفَضَهُ النظرُ إلى ذُلِّ العُبوديّةِ، رفعَه القَدَرُ إلى مُشاهدةِ عِزِّ الربوبيّةِ، ولا يُنالُ هذا الرفعُ بحيلةٍ؛ بل هو بمحضِ الموهبةِ الإلهيّةِ الجَليلةِ، ومَنْ تَنَزَّلَ لِيَرتَفِعَ فتَنَزُّلُه مَعلولٌ، وسعيُه غيرُ مقبول.
وهو أمرٌ مخصوصٌ بباءِ البَسملةِ لا يمكن أنْ يَجري في باءِ الجرِّ مُطلَقاً كما لا يَخفى، وسِرُّ ذلك أنَّ الباءَ هي المَرتبةُ الثانيةُ بالنِسْبَةِ إلى الأَلِفِ البَسيطةِ المُجرَّدةِ المُتقدِّمةِ على سائرِ المَراتِبِ، فهي إشارةٌ إلى الوُجودِ الحَقِّ، والباءُ إمَّا إشارةٌ إلى صفاتِه التي أظهرتْها نُقْطَةُ الكَونِ ولذلك لمَّا قيلَ للعارِفِ الشِبْلِيِّ أنتَ الشِبْلِيُّ؟ قال أنَا النُّقْطةُ تحتَ الباءِ، وقال سيدي الشيخُ الأَكبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ:
الباءُ للعارِفِ الشِبْلِيِّ مُعْتَبَرٌ ................ وفي نُقَيْطَتِها للقَلْبِ مُدَّكَرُ
سِرُّ العُبودِيَّةِ العَلْياءِ مازَجَها ........... لذاك نابَ مَنابَ الحَقِّ فاعْتَبِروا
أَليْسَ يُحذَفُ من بِسمٍ حقيقتُه ................. لأنَّه بَدَلٌ مِنه فَذا وَزَرُ
والصفاتُ إمَّا جَمَالِيَّةٌ أو جَلالِيَّةٌ، ولِلأُولى السَبْقُ، كما يُشيرُ إليهِ حديثُ أبي هريرة ـ رضي اللهُ عنه: ((.. سبقتْ رَحمتي غَضَبي)). رواه مسلمٌ في صحيحِه وغيرُه مِنَ الأئمة. وباءُ الجَرِّ إشارةٌ إليها لأنَّها الواسِطةُ في الإضافةِ والإفاضةِ فنَاسَبَها الكَسْرُ وخَفْضُ الجَناحِ ليَتِمَّ الأَمْرُ ويَظهَرَ السِرُّ، وفي الابتداءِ بها هنا تَعجيلٌ لِلبِشارةِ ورَمْزٌ إلى أنَّ المَدارَ هو الرحمةُ كما قال ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ فيما رواه الشيخان وأحمد عَنْ السيدة عائشةَ ـ رضي اللهُ عنها: ((سَدِّدوا وقاربوا وأَبْشِروا واعْلَموا أَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمُ الجَنَّةَ عَمَلُهُ قالوا ولا أَنْتَ يا رسول الله؟ قال: ((ولا أَنا إلاَّ أنْ يَتَغَمَّدَني اللهُ برحمتِه)).
وقد تَدَرَّجَ ـ سبحانَه وتعالى ـ بإظهارِها فرَمَزَ بالباءِ وأَشارَ باللهِ وصَرَّحَ أَتَمَّ تصريحٍ بالرحمنِ الرحيمِ. وأمَّا الإشارةُ إلى الحقيقةِ المُحمَّديَّةِ والتَّعيينِ الأوَّلِ المُشارِ إليه بقولِه ـ صلى الله عليه وسلم: ((أوَّلُ ما خَلَقَ اللهُ نورَ نبيِّكَ يا جابرُ)). ولا يلتفت إلى من طعن في هذا الحديث لما له من عواضِد في معناه، منها ما رواه الترمذي والحاكم وصحَّحاه عن أبي هريرة ـ رضي اللهُ عنه ـ وهو قولُه ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ((كنت نبيّاً وآدمُ بينَ الرّوحِ والجَسَدِ))، وله رواية أخرى بلفظ: ((.. وآدمُ بين الماء والطين)). ومعناه أنَّه كانَ مكتوباً عندَ اللهِ نَبِيّاً وهذا التفسير هو من تفسيرِ الحديثِ بالحديثِ فقد رَوى ابْنُ حبّان والحاكِمُ في صَحيحَيْهِما عنِ العِرباضِ بْنِ ساريةَ ـ رضي اللهُ عنه مَرْفوعاً: ((إني عندَ اللهِ لمكتوبٌ خاتم النبيين وإنَّ آدمَ لمجنْدَلٌ في طِينَتِهِ)). ويَزيدُك وُضوحاً قولُه تعالى في آخرِ سورةِ الشُورى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} الآية:52. وللإمامين الجلالين في تفسيرِهما لهذه الآية: "وَكَذَلِكَ" أَيْ مِثْل إيحَائِنَا إلَى غَيْرك مِنْ الرُّسُل "أَوْحَيْنَا إلَيْك" يَا مُحَمَّد "رُوحًا" هُوَ الْقُرْآن بِهِ تَحْيَا الْقُلُوب "مِنْ أَمْرنَا" الَّذِي نُوحِيهِ إلَيْك "مَا كُنْت تَدْرِي" تَعْرِف قَبْل الْوَحْي إلَيْك "مَا الْكِتَاب" الْقُرْآن "وَلا الإِيمَان" أَيْ شَرَائِعه وَمَعَالِمه وَالنَّفْي مُعَلَّق لِلْفِعْلِ عَنْ الْعَمَل وَمَا بَعْدَه سَدَّ مَسَدّ الْمَفْعُولَيْنِ "وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ" أَيْ الرُّوح أَوْ الْكِتَاب "نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاء مِنْ عِبَادنَا وَإِنَّك لَتَهْدِي" تَدْعُو بِالْوَحْيِ إلَيْك "إلَى صِرَاط" طَرِيق "مُسْتَقِيم" دِين الإِسْلَام، وقال تعالى في سورة الأعراف: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين} الآية: 172. نقل شيخ المفسرين ابنُ جريرٍ الطَبريُّ ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية عن ابنِ عباسٍ ـ رضي اللهُ تعالى عنهما ـ أنَّ رسول اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ قال في تفسيرها: ((أَخَذَ اللهُ الميثاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بنَعْمَان ـ يعني عرفة ـ فأخرج من صلبِه كلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَها، فنَثَرهم بين يديه كالذَرِّ، ثم كَلَّمَهم قِبَلاً فقال: "ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا؟ أنْ تقولوا..." الآية، ورواهُ مرفوعاً أَحمدُ في مُسْنَدِهِ برقم: 2455، منْ طريقِ حُسَينٍ بْنِ محمَّدٍ، وهو طَريقُ أبي جَعفر الطبري. ورواه مرفوعاً أيضاً، الحاكمُ في المُستدرك 1: 27، من طريق إبراهيم بن مرزوق البصري، عن وهب بن جريرٍ بنِ حازم، عن جريرٍ بْنِ حازم، بمثلِه، وقال: هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، ولم يُخرجاه (أي البخاري ومسلم) وقد احتج مُسْلِمٌ، بكلثوم بنِ جَبر، و وافقه الذهبي، ثمَّ رواه في المستدرك2: 544 من طريق الحسين بن محمد، عن جرير بن حازم، وصحَّحَه، و وافَقَهُ الذَهَبيُّ. وأخرجَ الحافظُ أبو الحَسَنِ بْنِ بشران، بسندِهِ عن مَيْسَرةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، متى كنت نَبِيّاً؟ قال: ((لما خَلَقَ اللهُ الأَرْضَ واسْتَوى إلى السماءِ فسَوّاهُنَّ سبعَ سماوات، وخَلَقَ العَرْشَ، كَتَبَ على ساقِ العَرْشِ: محمدٌ رسولُ اللهِ خاتمُ الأَنْبِياءِ، وخَلَقَ اللهُ الجَنَّةَ التي أَسْكَنَها آدَمَ وحَوَّاءَ، فكَتَبَ اسْمي على الأَبوابِ، والأَوراقِ، والقِبابِ، والخِيامِ، وآدمُ بينَ الرّوح ِوالجَسَدِ، فلمّا أَحياهُ اللهُ تعالى: نَظَرَ إلى العرشِ، فرأى اسْمي، فأَخبرهُ اللهُ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِك، فلمّا غَرَّهما الشيطانُ، تابا واسْتَشْفَعا باسْمي إليه)). وأخرجَه كذلك ابْنُ الجوزيِّ في (الوفا بحقوق المصطفى) وذكرَهُ العلاّمةُ المحقِّقُ السَيّدُ عبدُ اللهِ بْنُ الصدِّيقِ الغِماريِّ ـ نوَّرَ اللهُ مَرْقَدَهُ ـ في كتابه (الردِّ المحكَمِ المتين) ص:138 - 139، وقال: إسنادُ هذا الحديث قويّ وهو أقوى شاهدٍ وَقَفْتُ عليْه ... وكذا قال الحافظُ ابْنُ حَجَر. وقال الحافظُ الذهبي: (.. نعم ثبت عند الحاكم في مستدركه، وصحَّحَه، وأبي نُعيمٍ في حلْيَةِ الأولياء، والبُخاري في تاريخِه وأَحمدٍ في مُسنَدِهِ عَنْ مَيْسَرَةَ الضَبّيِّ، قلتُ يا رسولَ اللهِ مَتى كنتَ نَبِيّاً قالَ: وآدَمُ بين الرّوحِ والجَسَدِ. وعندَ البيهقيِّ وأَحمد مِنْ حديثِ العِرباضِ بْنِ ساريةَ مرفوعاً: إني عندَ اللهِ لَخَاتَمُ النَّبيين وإنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ في طِينَتِه، وعند الترمذي عن أبي هريرة إنَّهم قالوا يا رسول الله متى وَجَبَتْ لكَ النُبُوَّةُ؟ قال: وآدمُ بينَ الرُّوحِ والجَسَدِ والأدلَّةُ مِنَ الكتاب والسُنَّةِ على أنَّ الله تعالى قد خَلَقَ الأَرواحَ في عالمِ الأَنْوارَ قبل أنْ يخلق الأجساد في عالم المادَّة، مع ذلك تجدُ قوماً ينتسبون إلى هذا النبيِّ الكريم يُغلقون أسماعَهم وأَبصارَهم عن كل هذه النصوص ويتعلقون بنصٍ آخر في هذا المعنى فيه راوٍ ضعيفٍ أو مجهولٍ لينسفوا هذه الحقيقة مِنْ أَساسِها، ويَروحون يُشنِّعون على مُعتقِدِها ومُصَدِّقِها، ويَعلوا صُراخُهم حتى لَيَحْسَبَ العامَّةُ ومَنْ ليس لهم قَدَمٌ في البحثِ العلميِّ حولَ هذه الأُمورِ، أنَّ الحقيقةَ مَعَ هؤلاءِ. أنَا لا أفهم سَبَبَ عِنادِ بعضِ مَنْ يَدَّعي العِلْمَ وإصرارِهم على نَفيِ هذِه الحَقيقةِ وكأنَّما بينَهم وبينَ رسول الله ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ عداءٌ مُسْتَحْكم، فكلَّما رَأَوْا أَثَراً فيهِ تَفضيلٌ لَهُ وتقديمٌ انْبَرَوْا لِدَحْضِهِ، وتَنَطَّحوا لِتكذيبهِ، أو وَهَّنُوهُ وحَكَموا بوضعِهُ، ويدَّعون الإيمان به ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ وبرسالَتِهِ، أَبِهذا يَنْتَظرون شفاعتَه يومَ القيامة؟! فما المانعُ أنْ يكونَ قد خُلقَ سيدُنا محمدٌ ـ عليه الصلاة والسلامُ ـ كحَقيقَةٍ نُورانيَّةً قبلَ أنْ يُخلَقَ الخلقُ جميعاً في عالم الذَرِّ، سِيَّما وأَنَّهُ الرَّسولُ الخاتمُ الذي يحمِلُ الرِسالةَ الأتمَّ عنْ مولاه الأجلّ ـ تبارك وتعالى ـ وبوِساطتِه ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ تكون قد حَصَلَتْ الإفاضةُ، كما يُشيرُ إليه ((لولاكَ ما خلقتُ الأفلاكَ)) الذي نال منهم كما نال سابقُه من التكذيب مَعَ أنَّه ثمَّةَ عَواضِدُ لَهُ كثيرةٌ في معناه، مِنها ما رواه أبو الشيخ بِسَنَدِهِ عن ابْنِ عباسٍ ـ رضيَ اللهُ عنهما ـ قال: أَوْحى اللهُ تعالى إلى عيسى ـ عليه السلامُ: ((آمِنْ بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأْمُرْ أُمَّتَكَ أَنْ يُؤمِنوا بِهِ، فلولا محمَّدٌ ما خَلَقْتُ آدَمَ ولا الجَنَّةَ ولا النّارَ، ولَقَدْ خَلَقْتُ العَرْشَ على الماءِ فاضْطَرَبَ فكَتَبْتُ عليهِ لا إله إلاَّ الله محمّدٌ رسولُ اللهِ فَسَكَنَ)). ورواه الحاكم في مُسْتَدْرَكِهِ وصَحَّحَهُ، وأَقَرَّهُ السِبْكِيُّ في شِفاءِ السِّقامِ، والبَلْقينيُّ في فتاويه. وإذا كانتْ حقيقةُ محمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ هي نور رِسالتِه مِن رَبِّهِ إلى الخلق أجمعين فمِنَ الطبيعي ألاّ يَسْتَقِرَّ الكونُ إلاَّ بهذه الرِسالَةِ إلى نبيّه محمدٍ التي هي الناظم للكون بأسْرِهِ. وليس هذا هو المكان المُناسِبُ لِتَقصّي كلُّ تلك الأخبار المؤيدة لهذه الحقيقة، ولا للإطالةِ فيه، إنَّما نَترُكُهُ لأهْلِ الحَديثِ، ولقد تَكَلَّموا فيه وبَيَّنوا ووضَّحوا، لكنَّ أُولئكَ الحانِقينَ على نَبِيِّنا لا يَقرؤونَ إلاَّ ما يَنْسَجِمُ مَعَ مُبْتَغاهم، ويتركون ما يُميطُ اللثامَ عَنْ الحَقيقةِ. ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بالله العلي العظيم. والأنْكى مِنْ ذلك كلِّه أنَّهم يُحاوِلون اليومَ ـ بكلِّ ما أُوتوا مِنْ قُوَّةٍ ـ فرضَ معتقدِهم على المسلمين بِقُوَّةِ السِلاحِ، فحَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوَكيل.
ولِكونِ الغالِب عليه ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ صفةُ الرحمةِ لا سيَّما على مُؤمِني الأُمَّة، كما يُشيرُ إليه قولُه تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} سورة الأنبياء، الآية: 107. وقولُهُ تعالى: {بالمؤمنين رَءوفٌ رَّحِيمٌ} سورة التوبة، الآية: 128، ناسَبَ ظهورُ الكَسْرِ فيما يُشيرُ إلى مَرْتَبَتِه. وفي الابتِداءِ بِه ـ هُنا ـ رَمْزٌ إلى صِفَةِ مَنْ أُنْزِلَ عليه الكِتابُ، الداعي إلى الله. وفي ذلك مع بيانِ صِفَةِ المَدْعُوِّ إليْه بأنَّه الرَّحمنُ الرَّحيمُ تَشويقٌ تامٌّ وتَرغيبٌ عظيمٌ. وقد تَدَرَّجَ أيْضاً ـ جَلَّ شأنُه ـ في وصْفِهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ بذلك في القرآن إلى أنْ قالَ سبحانَه: {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، سورة القلم، الآية: 4. واكْتَفى بالرَّمْزِ لِعَدَمِ ظُهورِ الآثارِ بعدُ، وأوَّلُ الغيثِ قَطرٌ ثمَّ يَنهمِلُ، ومَا مَنْ سُورَةٍ إلاَّ افْتَتَحَها الرَّبُّ ـ جلَّ وعَلا ـ بالرَّمِزِ إلى حالِه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعظيمًا لَهُ وبِشارةً لِمَن أَلقى السَمْعَ وهو شهيدٌ.
ولمَّا كان الجَلالُ في سورةِ: "براءةٌ" ظاهِراً ترَكَ الإشارةَ بالبَسْمَلَةِ وأتى بِباءٍ مفتوحةٍ لِتغييرِ الحالِ وإرخاءِ الستْرِ على عرائِسِ الجمالِ ولم يتركْ ـ سبحانَه وتعالى ـ الرمزَ بالكُلِّيَّةِ إلى الحَقيقةِ المُحمَّدِيَّةِ، ولا يَسَعُنا الإفصاحُ بأكثرَ من هذا في هذا البابِ خَوفاً مِنْ قالِ أَربابِ الحِجابِ وخَلفَه سِرٌّ جليلٌ، واللهُ تعالى الهادي إلى سواءِ السَّبيلِ.
والباء ـ هنا ـ للاسْتِعانَةِ لأنَّ المعنى: أَقرأُ مُستَعينًا بالله، أو باسْمِ اللهِ، ولها مَعانٍ أُخَرُ وهي:
ـ الإِلصاقُ حقيقةً أو مجازاً، نحو: "مَسَحْتُ بِرأْسي" على الحقيقة. و"مَرَرْتُ بزيدٍ "على سبيل المجاز.
ـ والسببيّةُ نحو: {فَبِظُلْمِ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ} أي بِسَبَبِ ظُلْمِهم.
ـ والمُصاحَبَةُ نحو: خَرَجَ المُجاهِدُ في سَبيلِ اللهِ بمالِه، أيْ مُصاحِبَاً له، ويُقال كذلك خَرَجَ المَهْزومُ بثِيابِه.
ـ والبَدَلُ أو "العِوض" كقوله ـ عليه الصلاة والسلام: ((ما يَسُرُّنِي بها حُمْرُ النَّعَمِ)). أيْ بَدَلها كما لو قلتَ هذا بذاك.
ـ والقَسَمُ: أي أَحْلِفُ باللهِ لأفعلنَّ كذا، أو بالله عليك إلَّا فعلتَ كذا.
ـ والظَرْفيَّةُ نحو قولِه تعالى: {إنَّ أوَّلَ بيتٍ وُضِعَ للنَّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ} أي فيها، وكذلك قولُك: نَهْرُ بَردى بالشام.
ـ والتَعْدِيَةُ نحو: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} لأنَّ هذا الفعل "ذَهبَ" فعلٌ لازمٌ في مثلِ قولِك: ذَهَبَ فُلانٌ، فالجُملَةُ ـ هنا ـ فعلٌ وفاعلٌ فقط دون مفعولٍ بِه، فإذا أردنا أنْ نُعَدَّيَه لِيتَّخِذَ مَفعولاً بِه وَجَبَ أَنْ نَقولَ: ذَهَبَ فلانٌ بفلانٍ.
ـ والتَبعيضُ كقول عَنترةَ:
شَرِبَتْ بِمَاءِ الدُّحْرُضَيْنِ فأصْبَحَتْ..... زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ
أي بعضًا مِنْ مائِه. ولذلك قال بعضُ الفقهاء في "فامْسَحوا بِرؤوسِكم" أي ببعضِها.
ـ والمقابلة: "اشتريتُهُ بألفٍ" أي: قابلتُه بهذا الثمنِ.
ـ والمُجاوَزَةُ مِثلُ قولِه تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماءُ بالغَمَامِ} أيْ عن الغَمَامِ، ونحو قولِه ـ سبحانَه: {الرحمنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} أي عنه.
ـ والاسْتِعلاء كقولِه ـ تعالى: {ومنهم مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أي على قِنْطارٍ.
وقد تُزادُ مُطَّرِدةً وغيرَ مطَّرِدةٍ، فالمطَّردةُ في فاعلِ "كفى" نحو: {وكفى باللهِ شَهيداً} وفي خبرِ "ليس" وخبرِ "ما" أُختِها، كقولِه تعالى: {أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} و {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عمَّا يَعمَلُ الظالمون} وفي: بِحَسْبِكَ زيدٌ. وغيرَ مُطَّرِدَةٍ في مفعولِ" كفَى" كقولِ حسّانٍ بنِ ثابتٍ الأنصاريِّ أَو كعب بن مالك ـ رضي الله عنهما:
فكفى بِنا فَضْلاً على مَنْ غيرُنا .................. حُبُّ النبيِّ محمدٍ إيانا
أي: كَفانا فضلاً.
وفي المُبتدأِ غيرِ "حَسْبُ"، أو في خبرِ "لا" أُخْتِ "ليس"، كقولِ سَوادٍ بنِ قارِبَ الأَسديِّ يخاطبُ رسول اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم:
فكُنْ لي شفيعاً يومَ لا ذو شفاعةٍ ....... بمُغْنٍ فتيلاً عن سَوادِ بنِ قاربِ
أي: مُغْنياً، وفي خبرِ "كان" مَنْفِيَّةً نحوَ قولِ الشَّنْفَرى:
وإنْ مُدَّتِ الأيدي إلى الزادِ لم أكنْ.. بأعجلِهم، إذْ أَجْشَعُ القومِ أَعْجَلُ
أي: لم أكنْ أعجلَهم. وفي الحال وثاني مفعولَيْ ظنَّ منفيَّيْنِ أيضاً كقول دُريدٍ بنِ الصِّمَّة يَرثي أَخاه:
دعاني أخي والخيلُ بيني وبينه ............. فلمَّا دعاني لم يَجِدْني بقُعْدَدِ
أي: لم يَجِدْني قُعْدَدًا. وفي خبرِ "إنَّ" كقول امرئ القيس:
فإنْ تَنْأَ عنها حِقْبَةً لا تُلاقِها ............... فإنك ممَّا أَحْدَثَتْ بالمُجَرِّبِ
أي: فإنك المجرِّب.
__________________
أنا روحٌ تضمّ الكونَ حبّاً
وتُطلقه فيزدهر الوجودُ
عبد القادر الأسود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فيض العليم ... بسم الله الرحمن الرحيم (5) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 10-22-2014 08:12 AM
فيض العليم ... بسم الله الرحمن الرحيم (3) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 10-22-2014 07:55 AM
فيض العليم ... بسم الله الرحمن الرحيم (2) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 10-22-2014 07:45 AM
فيض العليم ... بسم الله الرحمن الرحيم (1) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 10-22-2014 07:32 AM
تفسير الذكر الحكيم: (بسم الله الرحمن الرحيم) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 1 05-19-2013 06:14 PM


الساعة الآن 11:18 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir