أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم أهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت           
العودة   منتديات البوحسن > الصوتيات والكتب > المكتبة الاسلامية

المكتبة الاسلامية كل ما يختص بكتب التراث الإسلامي الصوفي أو روابط لمواقع المكتبات ذات العلاقة على الشبكة العالمية...

إضافة رد
قديم 12-02-2008
  #11
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

"ثم ليذبح الهدي إن كان معه والأولى أن يذبح بنفسه وليقل: «بسم الله والله أكبر اللهم منك وبك وإليك تقبل مني كما تقبلت من خليلك إبراهيم»، والتضحية بالبدن أفضل ثم بالبقر ثم بالشاة. والشاة أفضل من مشاركة ستة في البدنة أو البقرة. والضأن أفضل من المعز. قال رسول الله : «خَيْرُ الأُضْحِيَةِ الكَبْشُ الأَقْرَنُ وَالبَـيْضَاءُ أَفْضَلُ مِنَ الغَبْرَاءِ وَالسَّوْدَاءِ» وقال أبو هريرة: البـيضاء أفضل في الأضحى من دم سوداوين وليأكل منه إن كانت من هدي التطوع ولا يضحين بالعرجاء والجدعاء والعضباء والجرباء والشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة والعجفاء. والجدع في الأنف والأذن للقطع منهما، والعضب في القرن وفي نقصان القوائم والشرقاء المشقوقة الأذن من فوق، والخرقاء من أسفل، والمقابلة المخروقة الأذن من قدام، والمدابرة من خلف. والعجفاء المهزولة التي لا تنقي أي لا مخ فيها من الهزال.

ثم ليحلق بعد ذلك، والسنة أن يستقبل القبلة ويبتدىء بمقدم رأسه فيحلق الشق الأيمن إلى العظمين المشرفين على القفا ثم ليحلق الباقي ويقول: «اللهم أثبت لي بكل شعرة حسنة وامح عني بها سيئة وارفع لي بها عندك درجة» والمرأة تقصر الشعر. والأصلع يستحب له إمرار الموسى على رأسه ومهما حلق بعد رمي الجمرة فقد حصل له التحلل الأول وحل له كل المحذورات إلا النساء والصيد.

ثم يفيض إلى مكة ويطوف كما وصفناه. وهذا الطواف طواف ركن من الحج ويسمى طواف الزيارة، وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر، وأفضل وقته يوم النحر ولا آخر لوقته بل له أن يؤخر إلى أي وقت شاء، ولكن يبقى مقيداً بعقلة الإحرام فلا تحل له النساء إلى أن يطوف.

فإذا طاف تم التحلل وحل الجماع وارتفع الإحرام بالكلية ولم يبق إلا الرمي أيام التشريق والمبـيت بمنى وهي واجبات بعد زوال الإحرام على سبـيل الاتباع للحج، وكيفية هذا الطواف مع الركعتين كما سبق في طواف القدوم. فإذا فرغ من الركعتين فليسع كما وصفنا إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، وإن كان قد سعى فقد وقع ذلك ركناً فلا ينبغي أن يعيد السعي.

وأسباب التحلل ثلاثة: الرمي والحلق والطواف الذي هو ركن. ومهما أتى باثنين من هذه الثلاثة فقد تحلل أحد التحللين، ولا حرج عليه في التقديم والتأخير بهذه الثلاث مع الذبح، ولكن الأحسن أن يرمي ثم يذبح ثم يحلق ثم يطوف. والسنة للإمام في هذا اليوم أن يخطب بعد الزوال وهي خطبة وداع رسول الله ، ففي الحج أربع خطب: خطبة يوم السابع، وخطبة يوم عرفة، وخطبة يوم النحر ، وخطبة يوم النفر الأول، وكلها عقيب الزوال وكلها إفراد إلا خطبة يوم عرفة فإنها خطبتان بـينهما جلسة. ثم إذا فرغ من الطواف

عاد إلى منى للمبـيت والرمي فيبـيت تلك الليلة بمنى وتسمى ليلة القرّ لأن الناس في غد يقرّون بمنى ولا ينفرون. فإذا أصبح اليوم الثاني من العيد وزالت الشمس اغتسل للرمي وقصد الجمرة الأولى التي تلي عرفة وهي على يمين الجادة ويرمي إليها بسبع حصيات، فإذا تعداها انحرف قليلاً عن يمين الجادة ووقف مستقبل القبلة وحمد الله تعالى وهلَّل وكبَّر ودعا مع حضور القلب وخشوع الجوارح ووقف مستقبل القبلة قدر قراءة سورة البقرة مقبلاً على الدعاء، ثم يتقدم إلى الجمرة الوسطى ويرمي كما رمى الأولى ويقف كما وقف للأولى ثم يتقدم إلى جمرة العقبة ويرمي سبعاً، ولا يعرج على شغل بل يرجع إلى منزله ويبـيت تلك الليلة بمنى وتسمى هذه الليلة ليلة النفر الأول، ويصبح فإذا صلى الظهر في اليوم الثاني من أيام التشريق رمى في هذا اليوم إحدى وعشرين حصاة كاليوم الذي قبله. ثم هو مخير بـين المقام بمنى وبـين العود إلى مكة.

فإن خرج من منى قبل غروب الشمس فلا شيء عليه وإن صبر إلى الليل فلا يجوز له الخروج بل لزمه المبـيت حتى يرمي في يوم النفر الثاني أحداً وعشرين حجراً كما سبق. وفي ترك المبـيت والرمي إراقة دم وليتصدق باللحم. وله أن يزور البـيت في ليالي منى بشرط أن لا يبـيت إلا بمنى. كان رسول الله يفعل ذلك ، ولا يتركنّ حضور الفرائض مع الإمام في مسجد الخيف فإنّ فضله عظيم فإذا أفاض من منى فالأولى أن يقيم بالمحصب من منى ويصلي العصر والمغرب والعشاء ويرقد رقدة فهو السنَّة. رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. فإن لم يفعل ذلك فلا شيء عليه." اهـ.




".الجملة الثامنة: في صفة العمرة وما بعدها إلى طواف الوداع:

من أراد أن يعتمر قبل حجه أو بعده كيفما أراد فليغتسل ويلبس ثياب الإحرام كما سبق في الحج ويحرم بالعمرة من ميقاتها، وأفضل مواقيتها الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبـية. وينوي العمرة ويلبـي ويقصد مسجد عائشة رضي الله عنها ويصلي ركعتين ويدعو بما شاء.

ثم يعود إلى مكة وهو يلبـي حتى يدخل المسجد الحرام. فإذا دخل المسجد ترك التلبـية وطاف سبعاً وسعى سبعاً كما وصفنا. فإذا فرغ حلق رأسه وقد تمت عمرته. والمقيم بمكة ينبغي أن يكثر الاعتمار والطواف. وليكثر النظر إلى البـيت. فإذا دخله فليصل ركعتين بـين العمودين فهو الأفضل وليدخله حافياً موقراً. قيل لبعضهم: هل دخلت بـيت ربك اليوم؟ فقال: والله ما أرى هاتين القدمين أهلاً للطواف حول بـيت ربـي فكيف أراهما أهلاً لأن أطأ بهما بـيت ربـي وقد علمت حيث مشيتا وإلى أين مشيتا. وليكثر شرب ماء زمزم وليستق بـيده من غير استنابة إن أمكنه وليرتو منه حتى يتضلع وليقل: اللهم اجعله شفاء من كل داء وسقم وارزقني الإخلاص واليقين والمعافاة في الدنيا والآخرة. قال : «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» أي يشفي ما قصد به." اهـ.






الجملة التاسعة: في طواف الوداع:

"مهما عنّ له الرجوع إلى الوطن بعد الفراغ من إتمام الحج والعمرة فلينجز أولاً أشغاله وليشد رحاله وليجعل آخر أشغاله وداع البـيت. ووداعه بأن يطوف به سبعاً كما سبق ولكن من غير رمل واضطباع. فإذا فرغ منه صلى ركعتين خلف المقام وشرب من ماء زمزم. ثم يأتي الملتزم ويدعو ويتضرع ويقول: «اللهم إن البـيت بـيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمنّ الآن قبل تباعدي عن بـيتك هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بل ولا ببـيتك ولا راغب عنك ولا عن بـيتك. اللهم أصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبـي وارزقني طاعتك أبداً ما أبقيتني واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير. اللهم لا تجعل هذا آخر عهدي ببـيتك الحرام وإن جعلته آخر عهدي فعوضني عنه الجنة» ، والأحب أن لا يصرف بصره عن البـيت حتى يغيب عنه." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-02-2008
  #12
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

الجملة العاشرة: في زيارة المدينة وآدابها:

"قال : «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّما زَارَنِي فِي حَيَاتِي» ، وقال : «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يَفِدْ إِلَيَّ فَقَدْ جَفَانِي» وقال : «مَنْ جَاءَنِي زَائِراً لا يَهُمُّهُ إِلاَّ زِيَارَتِي كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ سْبْحَانَهُ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعاً» فمن قصد زيارة المدينة فليصل على رسول الله في طريقه كثير. فإذا وقع بصره على حيطان المدينة وأشجارها قال: «اللهم هذا حرم رسولك فاجعله لي وقاية من النار وأماناً من العذاب وسوء الحساب»، وليغتسل قبل الدخول من بئر الحرة وليتطيب وليلبس أنظف ثيابه. فإذا دخلها فليدخلها متواضعاً معظماً وليقل: بسم الله وعلى ملة رسول الله : {رَبِّ أَدْخِلْني مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخْرِجْني مُخْرَجَ صِدْقٍ واجْعَلْ لي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نصيراً}

ثم يقصد المسجد ويدخله ويصلي بجنب المنبر ركعتين. ويجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بـين عينيه فذلك موقف رسول الله قبل أن يغير المسجد. وليجتهد أن يصلي في المسجد الأول قبل أن يزاد فيه. ثم يأتي قبر النبـي فيقف عند وجهه، وذلك بأن يستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر على نحو من أربعة أذرع من السارية التي في زاوية جدار القبر، ويجعل القنديل على رأسه وليس من السنَّة أن يمس الجدار ولا أن يقبِّله بل الوقوف من بعد أقرب للاحترام، فيقف ويقول:

«السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبـي الله، السلام عليك يا أمين الله، السلام عليك يا حبـيب الله، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا ماحي، السلام عليك يا عاقب، السلام عليك يا حاشر، السلام عليك يا بشير، السلام عليك يا نذير، السلام عليك يا طهر، السلام عليك يا طاهر، السلام عليك يا أكرم ولد آدم، السلام عليك يا سيد المرسلين، السلام عليك يا خاتم النبـيـين، السلام عليك يا رسول رب العالمين، السلام عليك يا قائد الخير، السلام عليك يا فاتح البر، السلام عليك يا نبـي الرحمة، السلام عليك يا هادي الأمة، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك وعلى أهل بـيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، السلام عليك وعلى أصحابك الطيبـين وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبـياً عن قومه ورسولاً عن أمته، وصلى عليك كلما ذكرك الذاكرون وكلما غفل عنك الغافلون، وصلى عليك في الأوّلين والآخرين أفضل وأكمل وأعلى وأجل وأطيب وأطهر ما صلى على أحد من خلقه كما استنقذنا بك من الضلالة وبصرنا بك من العماية وهدانا بك من الجهالة. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه وصفيه وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت عدوك وهديت أمتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين، فصلى الله عليك وعلى أهل بـيتك الطيبـين وسلم وشرف وكرّم وعظم،

وإن كان قد أوصى بتبليغ سلام فيقول: «السلام عليك من ــــ فلان ــــ السلام عليك من ــــ فلان ــــ ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على أبـي بكر الصديق رضي الله عنه لأن رأسه عند منكب رسول الله ، ورأس عمر رضي الله عنه عند منكب أبـي بكر رضي الله عنه. ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على الفاروق عمر رضي الله عنه ويقول:

«السلام عليكما يا وزيري رسول الله والمعاونين له على القيام بالدين ما دام حياً والقائمين في أمته بعده بأمور الدين تتبعان في ذلك آثاره وتعملان بسنته، فجزاكما خير ما جزى وزيري نبـي عن دينه.

ثم يرجع فيقف عند رأس رسول الله ــــ بـين القبر والاسطوانة اليوم ــــ ويستقبل القبلة وليحمد الله عز وجل وليمجده وليكثر من الصلاة على رسول الله ثم يقول: «اللهم إنك قد قلت وقولك الحق {وَلَوْ أنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} اللهم إنا قد سمعنا قولك وأطعنا أمرك وقصدنا نبـيك متشفعين به إليك في ذنوبنا وما أثقل ظهورنا من أوزارنا تائبـين من زللنا معترفين بخطايانا وتقصيرنا، فتب اللهم علينا وشفِّع نبـيك هذا فينا وارفعنا بمنزلته عندك وحقه عليك. اللهم اغفر للمهاجرين والأنصار واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان. اللهم لا تجعله آخر العهد من قبر نبـيك ومن حرمك يا أرحم الراحمين.

ثم يأتي الروضة فيصلي فيها ركعتين ويكثر من الدعاء ما استطاع لقوله : «مَا بَـيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» ويدعو عند المنبر ويستحب أن يضع يده على الرمانة السفلى التي كان رسول الله يضع يده عليها عند الخطبة ،

ويستحب له أن يأتي أحداً يوم الخميس ويزور قبور الشهداء فيصلي الغداة في مسجد النبـي ، ثم يخرج ويعود إلى المسجد لصلاة الظهر فلا يفوته فريضة في الجماعة في المسجد. ويستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع بعد السلام على رسول الله ويزور قبر عثمان رضي الله عنه وقبر الحسن بن علي رضي الله عنهما، وفيه أيضاً قبر علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله عنهم، ويصلي في مسجد فاطمة رضي الله عنها، ويزور قبر إبراهيم ابن رسول الله ، وقبر صفية عمة رسول الله فذلك كله بالبقيع. ويستحب له أن يأتي مسجد قباء في كل سبت ويصلي فيه لما روي أن رسول الله ، قال: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَـيْتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ مَسْجِدَ قُبَاءَ وَيُصَلِّي فِيهِ كَانَ لَهُ عِدْلُ عُمْرَةٍ» ويأتي بئر أريس يقال إن النبـي تفل فيها وهي عند المسجد فيتوضأ منها ويشرب من مائها ، ويأتي مسجد الفتح وهو على الخندق. وكذا يأتي سائر المساجد والمشاهد.

ويقال: إن جميع المشاهد والمساجد بالمدينة ثلاثون موضعاً يعرفها أهل البلد فيقصد ما قدر عليه وكذلك يقصد الآبار التي كان رسول الله يتوضأ منها ويغتسل ويشرب منها ، وهي سبع آبار طلباً للشفاء وتبركاً به ، وإن أمكنه الإقامة بالمدينة مع مراعاة الحرمة فلها فضل عظيم. قال : «لا يَصْبِرُ عَلَى لأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً يَوْمَ القِيَامَةِ» وقال : «مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ فَإِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ بِها أَحَدٌ إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً أَوْ شَهِيداً يَوْمَ القِيَامَةِ»

ثم إذا فرغ من أشغاله وعزم على الخروج من المدينة فالمستحب أن يأتي القبر الشريف ويعيد دعاء الزيارة ـ كما سبق ـ ويودع رسول الله ويسأل الله عز وجل أن يرزقه العودة إليه ويسأل السلامة في سفره. ثم يصلي ركعتين في الروضة الصغيرة وهي موضع مقام رسول الله قبل أن زيدت المقصورة في المسجد. فإذا خرج فليخرج رجله اليسرى أولاً ثم اليمنى وليقل: «اللهم صلِّ على محمد وعلى وآل محمد ولا تجعله آخر العهد بنبـيك وحط أوزاري بزيارته وأصحبني في سفري السلامة ويسر رجوعي إلى أهلي ووطني سالماً يا أرحم الراحمين»، وليتصدّق على جيران رسول الله بما قدر عليه، وليتتبع المساجد التي بـين المدينة ومكة فيصلي فيها وهي عشرون موضعاً." اهـ.



فصل في سنن الرجوع من السفر

"كان رسول الله إدا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على رأس كل شرف من الأرض ثلاث تكبـيرات ويقول: «لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ» وفي بعض الروايات: «وكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون»، فينبغي أن يستعمل هذه السنة في رجوعه. وإذا أشرف على مدينته يحرك الدابة ويقول: «اللهم اجعل لنا بها قراراً ورزقاً حسناً. ثم ليرسل إلى أهله من يخبرهم بقدومه كي لا يقدم عليهم بغتة فذلك هو السنة ، ولا ينبغي أن يطرق أهله ليلاً فإذا دخل البلد فليقصد المسجد أوّلاً وليصل ركعتين فهو السنة ، كذلك كان يفعل رسول الله . فإذا دخل بـيته قال: «تَوْباً تَوْباً لِرَبِّنَا أَوْباً لا يُغَادِرُ عَلَيْنَا حَوْباً» فإذا استقرّ في منزله فلا ينبغي أن ينسى ما أنعم الله به عليه من زيارة بـيته وحرمه وقبر نبـيه ، فيكفر تلك النعمة بأن يعود إلى الغفلة واللهو والخوض في المعاصي، فما ذلك علامة الحج المبرور، بل علامته أن يعود زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة متأهباً للقاء رب البـيت بعد لقاء البـيت." اهـ.




الباب الثالث في الآداب الدقيقة والأعمال الباطنة


بـيان دقائق الآداب وهي عشرة:

ا"لأول: أن تكون النفقة حلالاً وتكون اليد خالية من تجارة تشغل القلب وتفرق الهم، حتى يكون الهم مجرداً لله تعالى والقلب مطمئناً منصرفاً إلى ذكر الله تعالى وتعظيم شعائره. وقد روي في خبر من طريق أهل البـيت: «إذا كان آخر الزمان خرج الناس إلى الحج أربعة أصناف سلاطينهم للنزهة وأغنياؤهم للتجارة وفقراؤهم للمسألة وقراؤهم للسمعة» وفي الخبر إشارة إلى جملة أغراض الدنيا التي يتصوّر أن تتصل بالحج، فكل ذلك مما يمنع فضيلة الحج ويخرجه عن حيز حج الخصوص؛ لا سيما إذا كان متجرّداً بنفس الحج بأن يحج لغيره بأجرة فيطلب الدنيا بعمل الآخرة.

وقد كره الورعون وأرباب القلوب ذلك إلا أن يكون قصده المقام بمكة ولم يكن له ما يبلغه فلا بأس أن يأخذ ذلك على هذا القصد، لا ليتوصل بالدين إلى الدنيا بل بالدنيا إلى الدين. فعند ذلك ينبغي أن يكون قصده زيارة بـيت الله عز وجل ومعاونة أخيه المسلم بإسقاط الفرض عنه. وفي مثله ينزل قول رسول الله : «يُدْخِلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالحَجَّةِ الوَاحِدَةِ ثَلاثَةً الجَنَّةَ: المُوصِيَ بِها وَالمُنَفِّذَ لَها وَمَنْ حَجَّ بِها عَنْ أَخِيهِ» ولست أقول لا تحل الأجرة أو يحرم ذلك بعد أن أسقط فرض الإسلام عن نفسه، ولكن الأولى أن لا يفعل ولا يتخذ ذلك مكسبه ومتجره، فإنّ الله عز وجل يعطي الدنيا بالدين ولا يعطي الدين بالدنيا.

وفي الخبر: «مثل الذي يغزو في سبـيل الله عز وجل ويأخذ أجراً مثل أم موسى عليه السلام ترضع ولدها وتأخذ أجرها» فمن كان مثاله في أخذ الأجرة على الحج مثال أم موسى فلا بأس بأخذه فإنه يأخذ ليتمكن من الحج والزيارة فيه، وليس يحج ليأخذ الأجرة بل يأخذ الأجرة ليحج كما كانت تأخذ أم موسى ليتيسر لها الإرضاع بتلبـيس حالها عليهم." اهـ.


"الثاني: أن لا يعاون أعداء الله سبحانه بتسليم المكس وهم الصادون عن المسجد الحرام من أمراء مكة والأعراب المترصدين في الطريق. فإن تسليم المال إليهم إعانة على الظلم وتيسير لأسبابه عليهم فهو كالإعانة بالنفس؛ فليتلطف في حيلة الخلاص فإن لم يقدر فقد قال بعض العلماء ــــ ولا بأس بما قاله ــــ إنّ ترك التنفل بالحج والرجوع عن الطريق أفضل من إعانة الظلمة، فإن هذه بدعة أحدثت وفي الانقياد لها ما يجعلها سنَّة مطردة وفيه ذل وصغار على المسلمين ببذل جزية. ولا معنى لقول القائل إن ذلك يؤخذ مني وأنا مضطر فإنه لو قعد في البـيت أو رجع من الطريق لم يؤخذ منه شيء، بل ربما يظهر أسباب الترفه فتكثر مطالبته فلو كان في زي الفقراء لم يطالب فهو الذي ساق نفسه إلى حالة الاضطرار." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-02-2008
  #13
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

"الثالث: التوسع في الزاد وطيب النفس بالبذل والإنفاق من غير تقتير ولا إسراف. بل على الاقتصاد، وأعني بالإسراف التنعم بأطيب الأطعمة والترفه بشرب أنواعها على عادة المترفين. فأما كثرة البذل فلا سرف فيه. إذ لا خير في السرف ولا سرف في الخير، كما قيل: وبذل الزاد في طريق الحج نفقته في سبـيل الله عز وجل والدرهم بسبعمائة درهم. قال ابن عمر رضي الله عنهما: من كرم الرجل طيب زاده في سفره. وكان يقول: أفضل الحاج أخلصهم نية وأزكاهم نفقة وأحسنهم يقيناً. وقال : «الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةَ» فقيل له: يا رسول الله ما بر الحج؟ فقال: «طِيبُ الكَلامِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ» ." اهـ.



"الرابع: ترك الرفث والفسوق والجدال كما نطق به القرآن.

والرفث اسم جامع لكل لغو وخنى وفحش من الكلام ويدخل فيه مغازلة النساء ومداعبتهن والتحدّث بشأن الجماع ومقدّماته، فإن ذلك يهيج داعية الجماع المحظور والداعي إلى المحظور محظور.

والفسق اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله عز وجل. والجدال هو المبالغة في الخصومة والمماراة بما يورث الضغائن ويفرق في الحال الهمة ويناقض حسن الخلق. وقد قال سفيان: من رفث فسد حجه. وقد جعل رسول الله طيب الكلام مع إطعام الطعام من بر الحج.

والمماراة تناقض طيب الكلام، فلا ينبغي أن يكون كثير الاعتراض على رفيقه وجماله وعلى غيره من أصحابه، بل يلين جانبه ويخفض جناحه للسائرين إلى بـيت الله عز وجل ويلزم حسن الخلق وليس حسن الخلق كف الأذى بل احتمال الأذى. وقيل: سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال. ولذلك قال عمر رضي الله عنه لمن زعم أنه يعرف رجلاً: هل صحبته في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، فقال: ما أراك تعرفه." اهـ.




"الخامس: أن يحج ماشياً إن قدر عليه فذلك الأفضل. أوصى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بنيه عند موته فقال: يا بني حجوا مشاة فإن للحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة بمائة ألف والاستحباب في المشي في المناسك والتردد من مكة إلى الموقف وإلى منى آكد منه في الطريق. وإن أضاف إلى المشي الإحرام من دويرة أهله فقد قيل إن ذلك من إتمام الحج قال عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم في معنى قوله عز وجل: {وأتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ للَّهِ} وقال بعض العلماء: الركوب أفضل لما فيه من الإنفاق والمؤونة ولأنه أبعد عن ضجر النفس وأقلّ لأذاه وأقرب إلى سلامته وتمام حجه .

وهذا عند التحقيق ليس مخالفاً للأول بل ينبغي أن يفصل. ويقال: من سهل عليه المشي فهو أفضل فإن كان يضعف ويؤدي به ذلك إلى سوء الخلق وقصور عن عمل فالركوب له أفضل، كما أن الصوم للمسافر أفضل وللمريض ما لم يفض إلى ضعف وسوء خلق. وسئل بعض العلماء عن العمرة: أيمشي فيها أو يكتري حماراً بدرهم؟ فقال: إن كان وزن الدرهم أشد عليه فالكراء أفضل من المشي، وإن كان المشي أشدّ عليه كالأغنياء فالمشي له أفضل؛ فكأنه ذهب فيه إلى طريق مجاهدة النفس وله وجه. ولكن الأفضل له أن يمشي ويصرف ذلك الدرهم إلى خير فهو أولى من صرفه إلى المكاري عوضاً عن ابتذال الدابة. فإذا كانت لا تتسع نفسه للجمع بـين مشقة النفس ونقصان المال فما ذكره غير بعيد فيه." اهـ.


".السادس: أن لا يركب إلا زاملة أما المحمل فليجتنبه إلا إذا كان يخاف من الزاملة أن لا يستمسك عليها لعذر وفيه معنيان أحدهما: التخفيف على البعير فإن المحمل يؤذيه. والثاني: اجتناب زي المترفين والمتكبرين.

«حج رسول الله على راحلة وكان تحته رحل رث وقطيفة خلقة قيمتها أربعة دراهم وطاف على الراحلة لينظر الناس إلى هديه وشمائله» ، وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وقيل إنّ هذه المحامل أحدثها الحجاج وكان العلماء في وقته ينكرونها.

فروى سفيان الثوري عن أبـيه أنه قال: برزت من الكوفة إلى القادسية للحج ووافيت الرفاق من البلدان فرأيت الحاج كلهم على زوامل وجوالقات ورواحل ومارأيت في جميعهم إلا محملين. وكان ابن عمر إذا نظر إلى ما أحدث الحجاج من الزي والمحامل يقول: الحاج قليل والركب كثير ثم نظر إلى رجل مسكين رث الهيئة تحته جوالق فقال: هذا نعم من الحجاج. " اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-02-2008
  #14
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

"السابع: أن يكون رث الهيئة أشعث أغبر غير مستكثر من الزينة ولا مائل إلى أسباب التفاخر والتكاثر، فيكتب في ديوانه المتكبرين المترفهين ويخرج عن حزب الضعفاء والمساكين وخصوص الصالحين، فقد أمر بالشعث والاختفاء ، ونهى عن التنعم والرفاهية في حديث فضالة بن عبـيد وفي الحديث: «إنما الحاج الشعث التفث ، ويقول الله تعالى: انظروا إلى زوار بـيتي قد جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق» وقال تعالى: {ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ} والتفث الشعث والاغبرار، وقضاؤه بالحلق وقص الشارب والأظفار،

وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد: اخلولقوا واخشوشنوا. أي البسوا الخلقان واستعملوا الخشونة في الأشياء. وقد قيل: زين الحجيج أهل اليمن لأنهم على هيئة التواضع والضعف وسيرة السلف، فينبغي أن يجتنب الحمرة في زيه على الخصوص والشهرة كيفما كانت على العموم. فقد روي: «أنه كان في سفر فنزل أصحابه منزلاً فسرحت الإبل فنظر إلى أكسية حمر على الأقتاب فقال : أَرَى هذِهِ الْحُمْرَةُ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْكُمْ ، قالوا فقمنا إليها ونزعناها عن ظهورها حتى شرد بعض الإبل». " اهـ.



"الثامن: أن يرفق بالدابة فلا يحملها ما لا تطيق والمحمل خارج عن حدّ طاقتها والنوم عليها يؤذيها ويثقل عليها. كان أهل الورع لا ينامون على الدواب إلا غفوة عن قعود وكانوا لا يقفون عليها الوقوف الطويل، قال : «لا تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ كَرَاسِيَّ» ويستحب أن ينزل عن دابته غدوة وعشية يروّحها بذلك فهو سنة ، وفيه آثار عن السلف.

وكان بعض السلف يكتري بشرط أن لا ينزل ويوفي الأجرة ثم كان ينزل عنها ليكون يذلك محسناً إلى الدابة، فيكون في حسناته ويوضع في ميزانه لا في ميزان المكاري. وكل من آذى بهيمة وحملها ما لا تطيق طولب به يوم القيامة. قال أبو الدرداء لبعير له عند الموت: يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحملك فوق طاقتك. وعلى الجملة في كل كبد حرّاء أجر فليراع حق الدابة وحق المكاري جميعاً. وفي نزوله ساعة ترويح الدابة وسرور قلب المكاري. قال رجل لابن المبارك: احمل لي هذا الكتاب معك لتوصله فقال: حتى أستأمر الجمال فإني قد اكتريت. فانظر يكف تورع من استصحاب كتاب لا وزن له؟ وهو طريق الحزم في الورع فإنه إذا فتح باب القليل انجرّ إلى الكثير يسيراً يسيراً." اهـ.



"التاسع: أن يتقرب بإراقة دم وإن لم يكن واجباً عليه ويجتهد أن يكون من سمين النعم ونفيسه، وليأكل منه إن كان تطوعاً ولا يأكل منه إن كان واجباً. قيل في تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} إنه تحسينه وتسمينه. وسوق الهدي من الميقات أفضل إن كان لا يجهده ولا يكده. وليترك المكاس في شرائه فقد كانوا يغالون في ثلاث ويكرهون المكاس فيهنّ: الهدي والأضحية والرقبة، فإن أفضل ذلك أغلاه ثمناً وأنفسه عند أهله، وروى ابن عمر: أنّ عمر رضي الله عنهما أهدي بختية فطلبت منه بثلاثمائة دينار فسأل رسول الله أن يبـيعها ويشتري بثمنها بدناً فنهاه عن ذلك وقال: «بل أَهْدِهَا» . وذلك لأن القليل الجيد خير من الكثير الدون. وفي ثلاثمائة دينار قيمة ثلاثين بدنة وفيها تكثير اللحم، ولكن ليس المقصود اللحم إنما المقصود تزكية النفس وتطهيرها عن صفة البخل وتزيـينها بجمال التعظيم لله عز وجل فـ {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحومُها وَلاَ دِمَاؤها وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوى مِنْكُم} وذلك يحصل بمراعاة النفاسة في القيمة كثر العدد أو قلَّ. وسئل رسول الله : ما برّ الحج؟ فقال: «العَجُّ والثَّجُّ» . والعج هو رفع الصوت بالتلبـية، والثج هو نحر البدن.

وروت عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله قال: «ما عَمِلَ آدَمِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ إِهْرَاقِهِ دَماً وَإِنَّها لَتَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلافِهَا وَإِنَّ الدَّمَ يَقَعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِالأَرْضِ فَطِيبُوا بِها نَفْساً» . وفي الخبر: «لَكُمْ بِكُلِّ صُوفَةٍ مِنْ جِلْدِهَا حَسَنَةٌ وَكُلِّ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا حَسَنَةٌ وَإِنَّهَا لَتُوضَعُ فِي المِيزَانِ فَأَبْشِرُوا» . وقال : «اسْتَنْجِدُوا هَدَايَاكُمْ فَإِنَّها مَطَايَاكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ» ." اهـ.




"العاشر: أن يكون طيب النفس بما أنفقه من نفقة وهدي وبما أصابه من خسران ومصيبة في مال أو بدن إن أصابه ذلك، فإن ذلك من دلائل قبول حجه. فإن المصيبة في طريق الحج تعدل النفقة في سبـيل الله عز وجل الدرهم بسبعمائة درهم بمثابة الشدائد في طريق الجهاد فله بكل أذى احتمله وخسران أصابه ثواب فلا يضيع منه شيء عند الله عز وجل. ويقال، إن من علامة قبول الحج أيضاً ترك ما كان عليه من المعاصي وأن يتبدل بإخوانه البطالين إخواناً صالحين، وبمجالس اللهو والغفلة مجالس الذكر واليقظة." اهـ.

بـيان الأعمال الباطنة ووجه الإخلاص في النية وطريق الاعتبار بالمشاهد الشريفة وكيفية الافتكار فيها والتذكر لأسرارها ومعانيها من أول الحج إلى آخره:

"اعلم أن أول الحج الفهم ــــ أعني فهم موقع الحج في الدين ــــ ثم الشوق إليه، ثم العزم عليه، ثم قطع العلائق المانعة منه، ثم شراء ثوب الإحرام، ثم شراء الزاد، ثم اكتراء الراحلة، ثم الخروج، ثم المسير في البادية، ثم الإحرام من الميقات بالتلبـية، ثم دخول مكة، ثم استتمام الأفعال كما سبق. وفي كل واحد من هذه الأمور تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر وتنبـيه للمريد الصادق وتعريف وإشارة للفطن. فلنرمز إلى مفاتحها حتى إذا انفتح بابها وعرفت أسبابها انكشف لكل حاج من أسرارها ما يقتضيه صفاء قلبه وطهارة باطنه وغزارة فهمه." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-02-2008
  #15
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

".أما الفهم: اعلم أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتنزه عن الشهوات والكف عن اللذات والاقتصار على الضرورات فيها والتجرّد لله سبحانه في جميع الحركات والسكنات. ولأجل هذا انفرد الرهبانيون في الملل السالفة عن الخلق وانحازوا إلى قلل الجبال وآثروا التوحش عن الخلق لطلب الأنس بالله عز وجل، فتركوا لله عز وجل اللذات الحاضرة وألزموا أنفسهم المجاهدات الشاقة طمعاً في الآخرة وأثنى الله عز وجل عليهم في كتابه فقال: {ذلِكَ بأنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسينَ وَرُهْباناً وأنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} فلما اندرس ذلك وأقبل الخلق على اتباع الشهوات وهجروا التجرد لعبادة الله عز وجل وفتروا عنه بعث الله عز وجل نبـيه محمد لإحياء طريق الآخرة وتجديد سنَّة المرسلين في سلوكها. فسأله أهل الملل عن الرهبانية والسّياحة في دينه فقال : «أَبْدَلَنا اللَّهُ بِها الجِهَادَ وَالتَّكْبِـيرَ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ» يعني الحج.

وسئل عن السائحين فقال: «هُمُ الصَّائِمُونَ» . فأنعم الله عز وجل على هذه الأمة بأن جعل الحج رهبانية لهم فشرف البـيت العتيق بالإضافة إلى نفسه تعالى. ونصبه مقصداً لعباده وجعل ما حواليه حرماً لبـيته تفخيماً لأمره. وجعل عرفات كالميزاب على فناء حوضه، وأكد حرمه الموضع بتحريم صيده وشجره. ووضعه على مثال حضرة الملوك يقصده الزوّار من كل فج عميق ومن كل أوب سحيق شعثاً غبراً متواضعين لرب البـيت ومستكينين له خضوعاً خضوعاً لجلاله واستكانة لعزته مع الاعتراف بتنزيهه عن أن يحويه بـيت أو يكتنفه بلد ليكون ذلك أبلغ في رقهم وعبوديتهم وأتم في إذعانهم وانقيادهم. ولذلك وظف عليهم فيها أعمالاً لا تأنس بها النفوس ولا تهتدي إلى معانيها العقول كرمي الجمار بالأحجار، والتردد بـين الصفا والمروة على سبـيل التكرار." اهـ.



"وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرق والعبودية. فإن الزكاة إرفاق ووجهه مفهوم وللعقل إليه ميل. والصوم كسر للشّهوة التي هي آلة عدوّ الله وتفرغ للعبادة بالكف عن الشواغل. والركوع والسجود في الصلاة تواضع لله عز وجل بأفعال هي هيئة التواضع وللنفوس أنس بتعظيم الله عزّ وجلّ. فأما ترددات السعي ورمي الجمار وأمثال هذه الأعمال فلا حظ للنفوس ولا أنس فيها ولا اهتداء للعقل إلى معانيها فلا يكون في الإقدام عليها باعث إلا الأمر المجرد وقصد الامتثال للأمر من حيث إنه أمر واجب الاتباع فقط. وفيه عزل للعقل عن تصرفه وصرف النفس والطبع عن محل أنسه فإن كل ما أدرك العقل معناه؛ مال الطبع إليه ميلاً ما فيكون ذلك الميل معيناً للأمر وباعثاً معه على الفعل فلا يكاد يظهر به كمال الرق والانقياد.

ولذلك قال في الحج على الخصوص: «لَبَّـيْكَ بِحَجَّةٍ حَقّاً تَعُبُّداً وَرِقّاً» ولم يقل ذلك في صلاة ولا غيرها. وإذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى ربط نجاة الخلق بأن تكون أعمالهم على خلاف هوى طباعهم، وأن يكون زمامها بـيد الشرع فيترددون في أعمالهم على سنن الانقياد وعلى مقتضى الاستعباد. وكان ما لا يهتدى إلى معانيه أبلغ أنواع التعبدات في تزكية النفوس وصرفها عن مقتضى الطباع والأخلاق إلى مقتضى الاسترقاق. وإذا تفطنت لهذا فهمت أن تعجب النفوس من هذه الأفعال العجيبة مصدره الذهول عن أسرار التعبدات. وهذا القدر كافٍ في تفهم أصل الحج إن شاء الله تعالى." اهـ.



"وأما الشوق: فإنما ينبعث بعد الفهم والتحقق بأنّ البـيت بـيت الله عز وجل وأنه وضع على مثال حضرة الملوك، فقاصده قاصد إلى الله عز وجل وزائر له وأن من قصد البـيت في الدنيا جدير بأن لا يضيع زيارته فيرزق مقصود الزيارة في ميعاده المضروب له وهو النظر إلى وجه الله الكريم في دار القرار، من حيث إن العين القاصرة الفانية في دار الدنيا لا تتهيأ لقبول النظر إلى وجه الله عز وجل ولا تطيق احتماله ولا تستعد للاكتحال به لقصورها، وأنها إن أمدّت في الدار الآخرة بالبقاء ونزهت عن أسباب التغير والفناء استعدت للنظر والإبصار، ولكنها بقصد البـيت والنظر إليه تستحق لقاء رب البـيت بحكم الوعد الكريم. فالشوق إلى لقاء الله عز وجل يشوقه إلى أسباب اللقاء لا محالة، هذا مع أن المحب مشتاق إلى كل ماله إلى محبوبه إضافة والبـيت مضاف إلى الله عز وجل فبالحري أن يشتاق إليه لمجرد هذه الإضافة فضلاً عن الطلب لنيل ما وعد عليه من الثواب الجزيل." اهـ.



"وأما العزم: فليعلم أنه بعزمه قاصد إلى مفارقة الأهل والوطن ومهاجرة الشهوات واللذات متوجهاً إلى زيارة بـيت الله عز وجل. وليعظم في نفسه قدر البـيت وقدر رب البـيت، وليعلم أنه عزم على أمر رفيع شأنه خطير أمره وأن من طلب عظيماً خاطر بعظيم. وليجعل عزمه خالصاً لوجه الله سبحانه بعيداً عن شوائب الرياء والسمعة، وليتحقق أنه لا يقبل من قصده وعمله إلا الخالص، وإنّ من أفحش الفواحش أن يقصد بـيت الله وحرمه والمقصود غيره فليصحح مع نفسه العزم وتصحيحه بإخلاصه وإخلاصه باجتناب كل ما فيه رياء وسمعة، فليحذر أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير." اهـ.



"وأما قطع العلائق: فمعناه رد المظالم والتوبة الخالصة لله تعالى عن جملة المعاصي، فكل مظلمة علاقة وكل علاقة مثل غريم حاضر متعلق بتلابـيبه ينادي عليه ويقول؛ إلى أين تتوجه أتقصد بـيت ملك الملوك وأنت مضيع أمره في منزلك هذا ومستهين به ومهمل له؟

أو لا تستحي أن تقدم عليه قدوم العبد العاصي فيردك ولا يقبلك؟ فإن كنت راغباً في قبول زيارتك فنفذ أوامره ورد المظالم وتب إليه أولاً من جميع المعاصي، واقطع علاقة قلبك عن الالتفات إلى ما وراءك لتكون متوجهاً إليه بوجه قلبك كما أنك متوجه إلى بـيته بوجه ظاهرك. فإن لم تفعل ذلك لم يكن لك من سفرك أولاً إلا النصب والشقاء، وآخراً إلا الطرد والرد. وليقطع العلائق عن وطنه قطع من انقطع عنه وقدّر أن لا يعود إليه وليكتب وصيته لأولاده وأهله، فإن المسافر وماله لعلى خطر إلا من وقى الله سبحانه. وليتذكر عند قطعه العلائق لسفر الحج قطع العلائق لسفر الآخرة، فإنّ ذلك بـين يديه على القرب وما يتقدمه من هذا السفر طمع في تيسير ذلك السفر فهو المستقر وإليه المصير. فلا ينبغي أن يغفل عن ذلك السفر عن الاستعداد بهذا السفر." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-02-2008
  #16
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

"وأما الزاد: فليطلبه من موضع حلال، وإذا أحس من نفسه الحرص على استكثاره وطلب ما يبقى منه على طول السفر ولا يتغير ولا يفسد قبل بلوغ المقصد، فليتذكر أنّ سفر الآخرة أطول من هذا السفر، وأنّ زاده التقوى وأن ما عداه مما يظن أنه زاده يتخلف عنه عند الموت ويخونه فلا يبقى معه، كالطعام الرطب الذي يفسد في أوّل منازل السفر فيبقى وقت الحاجة متحيراً محتاجاً لا حيلة له، فليحذر أن تكون أعماله التي هي زاده إلى الآخرة لا تصحبه بعد الموت، بل يفسدها شوائب الرياء وكدورات التقصير." اهـ.

"وأما الراحلة: إذا أحضرها فليشكر الله بقلبه على تسخير الله عز وجل له الدواب لتحمل عنه الأذى وتخفف عنه المشقة. وليتذكر عنده المركب الذي يركبه إلى دار الآخرة وهي الجنازة التي يحمل عليها. فإنّ أمر الحج من وجه يوازي أمر السفر إلى الآخرة ولينظر أيصلح سفره على هذا المركب لأن يكون زاداً له لذلك السفر على ذلك المركب؟ فما أقرب ذلك منه. وما يدريه لعل الموت قريب ويكون ركوبه للجنازة قبل ركوبه للجمل. وركوب الجنازة مقطوع به وتيسر أسباب السفر مشكوك فيه، فكيف يحتاط في أسباب السفر المشكوك فيه ويستظهر في زاده وراحلته ويهمل أمر السفر المستيقن؟." اهـ.

"وأما شراء ثوبـي الإحرام: فليتذكر عنده الكفن ولفه فيه، فإنه سيرتدي ويتزر بثوبـي الإحرام عند القرب من بـيت الله عز وجل وربما لا يتم سفره إليه. وأنه سيلقى الله عز وجل ملفوفاً في ثياب الكفن لا محالة. فكما لا يلقى بـيت الله عز وجل إلا مخالفاً عادته في الزي والهيئة فلا يلقى الله عز وجل بعد الموت إلا في زي مخالف لزي الدنيا. وهذا الثوب قريب من ذلك الثوب إذ ليس فيه مخيط كما في الكفن." اهـ.


"وأما الخروج من البلد: فليعلم عنده أنه فارق الأهل والوطن متوجهاً إلى الله عز وجل في سفر لا يضاهي أسفار الدنيا. فليحضر في قلبه أنه ماذا يريد وأين يتوجه وزيارة من يقصد؟ وأنه متوجه إلى ملك الملوك في زمرة الزائرين له الذين نودوا فأجابوا وشوّقوا فاشتاقوا واستنهضوا فنهضوا وقطعوا العلائق وفارقوا الخلائق وأقبلوا على بـيت الله عز وجل الذي فخم أمره وعظم شأنه ورفع قدره تسلياً بلقاء البـيت عن لقاء رب البـيت إلى أن يرزقوا منتهى مناهم ويسعدوا بالنظر إلى مولاهم.

وليحضر في قلبه رجاء الوصول والقبول لا إدلالاً بأعماله في الارتحال ومفارقة الأهل والمال، ولكن ثقة بفضل الله عز وجل ورجاء لتحقيقه وعده لمن زار بـيته. وليرج أنه إن لم يصل إليه وأدركته المنية في الطريق لقي الله عز وجل وافداً إليه إذ قال جل جلاله: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بـيْتِهِ مُهَاجِراً إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثمَّ يُدْرِكْهُ الموْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ." اهـ.




" وأما دخول البادية إلى الميقات ومشاهدة تلك العقبات: فليتذكر فيها ما بـين الخروج من الدنيا بالموت إلى ميقات يوم القيامة وما بـينهما من الأهوال والمطالبات. وليتذكر من هول قطاع الطريق هول سؤال منكر ونكير، ومن سباع البوادي عقارب القبر وديدانه وما فيه من الأفاعي والحيات، ومن انفراده من أهله وأقاربه وحشة القبر وكربته ووحدته. وليكن في هذه المخاوف في أعماله وأقواله متزوّداً لمخاوف القبر." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-02-2008
  #17
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

"وأما الإحرام والتلبـية من الميقات: فليعلم أن معناه إجابة نداء الله عز وجل. فارج أن يكون مقبولاً واخش أن يقال لك لا لبـيك ولا سعديك، فكن بـين الرجاء والخوف متردداً وعن حولك وقوّتك متبرئاً وعلى فضل الله عز وجل وكرمه متكلاً. فإن وقت التلبـية هو بداية الأمر وهي محل الخطر. قال سفيان بن عيـينة: حج علي بن الحسين رضي الله عنهما فلما أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبـي فقيل له: لم لا تلبـي؟ فقال: أخشى أن يقال لي لا لبـيك ولا سعديك. فلما لبـي غشي عليه ووقع عن راحلته فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه.

وقال أحمد بن أبـي الحواري: كنت مع أبـي سليمان الداراني رضي الله عنه حين أراد الإحرام فلم يلبِّ حتى سرنا ميلاً فأخذته الغشية ثم أفاق وقال: يا أحمد إن الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه السلام مُرْ ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكري فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة. ويحك يا أحمد بلغني أن من حج من غير حله ثم لبى قال الله عز وجل لا لبـيك ولا سعديك حتى ترد ما في يديك فما نأمن أن يقال لنا ذلك. وليتذكر الملبـي عند رفع الصوت بالتلبـية في الميقات إجابته لنداء الله عز وجل إذ قال: {وَأَذِّنْ في النَّاسِ بالحَجِّ} ونداء الخلق بنفخ الصور وحشرهم من القبور وازدحامهم في عرصات القيامة مجيبـين لنداء الله سبحانه؛ ومنقسمين إلى مقرّبـين وممقوتين. ومقبولين ومردودين. ومترددين في أوّل الأمر بـين الخوف والرجاء تردد الحاج في الميقات حيث لا يدرون أيتيسر لهم إتمام الحج وقبوله أم لا؟." اهـ.


".وأما دخول مكة: فليتذكر عندها أنه قد انتهى إلى حرم الله تعالى آمناً وليرج عنده أن يأمن بدخوله من عقاب الله عز وجل وليخش أن لا يكون أهلاً للقرب فيكون بدخوله الحرم خائباً ومستحقاً للمقت. وليكن رجاؤه في جميع الأوقات غالباً فالكرم عميم، والرب رحيم، وشرف البـيت عظيم، وحق الزائر مرعي، وذمام المستجير اللائذ غير مضيع." اهـ.



"وأما وقوع البصر على البـيت: فينبغي أن يحضر عنده عظمة البـيت في القلب ويقدّر كأنه مشاهد لرب البـيت لشدّة تعظيمه إياه. وارج أن يرزقك الله تعالى النظر إلى وجهه الكريم كما رزقك الله النظر إلى بـيته العظيم. واشكر الله تعالى على تبليغه إياك هذه الرتبة وإلحاقه إياك بزمرة الوافدين عليه. واذكر عند ذلك انصباب الناس في القيامة إلى جهة الجنة آملين لدخولها كافة، ثم انقسامهم إلى مأذونين في الدخول ومصروفين انقسام الحاج إلى مقبولين ومردودين. ولا تغفل عن تذكر أمور الآخرة في شيء مما تراه فإن كل أحوال الحاج دليل على أحوال الآخرة." اهـ.



"وأما الطواف بالبـيت: فاعلم أنه صلاة فأحضر في قلبك فيه من التعظيم والخوف والرجاء والمحبة ما فصلناه في كتاب الصلاة. واعلم أنك بالطواف متشبه بالملائكة المقرّبـين الحافين حول العرش الطائفين حوله. ولا تظنن أن المقصود طواف جسمك بالبـيت بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البـيت حتى لا تبتدىء الذكر إلا منه ولا تختم إلا به كما تبتدىء الطواف من البـيت وتختم بالبـيت.

واعلم أن الطواف الشريف هو طواف القلب بحضرة الربوبـية. وأن البـيت مثال ظاهر في عالم الملك لتلك الحضرة التي لا تشاهد بالبصر وهي عالم الملكوت، كما أن البدن مثال ظاهر في عالم الشهادة للقلب الذي لا يشاهد بالبصر وهو في عالم الغيب. وأن عالم الملك والشهادة مدركة إلى عالم الغيب والملكوت لمن فتح الله له الباب وإلى هذه الموازنة وقعت الإشارة بأن البـيت المعمور في السموات بإزاء الكعبة. فإن طواف الملائكة به كطواف الإنس بهذا البـيت. ولما قصرت رتبة أكثر الخلق عن مثل ذلك الطواف أمروا بالتشبه بهم بحسب الإمكان ووعدوا بأن من تشبه بقوم فهو منهم ، والذي يقدر على مثل ذلك الطواف هو الذي يقال إن الكعبة تزوره وتطوف به على ما رآه بعض المكاشفين لبعض أولياء الله سبحانه وتعالى.." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-02-2008
  #18
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

"وأما الاستلام: فاعتقد عنده أنك مبايع لله عز وجل على طاعته فصمم عزيمتك على الوفاء ببـيعتك فمن غدر في المبايعة استحق المقت. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال: «الحَجَرُ الأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الأَرْضِ يُصَافِحُ بِهَا خَلْقَهُ كَمَا يُصَافِحُ الرَّجُلُ أَخَاهُ» .اهـ.



"وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم: فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حباً وشوقاً للبـيت ولرب البـيت وتبركاً بالمماسة ورجاء للتحصن عن النار في كل جزء من بدنك لا في البـيت. ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه عنه المظهر له أنه لا ملجأ له منه إلا إليه ولا مفزع له إلا كرمه وعفوه، وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل..اهـ.



".وأما السعي بـين الصفا والمروة في فناء البـيت: فإنه يضاهي تردد العبد بفناء دار الملك جائياً وذاهباً مرة بعد أخرى إظهاراً للخلوص في الخدمة ورجاء للملاحظة بعين الرحمة، كالذي دخل على الملك وخرج وهو لا يدري ما الذي يقضي به الملك في حقه من قبول أو رد؟ فلا يزال يتردد على فناء الدار مرة بعد أخرى يرجو أن يرحم في الثانية إن لم يرحم في الأولى. وليتذكر عند تردده بـين الصفا والمروة تردده بـين كفتي الميزان في عرصات القيامة وليمثل الصفا بكفة الحسنات والمروة بكفة السيئات. وليتذكر تردده بـين الكفتين ناظراً إلى الرجحان والنقصان متردداً بـين العذاب والغفران.اهـ.


"وأما الوقوف بعرفة: فاذكر ــــ بما ترى من ازدحام الخلق وارتفاع الأصوات واختلاف اللغات واتباع الفرق أئمتهم في الترددات على المشاعر اقتفاء لهم وسيراً بسيرهم ــــ عرصات القيامة واجتماع الأمم مع الأنبـياء والأئمة واقتفاء كل أمة نبـيها وطمعهم في شفاعتهم وتحيرهم في ذلك الصعيد الواحد بـين الرد والقبول. وإذا تذكرت ذلك فألزم قلبك الضراعة والابتهال إلى الله عز وجل فتحشر في زمرة الفائزين المرحومين وحقق رجاءك بالإجابة، فالموقف شريف والرحمة إنما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلق بواسطة القلوب العزيزة من أوتاد الأرض.

ولا ينفك الموقف عن طبقة من الأبدال والأوتاد وطبقة من الصالحين وأرباب القلوب. فإذا اجتمعت همم وتجردت للضراعة والابتهال قلوبهم وارتفعت إلى الله سبحانه أيديهم وامتدت إلى أعناقهم وشخصت نحو السماء أبصارهم مجتمعين بهمة واحدة على طلب الرحمة فلا تظنن أنه يخيب أملهم ويضيع سعيهم ويدخر عنهم رحمة تغمرهم. ولذلك قيل: إن من أعظم الذنوب أن يحضر عرفات ويظن أن الله تعالى لم يغفر له. وكأن اجتماع الهمم والاستظهار بمجاورة الأبدال والأوتاد المجتمعين من أقطار البلاد هو سر الحج وغاية مقصوده، فلا طريق إلى استدرار رحمة الله سبحانه مثل اجتماع الهمم وتعاون القلوب في وقت واحد على صعيد واحد." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-02-2008
  #19
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

"وأما رمي الجمار: فاقصد به الانقياد للأمر إظهاراً للرق والعبودية وانتهاضاً لمجرد الامتثال من غير حظ للعقل والنفس فيه. ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأمله. فإن خطر لك: أن الشيطان عرض له فشاهده فلذلك رماه، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان؟ فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به؟ فاطرده عن نفسك بالجدّ والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان. واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيماً له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه.." اهـ.



"وأما ذبح الهدي: فاعلم أنه تقرب إلى الله تعالى بحكم الامتثال فأكمل الهدي وارج أن يعتق الله بكل جزء منه جزءاً منك في النار ، فهكذا ورد الوعد. فكلما كان الهدي أكبر وأجزاؤه أوفر كان فداؤك من النار أعم." اهـ.




"وأما زيارة المدينة: فإذا وقع بصرك على حيطانها فتذكر أنها البلدة التي اختارها الله عز وجل لنبـيه ، وجعل إليها هجرته وأنها داره التي شرع فيها فرائض ربه عز وجل وسننه وجاهد عدوه وأظهر بها دينه إلى أن توفاه الله عز وجل. ثم جعل تربته فيها وتربة وزيريه القائمين بالحق بعده رضي الله عنهما. ثم مثل في نفسك مواقع أقدام رسول الله عند تردداته فيها وأنه ما من موضع قدم تطؤه إلا وهو موضع أقدامه العزيزة فلا تضع قدمك عليه إلا عن سكينة ووجل. وتذكر مشيه وتخطيه في سككها وتصور خشوعه وسكينته في المشي وما استودع الله سبحانه قلبه من عظيم معرفته ورفعه ذكره مع ذكره تعالى، حتى قرنه بذكر نفسه وإحباطه عمل من هتك حرمته ولو برفع صوته فوق صوته. ثم تذكر ما من الله تعالى به على الذين أدركوا صحبته وسعدوا بمشاهدته واستماع كلامه وأعظم تأسفك على ما فاتك من صحبته وصحبة أصحابه رضي الله عنهم. ثم اذكر أنك قد فاتتك رؤيته في الدنيا وأنك من رؤيته في الآخرة على خطر. وأنك ربما لا تراه إلا بحسرة، وقد حيل بـينك وبـين قبوله إياك بسوء عملك كما قال : «يَرْفَعُ اللَّهُ إِلَيَّ أَقْوَاماً فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِـي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي ما أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: بُعْداً وَسُحْقاً» فإن تركت حرمة شريعته ولو في دقيقة من الدقائق فلا تأمن أن يحال بـينك وبـينه بعدولك عن محجته.

وليعظم مع ذلك رجاؤك أن لا يحول الله تعالى بـينك وبـينه بعد أن رزقك الإيمان وأشخصك من وطنك لأجل زيارته من غير تجارة ولا حظ في دنيا بل لمحض حبك له وشوقك إلى أن تنظر إلى آثاره وإلى حائط قبره؛ إذ سمحت نفسك بالسفر بمجرد ذلك لما فاتتك رؤيته فما أجدرك بأن ينظر الله تعالى إليك بعين الرحمة. فإذا بلغت المسجد فاذكر أنها العرصة التي اختارها الله سبحانه لنبـيه ولأول المسلمين وأفضلهم عصابة. وأن فرائض الله سبحانه أوّل ما أقيمت في تلك العرصة. وأنها جمعت أفضل خلق الله حياً وميتاً فليعظم أملك في الله سبحانه أن يرحمك بدخولك إياه فادخله خاشعاً معظماً. وما أجدر هذا المكان بأن يستدعي الخشوع من قلب كل مؤمن كما حكي عن أبـي سليمان أنه قال: حج أويس القرني رضي الله عنه ودخل المدينة فلما وقف على باب المسجد قيل له: هذا قبر النبـي فغشي عليه. فلما أفاق قال: أخرجوني فليس يلذ لي بلد فيه محمد مدفون." اهـ.




"وأما زيارة رسول الله : فينبغي أن تقف بـين يديه كما وصفناه وتزوره ميتاً كما تزوره حياً ولا تقرب من قبره إلا كما كنت تقرب من شخصه الكريم لو كان حياً. وكما كنت ترى الحرمة في أن لا تمس شخصه ولا تقبله، بل تقف من بعد ماثلاً بـين يديه فكذلك فافعل فإن المس والتقبـيل للمشاهد عادة النصارى واليهود. واعلم أنه عالم بحضورك وقيامك وزيارتك وأنه يبلغه سلامك وصلاتك؛ فمثل صورته الكريمة في خيالك موضوعاً في اللحد بإزائك وأحضر عظيم رتبته في قلبك، فقد روي عنه : «أن الله تعالى وكل بقبره ملكاً يبلغه سلام من سلم عليه من أمته» هذا في حق من لم يحضر قبره، فكيف بمن فارق الوطن وقطع البوادي شوقاً إلى لقائه واكتفى بمشاهدة مشهده الكريم إذ فاته مشاهدة غرّته الكريمة؟ وقد قال : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْراً» فهذا جزاؤه في الصلاة عليه بلسانه فكيف بالحضور لزيارته ببدنه؟

ثم ائت منبر الرسول وتوهم صعود النبـي المنبر ومثل في قلبك طلعته البهية كأنها على المنبر وقد أحدق به المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم وهو بحثهم على طاعة الله عز وجل بخطبته وسل الله عز وجل أن لا يفرّق في القيامة بـينك وبـينه فهذه وظيفة القلب في أعمال الحج. فإذا فرغ منها كلها فينبغي أن يلزم قلبه الحزن والهم والخوف وأنه ليس يدري أقبل منه حجه وأثبت في زمرة المحبوبـين أم رد حجه وألحق بالمطرودين؟ وليتعرف ذلك من قلبه وأعماله فإن صادف قلبه قد ازداد تجافياً عن دار الغرور وانصرافاً إلى دار الأنس بالله تعالى، ووجد أعماله قد اتزنت بميزان الشرع فليثق بالقبول، فإن الله تعالى لا يقبل إلا من أحبه؛ ومن أحبه تولاه وأظهر عليه آثار محبته وكف عنه سطوة عدوه إبليس لعنه الله. فإذا ظهر ذلك عليه دل على القبول، وإن كان الأمر بخلافه فيوشك أن يكون حظه من سفره: العناء والتعب. نعوذ بالله سبحانه وتعالى من ذلك." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-02-2008
  #20
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي



ولنختم ما ورد في كتاب "إحياء علوم الدين" لمولانا الإمام العارف الرباني حجّة اللإسلام أبي حامد الغزالي ، بهذا الجزء الذي أورده في "كتاب آداب السفر" من الإحياء:


"القسم الثاني: وهو أن يسافر لأجل العبادة إما لحج أو جهاد وقد ذكرنا فضل ذلك وآدابه وأعماله الظاهرة والباطنة في كتاب أسرار الحج، ويدخل في جملته زيارة قبور الأنبـياء عليهم السلام، وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء، وكل من يتبرك بمشاهدته في حياته يتبرك بزيارته بعد وفاته. ويجوز شدّ الرحال لهذا الغرض ولا يمنع من هذا قوله عليه السلام: «لاَ تَشُدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَىٰ ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هٰذَا وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَالمَسْجِدِ الأَقْصَىٰ» ، لأن ذلك في المساجد، فإنها متماثلة بعد هذه المساجد، وإلا فلا فرق بـين زيارة قبور الأنبـياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتاً عظيماً بحسب اختلاف درجاتهم عند الله.


وبالجملة، زيارة الأحياء أوْلى من زيارة الأموات. والفائدة من زيارة الأحياء طلب بركة الدعاء وبركة النظر إليهم فإن النظر إلى وجوه العلماء والصلحاء عبادة. وفيه أيضاً حركة للرغبة في الاقتداء بهم والتخلق بأخلاقهم وآدابهم؛ هذا سوى ما ينتظر من الفوائد العلمية المستفادة من أنفاسهم وأفعالهم كيف ومجرد زيارة الإِخوان في الله فيه فضل؟ كما ذكرناه في كتاب الصحبة. وفي التوراة: سر أربعة أميال زر أخاً في الله.


وأما البقاع، فلا معنى لزيارتها سوى المساجد الثلاثة وسوى الثغور للرباط بها، فالحديث ظاهر في أنه لا تشد الرحال لطلب بركة البقاع إلا إلى المساجد الثلاثة. وقد ذكرنا فضائل الحرمين في كتاب الحج.


وبـيت المقدس أيضاً له فضل كبـير. خرج ابن عمر [ ] من المدينة قاصداً بـين المقدس حتى صلى فيه الصلوات الخمس ثم كرَّ راجعاً من الغد إلى المدينة. وقد سأل سليمان عليه السلام ربه عز وجل: أن من قصد هذا المسجد لا يعنيه إلا الصلاة فيه؛ أن لا تصرف نظرك عنه ما دام مقيماً فيه حتى يخرج منه؛ وأن تخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه فأعطاه الله ذلك." اهـ



__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مختارات من كتاب إحياء علوم الدين لحجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى عبدالقادر حمود كتب سيدي الشيخ احمد فتح الله جامي حفظه الله 2 09-09-2014 10:53 AM
الطريق إلى إحياء علوم الدين والدنيا معا عبدالقادر حمود المواضيع الاسلامية 2 06-11-2013 01:05 PM
قبس النور المبين من إحياء علوم الدين" للحبيب عمر بن حفيظ عبدالقادر حمود المكتبة الاسلامية 2 11-18-2012 11:47 PM
احياء علوم الدين علاء الدين المكتبة الاسلامية 4 07-12-2012 03:21 AM
عجائب القلب للغزالي من كتاب احياء علوم الدين عبدالقادر حمود المكتبة الاسلامية 6 05-23-2012 02:31 PM


الساعة الآن 01:07 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir