أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ِ وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > السِــيرْ وتـراجم أعــلام الإســـلام

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 08-13-2008
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام سلطان العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين

العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام سلطان العلماء




تنبأ لنفسه أنه سيعيش ثلاثا وثمانين عاما، فكان الأمر كما قال!..

زاره صديق ذات صباح فقال له: «رأيتك في المنام تنشد:


وأخرى رمى فيها الزمان فشلت *** وكنت كذي رجلين رجل صحيحة





فسكت ساعة ثم قال: أعيش ثلاثا وثمانين عاما، فإن هذا الشعر لكثير عزة ولا نسبة بيني وبينه غير السن، فهو شيعي وأنا سني، وهو قصير وأنا لست بصير وقد عاش ثلاثا وثمانين سن فسأعيش كما عاش إن شاء الله.

ولد في دمشق عام577هـ، وتوفي بالقاهرة عام 660هـ، ودفن بسفح المقطم.

وحين بلغ الثانية والستين، بدأ حياة جديدة، وغير كل ما تعوده وهو صغير: فقد ترك دمشق ماضيا وهاجر الى الله من بغي حاكم دمشق، واستقر في القاهرة، وشرع في تأليف الكتب. فوضع كل مصنفاته فيها، وما كان من قبل قد كتب شيئا يعتد به، ذلك أنه كان ينفق كل وقته في التدريس والخطابة والوعظ.. وفي القاهرة جمع الى هذه الأعباء مسؤولية الكتابة، فصنف كتبا في الفقه والتفسير والأصول والتصوف. وصاول الحكام!.

أطلق عليه أبوه اسم العز عز الدين عبد العزيز.. ولكنه عندما كبر اشتهر باسم عز الدين وباسم العز، وقلما كان يناديه الناس عبد العزيز.

وقد فتح العز بن عبد السلام عينيه على حياة الحرمان... كان أبوه عبد السلام فقيرا جهد الفقر وكان يجوب الأسواق بحثا عن عمل.

وحين شب الطفل صحبه أبوه ليساعده في بعض الأعمال الشاقة كإصلاح الطرق وحمل الأمتعة، وتنظيف ما أمام محلات التجار..

وكان أبوه عبد السلام يأخذه الى الجامع الأموي اذا حان وقت الصلاة، ورآه أحد شيوخ المسجد، فأعجب به ودعا له.

مات أبوه فلم يجد في نفسه القوة على القيام بالأعمال الشاقة التي كان يؤديها أبوه، ولم يجد الصبي مكانا يأوي اليه، فذهب الى ذلك الشيخ يلتمس عنده المساعدة في الحصول على عمل يقتات منه ومكان يبيت فيه.

وتوسط له الشيخ فألحقوا الصبي بالجامع الأموي، يساعد الكبار في أعمال النظافة، وفي حراسة نعال المصلين وأهل الحلقات التي يتكرونها عند أحد أبواب الجامع، وسمحوا له بأن ينام الليل في زاوية بأحد دهاليز الجامع، على الرخام.

وكان الصبي يعايش مرائي الغنى والمتاع خلف أسوار القصور بحدائقها الفيحاء في دمشق، ويشاهد الجياد الفارهة على صهواتها رجال تنعكس الشمس على خوذاتهم، وملابسهم الزاهية وسيوفهم المرصعة بالذهب، ويتأمل حاله وثوبه الذي تقتحمه العيون، ومضجعه البارد على رخام زاوية في المسجد، ثم يتساءل في أغوار نفسه كيف يعيش في بلد واحد رجال ونساء كهؤلاء الغارقين في النعيم، والذين يسقطون من الحرمان، ويقتاتون بالأسى والأحلام؟!

على أنه صرف همه الى ما يقوله الشيوخ في الحلقات… كان يتناهى الى سمعه وهو على باب المسجد يحرس النعال كلام يثير خياله، ويلهب أشواقه الى دنيا أخرى لا يجوع فيها ولا يعرى!

وتسلل الى إحدى الحلقات ذات يوم، ودس جسده النحيل الصغير بين الطلبة الكبار. ورآه شيخ الحلقة، فنهره، وسأله كيف يسمع لنفسه أن يجلس بثوب ممزق في مجلس للعلم ينبغي على الطالب فيه أن يأخذ زينته..؟!

وجرى الصبي الى باب المسجد، وتكور على نفسه يبكي!. حتى اذا حان خروج الشيوخ والطلاب، رآه الشيخ الذي الحقه بالجامع وهو الفخر ابن عساكر صاحب حلقة الفقه الشافعي، وسأله الشيخ عما يبكيه، روى له ما كان من أمره، فطيب الشيخ خاطره، ووعده أن يتعهده، وسيحضر الحلقات عندما يبلغ الشباب. ومن يدري!؟ فربما أصبح هذا الصبي نفسه شيخا لحلقة في هذا الجامع ذات يوم!..

وضحك الصبي، والتمعت عينان، والتحمت نظراته الجدران الى آفاق المستقبل، ورأى نفسه طالب علم، ثم شيخا لحلقة، فأوشك ان يثبت من الفخر، وقبل يد الشيخ، وسأله متى يبدأ التعليم، فقد جاوز سن الطلب؟!.. وقال له الشيخ الفخر بن عساكر، أنه سيبدأ من الغد.

حتى إذا كان الغد، أخذه الشيخ الى مكتب ملحق بالمسجد وأوصى بأن يتعلم القراءة والكتابة والخط وأن يحفظ القرآن، وتعهد الشيخ بنفقة الصبي.

وأقبل العز على المكتب في شغف عظيم، وحفظ القرآن، وأتقن القراءة والكتابة والخط الحسن، وعوض ما فاته من سنوات الدرس

وكان كلما لقي شيخه على باب الجامع سأله عن حاله، فيسمعه الصبي ما حفظ من القرآن، ويطلعه على مما يكتب في لوح الصفيح من الآيات الكريمة.

وأعجب الشيخ ابن عساكر بما يبدو على العز من مخايل النجابة والذكاء، وحسن ترتيله للقرآن، وأعجب بصفة خاصة ببشاشة الصبي على الرغم من فقره الطاحن.!

ومرت أعوام، واطمأن الشيخ فخر الدين الى أن الصبي قد أتقن حفظ القرآن وجوده، والى أنه قد أصبح يحذق القراءة والكتابة بخط جميل، فبشره الشيخ بأنه سيضم الى الطلاب الذين يحضرون حلقته، ودفع اليه بما يعينه على شراء ثوب صالح لحضور حلقات العلم.

وأمضى الصبي ليلته يحلم بالمستقبل!

إنه الآن ليثب الى مرحلة الشباب، وهو في حاجة الى عمل يكفل له دفء المسكن والثوب اللائق والطعام الطيب..! هو في حاجة الى مال يوفر له شراء أدوات التحصيل من دفاتر وأقلام وأوراق ومحبرة، وما يلزم من كتب.

وتحرج أن يكلم الشيخ ليساعده في الحصول على عمل آخر يحصل منه على أجر أكبر ويوفر له ما ينبغي لطالب العلم!.. لقد منعه الحياء!..

وقبل أن تنتهي ليلته استيقظ فجأة!." اهـ





يتبع إن شاء الله تعالى...
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

ويحدثنا السبكي في طبقات الشافعية عن تلك الليلة فيقول: «كان الشيخ عز الدين في أول أمره فقيرا جدا، ولم يشتغل إلا على كبر، وسبب ذلك أنه كان يبيت في كلاسة «زاوية» من جامع دمشق، فبات فيها ليلة ذات برد شديد فاحتلم، فقام مسرعا ونزل في بركة الكلاسة فحصل له ألم شديد من البرد، وعاد فنام، فاحتلم ثانيا، فعاد الى البركة لأن أبواب الجامع مغلقة وهو لا يمكنه الخروج، فطلع غمي عليه من شدة البرد.. ثم سمع النداء: يا ابن عبد السلام أتريد العلم أم العمل؟ فقال: بل العمل لأنه يهدي الى العلم».

وأصبح الفتى عز الدين، روى لشيخه ابن عساكر ما كان من أمر تلك الليلة. وقال الشيخ له: «لقد بلغت مبلغ الرجال. وهذا النداء هاتف من السماء يأمرك ان تهب نفسك للعلم».

وأعطاه الشيخ كتاب «التنبيه» في الفقه الشافعي، وأعطاه أسبوعين مهلة ليحسن قراءته واستيعابه. وعاد العز الى شيخ بعد ثلاثة أيام وقد استوعب الكتاب وحظه عن ظهر قلب!

وضمه الشيخ الى حلقته، ونظم له حضور حلقات أخرى في اللغة وآدابها، وفي الحديث وأصول الفقه. ونصحه أن يتقن علوم اللغة من نحو وصرف وأن يحفظ الشعر ويدرسه ليحسن فهم نصوص القرآن.

ولزم عز الدين شيخه ابن عساكر، وتعلم منه الفقه الشافعي، وكان الشيخ زاهدا ورعا واسع المعرفة كثير الصدقات، خطيبا، لاذعا، وهو في الوقت نفسه شديد الحياء، وكان مرحا متألق الظرف، فتأثر تلميذه عز الدين ونقل عنه كثيرا من خصاله وسجاياه.

من الحق أن عز الدين لزم شيخه ابن عساكر وتأثر به، ولكنه لم يلتزم نصحه فيما يطلب من علوم. فتاق الى التزود بمعارف عصره جميعا. وكانت أفكار اليونان والمصريين القدماء والهنود والفارسيين قد نقلت الى اللغة العربية.. وكان المسلمون قد تفوقوا في علوم الطبيعة والطب والكيمياء والرياضيات والفلك، وتعاطوا الفلسفة فاراد عز الدين أن ينهل من هذا كله..

وكانت فلسفة الإشراق التي جاء بها السهروردي الى دمشق وحلب تعيش، وتصك أعداء تلك الفلسفة الذين نجحوا من قبل في الايقاع بالسهروردي، فأغروا به صلاح الدين. وكان ابنه الظاهر يحمي السهروردي في قصره بحلب... فأمر صلاح الدين ابنه الظاهر أن يسجن السهروردي حتى يهلك في سجنه صبرا وجوعا وعطشا، ولكن الظاهر بن صلاح الدين امتنع، فارسل إليه أبوه يخيره بين إحدى اثنتين: إما قتل السهروردي أو العزل!

وأذعن صاحب حلب لأمر أبيه صلاح الدين وجاء بالسهروردي وخصومه، وأمرهم ان يناظروه قبل أن يقضي في أمره.

كان السهروردي شيعيا، وصلاح الدين يحارب الشيعة ويضربهم في كل مكان... وكان السهروردي ينادي بأن العلم لم يخل من الحكمة ومن شخص قائم بها عنده الحجج والبينات، وهذا الشخص هو الإمام وهو خليفة الله في أرضه، وهو واجب الإتباع، فهو معصوم يوحى إليه لكن على نحو آخر غير الأنبياء والرسل!

وكان السهروردي يذهب الى أن النور أساس كل الموجودات، ويعتمد على الآية الكريمة: (الله نور السموات والأرض). وقد استفاد بحكمة اخناتون الذي نادى بالتوحيد في مصر القديمة، واعتبر النور والشمس بالذات سبب وجود كل الكائنات الحية. كما استفاد الرجل بأفكار أفلاطون في المثل واراء زاردشت الفارسي. ولكنه رد كل أفكاره الى القرآن الكريم.. واحسن الاستشهاد بآياته.." اهـ


يتبع .......
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

ولم يعرف أحد لماذا ثار فقهاء دمشق على السهروردي، واتهموه بالشعوبية وهي الدعوة الى تغليب الفرس على العرب، ثم اتهموه بالكفر!... وعلى الرغم من ان الظاهر بن صلاح الدين كان سنيا كأبيه، فقد بسط حمايته على السهروردي معجبا بأفكاره الصوفية وبفكرة الإشراق، والفيض الإلهي الذي تشرق به قلوب الصالحين فيحصلون المعرفة الذوقية مع المعرفة العقلية.

ومهما يكن من أمر فقد جمع الظاهر بن صلاح الدين خصوم السهروردي من الفقهاء... وبدت المناظرة أو المحكمة التي صدر فيها سلفا أمر صلاح الدين بقتل السهروردي حكيم الإشراق!!

سأله خصومه: «الله قادر على أن يخلق ما يشاء؟!»

قال السهرودي: «نعم». فسألوه: «ونبي الإسلام أليس هو خاتم الأنبياء؟.»

قال: «بلى». قالوا: «الا يستطيع إله هكذا أن يبعث نبيا بعد نبي الإسلام؟.»

كان السؤال مصيدة للرجل!

قال السهروردي بعد لحظة: «ختمت النبوة ولكن الولاية قائمة».

وأخذوه برأيه في الولاية.. فهو يرى أن ولي الله وهو الإمام المعصوم قطب الأقطاب خليفة الله في الارض يجب أن يكون من نسل النبي ... وهذا النظر يحكم بعدم شرعية الخلفاء والملوك إلا إذا كانوا من نسل الرسول (صلى الله عليه وسلم)... أي من ابناء علي وفاطمة رضي الله عنهما... وصلاح الدين نفسه ليس عربيا على الإطلاق فهو كردي الأصل.. وهكذا اضطر الظاهر بن صلاح الدين أن يودع السهروردي غيابة السجن ليموت فيه صبرا وجوعا!

لقد وقعت الواقعة بالسهروردي بينما كان عز الدين بن عبد السلام صبيا في نحوه العاشرة من عمره، وزلزلت نهاية السهروردي الفاجعة نفس الصبي زلزالا شديدا، ولم يفارقه الحزن والعجب.. كيف يقضى على رجل بالموت لأنه قال رأيا يخالف فيه بعض الفقهاء، ولا يرضى عنه الحاكم!؟

ولكن أفكار السهروردي في الإشراق قد ذاعت وملأت أماكن العلم، واصطك فيها الناس بين مستنكر ومعارض.. منهم من يرى القتيل شهيدا مات دفاعا عن تصوفه ومنهم من يراه كافرا!! حتى ظهر في دمشق رجل آخر تسمى باسم السهروردي، وأذاع أفكار السهروردي في الإشراق، ولكنه لم يعد يتحدث عن الإمامة والولاية، ولبس خرقة التصوف، ومضى في الطرقات يهتف بالناس: «الله نور السموات والأرض.» وأخذ يشرح أفكار السهروردي عن النور والفيض الإلهي..

وتبعه قوم لبسوا خرق التصوف، وأطلقوا كلمات في الأسواق وندوات لعلم. كلمات مكثفة تحمل رموزا كثيرة..

وبهر الشاب عز الدين بهؤلاء وأحوالهم.. وبهرته بصفة خاصة شخصية السهروردي الجديد، فلزمه على الرغم من نصيحة شيخه.. ولبس عز الدين خرقة التصوف عاما أو بعض عام ملتمسا علم الحقيقة على يد السهروردي الجديد، حتى إذا علم ما عنده، عاد الى أستاذه ابن عساكر يلتمس عنه علوم الشريعة من جديد..

وسمع عز الدين أن في العراق شيخا عنده من علم الحديث ما ليس عند غيره في دمشق فحمل متاعه وزاده وزواده وسار الى بغداد، وجلس الى ذلك الشيخ وحفظ عنه الحديث.. ثم عاد من جيد الى دمشق." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

كان صلاح الدين الأيوبي قد مات، وترك دولة شاسعة تقاسمها أخوته وأبناؤه وأبناء أخوته.. وما هي إلا سنوات حتى تقطعوا أمرهم، فتفرقوا وأصبح بأسهم بينهم شيدا.. وتمزقت دولة صلاح الدين الى دويلات تناحرت فيما بينها، مما أغرى التتار والصليبيين بالطمع في الاستيلاء على بعض أجزاء هذه الدولة الإسلامية الكبرى.

وقد اسكت هؤلاء الحكام معارضيهم إما بالإرهاب والقمع أو بإغراقهم في المال أو بدفعهم الى الزهد والتصوف على نحو لم يعرفه السلف الصالح من الزهاد والمتصوفين. وكان هؤلاء جميعا من العلماء والفقهاء الذين يؤثرون في الأمة أبلغ تأثير!

وعز الدين يرى كل هذا.. فيتقدم صفوف طلاب العلم تحت راية الإسلام وخلف قيادة بعض شيوخه من العلماء المقاومين.. وعرفه الشباب خطيبا يستثير الحمية.

وكان الى هذا شديد الدأب على تحصيل العلم، مما أثار إعجاب شيوخه به.

ولم يكد ينتهي من الدراسة على شيخه الفخر بن عساكر، وغيره من الشيوخ في جامع دمشق، حتى أجازوه للتدريس.

وعين مدرسا بدمشق، يقرئ صغار الطلبة القرآن، ويعلمهم القراءة والكتابة.. ثم نقل الى مدرسة أعلى.. يعلم الطلاب الفقه وأصول الفقه على المذهب الشافعي. وهو المذهب السائد إذ ذاك في كل البلاد التي حكمها صلاح الدين.

وهيأت له مهنة التدريس أجرا طيبا أصلح به حاله، فاستأجر بيتا لائقا وتزوج..

وعرف الناس في ندوات دمشق شيخا متوسط الطول، يسخر مما يلقى، مرحا ضاحك السن، عيه مع ذلك وقاره، عذب الحديث، خفيض الصوت إذا تكلم، جهير الصوت إذا أنفعل أو خب، نظيف الثوب، لا يرد سائلا، فإذا لم يجد ما يتصدق به اقتطع جزءا من عمامته ودفع به الى سائله!

وكان نحيلا يقتحم بنظراته المجهول كأنه يفتش وراء الغيب عن شيء ما..!

لم يقتنع بما نال من علم، فتعود أن يغشى مكتبة الجامع الأموي يقرأ فيها كل ما يقع عليه من معارف، وقد كشفت له تأملاته ودراسته في آثار السلف أن كل المعارف الإنسانية تعين على فهم القرآن.. وكان يري أن يفسر القرآن، ولكنه شعر أن الوقت لم يحن بعد، وأن عليه أن يستوعب الكثير من العلوم حتى يجسر على العمل بالتفسير وهو مطمئن الضمير!

ودرس خلافات المتقدمين حول الفلسفة، وكان الإمام الغزالي قد هاجم الفلسفة من قبل، ولكن هذا لم يصرف كل العلماء عن دراسة الفلسفة، فهاهو ذا السهروردي المقتول الذي فتن عز الدين بآرائه قد خلف ميراثا سخيا من الفكر وفق فيه بين الفلسفة والدين.

واستوعب العز كل ما تركه السلف في علم الكلام. العلم الذي يتكلم عن الله وصفاته وأسمائه. ومن اسلف من هاجم هذا العلم ونبذه واعتبره بدعة فاسدة، ومنهم من عالجه وتعمق فيه وأضاف إليه، واعتبره علم اصول الدين.

والخلاف بين العلماء حول هذا الأمر قديم يرجع الى نهاية القرن الأول وأوائل القرن الثاني للهجرة، حين ظهر المعتزلة وأخضعوا كل شيء للعقل، وتحدثوا في القضاء والقدر والجبر والاختيار وصفات الله تعالى، واعتمدوا في كل آرائهم على الأدلة العقلية. ونبذهم أهل السنة ورفضوهم واعتمدوا على ما تركه السلف منذ عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) وعصر الصحابة ومن بعدهم عصر التابعين. وذهب أهل السنة الى رفض الكلام في كل هذه الأمور، لأن أسلافهم لم يتكلموا فيها بل إن منهم من نهى عن الاقتراب منها.." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

واتهم أهل السنة مفكري المعتزلة بالزيغ والضلال، واتهمهم المعتزلة بالجمود وانعكس هذا على قواعد استنباط الأحكام واصول الفقه، فمن تأثروا بالنظر العقلي اعتمدوا على الرأي في الاستنباط، وتمسك آخرون بالنصوص، وحدها، ولم يعدلوا عنها الى الرأي إن لم يجدوا الحكم في النصوص كما صنع أهل الرأي ودعاة إعمال العقل، بل آثروا الصمت. ومن أهل السنة من أخذ بظاهر النص وحده، ومنهم من تأول النص ليستنبط الحكم إن لم يسعفه الظاهر.

وانتقلت كل هذه الأفكار بصراعاتها على أمواج الزمن من جيل الى جيل. حتى أتيح لأهل السنة مفكر كان من قبل من كبار مفكري المعتزلة ثم هجرهم، مستخدما أدواتهم في التفكير والاستنباط، اعتمد على البراهين العقلية في مناصرة آراء أهل السنة والنصوص.

حدث هذا في القرن الرابع الهجري.

وهذا الفقيه هو الاشعري الذي ألف الكتب على مذاهب أهل السنة ورد على المعتزلة في كل مقولات علم الكلام «حتى دخلوا في أقماع السمسم».

وكان المعتزلة قد ذهبوا الى أن العقل هو أساس الحكم بالقبح واحسن، وتبين الحلال والحرام، وذهبوا في تفسير الآية الكريمة (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا). الى أن الرسول ليس هو النبي الذي يرسله الله، ولكنه العقل.

واتهمهم أهل السنة بالكفر، ورفضوا أن يتكلموا في العقائد بالأدلة العقلية، وهاجموا المنطق والفلسفة، حتى جاء الأشعري، فاستعان بالمنطق والفلسفة في الكلام عن العقائد، ودافع عن السنة بأدلة المعتزلة. لم يعتمد على النصوص وحدها في كلامه عن العقائد، وإنما أعمل العقل، ليناور المعتزلة بأسلحتهم.

وقد أعجب العز بهذا كله، واعتنق عقيدة الأشعري، كما أعتنقها من قبل أكثر المستنيرين من أهل السنة والرأي مهما تختلف مذاهبهم الفقهية.

أعجب العز عز الدين بمحاولات المعتزلة والأشاعرة وتوفر على دراستها في مكتبة الجامع الأموي.

ولقد عجبته بصفة خاصة مناظرة بين الأشعري والجبائي أحد أئمة المعتزلة، «عن ثلاثة أخوة ماتوا: الأكبر منهم مؤمن بر تقي، الأوسط كافر فاسق شقي، والأصغر مات على الصغر لم يبلغ الحلم.

قال الجبائي: أما الزاهد ففي الدرجات،وأما الكافر ففي الدركات ـ بناء على أن ثواب المطيع وعقاب العاصي واجب على الله تعالى عن المعتزلة ـ وأما الصغير فمن أهل السلامة لا يثاب ولا يعاقب.

فقال الأشعري: فإن طلب الصغير درجات أخيه الأكبر في الجنة؟

الجبائي: يقول الله تعالى الدرجات ثمرة الطاعات.

الأشعري: إن قال الصغير ليس مني النقص والتقصير. فإنك إن أبقيتني الى أن أكبر لأطعتك ودخلت الجنة.

الجبائي: يقول الباري تعالى قد كنت أعلم منك أنك لو بقيت لعصيت ودخلت في درجات الجحيم. فإن الأصلح لك أن تموت صغيرا.

الاشعري: فإن قال العاصي المقيم في العذاب الأليم مناديا من بين دركات النار واطباق الجحيم: يا إله العالمين! يا أرحم الراحمين! لم راعيت مصلحة أخي دوني وأنت تعلم أن الأصلح لي أن أموت صغيرا ولا أصير في السعي أسيرا؟ فما يقول الرب؟

فبهت الجبائي في الحال وانقطع عن الجدال».

وعن دور الأشعري في الفكر الديني، كتب المغفور له الإمام الشيخ مصطفى عبد الرزاق: «أخذت الفلسفة توجه أهل الفرق الى الاعتماد على العقل. فلما أخذ الأشعري في مناضلة المبتدعة بالعقل حفاظا للسنة، جاء أنصار مذهبه من بعده يبتون عقائدهم بالعقل تدعيما لها ومنعا لإثارة الشبهة حولها. ووضعوا الأدلة العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار».

وإذن فمذهب الأشعري مقرر لمذاهب السلف ولكنه يناضل عنها بالأدلة العقلية لا بالنصوص وحدها. وهو رأي وسط بين مذهب المعتزلة الذين نفوا التجسيم عن الله تعالى ومذهب غلاة الحنابلة الذين آمنوا بالتجسيم كما يدل ظاهر النص.

ولقد شاعت عقيدة الأشعري فاجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنيفية وفضلاء الحنابلة... كما قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام فيما بعد.

وكان صلاح الدين قد اعتنق المذهب الشافعي وعقيدة الأشعري فألزم بهما الناس." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

غير أن الذين جاءوا من بعده تفرقوا: فظل بعضهم شافعيا على رأي صلاح الدين، واعتنق بعضهم غير ذلك من المذاهب، وإن ظلوا جميعا على رأي الأشعري إلا قليلا!

وكان الملك الكامل حاكم مصر وهو ابن العادل شقيق صلاح الدين أوسعهم أفقا وأشدهم احتفالا بالعلم والعلماء، حتى لقد جلس وهو ملك مصر الى الشيوخ ليتعلم منهم في الحلقات ثم تقدم لنيل إجازة علمية كما يتقدم غيره من الطلاب، ونجح فيها! وتعود أن يعقد مجلس العلماء في مساء كل خميس، وفتح المدارس والمكاتب وأغدق على أهل الفقه والعلم.. وكف عن اضطهاد أصحاب المذاهب الأخرى كما كان يصنع عمه صلاح الدين. وعين قضاة من كل المذاهب بدلا من القاضي الشافعي الذي اكتفى به أبوه.. ولقد نافسه في تشجيع العلماء أخوه عيسى، فكافأ المؤلفين حتى وضعوا في عهد الملك الكامل كتابا من أضخم كتب الفقه الحنفي وهو كتاب (التذكرة).

وقد أرسل العز بن عبد السلام الى الملك الكامل وأخيه عيسى كتاب شكر على ما يصنعان للعلم والعلماء، فأرسلا اليه ردا جميلا. وبعث الملك الكامل الى أخيه صاحب دمشق ـ الملك الاشرف ـ يستوصيه خيرا بالعالم الشاب عز الدين بن عبد السلام.

وكان عز الدين قد جذب إليه عديدا من الطلاب أحبوا دروسه التي كان يرصعها بما حفظ من طرائف الحكمة وروائع الشعر مما كان ييسر على الطلاب صعوبة الفقه.

وقصده الناس يستفتونه فلم يبخل عليهم بالرأي، ولم يعد يتقيد بالمذهب الشافعي الذي كان يعتنقه من قبل، بل كان يبحث في كل المذاهب عن إجابات لما يرد إليه من أسئلة، فإن لم يجد حاول أن يجتهد رأيه.

وكان شديد الحرج في فتياه. يفكر طويلا قبل الإجابة، ويظل يفكر بعدها وينقب حتى يطمئن أنه على الصواب. ولقد أصدر فتيا ذات مرة، ثم طفق يفكر بعدها فيما قال، وعاد الى كتب السلف عسى أن يجد فيها ما يسانده، فاكتشف أنه أخطأ ولم يكن يعرف صاحب المسألة الذي استفتاه، فأطلق عددا من تلاميذه في الأسواق والطرقات والمساجد ينادون في الناس: «من صدرت له فتيا بالأمس من العز عز الدين بن عبد إسلام فلا يعمل بها فهي خطأ، وليعد الى الشيخ ليفتيه بالرأي من جديد بالصواب».

شاع ذكر الشيخ في اقطار المسلمين، ولم يكن قد ألف كتابا بعد ولكن هاهو ذا شاب عالم فقيه زاهد أمين، يتحر م المذاهب الفقهية في عصر شاع فيه التقليد للائمة الأربعة، كل جماعة تتعصب لمذهب ولا تعدوه حتى إن وجدت الجواب الصحيح عند غيره من المذاهب، وكل حزب بما لديهم فرحون! فإذا صدرت الفتيا من أحدهم فلا رجعة فيها حتى إن تبين الخطأ..

وعز الدين لا يتفرغ للعلم والتدريس والفتيا فحسب، ولكنه يتحرك في الأسواق يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر في رحمة وحكمة وموعظة حسنة، ويشدد النكير على الظالمين من التجار الذين يبخسون الناس أشياءهم، وعلى جباة المكوس، والمرتشين والجائرين ممن يلون أمرا من أمور المسلمين.

من أجل ذلك أحبه الناس: المظلومون والفقراء خاصة، وطلاب العلم الذين يجاهدون من أجل مستقبل أفضل. وخافه الجائرون من الحكام، أما العادلون منهم فقد حاولوا أن يقربوه، ولكنه كان بطبعه لا يحب الاقتراب من السلطان...

وضاق به بعض الفقهاء المقلدين ممن ينافقون الحكام.. ذلك أنه احتل مكانة لا يؤهلها له عمره فهون بعد في الخمسين، وأنه يعتمد على مكانته هذه، فيسلق المقلدين والجامدين والمرتشين والمرتزقة الفقهاء بألسنة حداد ويطالب المسلمين ألا يتعبوهم حتى لا يفسدوا عليهم دينهم!

وفي أحد الدروس وجه أحد الطلاب الى الشيخ عز الدين سؤالا عن حكم الدين في العلماء الذين يسكتون عن الظلم، وهم بعد ذلك يتصدرون بعض الحلقات في الجامع الأموي يعلمون ويفتون؟!

فأفتى الشيخ عز الدين بأن السكوت عن المنكر منكر..، وعلماء المسلمين هم أولى الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن تخلوا عما أطاعوا الله والرسول ، وإن كان سكوتهم طمعا في الأموال والهدايا والمناصب أو حرصا فإثمهم مضاعف. وقد قال الله تعالى: (فلتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، وهؤلاء هم العلماء، فإن لم يفعلوا فهم العصاة، والعياذ بالله!...

وسأل طالب آخر: ألمثل هؤلاء طاعة؟! فقال الشيخ: لا طاعة لهم...

ورأى ذلك النفر من العلماء في كلام الشيخ عز الدين تحريضا للطلاب وللعامة عليهم وعى السلطان نفسه!.." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #7
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

وتوجه أحد طلاب الحلقات في الجامع الأموي الى شيخ حلقة يسأله عن حكم الدين في العلماء الذين يتقاضون من الحكام أموالا وهدايا ثمنا سكوتهم عن فساد هؤلاء الحكام؟.

وسأله طالب آخر عن رأي الدين في العلماء الذين لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر!. وغضب الشيخ غضبا شديدا وسب الطالبين سبا عنيفا، وطردهما من الحلقة طردا غليظا وحرم عليهما دخول الجامع، وذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام بالسوء وأنذر أن يوقع به العقاب حتى لا يفتن الشباب!

فأعلن سائر الطلاب سخطهم لمقالة الشيخ وفعلته، فسبهم جميعا، وانسحب من الحلقة وهو يصبح إن ابن عبد السلام قد افسد العامة والطلاب!

وانصرف الرجل فاجتمع ببعض شيوخ الحلقات من المتصلين بالسلطان وذهبوا جميعا إليه، فطالبوه أن يردع الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وأن ينزل به عقاب من يثير الفتنة، ولكن الحاكم طيب خاطرهم، وكساهم حللا فاخرة وأغدق عليهم الهدايا وصررا من المال، وطلب منهم أن يمهلوه في أمر الشيخ عز الدين هذا..!

ولكنهم عادوا يطالبون بأن يمنع عز الدين من الفتيا والتدريس والمشي في الأسواق.

غير أن السلطان الاشرف لم يستجب لهم، فالشيخ على أية حال لا يدرس في الجامع الأموي، ولكن في مدرسة صغيرة قليلة الخطر!.. ليردوا هم في الجامع الأموي على آرائه.

ولكنهم ما زالوا بالحاكم يغرونه بالشيخ عز الدين حتى صرح لهم بأنه لا يستطيع أن يسيء الى عز الدين، فالملك الكامل حاكم مصر يحب عز الدين، ويوصي به خيرا، فإن نال سلطانهم من عز الدين فسيغضب له الملك الكامل ولا طاقة له بغضب أخيه الأكبر!

ولم يهدأ كيد الخصوم عن الشيخ عز الدين، وظلوا يتربصون به.

وحاولوا أن يغروا به الطلاب والعامة وأن يسفهوا لهم آراءه، ولكن حملتهم عليه وشدة عز الدين في نقد ذلك النفر من العلماء، مكنت له في قلوب أهل دمشق، وزادته مكانة في قلب الملك الكامل. فارسل الملك الكامل إلى أخيه الأشرف، يطالبه بأن يحسن صلة الشيخ عز الدين، وأن يعينه شيخ حلقة في الجامع الأموي، لتعم الفائدة من علمه.

أما الصلة فقد ردها الشيخ عز الدين شاكرا، وأما منصبه في الجامع الأموي، فقد فرح به، لأنه يتيح له الاتصال بعدد أكبر من الطلاب هم أنضج عقلا وأكبر سنا من طلاب المدرسة التي يعلم بها.

وكان منصب شيخ حلقة في الجامع الأموي هو أكبر منصب علمي في دمشق.

وتقدم الشيخ عز الدين، بوجه النحيل الباسم، في ثياب بسيطة نظيفة، فاختار الزاوية الغزالية حيث كان الإمام الغزالي يعتكف منذ أجيال، وبدأ يدرس للطلاب علوم الدين.. وتواد عليه الطلاب حتى ضاقت بهم الحلقة، وأقفرت سائر الحلقات من طلابها. وكان يلقي أكثر من درس في النهار والليل في الحديث والفقه والأصول.. غير متقيد بمذهب من المذاهب الأربعة.

وشرع يفتي كلما استفتاه أحد، ويشرح عقيدة الأشعري في أصول الدين، وأدلته العقلية على صحة مذهب أهل السنة. ويأخذ الطلاب بإتقان علوم اللغة ليفهموا نصوص الشريعة.

وغاظ التفاف الناس حوله وانصرافهم عن سواه، كثيرا من خصومه، فعادوا يحاولون الإيقاع به، ولكنهم خشوا أن يردهم سلطان دمشق حرصا على إرضاء أخيه سلطان مصر!

أما الشيخ عز الدين فلم يكن ليبالي بهم، بل مضى في طريقه، يقرأ ويدرس ويفتي، وقد اطمأنت به الحياة.. فالراتب الذي يأخذه من المسجد الأموي راتب كبير يكفيه لحياة موفورة.

وخاطبته زوجته في أن يغير المسكن الضيق الذي كان قد استأجره وهو مدرس في مدرسة صغيرة!.

لقد ضاق بهم المسكن بعد أن انجبا أولادا. وقال لها إنه يعرف أن المسكن الضيق هو الجحيم الأصغر كما قال الإمام علي كرم الله وجهه، وهو يتمنى أن يغيره، ولكن لا سبيل...! وعادت الزوجة تلح عليه، وكان حانيا عليها شديد البر بها، وتمنت لو أنه اشترى بيتا فسيحا يحيط به بستان جميل، فهو بعد أستاذ وشيخ حلقة بالجامع الأموي، وينبغي أن يتخذ له سكنا مريحا يليق به، ويتسع لأهله وبنيه، ولضيوفه الذين يتوافدون عليه ملتمسين عنده العلم، والفتيا بعد أن يفرغ من الحلقات...

ووعدها خيرا، غير أنه لم يستطع، فقد كان ينفق عن سعة على أهل بيته، ويحسن إكرام ضيوفه، ويتصدق بما بقي، ولا يدخر شيئا على الإطلاق. "اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #8
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

ثم اصابت دمشق أزمة، فهبطت الأسعار وقل المال، وأعنت الناس عنتا شديدا... وصارت البيوت الواسعة بما حولها من البساتين تباع بثمن قليل.

فجاءته امرأته وطلبت منه مرة أخرى أن يشتري بيتا واسعا بحديقة وجمعت مصاغا لها وقالت: اشتر لنا بهذا بستانا.

فأخذ المصاغ وباعه، وتصدق بثمنه.

فلم عاد الى زوجته استقبلته فرحة: يا سيدي... اشتريت لنا بستانا!

– نعم، بستانا في الجنة.! إني وجدت الناس في شدة فتصدقت بثمن المصاغ.

– جزاك الله خيرا.

وكان الناس يتسامعون بفضل الشيخ عز الدين فيزداد مكانة واحتراما، ولقد علم الأشراف صاحب دمشق بكثرة صدقاته، فطلبه، وحاول أن يقدم إليه مالا ليتصدق به ولكنه رد السلطان، وافتاه أنه من الخير أن يتصدق السلطان نفسه بالمال!..

وقارن السلطان الأشرف بين هذا الرجل يرفض عطاياه الخفية، وبين الآخرين الذين يرتشون ويجهرون بالإلحاح في طلب المزيد من الهدايا والأموال والمناصب!!.

ودخل السلطان الأشرف إكبار خارق لعز الدين، وأدرك أن أخاه الكامل ملك مصر على حق، فمثل هذا الشيخ جدير بالاحترام. وإن له هيبة!

ولاحظ السلطان الأشرف أن الشيخ عز الدين لا يطلب مقابلته على خلاف الآخرين، وكانت سيطرة عز الدين على قلوب الشباب وسائر الناس تقوى يوما بعد يوم، وهو لا ينفك يهاجم خصومه من الفقهاء لجمودهم وتمسحهم أصحاب السلطان، ولا يكف عن نقد أحكام الحكام.

ورأى الأشرف أن من الحكمة أن يصطنع الشيخ لنفسه ويدنيه من القصر فأخذ يمدح الشيخ عز الدين في كل مكان، ويطلبه لمجالسته يتثاقل عنه الشيخ الى حلقات الدرس ومجالس الفتيا، ولا يبادله مدحا بمدح.

وانتهز خصومه الفرصة، فزعموا للسلطان الأشرف أن عز الدين قد غره حب الناس له والتفاف الشباب حوله، فسولت له نفسه الأمارة بالسوء ان يتعالى على الجميع حتى على السلطان نفسه!

وفي الحق أن السلطان الأشرف، كان يشعر بحرج لموقف الشيخ عز الدين منه، وكان يحس في أغوار نفسه أن الشيخ لا يضمر له من الاحترام ما يجب على المحكوم للحاكم!!....

وكان في حاشية السلطان نفر من فقهاء الحنابلة المتشددين المضيقين، وكان الشيخ عز الدين ينكر عليهم غلظتهم مع مخالفيهم، ويتهمهم بالحمق والجمود وفساد الرأي، وبالإساءة الى صاحب المذهب الإمام أحمد بن حنبل، الذي كان فقيها جليلا عميق النظر واسع الأفق رائع الحكمة.. والذي ترك تراثا عظيما يحمل كل طاقات التجديد.

ولكن هذا النفر من فقهاء الحنابلة، كانوا قد خالطوا السلطان الأشرف منذ كان حدثا صغيرا، وصاغوا عقله على رأيهم الجامد المتحجر حتى «اختلط هذا بلحم السلطان ودمه وصار يعتقد أن مخالفه كافر حلال دمه».

وقد أتاحت لهم منزلتهم عند السلطان، ونفوذهم عليه، أن يصنعوا في البلاد كما يشاءون، فكانوا إذا خلوا بمخالفيهم من الشافعية أو الأشعرية آذوهم وضربوهم!

وما كان ليغمض لهم جفن وهم يرون السلطان الاشرف يخطب ود الشيخ عز الدين بن عبد السلام.

وغدوا الى السلطان ليوقعوا بالشيخ عز الدين، قبل أن يتقارب الرجلان، فزعموا للسلطان أن العز عز الدين يخالف السلف ويقول في القرآن قولا عظيما.. ويخطئ من يقول في القرآن بالحرف والصوت، وأنه يعتنق رأي الأشعري: أن الخبز لا يشبع والماء لا يروي والنار لا تحرق!!.. وهذا كله كفر!!

وكان الأشرف قليل الحظ من الثقافة وعلوم الدين والاطلاع على آثار السلف.. فما تعلم إلا ما علمه ذلك النفر المحيطين به من أراذل فقهاء الحنابلة الذين ينافقونه!

ولم يصدق السلطان أول الأمر أن الشيخ عز الدين يقول هذا وهو العالم الورع عظيم التقوى.. وزجرهم السلطان.. ولكنهم وعدوا السلطان أن يقدموا له الدليل الحاسم.

وأجمعوا أمرهم، وجاءوا عز الدين عبد السلام فقدموا إليه ورقة فيها فتيا بأن القرآن حرف وصوت، وطلبوا من الشيخ ان يكتب رأيه في هذه الفتيا، وكان قد علم بكيدهم وهم لا يشعرون!

قال لهم الشيخ عز الدين: «هذه فتيا كتبت امتحانا لي. والله لا أكتب فيها إلا ما هو الحق.». "اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #9
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

وبدأ الكتابة بتسفيه الفتيا، وتأكيد أن الإمام أحمد بن حنبل لا يعتقد أن القرآن حرف وصوت، وقولهم هذا إنما هو جهل فاضح برأي الإمام أحمد..

واستطرد الشيخ عز الدين فكتب أن الإمام أحمد بن حنبل بريء من كل ما يدعون. وأن فضلاء الحنابلة أبرياء منهم. وكذلك سائر السلف: «فهم لا يقولون بالحرف والصوت. فالإمام أحمد بن حنبل وغيره من فقهاء السلف الصالح، لا يعتقدون أن وصف الله القديم القائم بذاته هو عين لفظ اللافظين ومداد الكاتبين. مع أن لفظ الله قديم، وهذه الأشكال والألفاظ حادثة بضرورة العقل وصريح النقل. قال تعالى: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) والعجب ممن يقول إن القرآن مركب من حرف وصوت ثم يزعم أنه في المصحف!! وليس في المصحف إلا حرف مجرد لا صوت معه!! وإنما أتى القوم من قبل جهلهم بكتاب الله وسنة رسوله وسخافة العقل وبلادة الذهن فإن لفظ القرآن، يطلق في الشعر واللسان على الوصف القديم، ويطلق على القراءة الحادثة، والقراءة غير المقروءة، لأن القراءة حاثة والقرآن قديم هؤلاء القوم يذمون الأشعري لقوله أن الخبز لا يشبع والماء لا يروي والنار لا تحرق. وقول الأشعري كلام أنزل الله معناه في كتابه: فإن الشبع والري والإحراق حوادث انفرد الرب بخلقها. فليس الخبز هو الذي يخلق الشبع، ولم يخلق الماء الري، ولم تخلق النار الإحراق، وإن كانت أسبابا في ذلك. فالحق هو المسبب دون السبب كما قال تعالى: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، فقد نفى أن يكون رسوله خالقا للرمي وإن كان سببا فيه.»...

وعندما ظفروا بجواب الشيخ تمايلوا من الفرح، وأيقنوا أنها القاضية عليه!

وأوحوا الى السلطان أن يدعوا جميع الفقهاء والعلماء الى سماطه على الإفطار ـ وكان الوقت رمضان ـ ففعل، وذهبوا بما كتبه الشيخ عز الدين الى السلطان الأشرف فانفجر سخطه على الشيخ..! سخط عنيف هائل ينبع من أعماق نفس امتلأت بالحب والإكبار لشخص رفضت فيه كل الوشايات والأقاويل، ثم إذ بها تكتشف بغتة أن هذا الآخر، كان يخدعها ويسخر منها، ويظن بها الغفلة!!.. واختلط غضبه على الشيخ بضيقه المتراكم من سيرة الشيخ معه، فهو كلما أدناه ابتعد، وكلما قربه هجر، وكلما تألفه نفر..!

وعلى سماط الإفطار، ظلت صيحة السلطان تندد بالشيخ عز الدين: «صح عندي ما قالوه عنه!. هذا رجل كنا نعتقد أنه متوحد في زمانه في العلم والدين، فظهر بعد الاختبار أنه من الفجار.. لا.. بل من الكفار»!..

ولم يستطع أحد من الفقهاء أو العلماء أن يرد على السلطان الأشرف.. وظل صوته يدوي بالوعيد في بهو الطعام بقصره السلطان.. وضيوفه يمضغون طعام الإفطار على مهل، ويزدردون المضض، وقلوبهم تدق!!

ما من صوت واحد يرتفع إلا أنفاس تلهث، وصراخ السلطان يتصاعد كحيوان جريح يوشك أن ينقض ليفترس، بكل ضراوة الألم والإهانة وغريزة البقاء!!

وبعد لأي تجرأ أحد الفقهاء فقال في تذلل: «السلطان أولى بالصفح والعفو ولاسيما في مثل هذا الشهر، شهر رمضان». فلم يرد السلطان، وهمهم آخر ملتمسا مغفرة السلطان..!

ولم يرد السلطان.. وانصرف الفقهاء والعلماء، وكان معهم على مائدة الإفطار، عدد من العلماء والفقهاء من كل الأقطار.

وتناقل العلماء والفقهاء ما حدث، ولاموا أنفسهم على الصمت في حضرة السلطان، وهم يعلون أنه على الباطل، وأن الشيخ عز الدين على الحق الذي يؤمنون به هم أنفسهم!.

وتحفز الطلاب والمعجبون!

ما عسى أن يصنع السلطان بشيخهم عز الدين؟!

أيتهم السلطان الأشرف وهو جاهل بأصول الدين، شيخهم العالم الورع التقي بالفجر والكفر؟!!.. أتراه ينزل به عقاب الفجار والكفار وهم ينظرون!!

واشتعل التوتر في دمشق. وأصبح الناس وما من شيخ من الذين حضروا المأدبة بالأمس، يستطيع أن يمشي في الأسواق!

احتشد الطلاب حول باب الشيخ عز الدين، وتعهدوا أن يمنعوه إذا حاول السلطان أن ينزل به أي مكروه." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #10
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

ولاذ اراذل شيوخ الحنابلة من حاشية السلطان بالقصر، غير أن شيخ المالكية عمرو بن الحاجب عذبه صمته وصمت الفقهاء الآخرين أمام السلطان، فركب بغلته وأخذ يطوف المدينة، حتى جمع العلماء في الجامع الأموي بعد صلاة العصر وانقض عليهم يعنفهم: «العجب أنكم كلكم على الحق وغيركم على الباطل، وما فيكم من نطق بالحق. وسكتم وما انتصرتم لله تعالى والشريعة المطهرة.

ولما تكلم متكلم منكم قال: السلطان أولى بالعفو والصفح ولا سيما في مثل هذا الشهر!! وهذا غلط يوهم الذنب، إن العفو والصفح لا يكون إلا عن جرم وذنب.. أما كنتم سلكتم طريق التلطف بإعلام السلطان بأن ما قاله عبد السلام مذهبكم ومذهب أهل الحق وأن جمهور السلف والخلف على ذلك، ولم يخالفهم فيه إلا طائفة مخذولة ينفون مذهبهم ويدسونه على تخوف الى من يستضعفون علمه وعقله، ومنهم السلطان الأشرف؟! لقد قال الله تعالى: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وأنتم تعلمون).

ولام ابن الحاجب نفسه لانه سكت، واعلن الندم والتوبة.. ثم اقترح عليهم أن يكتبوا فتيا بموافقة الشيخ عز الدين بن عبد السلام.

وكتبوا الفتيا ووقعوها، وذهبوا الى بيت العز عز الدين عبد العزيز ابن عبد السلام، وخاضوا اليه زحام الناس الذين رابطوا عند بيته.

وقبل أن يتدافع الناس لإدانتهم على موقفهم أعلن ابن الحاجب، أنهم جاءوا الشيخ بفتيا موقعة منهم توافق رأيه. وهذا هو اعتذارهم له عما فرط أمام السلطان في حق الشريعة وحق ابن عبد السلام.

وفرح الشيخ بموقف ابن الحاجب ومن معه من العلماء والفقهاء.

فأرسل الشيخ الى السلطان يعلمه بفتيا الشيوخ، وأنهم «إذا كانوا قد سكتوا ولم يعلنوا رأيهم على سماط الإفطار بالأمس، فما ذلك إلا لأن السلطان لم يمكنهم من الكلام لما ظهر من حدة غضبه»!

وأنهى رسالته طالبا من السلطان أن يعقد مجلسا للشافعية والحنابلة يحضره المالكية والحنفية وغيرهم من العلماء لتدور المناظرة أمام الجميع بينه وبين خصومه من فقهاء رجال الحاشية!

ثم ختم رسالته الى السلطان بقوله: «والذي نعتقده في السلطان أنه إذا ظهر له الحق رجع إليه! وأنه يعاقب من موه بالباطل عليه، وهو أولى الناس بموافقة والده السلطان الملك العادل. فإنه عزر جماعة من أعيان الحنابلة المبتدعة تعزيرا بليغا رادعا، وبدع بهم وأهانهم.»

وذهب ابن الحاجب الى السلطان وسلمه الرسالة، ولم يقرأها السلطان أمامه، ووعده السلطان خيرا وودعه خير وداع...

وعندما خلا السلطان الأشرف الى رجال حاشيته من الفقهاء الحنابلة وقرأوا الرسالة أوجسوا خيفة من مجلس المناظرة الذي اقترحه الشيخ عز الدين، فما كانوا يطيقون مواجهته أمام سائر الفقهاء والعلماء.. وأجمعوا على ألا تكون مناظرة، ثم وسوسوا في صدر السلطان ألا يقبل عقد المناظرة، فقد يهينه ابن عبد السلام!

وكتبوا ردا فوقعه السلطان. واستدعى رسولا يحمل الرسالة الى الشيخ عز الدين ليأتي في الوقت برده.

وفض الشيخ رسالة السلطان وقرأها بصوت مرتفع ليسمعها ضيوفه.

«بسم الله الرحمن الرحيم. وصل إلي ما التمسه الفقيه ابن عبد السلام أصلحه الله من عقد مجلس وجمع المفتين والعلماء، وقد وقفنا على خطه وما أفتى به، وعلمنا من عقيدته ما أغنى عن الاجتماع به. ونحن نتبع ما عليه الخلفاء الراشدون الذين قال (صلى الله عليه وسلم) في حقهم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. وعقائد الأئمة الأربعة فيها كفاية لكل مسلم يغلب هواه، ويتبع الحق، ويتخلص من البدع، اللهم إلا إن كنت تدعي الاجتهاد، فعليك أن تثبت ليكون الجواب على قدر الدعوى، ولتكون صاحب مذهب خامس. وأما ما ذكرته عن الذي جرى في أيام والدي تغمده الله برحمته، فذلك الحال أنا أعلم به منك، وما كان له سببه إلا فتح باب السلامة لأمر ديني:... " اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بائع الملوك...العز بن عبد السلام...رضي الله عنه عبدالرحمن الحسيني السِــيرْ وتـراجم أعــلام الإســـلام 2 06-27-2010 11:37 AM
سلطان سويدان طير حيران الـــــفراتي القسم العام 4 09-24-2008 12:38 PM
سلطان سويدان طير حيران الحسينيه ركن وادي الفرات 2 09-12-2008 01:10 PM
سلطان العارفين علاء الدين المكتبة الاسلامية 0 09-10-2008 03:41 AM
سلطان البر عبدالقادر حمود ركن وادي الفرات 2 08-19-2008 02:17 PM


الساعة الآن 08:49 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir