أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ،والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > السِــيرْ وتـراجم أعــلام الإســـلام

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 08-13-2008
  #11
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

ومع هذا لقد ورد في الحديث: (الفتنة نائمة لعن الله مثيرها). ومن تعرض إلى إثارتها قاتلناه مما يخلصنا من الله تعالى، وما يعضده كتاب الله تعالى، وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) .»

وعندما فرغ الشيخ من قراءة الرسالة طواها وقال للرسول: «قد وصلت وقرأتها وفهمت ما فيها فاذهب بسلام». فرد الرسول: «لقد تقدمت الأوامر السلطانية بإحضار جوابها.»

والطلاب ومؤيدون الشيخ ما زالوا خارج الدار ينتظرون ما يكون، وقد استبد بهم التوتر والقلق منذ دخل رسول السلطان!

وفي داخل الدار يجلس مع الشيخ ابنه عبد اللطيف وبعض الأصدقاء، وأحد العلماء الفضلاء ممن يغشون مجالس السلطان، وقد أقبل يتوسط بين السلطان والشيخ.. ولكنه لم يكد يسمع الرسالة حتى تغير لونه وأيقن أنه لا جدوى من وساطته، ودخل في نفسه أن الشيخ يعجز عن الجواب، وأنه هالك لا محالة!

غير أن الشيخ كتب للسلطان مترسلا بلا توقف وهو يقرأ ما يكتبه: «بسم الله الرحمن الرحيم. (فوربك نسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون). أما بعد. حمدا لله الذي جلت قدرته وعلت كلمته. فإن الله تعالى قال لأحب خلقه إليه وأكرمهم عليه: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن، وإن هم إلا يخرصون). وقد أنزل الله كتبه ورسله لنصائح خلقه. فالسعيد من قبل نصائحه وحفظ وصياه. وأما طلب المجلس وجمع العلماء فما حملني إلا النصح للسلطان وعامة المسلمين، وقد أديت ما علي في ذلك. والفتيا التي وقعت في هذه القضية يوافق عليها علماء المسلمين من الشافعية والمالكية والحنفية والفضلاء من الحنابلة، وما يخالف في ذلك إلا رعاع لا يعبأ بهم! وأما ما ذكر من أمر الاجتهاد والمذهب الخامس فأصول الدين ليس فيها مذاهب، إن الأصل واحد، والخلاف في الفروع. والحمد لله وحده. وصلى الله على سيدنا محمد وآل وصحبه وسلم..»

وختم الرسالة بتوقيعه وطواها وسلمها رسول السلطان.

وقال له العالم الذي جاء للوساطة بينه وبين السلطان: لو أن هذه الرسالة التي وصلت إليك وصلت الى قس بن ساعدة لعجز عن الجواب، وعدم الصواب، ولكن هذا تأييد من الله.

وتليت الرسالة على السلطان، فألقوا في روعه أن الشيخ يتحداه محتميا بالعامة والطلاب وسائر العلماء! فلينزل بالشيخ عقاب الفجار والكفار!

ولكن السلطان لم يستطع فقد وجد كل العلماء حتى فضلاء الحنابلة يؤيدون الشيخ! فما يقف مع السلطان إلا بعض رجال الحاشية من فقهاء الحنابلة وهم الذين أسماهم الشيخ في رسالته: الرعاع، والجهال، واتهمهم بالبلادة والإساءة الى الإمام أحمد بن حنبل!

وفكر السلطان مليا، ثم استدعى وزيره واسمه خليل ليشاوره في الأمر، وكان الرجل من الذين يحبون الشيخ عز الدين ويحترمونه. وما زال الوزير يحاور السلطان ويوضح له سوء عاقبة البطش بالشيخ حتى هدأ السلطان.

وذهب خليل وزير السلطان الى الشيخ العز يبلغه أمر السلطان: «ألا يفتي وألا يجتمع بأحد، وأن يلزم بيته».

وحاول الوزير خليل أن يهون على الشيخ عز الدين. فهذا العقاب أخف مما كان معدا له.

غير أن عز الدين ابتدره باسما: «إن هذا العقاب من نعم الله الجزيلة علي، الموجبة للشكر على الدوام.

أما الفتيا فإني كنت والله متبرما منها، وأعتقد أن المفتي على شفير جهنم ومن سعادتي لزومي لبيتي وتفرغي لعبادة ربي، والسعيد من لزم بيته، وبكى على خطئه، واشتغل بطاعة الله.»

وأراد الشيخ أن يقدم هدية للرسول شكرا على هذه الرسالة السارة، فلم يجد سجادة صغيرة.

ولما عاد خليل يروي للسلطان ما قاله الشيخ عز الدين قال السلطان محنقا: «قولوا لي ما أفعل به؟!... هذا رجل يرى العقوبة نعمة. اتركوه. بينا وبينه الله.» .. " اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #12
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

على أن الذين أحاطوا بدار الشيخ العز عز الدين لحراسته أنكروا ليه طاعته لأمر السلطان، وكلموه في ذلك فقال لهم إن مصلحة قيام الشرع تقتضي وجود السلطان، ومتى وجد وجبت طاعته وإلا تعطلت الأحكام!! ولكن لا طاعة للسلطان إذا خان عهد الله وأهدر مصالح المسلمين وأمر بمعصية الخالق. أما فيما عدا ذلك فالطاعة واجبة.

وعجب له محبوه،

فأمرهم بالحسنى أن ينصرفوا الى شؤونهم ويدعوه وشأنه، فسيعتكف للعبادة.. أما وجودهم حول الدار فسيتيح لأعدائه أن يتهموه بإثارة الفتنة!

غير أنهم انصرفوا الى الزاوية الغزالية التي كان يدرس بها، وأقسموا الا يستمعوا لشيخ غيره.!

وجلسوا في حلقته الفارغة متربصين! ولم يجيء إليهم أستاذ غيره يعلمهم مكانه!!

على أن سائر العلماء والفقهاء أضمروا السخط على ما أصاب الشيخ، ولكنهم رضوا به لأنهم كانوا يتوقعون عقابا أشد ودعوا الناس الى الصبر. وقضاء أخف من قضاء!!

أما الشيخ جمال الدين الخضيري شيخ الحنفية فما كان ليستطيع على ما جرى صبرا..! وكان عالما ورعا فاضلا صاحب نفوذ على قلوب الناس جميعا، وكان السلطان يحسب له ألف حساب!

وما هي إلا ثلاثة أيام قضاها عز الدين في بيته، ممتثلا للأمر السلطاني، ممتنعا عن لقاء من سعوا الى لقائه، حتى كان الشيخ الخضيري يركب حماره الى السلطان، ومعه ابن الحاجب شيخ المالكية. ولم يكد السلطان يعلم أن الشيخ الخضيري شيخ الحنفية قادم اليه حتى أمر كبير وزرائه وكبار حاشيته أن يستقبلوا الشيخ خارج القصر، وأن يدخلوا القصر راكبا حماره تكريما له.

ودخل الشيخ ساحة القصر، فاستقبله السلطان وأنزله بنفسه عن حماره، وأدخل القصر وأجلسه الى جواره وهش له، وجلس ابن الحجاب وفي يده ورقة فيها توقيع العلماء على تأييد موقف الشيخ عز الدين بن عبد السلام..

وحين أذن لصلاة المغرب وبسطت المائدة للإفطار، أم الشيخ الخضيري السلطان والحاضرين في الصلاة!

وبعد الصلاة دار الشراب عليهم وهم جلوس قبل أن ينتقلوا لمائدة الطعام. وكان الحاضرون هم حاشية السلطان من أراذل فقهاء الحنابلة أعداء العزيز بن عبد السلام..

وقدم السلطان للشيخ قدح للشراب، فنحاه بإشارة غاضبة قائلا: «ما جئت الى طعامك ولا الى شرابك».

فقال السلطان: «يرسم الشيخ ونحن نمتثل لمرسومه.»

الشيخ: «إيش بينك وبين ابن عبد السلام؟.. هذا رجل لو كان في الهند أو في أقصى الدنيا كان ينبغي على السلطان أن يسعى في حلوله في بلاده، ويفخر به على سائر الملوك.»

السلطان: «عندي خطه باعتقاده في فتيا، وخط أيضا في رقعة جواب رقعة سيرتها إليه. فيقف الشيخ عليهما ويكون الحكم بيني وبينه».

فلما قرأ الشيخ الخضيري رسالتي عز الدين بن عبد إسلام رد الورقتين للسلطان وقال: «هذا اعتقاد المسلمين وشعار الصالحين، وكل ما فيهما صحيح ومن خالف ما فيهما وذهب الى ما قاله الخصم من إثبات الحرف واصوت فهو حمار!».

ويهب الجميع فالشيخ يتهم السلطان بأنه حمار.. وريع السلطان من حدة الشيخ الخضيري، ونظر الى ابن الحاجب المالكي، فقدم إليه ورقة يؤيد فيها العلماء رأي ابن عبد السلام! ونظر الى الحاشية من فقهاء الحنابلة فوجدهم قد اسودت وجوههم وعراهم الأضطراب. فقال السلطان الأشرف: «نحن نستغفر الله مما جرى، ونستدرك الفارط في حقه!.. والله لأجعلن ابن عبد السلام أغنى العلماء.»

وقاموا الى الإفطار، ثم أرسل السلطان الى الشيخ عز الدين، فترضاه وأجلسه الى جواره وسأله أن يطلب ما شاء ترضية له، فلم يطب عز الدين شيئا. ولكن السلطان ظل يستعتبه ويسترضيه، حتى رضي الشيخ وعاد اليه مرحه... وانزوى الأراذل من خصومه، وأذن للعشاء فأمهم الشيخ عز الدين لصلاة العشاء استجابة لدعوة الخضيري وابن الحاجب.

وقبل أن ينفض المجلس أمر السلطان ألا يخوض أحد في الكلام في أمر الخلاف مرة أخرى.

وفي اليوم التالي عاد الشيخ عز الدين الى الزاوية الغزالية بالجامع الأموي يدرس ويفتي، واستقبله محبوه هاتفين... «الله أكبر... الله أكبر... ظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا».

وعلم الملك الكامل سلطان مصر بما كان، فأرسل يسأل العز ويبدي استعداده لنصرته،... فشكره الشيخ ولم يحك له ما جرى... " اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #13
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

وجاء الملك الكامل سلطان مصر، لزيارة أخيه الملك الأشرف سلطان دمشق. وسأل الملك أخاه عما حدث من خلاف بين الشافعية وبعض الحنابلة فقال الأشرف أنه قد أمر الفريقين بأن يكفا عن الكلام سدا لباب الخصام.

فقال الملك الكامل ناهرا أخاه الأصغر: «والله مليح..! ما هذه إلا سياسة وسلطنة..!! تساوي بين أهل الحق وأهل الباطل، وتمنع أهل الحق من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ كأن الطريق أن تمكن أهل السنة من أن يلحنوا بحججهم، وأن يظهروا دين الله تعالى، وأن تشنق من هؤلاء المبتدعة عشرين نفسا ليرتدع غيرهم، وأن تمكن الموحدين من إرشاد المسلمين وأن يبينوا لهم طريق المؤمنين».. وذاب الملك الأشرف خجلا، وظل يعتذر عما بدر منه. فاتهمه أخوه الأكبر بالجهل، ونصحه أن يجلس الى الشيخ عز الدين ليعلمه أصول الدين، وما زال به حتى أقنعه بصحة رأي الأشعرية وفساد رأي حاشيته. وأوصاه بعز الدين خيرا فأرسل الأشرف في استدعائه. وأخذ الملك الكامل يتلطف مع عز الدين أمام أخيه الملك الأشرف، ويسأله أن يتمنى عليه ما يشاء، وعز الدين يشكره ويحمد الله إليه ولا يطلب شيئا..

ووقع الأشرف مرسوما بتعيين الشيخ عز الدين خطيبا للجامع الأموي ليزيد النفع بعلمه.

وقال الأشرف لأخيه الكامل: «لقد غلطنا في حق الشيخ عز الدين ابن عبد السلام غلطة عظيمة. ولكني أترضاه ولن أعمل إلا بفتاويه.»

اقتنى السلطان الأشرف رسالة كتبها الشيخ عن مقاصد الصلاة، فكانت تقرأ عليه في اليوم ثلاث مرات، ولا يدخل عنده أحد إلا طلب منه أن يقرأها لينفعه الله بها. وكان يقول لبعض خاصته: «انسخوا وطرزوا بها مجالسكم.»

اطمأن الكامل الى أن أخاه الأشرف قد أصلح عقيدته، وأبعد عن حاشيته الفقهاء المتملقين المنافقين البلداء المرتشين من أراذل الحنابلة.

وأصبح له مجلس اسبوعي من فضلاء الحنابلة وعلماء المذاهب الأخرى يتدارسون فيه الفقه وأصول الدين.

وجاءه الشيخ عز الدين مستجيبا لدعوته، وكان من قبل لا يجيبه، فاقترح عز الدين أن يرفع السلطان الضرائب التي تثقل الصناع والتجار والفقراء، وان يعوضها بضرائب على الأغنياء، واقترح عليه أن يغلق المواخير والحانات ودور الفساد، فاستجاب السلطان الأشرف من فوره لما طلبه الشيخ.

أشار الكامل على أخيه الأشرف أن يعين عز الدين قاضيا للقضاة ليصلح له أمور الرعية، فتردد الأشرف، على الرغم من أن إشارة أخيه الأكبر كانت أمرا بالقياس إليه.!

وقال الأشرف أنه يخشى من عناد عز الدين وشدته إذا و تولى أمر القضاء وأصبحت أحكامه واجبة النفاذ!!.. فضحك الملك الكامل، وامر أخاه ألا يثق بأحد من العلماء إلا هؤلاء الذين يأخذون الكتاب بقوة، الأشداء الأتقياء الورعين الذين لا يخافون في الله لومة لائم. لأن هؤلاء هم أعمدة الأمة ومنارات العدل، وهم أحرى بأن يجعلوا السلطان قويا وفاضلا ومحبوبا عند الرعية، وهم على أية حال خير من الفقهاء والعلماء الضعاف المستخزين المنافقين طلاب المنافع الذين يذهبون بجلاء الملك ويزورون بهيبة الدين!! .. " اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #14
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

وروى الكامل لأخيه قصته مع قاض مصري ورع شديد في الحق. ذلك أن الملك الكامل وهو الملك المهاب الصالح، كان قد هفا قلبه الى مغنية قاهرية بارعة الجمال ذات صوت لم يسمع أعذب منه اسمها عجيبة. وكانت عجيبة تذهب الى الملك، فتغني له ولخاصته حتى قبيل الفجر، على قرع الدف، ورنة عود تتقن العزف عليه. فعرضت امام القاضي دعوى كان أحد طرفيها رجل من خاصة الملك يسمع معه الى غناء عجيبة وجواريها. وأراد الملك أن يشهد في تلك القضية. فرفض وقال للكامل: «السلطان يأمر ولا يشهد.» ولكن الملك الكامل لم يقتنع برأي القاضي، وعاد يطلب مه أن يؤدي الشهادة، وكرر القاضي الإعتذار، وأدرك الكامل أن القاضي لا يقبل شهادته، فسأله: «أريد أن أشهد. أتقبلني أم لا؟» فقال القاضي: «لا . ما أقبلك، وعجيبة المغنية تطلع اليك كل ليلة، وتنزل ثاني يوم بكرة تتمايل سكرا على أيدي الجواري.»

فغضب الكامل وقال له: يا كنواج «وهي شتمة فارسية» فقال القاضي: «ما في الشريعة يا كنواج! اشهدوا على أني عزلت نفسي.» ومضى ينشد في الناس:



وليت القضاء وليت القضاء *** لم يك شيئا توليته
وقد ساقني لقضاء القضاء *** وما كنت قبل تمنيته




وفكر الملك فيما عسى أن يقول الناس عن سبب عزل القاضي. فأرسل اليه يترضاه، وعل عن طلب الشهادة. ولم يعد يستقبل المغنية ولا يقيم مجالس طرب. وسار في رعيته منذ ذلك اليوم سيرة تقية فاضلة، وهكذا أصبح وعظة ورع قاض حازم عادل، فأصبح الملك باتعاظه مهابا محبوبا.

روى الملك الكامل لأخيه الأصغر الملك الأشرف هذه الحكاية، واقنعه أن وجود عالم فاضل عادل قوي الى جوار الملك إنما هو أقوم للسلطان والرعية جميعا.

ولكن السلطان الأشرف وعد بتعيين الشيخ عز الدين قاضيا للقضاة، ثم تراخى.

وأراد الملك الكامل أن يؤكد لأخويه الأشرف والصالح إسماعيل، ما للشيخ العز من مكانة وتقدير. فدعاه في حضورهما وبالغ في حسن استقباله، وأجلسه الى جواره وأخذ يستفتيه. وكلما أفتى الشيخ أبدى الملك إعجابه بالفتيا، وسأله الرضى والدعاء. ثم قال له مشيرا الى أصغر الأخوة الصالح إسماعيل: «إن هذا له غرام برمي البندق، فهل يجوز له ذلك؟» فقال الشيخ: «بل يحرم عليه. فإن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) نهى عنه لأنه يفقأ العين ويكسر العظم ويحرم عليه» والبندق كور صغيرة من الرصاص أو الحجر تستعمل في الصيد.

وعاد الملك الكامل الى القاهرة، ومرض الملك الأشرف، فأناب عنه ولي عهده الصالح إسماعيل. وكان الشيخ عز الدين كما تعود من قبل لا يغشى مجالس السلطان ولا يزوره، ولكنه عاده في المرض، فبلغ التأثر من نفس السلطان أعظم مبلغ حتى بكى، وسأله الشيخ أن يعفو عنه لما فرط منه في حقه، فدعا له الشيخ وأمر السلطان ولي العهد الصالح إسماعيل ألا يستفتي غير الشيخ عز الدين وأن يستهدي بآرائه.

غير أن الصالح إسماعيل، لم يقرب الشيخ ولم يدعه إليه.. ففتيا الشيخ بتحريم الرمي بالبندق آلمته!

على أنه أهر هذه الفتيا منذ أصبح سلطانا، وجمع حوله خصوم الشيخ من الأراذل والبلداء الذين ينتحلون الفقه الحنبلي ويشوهونه!. " اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #15
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

وأقصى الصالح إسماعيل عن الفضلاء من العلماء الحنابلة، وانصرف الى الهو، وأعاد ما أبطله أخوه من المنكرات: ففرض على التجار والصناع وارباب الحرف والفقراء كثيرا من المكوس والضرائب التي كان أخوه الأشرف قد رفعا عنهم!

وأحاط به النخاسون الكبار وأغنياء تجار الرقيق فأعاد فتح الحانات والمواخير!.

وأحيا كل المفاسد والبدع التي كان أخوه الأشرف قد أماتها استجابة لطلب الشيخ عز الدين..!

وكان الصليبيون الفرنجة والتتار الطامعون في الاستيلاء على أرض العرب قد عرفوا ولع الصالح إسماعيل بالنفائس وبالتحف الفاخرة والخمر الغالية والجواري الحسان، فطفقوا يقدمون إليه الهدايا النادرة، حتى بادلهم الهدايا ونشأت بينه وبينهم ألفة ومودة.. ولقد دسوا اليه من الجواري الحسان من أصبحن عيونا عليه، فكن لا يبرحن مجالسه في اللهو أو الجد ويطلعن على كل أسراره، وهو بهن سعيد!

وفسد الأمر في دمشق، فارسل أهل الغيرة فيها يشكون الملك الصالح إسماعيل الى أخيه الأكبر الملك العادل سلطان مصر. فسار على رأس جيش الى دمشق، وأبطل المفاسد ورفع المكوس والضرائب الظالمة عن كاهل الصناع وأرباب الحرف والفقراء والتجار، وعين الشيخ العز عز الدين عبد العزيز ابن عبد السلام قاضيا، صونا للعدل، وحفظا للشريعة، وضمانا لصلاح الأمر، وأذعن الأشرف لأمر أخيه الأكبر.

وكان على الشيخ عز الدين، أن يضع على رأسه أكبر عمامة في الدولة: عمامة قاضي القضاة، صاحب أكبر منصب ونفوذ.. الرجل الذي يلزم بأحكامه كل أولياء الأمر حتى السلطان نفسه!

ورأى الشيخ عز الدين أن يتحلل من التقاليد، فطرح العمامة كبيرها وصغيرها، ووضع على رأسه طاقية من لباد مصر وهي غطاء الرأس الذي لا يستعمله الا فقراء الناس في مصر والشام. وكان من قبل عندما عين خطيبا لجامع الأموي، قد طرح الرداء الأسود الذي ألف خطباء الجامع ارتداءه، وعدل عن صعود المنبر بالسيف وعن ترصيع الخطبة بالسجع.

هاهو ذا الشيخ عز الدين، يجمع كل وسائل النفوذ وأدواته: فهو خطيب الجامع الأموي، وأكبر المفتين، وهو شيخ حلقة، يقنع الناس بوضوح الدليل ونصاعة البرهان وقوة الحجة، ثم هو الى كل ذلك قاضي القضاة، فعلى رجال الدولة تنفيذ ما يقضي به، وإلا أثموا شرعا، واختل ميزان الأمور، فتهرأت الدولة!

والشيخ يجد ويصطنع الاجتهاد في دروس الفقه والأصول بالزاوية الغزالية في الجامع الأموي، وينشط في قضائه وفتاويه لاستنباط الأحكام من القرآن والسنة وإجماع الصحابة، والقياس الصحيح وتحري مصالح الأمة التي هي مقصد الشريعة، حتى لقد صح عند الشيخ ابن الحاجب المالكي وهو واحد من أفقه علماء دمشق أن يقول: «لم نعرف منذ الأئمة الأربعة من هو أفقه من الغزالي، إلا الشيخ العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام».

وظل الشيخ عز الدين يعمل على إماتة البدع، وإحياء السنن في كل ما يصدر من أحكام، وما يلقي من دروس وخطب، وما ينشئ من فتاوي. وقال: «طوبى لمن ولي أمرا من أمور المسلمين، فأعان على إماتة البدع وإحياء السنن».. " اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #16
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

".وكان الصالح إسماعيل عندما أحس أن أخاه سيعزله، قد لاذ بالشيخ عز الدين معلنا التوبة، متعهدا بحسن السيرة إن هو بقي على عرش دمشق.

وما زال بالشيخ يستعطفه ويستشفعه والشيخ يشترط عليه شروطا حتى قبل الشيخ أن يتوسط له، وضمنه الشيخ عند الملك الكامل فأبقاه سلطانا على دمشق.

ولكنه لم يكد يستقر على العرش حتى عزل الشيخ عز الدين عن منصب قاضي القضاة.. فقد مات الملك الكامل!!

وخلف الملك الكامل على ملك مصر ابن له، ولكه أساء السيرة في الناس، وخضع لحاشية من الجواري والمماليك والعلماء، وغلبه الضعف، ولعبت به الأهواء، فوثب عليه أخوه نجم الدين وهو رجل صارم وتولى ملك مصر باسم الملك الصالح نجم الدين أيوب.

ما بحر التتار والصليبيون يراقبون في يقظة كل ما يجري في دولة صلاح الدين التي حولها ورثته من الأبناء وأبناء الأخوة ضياعا خاصة لهم، فوهنت وتداعت وتمزقت! فطمع التتتار في العراق، وخطط الصليبيون للاسيتلاء على مصر والشام وفلسطين، وبصفة خاصة بيت المقدس!.. واضمحلت برقة والجزيرة العربية..

وحصن الملك الصالح نجم الدين أيوب أبواب مصر وسد ثغورها بعسكر كثيف ودعم فيها القلاع، وأرسل الى عمه الملك الصالح إسماعيل صاحب دمشق، يطالبه بأخذ العدة لمواجهة ما عسى أن يفعله الصليبيون الفرنج، ولكن إسماعيل كان مشغولا بمراسلتهم وتبادل الهدايا معهم، والاستمتاع بأموالهم وجواريهم.. فأنفذ الملك الصالح نجم الدين أيوب حملة الى الشام ليضمها الى مصر.

وهرع إسماعيل سلطان دمشق الى الفرنج، فحالفهم وفتح لهم دمشق ليشتروا منها السلاح، وكان سلاح دمشق معروفا بأنه أمضى سلاح ـ ومضى الى سائر أمراء الشام ليضمهم الى صفه ضد ابن أخيه ملك مصر، فحالفه صاحب حمص..

واضطرب الناس في دمشق مذ رأوا الصليبيين يدخلونهم ويتجولون في أسواقها يشترون السلاح. وترك الشيخ عز الدين حلقته في الجامع الأموي، ومضى يخوض في الشعب المتزاحم في الطرقات ويفتيهم أن بيع السلاح للفرنجة حرام، وكل بيع لهم حرام. فمن ارتكب من ذلك شيئا فقد خان الله والرسول ولا ذمة ولا عهد له، ودمه مهدر، وماله مباح!...

ومضى الشيخ ابن الحاجب المالكي يفتي بمثل ذلك. وطفق الشيخان يحرضان التجار على الامتناع عن البيع للفرنجة، ويحرضان الناس على قتال من يبيعهم السلاح فأصبح الفرنجة وهم لا يجدون من يتعامل معه من تجار دمشق، وحتى الذين تعاملوا معهم من قبل آثروا العافية ورفضوا التعامل بعد..!

وغدت دمشق ذات صباح تتناقل أنباء ما صنعه سلطانها مع الفرنج، فقد جيش معهم الجيوش، وقرروا أن يسيروا معا الى مصر ليكسروا الحملة التي انفذها الملك الصالح نجم الدين أيوب، وأن يوصلوا الزحف فيستولوا على مصر كلها.

وفي مقابل مساعدة الفرنج لسلطان دمشق، نزل لهم عن صيدا وقلعة الشقيف وبعض مدن فلسطين واقتسم معهم مدنا أخرى...!!

وعندما تحققت هذه الأنباء، وقف الشيخ عز الدين يخطب الجمعة فأعلن خيانة سلطان دمشق ومن والاه من أمراء الشام. وختم خطبته داعيا:

«اللهم أبرم لهذه الأمة إبرام رشد تعز فيه أولياءك، وتذل فيه أعداءك ويعمل فيه بطاعتك وينهى فيه عن معصيتك».

وهدرت حناجر المصلين: «آمين..! آمين!.

والتقى الشيخ عز الدين بالشيخ ابن الحاجب، فأصدر فتيا بخيانة السلطان وبخلع طاعته. " اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #17
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

ولم يطلبا من أحد التوقيع معهما على الفتيا حفظا لسائر العلماء من أن يؤذيهم السلطان.. إذ كان قد أنذر مخالفيه بعذاب عظيم، ووعد مؤيديه بحسن الجائزة ووفرة المال وعلو الشأن.! على أن الخطباء والعلماء امتنعوا عن الدعاء للسلطان من على المنابر بعد خطبة الجمعة. وهكذا تجاهلوا وجوده..!

وأرسل بعض حاشية السلطان اليه وهو غائب عن دمشق بما كان من أمر الشيخ العز والشيخ ابن الحاجب، فأمر بسجنهما وأمر حاشيته من أراذل الحنابلة بإسقاط شأنهما في عيون الرعية.

وسجن الشيخان، وأصدر بعض هؤلاء الأراذل فتيا ضد الشيخين واتهموا كليهما بإثارة الفتنة، وطالبوا الرعية بإطاعة السلطان لأن معصيته خروج على الشرع، وهو أدرى فيما يأخذ وما يدع بمصالح المسلمين.! واتهموا الشيخين بالغرض والحسد وسوء النية والحقد على السلطان: فأما الشيخ عز الدين فلأن السلطان عزله عن منصب قاضي القضاة،وأما الشيخ ابن الحاجب فلأنه طمع في المنصب ولم ينله.!!!! فكلاهما موتور لأنه حرم من المنصب الكبير والراتب الوفير.!

ولم يكن أي الشيخين يملك الدفاع عن نفسه في السجن، ولكن الناس لم يصدقوا، واشتعل غضبهم على السلطان وحاشيته، ومضوا يسألون في الأمر شيوخهم، ايد الشيوخ بمن فيهم الحنابلة، رأي الشيخين، لم يشذ عنهم أحد، إلا البلداء منتحلوا الفقه الحنبلي من أراذل حاشية السلطان!

وعاد السلطان الى دمشق بجيش كبير، فوجد عددا ضخما من الناس يحيطون بالسجن ويحاولون تحرير العز وابن الحاجب من وراء الأسوار، فأمر بإطلاقهم، وملأ طرقات دمشق بالعسكر، وبث الجواسيس في كل مكان حتى المساجد!

وهدأت الثورة عن السلطان، فأمر بإقالة العز من كل مناصبه، من التدريس والخطابة، وأمره «بملازمة داره، وألا يفتي، ولايجتمع بأحد البتة».

وتقدم أحد العلماء من أصدقاء السلطان والعز معا فاستأذن للعز «في صلاة الجمعة ـ وكان العز لا يترك صلاة الجمعة ـ وفي أن يعبر إليه طبيب أو مزين إذا احتاج إليهما، وأن يعبر الى الحمام، فأذن له السلطان».

وكان العز في معتقله بداره يقرأ القرآن ويكرر تلاوة قوله تعالى: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها).

فأرسل الى السلطان صديقهما المشترك، وهو ذات الصديق الذي حاول أن يصلح بينه وبين السلطان الأشرف خلال فتنة الحنابلة. ارسل العز هذا الصديق الى السلطان ليأذن له بمغادرة دمشق ومملكته جميعا.

وأطربت السلطان فكرة الخلاص من الشيخ ولكنه لم يستجب لطلبه بسهولة، وذهب الوسيط وعاد مرات في ذات اليوم، والسلطان يتشدد ويلين ويشترط ويتنازل، حتى أذن آخر الليل للشيخ بالهجرة، على أن ينهض من فوره فيكون خارج دمشق قبل الفجر!!

ورشق السلطان جنوده وبث عيونه في كل الطرقات المؤدية الى دار الشيخ والى خارج دمشق تحرزا من معرفة الناس بهجرته والاحتشاد لوداعه.

وأحضر الصديق للشيخ بعض الدواب، فحمل عليها أهله وكتبه، وركب في الطريق الى القاهرة.

ولقي الشيخ في سفره هذا نصبا وكثيرا من الخطوب. فقد مر ببلاد يحكمها حلفاء للسلطان من أمراء بني أيوب، وبلاد أخرى يحكمها أنصار لملك مصر نجم الدين أيوب.

كابد الشيخ في رحلته صنوفا من الإنكار والتهديد، وألوانا من الحفاوة والترحيب. وهو لا يفتأ كلما اجتمع بأحد م الخصوم والأنصار قائما يدعو الى الجهاد في سبيل الله ضد الصليبيين الفرنج وحلفائهم من الأمراء المسلمين، منكرا موقف صاحب دمشق ومن والاه من الأمراء، ودور منتحلي الفقه، مزريا بصمت الصامتين عن هذا كله، متهما إياهم بالبلادة والخور والنذالة!

ويصف ابنه الشيخ عبد اللطيف ما كان من أمر أبيه: «انتزع منها (دمشق) الى بيت المقدس، فوافاه الملك الناصر داود في الفور فقطع عليه الطريق،وأخذه وأقام عنده بنابلس مدة، وجرت له معه خطوب، ثم انتقل الى بيت المقدس حيث أقام مدة. ثم جاء الملك الصالح اسماعيل والملك المنصور صاحب حمص ـ حليف اسماعيل ضد نجم الدين أيوب ـ، وملوك الفرنجة بعساكرهم وجيوشهم الى بيت المقدس، يقصدون الديار المصرية، فسير الصالح إسماعيل بعض خواصه الى الشيخ بمنديله وقال له: تدفع منديلي الى الشيخ، وتتطلف به غاية التلطف، وتستنزله وتعده بالعودة الى مناصبه على أحسن حال، فإن وافقك فتدخل به علي، وإن خالفك فاعتقله في خيمة الى جانب خيمتي، فلما اجتمع الرسول بالشيخ شرع في مسايسته وملاينته ثم قال له: «بينك وبين أن تعود الى مناصبك ما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير». فقال الشيخ: «والله يا مسكين ما أرضاه أن يقبل يدي فضلا عن أن أقبل يده..! يا قوم أنتم في واد وأنا في واد. والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به». فقال: «قد رسم لي أن توافق على ما يطب منك وإلا اعتقلتك». فقال الشيخ: «افعلوا ما بدا لكم». فأخذه واعتقله في خيمة إلى جانب خيمة السلطان. وكان الشيخ يقرأ القرآن والسلطان يسمعه فقال يوما لملوك الفرنج: «تسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن». قالوا: «نعم». قال: «هذا أكبر قسوس المسلمين، وقد حبسته لإنكاره تسليمي لكم حصون المسلمين، وعزلته عن الخطابة بدمشق وعن مناصبه، ثم أخرجته فجاء الى القدس، وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم». فقالت ملوك الفرنج: «لو كان هذا قسيسا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها».

ثم جاءت العساكر المصرية، ونصر الله الأمة المحمدية، وقتلوا عساكر الفرنج." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #18
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

أطلق سراح الشيخ، فانطلق في طريقه الى القاهرة فدخلها عام 639هـ بعد عام كامل من الأهوال والخطوب في الطريق إليها..

كان مقدم الشي عز الدين الى القاهرة يوما من أيام الزينة. فقد احتشد الناس الذين سمعوا به في أبهى ملابسهم، وأمر السلطان أمراءه وقادة الجيش أن يرتدوا حلل العيد، وخرج في أبهته على رأسهم يستقبلون الشيخ على الباب الشرقي للقاهرة، وقد أعدوا له الخيل المطهمة ليمتطيها هو وأهله وأبناؤه بدل المطابا المنهكة.

وعجب الناس للشيخ عز الدين: هذا العالم الذي تحدى أمراء بني أيوب وملأ أطباق الأرض بآرائه وفتاواه، ليس ضخما ولا مخيفا بل هو نحيل خشن الثوب، وما على رأسه عمامة الفقهاء والعلماء بل اللبدة التي يرتديها العامة والفلاحون في مصر! إنه لشديد الحياء خفيف الصوت..!

وسار الموكب يزف الشيخ بالتهليل والتكبير، والسلطان الى جواره ومن خلفه أمراء الدولة والأعيان والعلماء.

وانتهى الموكب الى حديقة واسعة غناء فيحاء تتوسطها دار فسيحة.

وودعه السلطان الملك لصالح نجم الدين أيوب قائلا: «هذه هي دارك يا شيخ عز الدين بن عبد السلام. وهي ليست هبة ومني ولا من بيت المال، ولكن أهل مصر اشتروها لك نفعهم الله بك، ونفع بك الإسلام والمسلمين أيها الإمام.»

وتجولت الزوجة في الدار وهي لا تستطيع أن تغالب فرحها..!!.

أخيرا هاهو ذا البستان التي حلمت أن تعيش فيه.. ولكنه أجمل مما حلمت به وأفسح. وهو بعد يقع على النيل!!.

وفرح الجميع بالاثاث الفاخر، ورقائق الزجاج الملون، والمصابيح الجميلة المتناثرة.

وشعر الشيخ أن هذا المكان الهادئ، يمكن أن يمنحه من صفاء الذهن وراحة البال ما يتيح له كتابة ما لم يستطع ان يكتبه في دمشق.

استراح في البيت يوما وليلة.. ثم بدأ يستقبل الزوار.

وتعرف على علماء مصر وفقهائها وشيوخها، وتبادلوا الرأي.

وجاء رسول السلطان يبشره بصدور الأمر بتعيينه إماما وخطيبا لجامع عمرو. فأثنى الحاضرون على قرار السلطان. وكان جامع عمرو قد أصبح منذ عهد صلاح الدين بديلا للأزهر الذي عطل صلاح الدين التدريس فيه في حربه على الشيعة الذين بنوا الأزهر.

وخلال زيارة رسول السلطان للشيخ العز بحضور عدد من الفقهاء والعلماء منهم شيوخ المذاهب الأربعة، قال الشيخ المنذري مفتي مصر للحاضرين: «كنا نفتي قبل حضور الشيخ عز الدين،وأما بعد حضوره فالفقه متعين فيه ولا يفتي أحد وهو بيننا». وهكذا أصبح الشيخ عز الدين مفتي مصر.

وأراد السلطان أن يعينه قاضيا للقضاة على أن يختار الشيخ نوابا له.

فطلب الشيخ أن يمهله بعض الوقت حتى يحسن التعرف على العلماء والقضاة وأحوال الناس في مصر. ولكن السلطان كان يلح عليه. وبعد فترة وجيزة قبل الشيخ منصب قاضي القضاة وعين نوابه بنفسه.

ولم يكد يتولى المنصب حتى لاحظ أن امراء البلاد وقادة الجيش ليسوا من أهل مصر، وليسوا أحرارا على الإطلاق، بل هم مجلوبون، اشتراهم السلطان من بيت المال وهم صغار فتعلموا اللغة العربية وعلوم الدين، وفنون الفروسية والحرب والرياضيات، وعندما شبوا عينهم في مناصبهم. فهم أمراء مماليك أرقاء إذن، وليبس لهم حقوق الأحرار. ولهذا فليس لهم أن يتزوجوا بحرائر النساء ـ وكانوا قد تزوجوا من حرائر نساء مصر ـ وليس لهم أن يبيعوا أو يشتروا أو يتصرفوا إلا كما يتصرف العبيد!.

وبدأ قاضي القضاة يطبق عليهم من أحكام الشريعة ما يطبق على العبيد!

وبهت الملك مما صنعه الشيخ، فذهب إليه يسأله أن يعدل عما أخذ فيه، فطلب منه الشيخ ألا يتدخل في القضاء فليس هذا للسلطان، إن شاء أن يتدخل فالشيخ يقيل نفسه.!

وكان السلطان رجلا قوي الشكيمة، ولكنه لم يعرف ماذا يفعل بالأمر!..

لقد أبطل الشيخ كل ما أبرمه الأمراء المماليك من عقود البيع والإجارة.. وحتى عقود الزواج!

واضطرب الأمر بالمماليك: فالزوجات يهجرن فراش الزوجية، ويعاملن أزواجهم كالغرباء، والتجار يعودون في الصفات، والصبية يطاردون الأمراء المماليك بكل هيبتهم ويعيرونهم بأنهم عبيد!.. وكان الناس يذوقون الأهوال من صلف الأمراء!!." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #19
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

"وصف السيوطي في «حسن المحاضرة» تلك الحالة بقوله: «تصدى – الشيخ عز الدين – لبيع أمراء الدولة من الأتراك، وذكر أنه لم يثبت عنده أنهم أحرار وأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين، فعظم الخطب عندهم، والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحا (زواجا)، وتعطلت مصالحهم لذلك، وكان من جملتم نائب السلطنة، فاستثار غضبا، فاجتمعوا وأرسلوا اليه فقال الشيخ: «نعقد لكم مجلسا وننادي عليكم (بالبيع) لبيت مال المسلين، فرفعوا الأمر الى السلطان، فبعث اليه فلم يرجع، فأرسل اليه نائب السلطنة بالملاطفة فلم يفد فيه، فانزعج النائب. وقال: «كيف ينادي علينا هذا الشيخ، ونحن ملوك الأرض! والله لأضربنه بسيفي هذا». فركب بنفسه في جماعته، وجاء الى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده، فطرق الباب، فخرج له ولد الشيخ رأى من نائب السلطان ما رأى، وشرح له الحال، فما اكترث لذلك، وقال: «يا ولدي. أبوك أقل من ان يقتل في سبيل الله»، ثم خرج فحين وقع بصره على النائب، يبست يد النائب، وسقط السيف منها، وأرعدت مفاصله، فبكى وسأله الشيخ أن يدعو له.

وقال: «يا سيدي إيش تعمل»؟.

– أنادي عليكم وأبيعكم ويحصل عتقكم بطريق شرعي.

– فيم تصرف ثمننا؟

– في مصالح المسلمين.

– من يقبضه؟

– أنا.

انصرف نائب السلطان الى السلطان حيث كان جميع الأمراء قد اجتمعوا عنده، فروى لهم نائب السطان ما كان بينه وبين الشيخ.

ولم يذعن السلطان، أرسل الى الشيخ من يتلطف له ويحاول صرفه عن بيع الأمراء، وأخبره الرسول بعد حوار طويل أن السلطان لم يسمح ببيع الأمراء، وأمر السلطان واجب، وهو فوق قضاء الشيخ عز الدين! وعلى أية حال فليس للشيخ أن يدخل في أمور الدولة فشؤون الأمراء لا تتعلق به. بل بالسلطان وحده!!.

وأنكر الشيخ تخل السلطان في القضاء وقام فجمع أمتعته ووضعها على حمار، ووضع اهله على حمير أخرى، وساق الحمير ماشيا!..

الى أن يا شيخ!؟...

قال: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟!..

فيم المقام بأرض يستضعف فيها أهل الشريعة، ويعتدى فيها على القضاء؟!

وتجمع الناس وراءه.. وكلما سار في طريق تزاحم الناس عليه يحاولون منعه من الهجرة، فهو أمامهم في مواجهة مظالم الأمراء المماليك، فلكم عانى التجار والصناع وسائر الناس من صلفهم، وهاهم أولاء يرون فيهم يوما من أيام الانكسار على يد هذا الشيخ الجليل عز الدين بن عبد السلام!. فلماذا يتركهم الشيخ؟!. ولمن يكلهم؟!.. الى هؤلاء الأفراد العبيد المتغطرسين من جديد؟!

أحاط الناس بموكب الشيخ وهم يتوسلن باكين ألا يتركهم، فقد عرفوا في قضائه قوة الانتصار للمظلوم، وهيبة العدالة، خلال تلك الأشهر القلائل التي ولي فيها المنصب..

ولكن الشيخ مضى في طريقه لا يبالي..

سار الشيخ أميالا خارج القاهرة والناس من ورائه يرجون ملحين ساخطين حتى امتلأت بهم الأرض الفضاء إذ لم يتخلف عن اللحاق به «امرأة ولا صبي ولا رجل ولا سيما العلماء والصلحاء والتجار وأمثالهم.»

وبدا أن هذه الجموع ستذهب في تحدي السلطان الى أبعد مدى!..

ولئن هي رجعت بغير الشيخ لتثيرن الدنيا على السلطان حتى الذين هم تحت التراب!

وعلم السلطان بما يجري، وقال له أحد ناصحيه: «تدارك ملكك وإلا ذهب بذهاب الشيخ».

فأسرع السلطان الى فرس سريع فامتطاه على عجل وانطلق حتى أدرك الشيخ عز الدين، وشهد الناس من حوله وعاين سخطهم، فنزل عن فرسه، وتقدم متلطلفا معتذرا الى الشيخ عز الدين، وقال له: «لا تفارقنا. عد يا إمام واصنع ما بدا لك.».. وقدم للشيخ فرسا فامتطاه وعاد الشيخ.

عاد الشيخ والناس يهللون من حوله ومن خفه.

وجمع السلطان كل الأمراء في القلعة بأمر الشيخ، ثم عرضوا في مزاد ونادى الشيخ عليهم وغالى في ثمنهم. حتى إذا امتنع الحاضرون عن المزايدة في الثمن لارتفاعه الفاحش، تقدم السلطان فدع ثمنا أزيد من ماله الخاص لا من بيت المال، حتى اشترى جميع الأمراء المماليك واعتقهم لوجه اله، فأصبحوا أحرارا.

وصحح الشيخ عقودهم بما فيها عقود الزواج.

أما ما قبضه الشيخ من ثمنهم الفاحش فقد وزعه على الفقراء وأصحاب الحاجات وبصفة خاصة أهل العلم وطلابه، وأقام به مكاتب لتعليم القرآن والخط وعلوم اللغة.

وازدادت مكانة الشيخ في قلوب الناس، وتزاحموا عليه وما كانوا يتركونه بعد صلاة الجمعة في جامع عمرو حتى يؤذن لصلاة العصر.

أما السلطان، فقد أضمر أن يتخلص من الشيخ، فقد خافه على ملكه!.

إن هذا الشيخ الخجول النحيل ليستطيع أن يحرك الناس ضده كيفما يشاء!

على أن أمراء المماليك لم يعودوا بعد لصلفهم واستبدادهم بالناس كما كانوا من قبل بيعهم في المزاد!" اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-13-2008
  #20
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

واستمر عز الدين في القضاء حازما حاسما لا يخشى إلا الله ولا يأبه إلا بالحق، ولا يراعي إلا مصلحة الأمة. لقد تأتيه الدعوى من أحد الأفراد على أحد خواص السلطان، فيسوي بينهما في المجلس، ويتحرى العدل وحده.. ولكم أدان خواص السلطان!..

لم يعد السلطان يتوقع منه مجاملة، وتمنى أن يزيحه من مكانه، ولكنه خشي غضب الناس!

كان الملك الصالح نجم الدين أيوب، سلطانا قويا واسع الحيلة، ولكنه وجد نفسه مع الشيخ عز الدين بلا حيلة!

وفي الحق أن الشيخ عز الدين، لم يجهر بعداء السلطان، ولا حتى بنقده، ولكنه مضى في طريقه: يفتي، ويخطب الجمعة في جامع عمرو، ويقضي بما يهديه اليه فهمه لنصوص الشريعة أو اجتهاده إن لم يجد حكما في النصوص، ثم يخلص الى بيته ليكتب.. ولكنه على انفساح بيته وهدوئه وجماله لم يكن يجد الوقت الكافي للكتابة، فالناس يتزاحمون حيث يكون، ومنهم من لح عليه بالزيارة..!

ولم يشأ أن يتخذ حاجبا يمنع عنه الناس، كما كان يصنع الفقهاء من قبله حين يخلون الى الكتابة..

وكان كثير الصدقات ينفق معظم رواتبه خفية على أصحاب الحاجات، فكان كثير من أصحاب الحاجات يطرقون بابه.

وكان يلح بالدعوة الى المعروف والنهي عن المنكر، ويعتبر القيام بهما واجبا شرعيا يأثم تاركه، فيأتيه الناس يستفتونه في المعروف والمنكر.

ووجد بعض الأقوياء الظالمين يغتصبون حقوق المستضعفين، فأفتى أن من واجب المستضعفين أن ينتزعوا ما اغتصب منهم، ولا عقاب عليهم، فهذا حقهم الشرعي.

فإن هم وجدوا السلطان عاجزا عن رد أموالهم المغتصبة، فعليهم استردادها بأنفسهم، وإلا أثموا شرعا!

وأثارت هذه الفتيا عدد من الأمراء الذين ألفوا أن يستضعفوا بعض التجار والصناع والحرف، ويغصبون منهم خفية بعض البضائع أو الأجور!!

وكان يعتبر من الحقوق المغصوبة إنقاص أجر العامل، أو قهر البائع أو تخويفه فيبيع بثمن أقل من الثمن المعروف! ثمن المثل!

وسخط السلطان نفسه عليه، فقد رآه في أحكامه وفتاويه يفرض أوامره على الشرطة، وليس هذا لأحد غير السلاطين، فإن لم تستجب الشرطة حرض الناس على الدولة!!

ثم اصطدم الشيخ عز الدين باقارب أعوان السلطان وأعزهم عليه. وهو استادار أو استاذ دار السلطان: الرجل الذي يتولى شؤون مساكن السلطان وسائر حوائجه الخاصة.

ذلك أن «الأستادار» فخر الدين بن شيخ الشيوخ كان مولعا بالغناء والرقص، قصد الى مسجد وسط حديقة واسعة مطلة على النيل، صعد الى سطح المسجد فأفتن بجمال المنظر، فبنى فوق المسجد«طبلخانة» أي خانها أو دارا للطبل والغناء، وتعود السهر فيها مع صحبه يسمعون الى جواري المغنيات الراقصات..!

ولم يجرؤ أحد على أن يشكو الأستادار الى قاضي القضاة، ولكنه ذهب حتى تحقق مما سمع، فمعاد وعقد مجلس القضاء، واصدر الحكم بإزالة البناء.

غير أن الشرطة لم تزل الملهى من سطح المسجد، فنهض الشيخ عز الدين يقود أبناءه وبعض الشباب من مريديه، وأخذوا المعاول والفؤوس، وأزالوا البناء.. ثم أعلن الشيخ أنه يقيل نفسه من منصب قاضي القضاة، فما عاد يطيق أن يقضي بقضاء فتنتظر الشرطة إذن رئيس الشرطة أو السلطان لتنفذ الأحكام، وقد لا تنفذها..!

ولم يكد السلطان يسمع بما حدث من الشيخ حتى اضطرم غيظا، ثم جاءه من يخبره بأن الشيخ قد أقال نفسه، فصفق السلطان طربا، وحمد الله لأن الشيخ أعفاه من حرج كبير، فأقال نفسه بنفسه! وأرسل السلطان رسولا الى الشيخ بموافقته على استقالته، ففرح الشيخ، وحمل سجادة من على أرض بيته وأهداها رسول السلطان تعبيرا عن الفرح، معتذرا إليه بأن لا يجد هدية أثمن منها..!

هاهو عبء ثقيل انزاح عن قلب الشيخ!

صمم الشيخ على أن يخصص أكثر وقته للتأليف، ضاع منه عمر طويل وما كتب بعد شيئا.! غير أن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب زاره وطلب منه أن يدرس الفقه الشافعي في المدرسة الجديدة التي أقامها السلطان لتدريس الفقه على المذاهب الاربعة فقبل الشيخ ونهض بتدريس الفقه، والتفسير. وكان هو أول من ألقى دروسا في لتفسير بمصر منذ عهد بعيد. ولقد قام الشيخ بتدريس الفقه الشافعي في هذه المدرسة.." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بائع الملوك...العز بن عبد السلام...رضي الله عنه عبدالرحمن الحسيني السِــيرْ وتـراجم أعــلام الإســـلام 2 06-27-2010 11:37 AM
سلطان سويدان طير حيران الـــــفراتي القسم العام 4 09-24-2008 12:38 PM
سلطان سويدان طير حيران الحسينيه ركن وادي الفرات 2 09-12-2008 01:10 PM
سلطان العارفين علاء الدين المكتبة الاسلامية 0 09-10-2008 03:41 AM
سلطان البر عبدالقادر حمود ركن وادي الفرات 2 08-19-2008 02:17 PM


الساعة الآن 03:44 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir