بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم إلى يوم الدين.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات:
علينا جميعاً أن نعرض عبادتنا بالشريعة, وثمرة الشريعة المستنبطة من القرآن الكريم,
والله تعالى جلَّ وعلا بيَّن صفات المؤمنين الصادقين, وبيَّن صفات الكافرين المعنِّدين الذين لم ترشح عليهم الهداية الإلهية,
ميَّز هؤلاء المؤمنين في القرآن بتسعة أوصاف أو ثمانية ـ على اختلاف المفسِّرين ـ,
ومنه قوله تعالى جلَّ وعلا:
{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَاب *الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاق *
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَاب * وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
سِرًّاوَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار} [الرعد: 19ـ22].
ومن أراد أن تكون صفاته الداخلية المتعلقة بالقلب والمتعلقة بالظاهر موافقة, فعليه أن يعرض بالقرآن الكريم وبالشريعة والسنة النبوية عليه الصلاة والسلام,
لأن الله تعالى مطَّلع على ضمائر عباده ونيَّاتهم,
نحن نقتبس من نور القرآن الكريم أوصاف المؤمنين التالية:أستعيذ بالله,
قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم:
{أَفَمَن يَعْلَمُ} ويصدِّق
{أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ} لتأييدك من الكتاب الجامع لما في الكتب السالفة من الأوامر والنواهي
والأمثال والرموز ـ رضي الله تعالى عن أوليائنا,وهم فهموا رموز القرآن والإشارات ـ
هو {الْحَقُّ} المطابق للواقع بلا شك وارتياب فيه
{كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} عن إبصار ما يرى في الآفاق من المُبصَرات, بل أشدُّ عمى منه؛ لأن الذي هو أعمى
فاقد البصر, وهذا فاقد البصيرة, إذ بالبصيرة تتهيأ لإدراك المعاني الدينية والمعارف اليقينية.
{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} هذه الأوصاف التسعة ـ أو الثمانية ـ يتذكَّرها ويتفطَّن بسرائر كتاب الله
{أُوْلُواْ الأَلْبَاب} من هم أولو الألباب؟ هم المستكشفون عن لبُّ الأمور, يعني عن حقيقة الأمور
التي يرضى بها جلَّ وعلا لعباده, المعرضون عن أمور لا يرضى بها خالقهم, ولا يحصل ذلك إلا بالبصيرة,
ما دام مدح صاحبَ هذه الأوصاف بلفظ القرآن الكريم بـ {أُوْلُواْ الأَلْبَاب}
مثل هذا قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب *
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: 190ـ191],
وهذه الآية تدلُّ على الذاكرين, هؤلاء أولو الألباب, وهذه الأوصاف كذلك أوصاف أولي الألباب,
معناه هذه الأوصاف ليست للملائكة, بل للإنسان, والإنسان ـ خصوصاً أهل الطريق ـ الذين يوفون بعهدالله ويدخلون الطريقة ويبايعون بالتسلسل إلى رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم,
غرضهم أن يصلوا إلى هذه الأوصاف, وليس غرضهم الأخذ من أموال المسلمين,
وهم:
أولاً: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ} وصف الله بها عباده المؤمنين, يعني الذين عاهدوا معه حين أوجدهم
من العدم إلى الوجود على أراضي استعداداتهم.
ثانياً: {وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاق} الوثيق, بل يحفظونه ويواظبون على حفظه ـ حفظ هذا الميثاق ـ,
ولا يخالفون ما وثَّقوه على أنفسهم من العهود المؤكَّدة بينهم وبين الله جلَّ وعلا وبين العباد.
ثالثاً: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ} أي يصلون الأرحام التي أمر الله تعالى بصلتها,
وما أمر الله به من المأمورات والمرضيات والمعارف والحقائق والخصائل الجميلة والأخلاق الحميدة
رابعاً: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} عن ارتكاب المنهيات والمحظورات, متأدِّبين مع الله تعالى ظاهراً وباطناً,
والمحظورات والذمائم ـ أي الأخلاق الذميمة ـ من الأطوار والأخلاق.
خامساً: {وَيَخَافُونَ} من الله ومن مخالفة أمره ظاهراً وباطناً ومقتضى نهيه {سُوءَ الحِسَاب} ورداءة المنقلب والمآب.
سادساً: {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ} إذا أصابتهم مصيبة أو أحاطتهم بليَّة, ويقولون: سلام ـ يعني صبروا
ويقولون: سلام ـ {ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ} وطلب مرضاته, مسترجعين يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون,مسترجعين إليه سبحانه وتعالى متضرِّعين نحوه.
سابعاً: {وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ} أي أداموا الميل والتوجُّه إليه؛ لأن الصلاة معراجهم في جميع الأحوال
والأزمان, بأوقاتها المخصوصة.
ثامناً: {وَأَنفَقُواْ} للفقراء المستحقِّين بقدر الإمكان, بدون تبذير وإسراف {مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} من الذي أعطاهم الله تعالى بكسبهم الحلال وجمعهم
{سِرًّا} على وجهٍ لا يُشعر الفقير منفعة لئلا يتأذى بالمنِّ والأذى
{وَعَلاَنِيَةً} على وجهٍ يُشعر به, لكي يبالغ المنفق في التذلُّل والانكسار بحيث لا يتوهَّم المنَّة أصلاً. [B]
تاسعا : {و} الذين {يدرؤون} أي يدفعون ويُسقطون {بِالْحَسَنَةِ} أي بالخصلة الحميدة والخلق المرضي {السَّيِّئَةَ} أي الذميمة من الخصائل والأخلاق. {أُوْلَئِكَ} السعداء الأولياء ذوو العهد والوفاء,
والخوف والرجاء, الصابرون على البلاء, الراضون بما جرى عليهم من سوء القضاء, المتوجِّهون إلى المولى
في السراء والضراء, المنفقون لرضاه من عندهم للفقراء, حصل {لَهُمْ} حين كانوا في النشأة الأولى
{عُقْبَى الدَّار} الأخرى, أي ما يحصل فيها من اللذات والمثوبات ورفع الدرجات ونيل المرادات,
ومن جملتها: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} أي دار إقامة وخلود
{يَدْخُلُونَهَا} هم أصالة واستحقاقاً {و} يدخل
أيضاً بشفاعتهم وتبعيَّتهم
{مَنْ صَلَحَ} لصحبتهم ورفاقهم {مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} ومن ينتمي إليهم {و} حين
استقروا وتمكَّنوا فيها يزورهم
{المَلاَئِكَةُ} ترحيباً وتعظيماً {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب} من أبواب الجنة
قائلين: {سَلاَمٌ عَلَيْكُم} أيها الفائزون بالفلاح والنجاح {سَلاَمٌ عَلَيْكُم} في دار الابتلاء لأنواع المحن
والبلاء
{فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار} أي منزلكم ومنقلَبُكم في دار القرار وعواقب أموركم فيها من الفرح الدائم
والسرور المستمر.ثم بيَّن سبحانه وتعالى على مقتضى سنَّته من تعقيب عواقب حسن الأبرار بقبح أحوال الأشرار وخاتمة عواقبهم بقوله:
{وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ...}.
أيها المؤمن والمؤمنة:عليك أن تعرض نفسك على هذه الأوصاف, إذا وجدت فيك هذه الأوصاف فعليك
أن تحمد الله تعالى وتشكره على ما أعطاك ربُّك ـ من فضله جلَّ وعلا ببركة رسولك صلى الله تعالى عليه وسلم وبحرمة قرآنك ـ
من هذه الأوصاف التي حصلت معك, وإذا وجدت فيك بعض هذه الأوصاف ناقصة فعليك أن تأخذ بالعزائم وتكمِّل هذا النقص, لأنك أهل الطريق,
ومشاعرك جميعاً لا بد أن تتمسَّك بالعزائم,
وأما إذا قلت: إني لا أجمع هذه الأوصاف ولا أستكسبها, حينذاك أنت لست من الذين وصفهم الله تعالى ومدحهم بهذه الأوصاف,
لا نقول لك شيئاً؛ لأن الهداية وصلت إليك بوصول الإيمان إليك, وأنت سلكت طريق الأولياء, وهي الطريق المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم,
أيما طريق كان, لانخص بطريقتنا, أيُّ طريق كان.
نرجو الله تعالى أن يهدينا وإياكم إلى سواء السبيل, ولا يحرمنا من هذه الأوصاف الجليلة.وإذا وجد فيه بعض الوصف
مثل ترك الصلاة وعدم الاهتمام بها, وبعض نقض العهد بينه وبين الله جلَّ وعلا, حينذاك ليس بينه وبين الله عهد, إن شاء عفا عنه وإن شاء عذَّبه.
وصلى الله تعالى على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه وسلَّم, والحمد لله ربِّ العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفقير العاجز الغريب \"سيدي\" أحمد فتح الله جامي خادم الطريقة الشاذلية
هذا ما أملاه عليَّ سيدي العارف بالله المربي الشيخ أحمد فتح الله جامي, شيخ الطريقة القادرية الشاذلية الدرقاوية, حفظه الله تعالى ونفعنا به.
يوم الإثنين بعد صلاة العشاء30 / ذي الحجة / 1431هـ6 / كانون الأول / 2010م ** ** **