بقلم : زبير سلطان
الأربعاء 16 \ 4 \2008
في نيسان ترد إلى ذاكرة الوطن معارك الحرية والاستقلال ورموز تلك المرحلة الهامة من تاريخ الأمة الحديث وقد أبرزت كتب التاريخ المدرسية والجامعية عدداً من أسماء القادة
والمناضلين وتحدثت عن مواقع مشرفة خاضها شعبنا العظيم في مواجهة المحتل الفرنسي كما في الوقت نفسه تغافلت عن البعض ممن لايقلون أهمية عن غيرهم في مقارعة المستعمر وممن لقنوه الدروس القاسية في معارك تشهد عليها الأرض وقبور الشهداء وذاكرة كبار السن ومن الذين تم إغفالهم مع الأسف شخصيات عظيمة في قوة إرادتها وبسالتها وتصميمها على طرد المحتل عن أرض الوطن ومنهم رجال الثورة في محافظة دير الزور ، أو تشير إلى المواقع الشهيرة التي شهدت أعنف المواجهات مع المحتل الفرنسي على أرضها .‏

والتقصير قد يكون من باحثي المحافظة أو ممن كتب منهم فقد تغلبت عليه العاطفة العشائرية أو الإقليمية ونسي وتناسى المنهج العلمي للبحث التاريخي مما أفقد الكثير من تلك البحوث والدراسات الموضوعية والعلمية البحثية لهذا تم إهمالها من قبل واضعي المناهج الدراسية ومن جانب آخر لم نر بحثاً تاريخياً من قبل الباحثين من خارج المحافظة إلا من قلة لم يكن لهم أي تأثير على واضعي المناهج ومن هنا كان من الواجب علينا أن نسلط الضوء على قادة الثورة والشهداء من أبناء المحافظة وإلى المعارك التي جرت على أرضها .‏

ونتحدث اليوم بشكل موجز عن قائد وطني لايقل بطولة وعظمة عن أبطال التحرير في قطرنا العربي السوري وهو البطل مشرف الدندل الذي قاد الثورة ضد الاحتلالين البريطاني والفرنسي لمحافظة دير الزور .‏

بدأ مشرف الدندل النضال مبكراً حين شارك مع أخيه عبد الدندل شيخ الحسون الذي كان يقود مجموعة صغيرة بأسلحة بسيطة بالتصدي للقوات البريطانية التي دخلت البوكمال في أوائل شهر كانون الثاني 9191 لاحتلال محافظة دير الزور وإلحاقها بالعراق فقاتلت تلك الفئة الباسلة القوات البريطانية رغم عدم التكافؤ بين الطرفين وانتهت باستشهاد قائدها عبد الدندل فحمل من يومها مشرف لواء النضال ضد القوات المحتلة ورغم محاولات الإغراء المادي والسياسي البريطاني لإطفاء نار الثورة التي يقودها مشرف فلم تفلح وأخذت الثورة بالتصاعد الكبير في تصديها لقوات الاحتلال ليس فقط على أرض المحافظة بل امتدت إلى العمق العراقي حين كوّن مع عشائر المنطقة تحالفاً ثورياً ضد الاحتلال ثم مد التحالف ليمتد إلى بعض عشائر الأنبار الذي توج بالحلف القوي مع الشيخ نجرس الكعود ليهز الوجود البريطاني في دير الزور والعراق ويضطره للخروج من جحيم الثورة التي لن تتوقف يوماً رغم استعمال الطيران والدبابات وجاء قرار الجلاء من محافظة دير الزور وبعدها توسعت الثورة لتصل الى تلعفر قرب الموصل وقيام قوات حلف مشرف - الكعود بتدمير قطار ما بين الموصل وتكريت عند الشرقاط الذي كان محملاً بالعتاد والجنود البريطانيين .‏

وما إن خرج البريطانيون من المحافظة حتى دخل الفرنسيون لاحتلالها فانتقض مشرف من جديد يقاتلهم فاستخدموا معه كل ما يملكون من القوة العسكرية الضاربة وحتى الإغراء المادي ففشلت كل محاولاتهم فقاتل قتال الأبطال واضطر تحت قوة الاحتلال العسكرية إلى مغادرة البوكمال إلى العراق

وعاد بسنوات أقوى من السابق ليقود عملية التحرير في الأربعينيات مع بقية المناضلين في مدينة البوكمال وعشائر المنطقة والمحافظة فكان وجوده مرعباً للقوات الفرنسية وتشهد على ذلك الكثير من الوقائع والمعارك التي تمت في تلك المرحلة وبقي مشرف صلباً قوياً يدعم كل حركة نضالية حتى بوادر النصر في عام 1945 حين تم الاستيلاء على ثكنة البوكمال من قبل عسكريين وطنيين وشباب المدينة الذين رفعوا عليها العلم الوطني وأنزلوا العلم الفرنسي عندها كانت الصفحة الأخيرة من صفحات النضال للبطل مشرف الدندل فسلح جيشاً من العشائر وحصن المدينة وراقب الطرق وحرسها من القوات الفرنسية ولمنعها من العودة إلى البوكمال التي استقلت قبل عام من الجلاء النهائي وتحقق حلمه حين تكحلت عيناه الطاهرتان باستقلال سورية العربية قبل الانتقال إلى ربه .‏

رحم الله البطل مشرف الدندل وطيب الله ثراه عاش مناضلاً ومات عزيزاً قرير العين على وطن حر مستقل .




................

كتبها بندر العقيدي