مسافي الفجيرة تنسج قصص الماضي العريق
ملامح من الوطن
مسافي الفجيرة تنسج قصص الماضي العريق
تشتهر بغزارة أمطارها ومزارعها الغناء
الفجيرة - عبدالحكيم محمود
تقع قرية مسافي الفجيرة أو لبنان الصغير كما كان يطلق عليها قديماً نظراً لجمال وروعة أراضيها الدائمة الخضرة على مسافة 30 كليومتراً من مدينة الفجيرة إلى الداخل من الطريق المؤدية إلى إمارة دبي ويصل تعداد سكان هذه المنطقة إلى نحو 1000 نسمة ينتمون جميعهم إلى قبائل النقبي والمزروعي والعبدولي والحفيتات .
تضم هذه القرية الوادعة التي لطالما اقترن اسمها بأمطار الخير والبركة ما كان له أبلغ الأثر في خصوبة وجودة أراضيها قلعة أثرية يعود تاريخها إلى أربعة قرون، إضافة إلى عشرات المنازل البدائية القديمة المنتشرة فوق الجبال وعلى سفوحها ناسجة قصص الماضي العريق بكل ما يحمله من بطولات وشواهد للأجيال الحالية والمستقبلية .
انطلقنا من مدينة الفجيرة باتجاه قرية مسافي واستغرق وصولنا إليها نحو النصف ساعة تقريباً، وحال وصولنا ربوع المنطقة قمنا بجولة في أرجائها للتعرف عن قرب إلى أهم معالمها وقد أثار اهتمامنا خلال هذه الجولة التي استغرقت قرابة الساعة طيبة وكرم أهلها والبساتين الغناء المترامية الأغصان على الطرقات ما يبعث في النفس الراحة والنخيل بجميع أنواعه وألوان ثماره وآلاف أشجار الزينة التي تترامى أغصانها لتتلاقى على اكتاف وجنبات الطرقات وأصوات العصافير والطيور الشجية ومياه الآبار الصافية العذبة والبيوت التراثية التي عاش فيها الآباء والأجداد فضلاً عن قلعتها التاريخية التي تحكي لكل من يشاهدها قصصاً من الكفاح المشرف لأبناء هذه القرية في الدفاع عن مكتسباتها وصون مقدراتها .
زراعة وعسل
أثناء جولتنا بين أرجاء المنطقة التقينا مجموعة من الشباب داخل إحدى المزارع وقابلونا بكل ترحاب وقال الشاب محمد علي خميس: إن قرية مسافي تعد من المناطق الأثرية في إمارة الفجيرة، فضلاً عن كونها بستان الساحل الشرقي نظراً لكثرة المزارع والمساحات الخضراء في نطاقها .
وأشار إلى أن معظم السكان في هذه القرية يشتغلون بمهنة الزراعة التي ورثوها عن الآباء والأجداد إضافة إلى مهنة البحث عن العسل وسط جبال المنطقة .
وقال الشاب صالح علي: إن أهم ما يميز مسافي عن غيرها من المناطق المنتشرة في محيط الساحل الشرقي كثرة الأمطار التي تتعرض لها بين الفينة والأخرى، الأمر الذي جعلها واحة خضراء تنبض دائماً بالجمال والنضارة والبهاء، مشيراً إلى أن المنطقة تغص بمئات الزوار للاستمتاع بجمال وروعة الأودية والشلالات التي تنهمر حال هطول الأمطار . وتوجهنا بعد ذلك بصحبة الشباب إلى مجلس شياب القرية الذين استقبلونا بحفاوة بالغة .
وقال الشيبة عبدالله سعيد الحفيتي: إن مسافي اشتهرت طيلة عقود مضت بكثرة العيون المائية التي كانت تتجمع خلالها مياه الأمطار الغزيرة المتساقطة من أعالي الجبال، وهذا الأمر ساعد إلى حد كبير في خصوبة التربة وتنوع وتعدد المحاصيل الزراعية فيها .
واستطرد قائلاً: كان لهذه الميزة الربانية الفضل الأكبر في احتراف الأهالي مهنة الزراعة، حيث كانت تدر دخولاً مادية أدت دوراً مهماً في أن ينعم الجميع بحياة كريمة وهانئة . وأضاف قائلاً: كنا نتاجر بالمحاصيل الزراعية كالذرة والشعير والقمح والتمور والمانغو داخل اسواق مدن رأس الخيمة ودبي والشارقة عبر رحلات متعبة وشاقة كانت تستغرق منا ذهاباً وإياباً نحو ثمانية أيام نمر خلالها عبر طرقات جبلية صعبة للغاية ومملوءة بالتعاريج والمنحنيات والحصى، فضلاً عن الهلع الذي كانت تسببه لنا الحيوانات المتوحشة والمواجهات الدامية التي كانت تحدث مع لصوص القوافل التجارية “قطاع الطرق” .
بين زمنين
وتابع: عانينا كما عانى الآباء والأجداد قبلنا الظروف القاسية للعيش، حيث لا طرقات معبدة ولا منازل نشعر فيها بالأمان والاستقرار والاستقلالية وتقينا في الوقت نفسه من الأحوال المناخية غير المستقرة لاسيما الأمطار والرياح ولا خدمات كهرباء أو مياه أو اتصالات أو حتى مشافٍ للعلاج، إلى أن أعلن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” قيام الاتحاد، وتبدلت أحوالنا المعيشية إلى الأفضل ونعمنا بالخير الوفير الذي عم البلاد والعباد .
وحول تسمية مسافي بهدا الاسم قال: “هناك رواية يتناقلها الناس منذ زمن بعيد ولغاية وقتنا هذا تشير إلى أن القرية سميت بهذا الاسم نسبة إلى صفاء ونقاوة وعذوبة مائها الذي أحال تربتها الرملية الجرداء القاحلة إلى أرض خصبة مملوءة بشتى صنوف الخيرات الزراعية ومحاصيل الفاكهة .
وقال علي سعيد محمد: إن الأوضاع المعيشية في السابق كانت بسيطة للغاية وغلبت عليها قوة اللحمة والترابط الاجتماعي بين جميع الأهالي، واعتمدنا في حياتنا الأولية لكسب لقمة العيش على الزراعة وهي الحرفة الرئيسة في القرية وجمع العسل من الكهوف الجبلية المنتشرة بكثرة في جبال المنطقة، إضافة إلى تربية الهوش والبوش .
ويلتقط سعيد عبدالله سعيد اطراف الحديث ويقول: إن مسافي كانت تعرف ولمدة زمنية بعيدة قبل قيام الاتحاد بالمصيف البديع لأهالي الشارقة وأبوظبي ودبي وباقي الإمارات، حيث كان المصطافون يأتون إلى المنطقة ويقومون بعمل العرشان في سيح القرية ويقيمون لمدة يومين أو ثلاثة أيام للاستمتاع بأجواء الطبيعة الساحرة والمزارع الغناء وجمال وروعة الجبال .
ويؤكد أن مسافي عرفت قديماً باسم لبنان الصغير نظراً لمزارعها الغناء وأمطارها التي كانت لا تنقطع، حيث لا يكاد يمر يوم من دون أن تروى المزارع وتجري الوديان وتنهمر الشلالات بالغيث الوفير .
رحلات محفوفة بالخطر
وحول الرحلات التجارية قال: كنا حين نريد القيام برحلاتنا إلى أسواق الشارقة ودبي ورأس الخيمة نستيقظ فجراً ونؤدي الصلاة ثم نقوم بتجهيز ما نريد تسويقه من حطب ومحاصيل زراعية وعسل وسمن وماعز ونخرج في مجموعة مكونة من عشرة أشخاص أو أقل ونحن مدججون بالسلاح تحسباً لأي مواجهات محتملة مع قطاع الطرق وكنا نسلك في اتجاهنا صوب هذه الأسواق طرق صرم والمضال أوم النغول واللبسة والبياتة وكابر ووادي السيجي وسيح المهلب وفلج المعلا والشريعة والحوية ومهدب وطوى راشد وطوى علي وطوى سيف ثم ننزل إلى إمارة عجمان ونتحرك باتجاه الشارقة ودبي، حيث نقوم بترويج ما لدينا من بضائع ونقوم بشراء احتياجاتنا من ملابس وقهوة ونعود ثانية إلى القرية .
واسترسل قائلاً: “تعرضنا مراراً لهجمات مفاجئة من قبل قطاع الطرق وكانت تحدث مواجهات دامية بيننا وبينهم، ولذلك اتبعنا أسلوباً أمنياً معيناً لحماية القافلة وجميع المرافقين، حيث كنا نقوم بتوزيع أربعة أشخاص بما يحوزونه من أسلحة حول القافلة على أربعة اتجاهات، وحول أوضاع المنازل والروابط الاجتماعية حدثنا الشيبة محمد الحفيتي قائلاً: القرية في مجملها كانت تتكون من 30 منزلاً تقريباً ورثناها عن الآباء والأجداد وفيها تشربنا المبادئ والقيم العربية الأصيلة وعرفنا أهمية العمل لتحصيل لقمة العيش وعدم الاتكالية .
وأضاف: سكنا في منازل مبنية من الأحجار الصخرية وسعف النخيل، وكانت كل أسرة تعيش بكامل أفرادها داخل حجرة صغيرة مقاسها تقريباً متران ومحاطة من الخارج بسور حجري من داخله حظيرة مخصصة لتربية الدواجن والطيور أما الأبقار والأغنام والماعز والجمال فكانت توضع داخل الحظيرة الكبيرة في القرية .
وتابع قائلاً: ثم جاء التحول الهائل الذي طرأ على جميع مناحي الحياة خلا حقبة السبعينات وتحديداً عام 1973 عندما انتقلنا من المنازل البدائية في القرية القديمة إلى الشعبية الجديدة التي شيدها لنا المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته وتم رفد الشعبية بخدمات الكهرباء والماء ومشفى صغير، وفي عام 1976 ومع تزايد عدد السكان أمر الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم - رحمه الله - بإنشاء شعبية أخرى لأبناء المنطقة وتم انجازها بالفعل في 1978 .
تكاتف اجتماعي
وأشار إلى أن العلاقات الاجتماعية التي كانت تربط الأهالي وقتها أقوى من العلاقات الموجودة الآن بين الجيل الحالي، حيث كان الجميع يتزاورون وخلال الأعراس والمآتم يتجمع الأهالي لتقديم التهاني أو تقديم واجب العزاء .
ويقول الشيبة سعيد النقبي: إن الشيخ محمد الشرقي والد صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي حاكم الفجيرة كان دائم التردد أسبوعياً على القرية للاطمئنان على أحوال الناس وتفقد المزارع وكان رحمه الله فور وصوله على ظهر الجمل يتوجه إلى منزله المجاور لمركز المطارزية القديم “الشرطة” ويأمر بنحر الذبائح وتوزيعها على الأهالي، مؤكداً أن الأهالي طيلة إقامة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ محمد الشرقي كانوا لا يكفون عن تنظيم الاحتفالات احتفاء بمقام سموه الكريم .
ويحدثنا المواطن محمد عبيد علي عن قلعة مسافي التاريخية قائلاً: إن القلعة كما سمعنا من الآباء والأجداد بنيت من المواد المحلية كالحصى والطين والتبن منذ ما يزيد على 400 عام تقريباً، أما بالنسبة إلى الرابية “حصن صغير يبنى من الأحجار بأعالي الجبال ليكشف أرجاء المنطقة” فهي حديثة العهد وكان المطارزية يتبادلون حراستها بالتعاون مع الأهالي .
التعليم والتداوي
وحول التعليم وطرائق العلاج قديماً قال: إن التعليم كان يقوم به المطوعون وكان يقتصر على تحفيظ القرآن الكريم وأمور الفقه والحديث فقط، أما في ما يتعلق بالتداوي فلم تكن على أيامنا المشافي والمراكز الصحية وكنا نعتمد حينذاك في العلاج على الأعشاب الجبلية بأنواعها المختلفة والوسم والحجامة .
وأشاد بالتغيرات الهائلة التي طرأت على القرية بفضل توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله ورعاه وأخيه صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، مؤكداً أن القرية تغيرت جذرياً عما كانت عليه في السابق .
ويقول محمد سعيد بن حشر: إن مسافي بفضل رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله ورعاه وأخيه صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة تغيرت جذرياً عما كانت عليه في السابق وحظيت بقسطها الوافر من التحضر والتمدن الذي تعيشه البلاد .
بدوره قال عبدالله سيف: إن مسافي شهدت من دون شك تحولات هائلة على صعيد البنى التحتية والخدمات المرافقية، وهذا كله بفضل توجهات حكومتنا الرشيدة التي لا تألو جهداً في توفير كل متطلبات الحياة العصرية لمواطنيها .