أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعملت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > المواضيع الاسلامية

إضافة رد
قديم 12-02-2011
  #1
عبد القادر الأسود
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبد القادر الأسود
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 216
معدل تقييم المستوى: 15
عبد القادر الأسود is on a distinguished road
افتراضي تفسير الذكر الحكيم: (سورة الفاتحة)

سورة الفاتحة

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)
وهي مكيّة على قول الأكثرين . وقيل بل مدنيّة وقيل : نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة ولذلك سميت مثاني ، والأصح أنها مكيّة ، لأنّ الله تعالى مَنَّ على الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله في سورة الحُجُر الآية 87 : (( ولقد آتيناك سبعاً من المثاني .. )) والمراد منها فاتحة الكتاب ، وسورةُ الحُجُرِ مكيّةٌ ، فلم يكنِ اللهُ لِيمُنَّ عليه بها قبل نزولها ، وقد تقدّم الكلام في عدد آياتها .
ومن أسمائها : فاتحةُ الكتاب ، وأمُّ القرآن ، والسبعُ المَثاني وتسمى سورة الحمد لله ، والواقية ، والشافية .
وقد سماها جمهور العلماء : أمّ الكتاب ، إلا أن بعضاً منهم كره تسميتها بذلك لأنّ أمَّ الكتاب هو اللوح المحفوظ ، أو هي الآيات المحكمات لقوله تعالى : (( .. آيات محكمات هنَّ أمُّ الكتاب وأُخَرُ متشابهات )) وقد ثبت في الحديث الصحيح عند الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم )) ويقال لها : سورة الحمد ، لأنها ابتُدِئت بحمده سبحانه ، ويقال لها : الصلاة ، لقوله عليه الصلاةُ والسلام فيما رواه عن ربه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : (( يقول الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : مجّدني عبدي ، وإذا قال : الحمد لله رب العالمين ، قال الله: حَمِدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال : أثنى عليَّ عبدي ، فإذا قال : مالك يوم الدين ، قال الله تعالى : فوّض إليَّ عبدي ، وإذا قال : إيّاك نعبُد وإيّاك نستعين ، قال الله تعالى : هذا بيني وبين عبدي ، وإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم ، قال الله تعالى : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )) .
وسميت الفاتحةُ : صلاةً ؛ لأنها شرطٌ فيها . على قول بعض المذاهب ، ويقال لها : الشفاء ؛ لما رواه الدارِمي عن أبي سعيد مرفوعاً : (( فاتحة الكتاب شفاء من كل سم )) . ويقال لها : الرقية ؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليمَ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( وما يدريك أنها رقية ؟ )) .
وروي أنَّ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما سماها : أساس القرآن ، قال : فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم ، وسماها سفيان بن عيينة : الواقية . وسماها يحيى بن أبي كثير : الكافية ؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها ، ويقال لها الكنز .
{ الحمدُ لله } الحمد في كلام العرب معناه : الثناء الكامل ، والألف واللام لاستغراق الجنس ، فهو ـ سبحانه ـ يستحق الحمد بأجمعِه ، والثناءَ المطلقَ .
والحمدُ نقيضُ الذمِّ . وهو أعمُّ من الشكر ، لأنَّ الشكرَ يكون مقابلَ النِعمةِ بخلافِ الحمدِ ، تقول : حَمَدْتُ الرجلَ على شجاعتِه ، وعلى عِلمِه ، وتقول : شكرتُه على إحسانِه . والحمدُ يكون باللسان ، وأمّا الشكرُ فيكون بالقلب ، واللسان معاً .
وقال بعض العلماء: إن الحمدَ أعمُّ من الشكر ، لأنَّ الحمدَ
تعظيمُ الفاعلِ لأجلِ ما صدَرَ عنه من الإِنعام . سواءٌ أكان ذلك الإِنعامُ واصلاً إليك أو إلى غيرك . وأمّا الشكرُ فهو تعظيمُه لأجل إنعام منه وصل إليك .
والحمدُ للَّهِ بضمّ الدال على الابتداء ، وخبره فيما بعده .
وقيل : على التقديم والتأخير ، أي لله الحمد ، وإذا وقع الجارُّ والمجرورُ والظرفُ صلةً أو صفةً أو حالاً أو خبراً تعلقا بمحذوفٍ ، وذلك المحذوفُ إن شئتَ قدَّرْتَه اسماً وهو المختار ، وإنْ شئتَ قدَّرْتَه فِعْلاً ، أي : الحمدُ مستقرٌّ لله أو استقرَّ لله .
وقيل : بنصب الدال على الإضمار ، أي أحمدُ الحمدَ ؛ لأنَّ الحمدَ مصدرٌ لا يُثنّى ولا يجمع .
و" لله " على قراءة النصب يتعلَّق بمحذوفٍ لا بالمصدرِ لأنها
للبيان تقديره : أَعْنِي لله . ولذلك فقراءةُ الرفع أَمْكَنُ وأَبْلَغُ من قراءةِ النصب ومن قراءةِ الكسر ، لأنَّ الرفعَ في بابِ المصادر التي أصلُها النيابةُ عن أفعالها ، يَدُلُّ على الثبوتِ والاستقرارِ ، بخلافِ النصب فإنه يَدُلُّ على التجدُّدِ والحدوثِ .
وقُرئ أيضاً بكسرِ الدال ، ووجهُه أنها حركةُ إتباعٍ لكسرةِ
لامِ الجر بعدها ، وهي لغة تميم وبعضِ غَطَفانَ ، يُتْبِعُون الأول للثاني للتجانس ، من ذلك قول الشاعر:
وَيْلِمِّها في هواءِ الجَوِّ طالبةً .. ولا كهذا الذي في الأرض مطلوبٌ
الأصل: ويلٌ لأُِمها ، فَحَذَفَ اللامَ الأولى ، واستثقل ضمَّ الهمزةِ بعد الكسرة ، فَنَقَلها إلى اللام بعد سَلْب حركتها ، وحَذَفَ الهمزةَ ، ثم أَتْبع اللامَ الميمَ ، فصار اللفظ : وَيْلِمِّها .
وقُرئ أيضاً : " لُلَّهِ " بضمِّ لامِ الجرِّ ، وهي إتْباعٌ لحركة الدالِ ، وقد فضَّلها الزمخشري على قراءة كسر الدال معتلاً لذلك بأنَّ إتباع حركة البناء لحركة الإِعراب أحسنُ من العكس وهي لغةُ بعضِ قيس .
{ لله } قيل إنَّ اللامَ ـ حرفُ جرِّ للاستحقاق أي الحمدُ مستحقٌ لله ، ولها معانٍ أُخَرُ ، منها المُلْكُ ، نحو : المالُ لزيدٍ ، والتمليكُ نحو : { جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} والنَسَبُ نحو: لزيدٍ عَمُّ ، والتعليلُ نحو : لتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بالحق ، والتبليغ نحو: قلتُ لك كذا وكذا ، والتعجبُ ويكون في القسم خاصّة ، كقول الشاعر:
للهِ يَبْقى على الأيام ذو حِيَدٍ .......... بمُشْمَخِرٍّ به الظَّيَّانُ والآسُ والتبيين نحو : قوله تعالى : { هَيْتَ لَكَ } والصيرورةُ نحو قوله تعالى : { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } والظرفية : إمَّا بمعنى في ، كقوله تعالى : { وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة } أو بمعنى عِنْد ، كقولهم : كتبتُ الكتابَ لخمسٍٍ من الحضور ، أي عند خمس ، أو بمعنى بَعْدَ ، كقوله تعالى : { أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس } أي : بعد دلوكها ، والانتهاء ، كقوله تعالى : { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ } والاستعلاء نحو قوله تعالى : { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سجّداً } أي على الأذقان .
{ رَبِّ العالمين } الربُّ لغةً : السيِّدُ والمالك والمعبود ، والمُصْلِح .
واختلف فيه : هل هو في الأصل وصفٌ أو مصدرٌ ؟ فمنهم مَنْ قال : هو وصفٌ ثم اختلف هؤلاء في وزنه ، فقيل : هو على وزن فَعْلٍ كقولك : نَمَّ يَنُمُّ فهو نَمٌّ ، وقيل : وزنه فاعِلٌ ، وأصلُه رابٌّ ، ثم حُذفت الألف لكثرةِ الاستعمال ، كقولهم : رجل بارٌّ وبَرٌّ .
ومنهم من قال : هو مصدَرُ ربَّهُ يَرُبُّه رَبَّاً أي مَلَكَه ، فهو مصدَرٌ في معنى الفاعل ، نحو : رجل عَدْلٌ وصَوْمٌ .
ولا يُطْلَقُ على غير الباري تعالى إلا بقيدِ إضافةٍ ، نحو قولِه تعالى: { ارجع إلى رَبِّكَ } ويقولون : هو ربُّ الدار وربُّ الإبل.
وقراءةُ الجمهورِ مجروراً على النعتِ " لله " أو البدل منه ، وقُرئ منصوباً ، وتقديرُه : أَحْمَدُ " ربَّ " العالمين ، وقُرئ مرفوعاً فيكون خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي هو ربُّ .
والعالمين : خفضٌ بالإِضافةِ ، علامةُ خفضِه الياءُ لجريانه مَجْرى جمعِ المذكرِ السالمِ ، وهو اسمُ جمعٍ لأنَّ واحدَه من غير لفظِه ، ولا يجوز أن يكونَ جمعاً لعالَم ، لأنَّ الصحيحَ في " عالَم " أنّه يُطلَقُ على كلِّ موجودٍ سوى الباري تعالى ، لاشتقاقِه من العَلامة بمعنى أنه دالٌّ على صانعه ، وعالَمون بصيغة الجمع لا يُطلق إلا على العقلاء دونَ غيرهم ، فاستحالَ أن يكونَ عالَمون جمع عالَم ؛ لأنَّ الجمع لا يكون أخصَّ من المفرد ، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ " عالَمين " جُمعُ جمعٍ لأنَّ المرادَ به الملائِكةُ والجنُّ والإِنسُ . وقيل العالمون : أهلُ الجنّةِ وأهلُ النار .
وقيل : هو عبارة عن جميع المخلوقات ، واحتجوا بقوله تعالى : { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين * قَالَ رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا..} . واشتقاقُه من " العلم " و" العلامة " لظهورهم ولظهورِ أثرِ الصنعةِ فيهم .
{ الرحمن الرحيم } نعتٌ أو بدلٌ ، وقُرئا منصوبَيْنِ مرفوعَيْنِ ، وقد ذكر تفصيل ذلك في البسملة .
{ مالك يوم الدين } يجوز أن يكونَ صفةً أيضاً أو بَدَلاً ، وإن كان البدلُ بالمشتقِّ قليلاً ، وهو مشتقٌّ من المَلْك " بفتح الميم" وهو الشدُّ والربط .
وقُرئ "مالِك" بالألف ، يقال : مَلِكٌ بَيِّنُ المُلْكِ بضم الميم ، ومالكٌ بيِِّنُ المَِلْكِ بفتح الميم وكسرها ، فالمفتوحُ منها يعني الشدَّ والربطَ،والمضمومُ يعني القهرَ والتسلُّطَ على من تكون منه الطاعة سواء أكان هذا التسلط باستحقاقٍ أو بغير استحقاق، والمكسورُ هو التسلطُ على المَطيعة وغيره، ولا يكونُ إلا باستحقاق والمِلْك ـ أي بالكسر ـ كالجنس للمُلْك ـ أي بالضم ـ فكل مِلْك ـ بالكسر ـ مُلك ، وليس كل مُلك مِلكاً، فعلى هذا يكون بينهما عمومٌ وخصوصٌ مطلقٌ، وبهذا يُعرف الفرقُ بين مَلِك ومالِك، فإن مَلِكاً مأخوذ من المُلْك بالضم ، ومالِكاً مأخوذ من المِلْك بالكسر ، والقراءتان متواتراتان ، وقد صحّ اتصافِ الربِّ تعالى بهما.
ثم إنَّ الزيادةَ في البناءِ تدلُّ على الزيادةِ في المعنى وإنَّ ثوابَ
تالِيها أكثرُ من ثواب تالي "مَلِك" كما أنَّ "مالِك" أَبْلَغُ في مدح
الخالق سبحانه .
وإضافةُ "مالك أو مَلِك"إلى يوم الدين من باب الاتِّساع ، إذ متعلَّقُهما غيرُ "يوم" والتقدير: مالكِ الأمرِ كله يومَ الدين . وهناك مَنْ قرأ :{مَلَكَ يومَ الدينِ} فجعلها جملة فعليّة .
والدِّيْنِ : مضافٌ إليه، ودانَ عصى وأطاع ،وذلَّ وعزَّ، فهو من الأضداد . والدين : القضاءُ أيضاً ، ومنه قوله تعالى : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله} أي في قضائِه وحكمه ، والدين : الحالُ ، سُئل بعضُ الأعراب فقال : لو كنتُ على دِينٍ غيرِ هذه لأَجَبْتُكَ أي : على حالة غير هذه الحالة . والدينُ الداءُ: ومنه قول الشاعر :
يا دينَ قلبِك مِن سَلْمى وقد دِينا . . . . . . . . .
ويقال: دِنْتُه بفعلِه أَدِينُه دَيْناً ودِيناً - بفتح الدال وكسرها في المصدر - أي جازَيْتُه. والدِّينُ أيضاً الطاعةُ ومنه:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً} أي : طاعةً ، ويستعار للمِلَّة والشريعةِ أيضاً ، قال تعالى : {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ}يعني الإِسلام، بدليل قوله تعالى:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} . والدِّينُ: سيرة المَلِك ، قال زهير بن أبي سلمى :
لَئِنْ حَلَلْتَ بجوٍّ في بني أسَدٍ ... في دينِ عمروٍ وحالَتْ بينَنَا فَدَكُ
يقال : دِينَ فلان يُدانُ إذا حُمِل على مكروهٍ ، ومنه قيل للعبدِ ، مَدين ولِلأمَةِ مَدِينة . وقيل : هو من دِنْتُه إذا جازيته بطاعته ، وجَعَل بعضُهم المدينةَ من هذا الباب .
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} " إياك " مفعولٌ مُقدَّمٌ على " نَعْبُدُ " ، قُدِّم للاختصاصِ وقالوا بأنّه ضميرٌ واختلفوا فيه على أربعةِ أقوال، أحدُها : أنه كلَّه ضميرٌ . والثاني: أن: "إيَّا" وحدَه ضميرٌ وما بعده اسمٌ مضافٌ إليه، وثالثُها: أن "إيَّا" وحدَه ضميرٌ وما بعدَه حروفُ تُبَيِّنُ ما يُراد به . ورابعها: أنَّ "إيَّا" عمادٌ وما بعده هو الضمير .
و" إياك " بالتخفيف معناه شمسَك ، فإنَّ إياةَ الشمس ضَوْءُها بكسر الهمزة ، وقد تُفتح ، وقيل : هي لها بمنزلة الهالة للقمر ، فإذا حَذَفْتَ التاءَ مَدَدْتَ ، قال الشاعر :
سَقَتْه إياةُ الشمسِ إلاَّ لِثاتِه ... أُسِفَّ فلم تَكْدِمْ عليه بإثْمِدِ
ونعبُدُ: فعلٌ مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم ، وقيل: لوقوعِه موقعَ الاسم، وهذا رأيُ البصريين، ومعنى المضارعِ المشابِهُ ، يعني أنه أشْبَه الاسمَ في حركاتِهِ وسَكَناتِهِ وعددِ حروفِهِ، ألا ترى أنَّ ضارباً بزنة يَضْرب فيما ذَكَرْتُ لك وأنه يَشِيع ويختصُّ في الأزمان ، كما يشيعُ الاسمُ ويختصُّ في الأشخاصِ ، وفاعلُه مستترٌ وجوباً .
والعِبادة غاية التذلل ، ولا يستحقُّها إلا مَنْ له غايةُ الإِفضالِ وهو الباري تعالى ، فهي أبلغُ من العبودية ، لأنَّ العبوديةَ إظهارُ التذلل ويقال : طريق مُعَبَّد ، أي مذلَّل بالوطء .
ومنه : العبدُ لذلَّته ، وبعيرٌ مُعَبَّد : أي مُذَلَّل بالقَطِران .
وقيل: العبادةُ التجرُّدُ ، ويُقال : عَبَدْت الله بالتخفيف فقط، وعَبَّدْتُ الرجلَ بالتشديد فقط : أي ذَلَّلته أو اتخذتُه عبداً .
وفي قوله تعالى:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ} التفاتٌ من الغَيْبة إلى الخطاب، والالتفاتُ : أحد فنون البلاغة في الأدب العربي .
و" إيَّاك " واجبُ التقديمِ على عاملهِ ، لأنَّ القاعدةَ أن المفعولَ به إذا كان ضميراً وَجَب تقديمُه .
والكلام في " إياك نَسْتعين " كالكلام في " إياك نعبدُ " والواو عاطفة .
وأصل نَسْتعين: نَسْتَعْوِنُ مثل نَسْتَخْرِجُ في الصحيحِ،لأنه من العَوْنِ، فاستُثْقِلت الكسرةُ على الواو ، فنُقِلَت إلى الساكن قبلها، فَسَكَنت الواوُ بعد النقلِ وانكسر ما قبلها فَقُلِبَتْ ياءً . وهذه قاعدةٌ مطردَة ، نحو: ميزان ومِيقات وهما من الوَزْن والوَقْت .
والسينُ فيه معناها الطلبُ ، أي : نطلب منك العَوْنَ على العبادة ، وهو أحدُ المعاني التي لـ استفعل ، وله معانٍ أُخَرُ : الاتخاذُ نحو : استعْبَدَه أي : اتخذه عبداً ، والتحول نحو : استحْجَرَ
الطينُ أي : صار حَجَراً .
وقرئ "نِسْتعين" بكسر حرفِ المضارعةِ ، وهي لغةٌ مطردةٌ في حروف المضارعة ، وذلك بشرطِ ألاَّ يكونَ حرفُ المضارعة ياء ، لثقلِ ذلك . على أن بعضهم قال : يِيجَل مضارع وَجِلَ ، وكأنه قصدَ إلى تخفيفِ الواو إلى الياء فَكَسر ما قبلها لتنقلبَ ، وقد قرئ:{فإنهم يِيْلمونَ} .
والاستعانة: طلبُ العَوْن ، وهو المظاهَرَةُ والنُّصْرَةُ ، وقَدَّم العبادةَ على الاستعانة لأنها وَصْلَةٌ لطلب الحاجة ، وأطلق كُلاًّ من فِعْلي العبادة والاستعانة فلم يَذْكر لهما مفعولاً ليتناولا كلَّ معبودٍ به وكلَّ مستعانٍ ، عليه ، أو يكونُ المراد وقوع الفعل من غير نظرٍ إلى مفعولٍ نحو : {كُلوا واشربوا} أي افعلوا هذين الفعلينِ.
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
{ اهدنا الصراط } إلى آخرها اهْدِ : صيغةُ طلب ومعناها الدعاءُ ، وهذه الصيغةُ تَرِدُ لمعانٍ كثيرةٍ فإذا وَرَدَتْ صيغة افعَلْ من الأعلى للأَدنى قيل فيها أمرٌ ، وبالعكس دعاءٌ ، وهي من المساوي التماسٌ . وفاعلُه مستترٌ وجوباً أي : اهدِ أنت ، و "ن" مفعول أول، وهو ضميرٌ متصلٌ يكونُ للمتكلم مع غيرِه أو المعظِّم نفسَه، ويستعملُ في موضع الرفع والنصب والجر بلفظٍ واحدٍ نحو: قُمنَا وضرَبَنَا زيدٌ وَمَرَّ بنا. والصراطَ: مفعول ثان ، والمستقيمَ : صفةٌ للصراط.
وأصل "هَدَى" أن يتعدى إلى الأول بنفسه وإلى الثاني بحرفِ الجر وهو إمَّا : إلى أو اللام ، كقوله تعالى :{ وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} {يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ثم يُتَّسَعُ فيه ، فيُحذَفُ الحرفُ الحرفُ فيتَعَدَّى بنفسِه ، فأصلُ اهدِنا الصراط: اهدنا للصراط أو إلى الصراطِ، ثم حُذِف .
والهدايةُ: الإِرشادُ أو الدلالةُ ، كما تأتي بمعنى التقدم أيضاً ، ومنه هَوادِي الخيل لتقدُّمِها . وتأتي كذلك بمعنى التبيين نحو:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي بَيَّنَّا لهم ، أو الإِلهامُ ، نحو:{أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} أي ألهمه لمصالِحه ، أو الدعاءُ كقوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي داعٍ . والهدايةُ دَلالةٌ بلطفٍ ومنه الهَدِيَّةُ وهَوادي الوحش أي المتقدِّماتُ الهاديةُ لغيرها .
والصراطُ:الطريقُ المُسْتَسْهَل، وبعضُهم لا يقيِّدُه بالمستسهلِ، وهو مشتقٌّ من السِّرْطِ، وهو الابتلاعُ : إمَّا لأن سالكه يَسْتَرِطه أو لأنه يَسْتَرِط سالكَه ، ألا ترى إلى قولهم : قَتَلَ أرضاً عالِمُها وقتلت أرضٌ جاهلَهَا ؟ وبهذين الاعتبارين قال أبو تمام :
رَعَتْه الفيافي بعدما كان حِقْبةً ... رعاها وماءُ المُزْنِ يَنْهَلُّ ساكِبُهْ
وعلى هذا سُمِّي الطريق لَقَماً ومُلْتَقِماً لأنه يلتقِمُ سالكه أو يلتقمُه سَالِكُه .
وأصلُه السينُ ، وإنما أُبدلَتْ صاداً لأجل حرف الاستعلاء
وإبدالُها صاداً مطردٌ عنده نحو : صَقَر في سَقَر ، وصُلْح في سُلْح،
وإصْبَع في اسبَع ، ومُصَيْطِر في مُسَيْطر ، لما بينهما من التقارب .
والصِّراطُ يُذَكَّر ويؤنَّث ، فالتذكيرُ لغة تميم ، وبالتأنيث لغة الحجاز ، فإنْ استُعْمل مذكَّراً جُمِعَ في القلة على أَفْعِلة ، وفي الكثرة على فُعُل ، نحو : حِمار وأَحْمِرة وحُمُر ، وإن استعمل مؤنثاً فقياسُه أَن يُجْمع على أَفْعُل نحو: ذِراع وأَذْرُع . والمستقيم: اسم فاعل من استقام بمعنى المجرد ، ومعناه السويُّ من غير اعوجاج وأصله : مُسْتَقْوِم ، ثم أُعِلَّ كإعلالِ نَسْتعين .
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ
قوله تعالى: {صِرَاطَ الذين} بدلٌ منه بدلُ كلٍ من كل ، وهو بدلُ معرفةٍ من معرفة .
وقيل: إن الصراطَ الثاني غيرُ الأول والمرادُ به العِلْمُ بالله تعالى و"الذين" في محلِّ جرٍّ بالإِضافة ، وهو اسمٌ موصولٌ ، المشهورُ فيه أن يكون بالياء رفعاً ونصباً وجراً .
وأَنْعَمْتَ : فعلٌ وفاعلٌ صلةُ الموصول ، والتاءُ في " أنعمتَ" ضميرُ المخاطبِ ضميرٌ متصل مرفوعٌ . و"عليهم" جارٌّ ومجرور متعلقٌ بأَنْعمت .
و"على" حرف استعلاء حقيقةً أو مجَازاً ، نحو : عليه دَيْنٌ ، ولها معانٍ أُخَرُ ، منها: المجاوزة كقولك : رَضِيَتْ عليَّ أمي ، أي: عني ، وتأتي بمعنى الباء كما في قوله تعالى {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ} أي بأَنْ لا أقول ، وبمعنى في ، كما في قوله جل وعلا {.. مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أي: في ملك ، والمصاحبة نحو قوله سبحانه : { وَآتَى المال على حُبِّهِ ذَوِي القربى ..} والتعليل نحو قوله جل شأنه : { وَلِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ } أي : لأجل هدايته إياكم وبمعنى مِنْ : { والذين هم لفروجهم حَافِظُونَ * إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ } أي : إلا من أزواجهم ، وهي مترددةٌ بين الحرفية والاسمية ، فتكونُ اسماً كقولك : نزل فلان مِنْ على السطح ومعناها من فوقه .
وفي " عليهم " لغاتٌ قُرئ ببعضها : عليهِمْ بكسر الهاء مع سكون الميم ، عليهِمي بكسر الهاء وزيادة ياء بعد الميم ، عَلَيْهُمُ ، عليهُمُو : بضمّ الهاء وضمّ الميم ، وبضمها وزيادة واو بعد الميم ، عليهُمي عليهُمِ بضم الهاء وزيادة ياء بعد الميم أو بكسره ، عليهِمُ بكسر الهاء وضم الميم .
و" غيرِ " بدلٌ من « الذين » بدلُ نكرة من معرفة . و"المغضوب" خفضٌ بالإِضافةِ ، وهو اسمُ مفعول ، والقائمُ مقامَ الفاعلِ الجارُّ والمجرور فـ "عَليهم" الأولى منصوبةُ المحلِّ والثانيةُ مرفوعتُه ، وأَلْ فيه موصولةٌ والتقديرُ : غيرِ الذين غُضِبَ عليهم. والصحيحُ في ألْ الموصولة أنها اسمٌ لا حرفٌ .
و"غير" مفردٌ مذكرٌ أبداً ، إلا أنه إنْ أريد به مؤنثٌ جاز تأنيثُ فعلِه المسندِ إليه ، تقول: قامت غيرُك ، وأنت تعني امرأة .
وقرئ " غيرَ " نصباً ، على أنها حالٌ للذين ، وقيل هو نصبٌ على الاختصاص والمعنى أخصُّ أو أعنى غيرَ .
وَلاَ الضآلين " لا " زائدةٌ لتأكيد معنى النفي المفهومِ من "غير " لئلا يُتَوَهَّم عَطْفُ "الضالِّين" على {الذين أَنْعَمْتَ} و"الضَّالين" مجرورٌ عطفاً على " المغضوب " .
والإِنعام : إيصالُ الإِحسان إلى الغير ، ولا يُقال إلا إذا كان الموصَلُ إليه الإِحسانُ من العقلاءِ ، فلا يقال : أَنْعم فلانٌ على فرسِه ولا حماره .
والغضبُ: ثَورَان دم القلب إرادَة الانتقامِ ، ومنه قولُه عليه
الصلاة والسلام: اتقوا الغضبَ فإنه جَمْرةٌ تُوقَدُ في قلب ابن آدم، ألم تَرَوْا إلى انتفاخ أَوْداجه وحُمْرةِ عينيه ، وإذا وُصف به
الباري تعالى فالمرادُ به الانتقام لا غيره .
والضَّلال:الخَفاءُ والغَيْبوبةُ ، وقيل: الهَلاك ، وقيل: الضلالُ:
العُدول عن الطريق المستقيم ، وقد يُعَبَّر به عن النسيان كقوله
تعالى:{أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا .. } .
"آمين" ليست من القرآن إجماعاً ، ومعناها: استجِبْ ، فهي اسمُ فعلٍ مبنيٌ على الفتحِ ، وقيل : ليس باسم فِعْل ، بل هو من أسماءِ الباري تعالى والتقدير:يا آمين،وفي آمين لغتان:المدُّ والقصرُ.
__________________
أنا روحٌ تضمّ الكونَ حبّاً
وتُطلقه فيزدهر الوجودُ
عبد القادر الأسود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-19-2013
  #2
فراج يعقوب
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,269
معدل تقييم المستوى: 16
فراج يعقوب is on a distinguished road
افتراضي رد: تفسير الذكر الحكيم: (سورة الفاتحة)

جزاك الله خيرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
__________________
اللهم صل على سيدنا محمد صاحب الكوثر صلاة لاتعد ولاتكيف ولاتحصر ننال بها الرضوان الأكبر وجواره يوم المحشر وعلى آله وسلم
فراج يعقوب غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فيض العليم من معاني الذكر الحكيم (1) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 1 10-05-2013 12:47 PM
تفسير الذكر الحكيم: (بسم الله الرحمن الرحيم) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 1 05-19-2013 06:14 PM
تفسير الذكر في القرآن الكريم هيثم السليمان المواضيع الاسلامية 9 05-19-2013 06:10 PM
تفسير سورة القدر ...تفسير الجيلاني رضي الله عنه فراج يعقوب المواضيع الاسلامية 2 09-06-2012 12:28 AM
تفسير الذكر الحكيم: (أعوذ بالله الشيطان الرجيم) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 2 12-08-2011 11:37 AM


الساعة الآن 02:04 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir