أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم أهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت           

ركن بلاد الشام عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (صفوة الله من أرضه الشام ، وفيها صفوته من خلقه وعباده ، ولتدخلن الجنة من امتي ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب .) رواه الطبراني

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 09-21-2009
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
عيد دمشق

عيد دمشق

ذكرى كل متيم


بزغت خيوطُ الفجر الأولى , تملأ الأفقَ ضياءَ , و تنثر النور في الأرجاء , و مضت ليلة السابع و العشرين من رمضان تسحب ذيولها إلى بارئها , مضمخةً بآهات المنيبين وأنات التائبين.




وغادر الدمشقيون المساجد التي عمروها بالذكر و الطاعة طيلةَ الليل , يحاكون سلف الأمة في طاعتهم يوما واحدا في السنة بعد أن عجزوا عن سلوك سبيلهم كل العام .

و تشيع منذ هذه اللحظة في دمشقَ مشاعرُ متباينة , فيرمق الدمشقيون بعينٍ رمضانَ و هو يلملم سقط متاعه , و يُعِدُّ عدة سفره البعيد , يودعهم و يلوح بيدِ الفراق إليهم , فتكاد القلوب تنفطر لفراقه , و العيون تنساب لوداعه , و يستشرفون بعين أخرى طلعةَ الوافد البهية و فرحةَ العيد المقبلة , فتتهلل لها وجوهُهم , و تنفرج له أساريرُهم .

و يقف بلبل دمشق ( توفيق المنجد ) – ذلك الصوت الذي شاب صاحبُه و ما فقد يوما بريقه و سحره , حاله كحال دمشق التي شاخ الزمان و ما ذهب عنها ألقها و بهاؤها – , يقف (توفيق المنجد) ليبثَّ رمضانَ أشواقَه و يفضي إليه بآهاته ,ويناجيه معاتبا :(تعجلت ميقات النوى رمضانُ .....مهلا – أُخَيَّ-فكلنا ولهان ) , و يؤوب ( المنجد ) إلى نفسه ليعلم أن رمضان راحل لا محالة , فيزفر عندها زفرته المتأوهة تبعث الحرقة في قلوب الشاميين , و تلهب لوعةً في صدورهم لا يطفئ حرَّها إلا الدمعُ تسكبه المآقي غزارا إذ يصافح قلوبَهم نداءُ البلبل الواله : ( فودعوه , ثم قولوا له : يا شهرنا هذا عليك السلام ) .

و تمر أيام رمضان الأخيرة في عجلة و سرعة , فالكل يُعِدُّ العُدة لاستقبال الوافد الجديد , فحيث سِرْتَ في أزقة الشام سَرَت إليك روائحُ ( المعمول بفستق ) و ( الغريبة ) و (البرازق ) و( أقراص العجوة ) تفوح من بيوت الدمشقيين تعطر الجو بعطر العيد بعد أن زينت الحلوى جوانب الأسواق , فتشعر وكأنما دمشق في مهرجان الجمال يفيض من كل زاوية و مكان .

ومع آخر أيام رمضان تنحني شمس الأصيل مستخفية وراء قاسيون,ذلك الجبل الشامخ كالطود الأشم يحمي دمشق من عوادي الزمن – و كم حماها - , فيؤوب الدمشقيون إلى بيوتهم يتسابقون إلى الإفطار الأخير في رمضان يودعون فيه لمة العائلة و بهجة اللقاء.

و تمر الساعات الأخيرة في ليلة الثلاثين من رمضان , و تعيشها دمشق على أهبة الاستعداد , لا تدري أتفرح بقدوم العيد أم تجزع لوداع رمضان .

وعند أذان العِشاء الأخير يؤم الدمشقيون المساجد ينهلون آخر رشفة من وصال الحبيب الذي آنس بقربه وحشتهم , و أزال بجوده فاقتهم , و تدخلُ المسجدَ فتتبدى لك الوجوه حزينة كاسفة , و تُلْذَعُ بحرقة الفراق تلوع الأفئدة.

و ينتظر الدمشقيون مدفع العيد يعلن إثبات القاضي الشرعي لهلال أول أيام شوال , و هم بين راج عيد غد و متحسر على رمضان أمس .

و بين زحمة الأسواق و ضجيج الباعة يتعالى صوت المدافع تضربها دمشق فرحا بقدوم الضيف العزيز , و تدوي في أرجائها صيحاتُ التكبير ألما على فراق الحبيب الذاهب .

و يعلو صوتُ التهاني كلَّ صوت في دمشق , فلا تسمع الناسَ إلا مهنئا بعضُهم بعضا, و لا تراهم إلا معانقا كلٌ صاحبه .

و تتسارع الخطا في كل مكان , و تغص الشوارع بالرائح و الغادي , وتمتزج صيحات الباعة-يزينون لك بضاعتهم-بأصوات ألعاب النار تخترق الفضاء , فأنَّى مشيت في دمشق سمعت جلبة و رأيت زحمة , و علمت أن الكل في شغل وحركة.

فالحلاق يؤنس الجالسين بحديثه و مزاحه حتى لا يَمَلُّوا طولَ الانتظار , يريد كل منهم أن يزين ظاهره بعد أن طهر في رمضانَ باطنه.

و صاحب ألعاب العيد يستنفر أبناء عمومته و أصدقاءه يعينونه على نصب(المراجيح) التي بدأ الصغار يتحلقون حولها , يرمقونها بعيون زينتها الفرحة و رسمتها البسمة .

و يروح الخياط و يجيء بين زبائنه يكسوهم ما أعد لهم من أبهى الحُلَل , يتزين بها الدمشقيون و يظهرون فرحتهم , فترى الناس عنده بين قيام وقعود , كلٌ يرى ثوبه و يعاين حُلته .

و لا يكاد يغلق ( البغجاتي ) علبةً حتى يفتح الأخرى , يملؤها بأطيب حلوى قد تفنن بعرضها, و صب فيها من إتقان صنعته و خير بلده ما ينسيه تعبه و عرقه الذي تتناثر حباته على جبهته التي احمرت من فرط نشاطه , فتراه يصُفُّ ( البقلاوة ) و(الكول شكور ) و ( المبرومة ) في علب الزبائن مزهوا بصنعته و طيب مطعمه .

و يقف اللحام خلف منصته يقطع اللحم قطعا كبارا لتنال رضا (شاكرية خانم ) أكلة الدمشقيين المفضلة في العيد .

و تدخل حمام السوق فلا تكاد تجد – لازدحام الناس – مكانا لك بين المغتسلين , و تتعالى في ردهة الاستقبال صيحات الترحيب بك و التأهيل بمن معك ,لتدخل بعدها في معمعة الحمام و تتنقل بين( البراني) و (الجواني) , و تتناوبك أيدي ( المكيس ) و (المدلك ), لتخرج بعد ذلك من الحمام و قد خلقت خلقا آخر , تقليد حرص عليه الدمشقيون عناية منهم بالنظافة و الطهارة .

و يفزع طلاب المسجد-الذي خلا من كل زائر-لتنظيفه و تعطيره , فيقضون ليلهم يحنون ظهورهم لا للسجود و إنما لمسح السجاد , و يثنون الهامات لا للركوع و إنما لتنظيف الأروقة و الممرات ,و تفوح روائح الطيب من كل زاوية تنادي الرُّكَّعَ السجود أن أقبلوا و لا تدبروا.

وتسهر ليلةُ العيد لا يغفو لها جفن , وتتثاءب عن بريق الفجر , وكأنما تأبى أن يَبينَ نورُه و يشع ضياؤه .

و يطلع الفجر لتعلو معه أصوات التكبير ترتجُّ لها أرجاء دمشق كلها فرحا و طربا , و يٌّدْلِفُ المصلون إلى مساجد الأحياء الكبرى جماعات جماعات , و قد التف في كل جماعة رجال العائلة الواحدة تغشى المحبةُ وجوهَهم و تزينُ البسمةُ محياهم , و تمتن الفرحة أواصر القربى بينهم فتحس بالألفة تنساب في كل مكان .



و يتوسط الأمويُ مساجدَ البلد , كالقلب يتوسط كلَّ الجسد , و يعلو بهتافه المقدس مرددا ( الله أكبرُ الله أكبر,لا إله إلا الله .الله أكبرُ الله أكبر,و لله الحمد ) , تكبيراتٌ تذوي لها قلوب الدمشقيين إذ يسمعونها من رابطة المنشدين بإيقاعها الفريد المحبب, و الذي تكاد تحس لفرط العاطفة فيه أنه نداء الواله لحبيبه أو استغاثة المضطر لسيده .

و ما أن تنقضي خطبة العيد حتى يموجَ المسجد بمن فيه , كلٌ يسلم على صاحبه في مشهد ما ترى أعجبَ منه و لا أدلَّ على لطف الشاميين و محبتهم لبعضهم .

و يخرج الدمشقيون من المسجد و قد أدوا حق الله , فيؤمون المقابر يذكرون فيها حق موتاهم , لتعلم وفاءَ الدمشقيين لأسلافهم و اعترافَهم بفضل أجدادهم .

وتعلو المقابرَ خضرةٌ , ما زرعتها يد الفلاح و لا غرست نبتها , و إنما أنبتتها محبةُ الأبناء للآباء و غرسها احترامُ الأحفاد للأجداد , و كأنما أبى الدمشقيون لفرط فرحتهم بالعيد إلا أن يشركوا فيها من رحل عنهم من موتاهم .

ويروح الرجال عائدين إلى بيوتهم , وتجتمع العائلة كلها-بقضها و قضيضها , بصغيرها و كبيرها , بنسائها و رجالها-في بيت العائلة الكبير , و تُعَدُّ مائدة الفطور لتتحلق العائلة من حولها يتصدرها الجد و الجدة و قد غصت أحضانهما بالأحفاد يتسابقون إلى جدهم يقبلون يده و تهفو قلوبهم إلى محفظته ليتحفهم بالمال يقضون فيه حق طفولتهم من اللعب و البهجة .

و يتراكض الأولاد في فضاء الحارة الدمشقية يهرجون و يمرحون , وقد تسلح كل منهم بسلاحه فتتراءى لك القوة في أبناء دمشق منذ الصغر , قوةٌ يسر بها الآباء و تستاء من صخبها و ضوضائها الأمهات,و تتعالى بين هذا و ذاك ضحكات الأجداد و غمزات الأخوات .

و يتوافد الجيران و أبناء العائلة يزور بعضهم بعضا , و تنساب كلمات التهنئة و التبريك بين المتزاورين , يزينون بها شفاههم بعد أن ازدانت بأجمل الأثواب أجسادُهم ,وتشيع البهجة في كل زاوية من حارات دمشق , و تهبط الرحمة على هذه البلدة الوادعة الآمنة فتزيدها في يوم العيد رحمة و أمانا , و تجذِّرُ في قلب كل دمشقي محبةٍ الشام و عشقها.

وتبقى دمشق على مَرِّ الزمان في قلب كل عاشق حلما , و على لسان كل متيم ذكرى , فلا ينسى أي دمشقي مهما شاخ به الزمان و ناءت به الأيام ذكريات العيد في عاصمة الدهر و الزمان .



*******************************

بقلم: إياد عمار
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 09-21-2009
  #2
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: عيد دمشق

وفي العيد توزع الجوائز ويا سعد من كانت جائزته عظيمة
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فتح دمشق عبدالقادر حمود ركن التاريخ 0 03-23-2010 06:12 PM
سبل دمشق عبدالقادر حمود ركن بلاد الشام 3 02-22-2009 02:53 PM
من بركات دمشق عبدالقادر حمود ركن بلاد الشام 12 01-16-2009 11:29 AM
قلعة دمشق نوح ركن بلاد الشام 2 09-14-2008 05:45 PM
دمشق العزيزه نوح ركن بلاد الشام 0 09-01-2008 03:05 PM


الساعة الآن 10:29 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir