الشاعر الشيخ يوسف النبهاني
بقلم : سعدي حسين ابوارو
شيخ من شيوخ الفقه الإسلامي ، وصاحب طريقة في التصوف ، ورائد من رواد الأدب العربي في العهد العثماني ، وعلم من أعلام الحركة الشعرية الفلسطينية في القرن التاسع عشر ، فقد ولد الشيخ يوسف بن إسماعيل بن يوسف النبهاني سنة 1265 هجرية / 1850 ميلادية في قرية ( إجزم ) قضاء حيفا ، وينتسب إلى بني نبهان من عرب البادية في فلسطين الذين استوطنوا في تلك القرية .
كان والده المعلم الأول له ، حيث علمه القرآن الكريم ، وحفظ على يديه الكثير من المتون في علوم الفقه والنحو والبلاغة قبل إرساله إلى الأزهر الشريف في مصر سنة 1283 هجرية / 1866 ميلادية ، الذي أمضى فيه ما يزيد على ستة أعوام ، تعلم خلالها العلوم النقلية والعقلية ، ثم عاد بعد تلك المدة التي قضاها في الأزهر إلى فلسطين سنة 1289 هجرية / 1872 ميلادية ، حيث أقام في مدينة عكا مدرسا للدين وعلوم العربية . تولى العديد من الوظائف والمناصب غير التدريس ، فقد تولى نيابة القضاء في جنين سنة 1873 ، ثم توجه إلى دار الخلافة في الآستانة سنة 1293 / 1876 م وظل فيها مدة سنتين ونصف ، حيث عمل محررا في جريدة " الجوانب " ، ثم خرج منها إلى بلده ، وعين قاضيا في ولاية الموصل ( كوى سنجق ) من أمهات بلاد الأكراد لمدة خمسة أشهر ، وفارقها سنة 1296 إلى الشام ، ثم توجه إلى دار الخلافة في الآستانة سنة 1297 وأقام بها نحو عامين وفيها ألف كتابه " الشرف المؤيد لآل محمد
، وخرج منها رئيسا لمحكمة الجزاء في اللاذقية التي جاءها سنة 1300 / 1883 م فأقام بها نحو خمسة أعوام . تولى بعد ذلك رئاسة محكمة الجزاء في القدس ،التي التقى فيها بالشيخ حسن بن حلاوة الغزي الولي المعتقد صاحب الكرامات الذي علمه الطريقة القادرية في التصوف ، ولقنه بعض الأذكار والأوراد ، وظل بها أقل من سنة ، حيث غادرها رئيسا لمحكمة الحقوق في بيروت التي وصلها سنة 1305 ، وبقي فيها ما يقرب من عشين عاما ، حتى فصل سنة 1909، وألف فيها سائر كتبه ، وطبع أكثرها ، ثم غادرها إلى المدينة المنورة مجاورا لرسول الله
، وظل بها حتى إعلان الحرب العالمية الأولى سنة 1914 م ،حيث عاد إلى قريته ( إجزم ) ، وبقى فيها حتى توفي سنة 1932 م .
لقد تهيأت للنبهاني كل هذه الجوانب الثقافية الدينية والأدبية واللغوية ، وتبوأ كل هذه المناصب ، وتغرب في سبيل ذلك سنوات كثيرة من عمره ، وبالتالي تحمل كل ذلك في سبيل تحقيق الأماني والطموحات العظام التي كان يرنو لتحقيقها ، فقد اغترب عن أهله ووطنه ، ولعل خاتمة الرسالة الشعرية التي بعث بها للشاعر أحمد فارس الشدياق مادحا ومثنيا عليه، ما يقف شاهدا على مدى إحساسه بالغربة ، وشوقه وحنينه لوطنه وأهله ، ومبينا مدى صبره على ذلك من أجل تحقيق طموحه وآماله ، يبدو ذلك في قوله :
لك من صفات روضة ومدائحي
ورق عليها بالثناء تغرد
خذها إليك من الغريب غريبة
لولاك ليس لها معين مسعد
رقت محاسنها فقلت رقيقة
تهدى إليك وأنت نعم السيد
واعذر فتى درست معالم أنسه
ومشى عليها الدهر وهو مقيد
جمع الأسى جملا لديه وشمله
عقد بأيدي الحادثات مبدد
أوطانه بعدت عليه وإنما
أوطاره وهي المعالي أبعد
يبغي اجتماعهما ويعلم أنه
شيء بحكم زمانه لا يوجد
ولعل هذا الحكم ينقضه فتى
أنت المراد به كريم أمجد
لقد حفلت حياة النبهاني بالعديد من الأعمال والمؤلفات في مجالات كثيرة : دينية وأدبية ولغوية ، فقد توزعت أعماله حول الحديث وعلم مصطلح الحديث والصلاة والتصوف وعلم الكلام وحياة الرسول
، وكتب الشعر وتعددت دواوينه وقصائده، خاصة في النواحي الإسلامية والمدائح النبوية وغيرها، وظفر النبهاني بشهرة واسعة بين الأوساط الدينية والأدبية.
رصد له يوسف سركيس في معجمه ثمانية وأربعين كتابا ، كلها مطبوعة ، ومن هذه الكتب والمؤلفات :
-الشرف المؤبد لآل محمد ـ المطبعة الأدبية ـ بيروت 1309 هجرية.
-الأنوار المحمدبة من المواهب اللدنية ـ المطبعة الأدبية ـ بيروت 1310 هجرية.
- وسائل الوصول إلى شمائل الرسول.
-الأحاديث الأربعين في فضائل سيد المرسلين.
أفضل الصلوات على سيد السادات .
- سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين ـ المطبعة الأدبية ـ بيروت 1316 هجرية.
- صلوات الثناء على سيد الأنبياء
- حجة الله على العالمين قي معجزات سيد المرسلين.
- الهمزية الألفية المسماة طيبة الغراء في مدح سيد الأنبياء المطبعة الأدبية ـ بيروت 1314 هجرية.
- سعادة المعاد في موازنة بانت سعاد.
- النظم البديع في مدح النبي الشقيع.
- القول الحق في مولد سيد الخلق.
- خلاصة الكلام في ترجيح دين الإسلام.
- رسالة في مثال النعل الشريف.
- جامع الصلوات ومجمع السعادات.
- الفضائل المحمدية.
- جامع الثناء على الله.
- هادي المريد إلى طرق الأسانيد المطبعة الأدبية ـ بيروت 1318 هجرية.
- السابقات الجياد في مدح سيد العباد المطبعة الأدبية ـ بيروت 1318 هجرية.
- المجموعة النبهانية في المدائح النبوية4 مجلدات ـ المطبعة الأدبية ـ بيروت 1320 هجرية.
- حجة الله على العالمين في معجزات سيد المرسلين.
- جامع كرامات الأولياء.
- أسباب التأليف.
- شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق.
- جواهر البحار في فضل النبي المختار 4 أجزاء .
- الفتح الكبير 3 مجلدات .
- الأساليب البديعة في فضل الصحابة وإقناع الشيعة.
- رياض الجنة في أذكار الكتاب والسنة.
- خلاصة البيان في بعض مآثر مولانا السلطان عبد الحميد واجداده من آل عثمان ـ بيروت 1894.
- الأحاديث الأربعين في أمثال أفصح العالمين,
وغيرها من الكتب والمؤلفات الكثيرة في مختلف الاغراض والموضوعات الدينية والأدبية والشعرية، التي لم يصلنا منها إلا القليل، ولو وصلتان كاملة لكنا أمام ثروة دينية وشعرية ولغوية وأدبية هائلة، ولكانت عونا لنا على دراسة أدب الشيخ النبهان وأدب المرحلة بشكل أكثر شمولية وأكثر دقة، إلا أنه من المؤسف حقا، ومما يبعث على الحزن والأسى أن معظم مؤلفات النبهاني ومؤلفات غيره من الأدباء والشعراء والكتاب الفلسطسنيين قد أبيدت وضاعت بفعل الغزو والاحتلال لفلسطين، فالتدمير والبطش والتنكيل لم يطل الأرض والإنسان والعمران فقط، بل طال ايضا الفكر والعلم والأدب والتراث ، فقد عمل العدو على إلغاء الوجه الحضاري والثقافي الإسلامي والعروبي في فلسطين.
ومن هذه الكتب ما ينيف على الف وستمائة وتسع وثلاثين صفحة، مثل كتاب (جواهر البحار)، ومن بين المجاميع ما يبلغ العشرين ألف بيت من كلام البلغاء على حروف الهجاء في المدائح النبوية ، فقد كان "يهيم الشيخ يوسف النبهاني بحب الرسول هياما خرج به عن حد المألوف، فأراد أن يمزج حياته كلها، وأن يقف نشاطه كله على التأليف في حياة الرسول
.
هذا الكم الهائل من الكتب والمؤلفات في مختلف الأغراض والمضامين التي أنتجتها قريحة النبهاني، وهذه المطولات الشعرية التي كتبها كانت مؤشرا على أن نهضة فكرية وثقافية وأدبية تنتظر الشعر العربي الفلسطيني في هذه المرحلة الصعبة التي كانت تتصف بمرحلة الجهل والجمود والتخلف، في مختلف الجوانب الفكرية والثقافية والأدبية والاجتماعبة والاقتصادية.
وهذا الاهتمام البالغ بالمضامين الدينية والهيام بحب الرسول
، والتركيز على المدائح النبوية، والتأريخ ـ شعرا ـ لحياة رسول الله
ولسيرته العطرة، والاهتمام بحياة الصحابة
وغير ذلك من المضامين الدينية، كل ذلك كان يمثل جانبا من جوانب النزعة الدينية المتاصلة في قلوب ونفوس التكوين البشري والاجتماعي في فلسطين، فالشاعر العربي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص كان وما يزال على صلة بتراثه الديني، "فمن الظواهر اللافتة في استخدامات اللغة الشعرية المعاصرة احتواؤها الادائي لمعطيات التاريخ ودلالات التراث التي تتيح تمازجا، وتخلق تداخلا بين الحركة الزمانية، حيث ينسكب الماضي بكل توفزاته وأحداثه على الحاضر بكل ما له من طزاجة اللحظة الحاضرة" ، فكيف إذا كان هذا الماضي الذي نحن بصدده وهذا التراث الذي استحوذ على فكر هذه المرحلة هو الدين الذي يدينون به، فقد كان الأثر الديني وخاصة الأثر الإسلامي على رأس المؤثرات في الشعر الفلسطيني، فالمجتمع الفلسطيني مجتمع متدين بطبعه، حيث تدين الغالبية العظمى منه بالإسلام" ، لذلك لا غرابة أن "يستلهم الشعراء معطيات التراث دينيا وتاريخيا وثقافيا، وخاصة معطيات الدين الإسلامي"
لقد كانت الأغراض الدينية والمدائح النبوية سمة بارزة من سمات مضامين الشعرالفلسطيني بشكل عام، وشعر الشيخ يوسف النبهاني بشكل خاص، تلك القصائد والأشعار التي تبدو فيها جماليات الإنسان وجماليات المكان كأغراض شعرية لها دلالاتها الخاصة في نفس الإنسان الفلسطيني ، تلك الجماليات التي تمثلت في شخصية الرسول
وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، وفي مكة المكرمة والمدينة المنوررة كأماكن لها وقعها الديني والنفسي في فكر الشاعر ووجدانه.
ومن الشواهد على ما نحن بصدده قصيدته الهمزية الألفية المسماة " طيبة الغراء في مدح سيد الانبياء، التي طبعت في بيروت سنة 1314 هجرية، والتي وزعها على عناوين عدة منتزعة من حياة الرسول
وسيرته ، من ميلاده حتى وفاته، والتي عارض فيها همزية البوصيري "أم القرى في مدح خير الورى " ، وعدد صفحاتها مائة وأربع
صفحات، والتي يقول فيها :
نورك الكل والورى أجزاء
يا نبيا من نسله الأنبياء
علة الكون كنت أنت ولولاك
لدامت في غيبها الاشياء
منتهى الفضل في العوالم جمعا
فوقه من كمالك الابتداء
لم تزل فوق كل فوق مجدا بالترقي ما للترقي انتهاء
جزت قدرا فما أمامك خلق فوقك الله والبرايا وراء