أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم إني أسألك علماً نافعاً ، ورزقاً طيباً ، وعملاً متقبلاً           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > المواضيع الاسلامية

إضافة رد
قديم 11-15-2014
  #1
عبد القادر الأسود
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبد القادر الأسود
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 216
معدل تقييم المستوى: 15
عبد القادر الأسود is on a distinguished road
افتراضي فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 150

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
(150)
قولُهُ ـ جلَّ جلالُه: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} عَرَفْنا فِيما مَضَى مِنْ آياتٍ مباركاتٍ أَنَّ ـ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ـ صَعِدَ الجبلَ لمُناجاةِ رَبِّهِ ـ سُبْحانَهُ ـ لمَوْعِدَةٍ وَعَدَها إيّاهُ، وعَلِمْنا أَنّهُ كَلَّفَ أَخاهُ هارُونَ ـ عليه السلامُ ـ أَنْ يُشْرِفَ على قومِهِ بَني إسْرائيلَ أَثْناءَ غِيابِهِ، وهنا لا بُدَّ أَنْ نتوقَّفَ قليلاً عِنْدِ هذِهِ الإشارةِ مِنَ اللهِ ـ تَبارَكَ وتعالى ـ إلى أَنَّ المجتَمَعَ الإنْسانيَّ يَجِبُ ألاَّ يَكونَ أَقَلَّ مِنْ عَالَمِ الحَيَوانِ تْنْظيماً، إذا لم يتفوّقْ عَلَيْهِ، فالحَيَواناتُ التي لم يَخْلُقِ اللهُ لها عَقْلاً، جَعَلَها تَكِلُ أَمْرَ قِيادَتها بغريزتها إلى واحِدٍ مْنْها وهُوَ في الغَالِبِ أكْبرُها، ولذلك رَأْينا سيِّدَنا مُوسى يُكَلِّفُ أَخاهُ هارونَ ـ عليهما السلامُ ـ بقيادَةِ قومِهِ ورِئاسَتِهم خِلالَ مُدِّةِ غِيابِهِ لمناجاةِ رَبِّهِ هذِهِ الفَتْرَةَ القَصيرةَ، وكَذلِكَ فقد أَمَرَنا نَبِيُّنا محمَّدٌ ـ صلى اللهُ عليه وسَلَّمَ ـ بِأَنْ نُؤَمِّرَ عَلَيْنا مَنْ نَرْتَضي دِينَهُ وعَقْلَهُ وخُلُقَهُ ونرى فيه أهلية القيادَةِ، فقالَ فيما رَوى الطَبرانيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ ـ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ: ((إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَأَمِّرُوا أَحَدَكُمْ)) ورَواهُ كذلك البَيْهَقِيُّ عَنْ وَهْبٍ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ـ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ ـ بإسْنادٍ صَحِيحٌ. وفي هذا المعنى قالَ الشاعرُ الجاهليُّ الأَفْوَهُ الأَوْدِيُّ:
لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لا سَراةَ لَهُمْ ..... ولا سَراةَ إذا جُهَّالُهُم سَادوا
تُهدى الأُمورُ بأهْلِ الرَّأْيِ ما صَلُحَتْ ...... فإنْ تَوَلَّتْ فَبِالأَشْرارِ تَنْقادُ
إذا تَوَلَّى سَرَاةُ الناسِ أَمْرَهُمُ ......... نَما عَلى ذاكَ أَمْرُ القومِ فازْدادوا
ولَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَماءُ بَينَ قائلٍ بأنَّه يجبُ على الأُمَّةِ أَنْ تُقيمَ والياً يَتَوَلَّى أَمْرَها أوْ أنَّ ذلك مما يُسْتَحَبُّ لها أوْ هو جائزٌ في حقِّها.
فمَن قالَ: يَجِبُ على النَّاسِ أَنْ يُنَصِّبوا خَليفةً ووالياً، يُقيمُ أَمْرَ اللهِ فيهم، ويَسْتَتِبَّ بِهِ الأَمْنُ، ويُقيمُ الحُدودَ، ويحكُمُ بالشَرْعِ، ويُنْصِفُ المظلومَ، ويحفظُ الحقوقَ ويَحْمِي ثُغورَ المُسْلِمين. قالوا: ولا يكونُ هذا إلاَّ بإقامَةِ وَليٍّ، ولا يُمكِنُ إلاَّ بمبايَعَةِ خَلِيفَةٍ. مسْتَدِلّين بحديث رسولِ الله ـ صلى اللهُ عليه وسَلّمَ ـ الذي تقدَّمَ وبقولِهِ أيضاً: ((لا يَحِلُّ لِثَلاثَةٍ يَكونونَ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ إلاَّ أَمَّروا أَحَدَهُم)). رواه الإمام أَحمد، وبقولِهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إذا خَرَجَ ثلاثةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤمِّروا أَحَدَهم)). رَواهُ أَبو داوودَ، والبزّارُ، والطبرانيُّ، وابْنُ خُزَيْمَةَ، والبَيْهَقِيُّ، وصَحَّحَهُ الحاكِمُ والشَوْكانيُّ، ويُرَجِّحُ هذا الرأيَ سُرْعَةُ امْتِثالِ الصَحابَةِ ـ رضيَ اللهُ عَنْهُم ـ لهذا الأمرِ، وحِرْصُهم على تَطبيقِهِ، وبِهِ قالَ حُجَّةُ الإسْلامِ الإمامُ الغَزالِيُّ في الجُزْءِ الثاني مِنْ إحياءِ عُلومِ الدينِ صفحة: 337، والإمامُ النَوويُّ في المجموعِ، ورِجَّحَهُ كذلك شيخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في الفتاوى الكبرى: (28/390،65) وبِهِ قالَ الشَوْكانيُّ في نَيْلِ الأَوْطارِ: (8/709) وعليه ابْنُ عُثَيْمينَ، وقال ابْنُ بازٍ: يُشْرَعُ ذَلك. وقال شيخ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ لمّا ذَكَرَ الأَدِلَّةَ السابِقَةَ والوِلايَةَ العامَّةُ: ولهذا كانتِ الوِلايَةُ لِمَنْ يَتَّخِذُها دِيْناً يُتَقَرَّبُ بِهِ إلى اللهِ، ويَفْعَلُ فيها الواجِبَ بحَسَبِ الإمْكانِ، مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمالَِ الصالحةِ. وأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ تَكونَ الأُمَّةُ هكذا لَيْسَ عَلَيْها والٍ. ولهذا قالَ العُلماءُ: سِتّونَ سَنَةً بإمامٍ ظالمٍ خَيْرٌ مِن ْلَيْلَةٍ واحدَةٍ بلا إمامٍ، ولَو كان ظالماً لكانَ ظُلمُهُ على نَفْسِه، لكنْ قدْ عَلَّقَ اللهُ تَعالى بِوُلاةِ الأُمورِ ـ كما قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ـ مَصالحَ عَظِيمةً: إقامَةَ الحُدودِ، وإنْصافَ المظلومِ مِنَ الظالمِ، ورَدَّ الحُقوقِ إلى أَهْلِها، والأَخْذَ على يَدِ المجرمين، واسْتِتْبابَ الأَمْنِ لِيَأْمَنَ النّاسُ على دِمائهم وأَمْوالهم ونِسائهم. وقالتْ طائفةٌ وَجَبَتْ بالعَقْلِ لِما في طِباعِ العُقَلاءِ مِنَ التَسليمِ لِزَعيمٍ يمنعُهم مِنَ التَظالمِ ويَفْصِلُ بَيْنَهم في التَنَازُعِ والتَخاصُمِ، ولولا الوُلاةُ لَكانوا فَوْضى مُهْمِلين وَهَمَجاً مُضاعين، فإذا ثَبَتَ وُجوبُ الإمامَةِ فَفَرْضُها على الكِفايَةِ كالجِهادِ، وطَلَبِ العِلْمِ، فإذا قامَ بها مَنْ هُوَ أَهْلُها سَقَطَ فَرْضُها على الكِفايَةِ. وإنْ لم يَقُمْ بها أَحَدٌ خَرَجَ مِنَ النَّاسِ فريقان: أَحَدُهُما أَهْلُ الاخْتِيارِ حَتّى يَخْتاروا إماماً للأمَّةِ، والثاني أَهْلُ الإمامَةِ حَتى يُنَصَّبَ أَحَدُهم، وليس على مَنْ عَدا هذيْنِ الفَريقينِ مِنَ الأُمَّةِ في تَأْخيرِ الإمامةِ حَرَجٌ ولا مَأْثَمٌ. وقال بَعْضُهم: إنَّ تَنْصيبَ الخَليفةِ والوِلايَةِ مُسْتَحَبٌّ ولَيْسَ بِواجِبٍ. وقال آخرون: إنَّهُ جائزٌ. والجمهورُ على أَنَّهُ واجِبٌ، وهو الصَوابُ، والله أعلم.
وتَثبُتُ الخلافةُ بالاختيارِ والانْتِخابِ مِنْ أَهْل ِالحَلِّ والعَقْدِ وهم: العُلَماءُ، والوُجَهاءُ والعُقَلاءُ، ورُؤساءُ القبائلِ والعَشائرِ، والزعماءُ، يختارونَ الإمامَ ويُبايِعونَه فَتَثْبُتُ لَهُ الإمامةُ باخْتِيارِهم وانْتِخابهم له، وليس المرادُ أنْ يختارَ كلُّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، عُقلاؤهم ومجانينُهم، والنِساءُ والأََطْفال، كما يحصُلُ اليومَ في الانتخابات، حيث يُخْدَعُ النَّاسُ بالدِعاياتِ الكاذبة، والوُعُودِ الخُلَّبيَّةِ، والبرامجِ الزائفةِِ، والدَجَلِ الانتخابيِّ، وشراءِ ذِمَمِ الرّعاعِ بمبالِغَ بخسةٍ، أوْ مِصالحَ شخصيَّةٍ آنيَّةٍ ضَيِّقَةٍ، فيفوزُ مَنْ ليس بِأَهلٍ، ويَتَأَخَّرُ المخلصُ الكَفوءُ القادر على النُهوضِ بأعْباءِ التَقَدُّمِ والازْدِهارِ، ورَفْعِ شَأْنِ الأُمَّةِ، وهو بلاءٌ عمَّ الكثيرَ مِنْ أَقطارِ الأرْضِ هذه الأيّامَ، وقدْ حَزَّرَنا من ذلك نَبِيُّنا ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ فقالَ: ((مَنِ اسْتَعْمَلَ عَامِلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ وَأَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ)). السُنَنُ الكُبرى للبَيْهَقي: (10/118). ورواهُ غيرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الحديثِ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهُما. وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ـ رضي اللهُ عنه ـ رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ وَصَحَّحَهُ، وَرواهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أيضاً.
فاختيارُ وليِّ الأََمْرِ لَيْسَ مُهِمَّةَ العامَّةِ، وليسَ لها بِهِ اهْتِمامٌ أوْ دِرايةٌ. بل هو مهمَّةُ النُخبةِ القادرة على تقييم الرجالِ ومعرفة الصالح من الطالح ومن عنده الكفاءةُ وأهلية القيادة، لذَلِكَ فَإنَّ أَميرَ المُؤمِنينَ عُمَرَ ابْنَ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ حين حضرته الوفاةُ وَكَلَ الأَمْرَ إلى سِتَّةٍ مِنْ كِبارِ الصَّحابةِ ـ رُضْوانُ اللهِ عليهِمْ أَجمعين ـ لِيَتَّفقوا على واحدٍ مِنْهم، أو فلتُضربْ أعناقهمْ جميعاً، وذلك حتى لا يسري الخلافُ وتدبَّ الفُرقةُ، وتكونَ فتنة بين المسلمين لا يحصي ضحاياها إلاَّ اللهُ تعالى، ولمّا قيلَ لَه: لمَ لا تُوصي بها لابْنِكَ عَبدِ اللهِ؟ قال: يَكْفيها واحِدٌ مِْن آلِ الخَطّابِ، وأَوْكَلَ السِِتَّةُ أَمْرَ اختيار الخليفة إلى عَبْدِ الرحمنِ بْنِ عَوْفٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ فراح يُشاوِرُ النَّاسَ مِنَ المُهاجِرينَ والأَنْصارِ واقْتَصَرَ عَلَيْهم، وسَهِرَ ثلاثَ لَياليَ لم يَرَ غَمْضًا، حتى رَأَى وُجُوهَ النَّاسِ كُلِّهم إلى عُثْمانَ ـ رضي اللهُ عنه ـ فبايَعَهُ وبايعَ بَقِيَّةُ السِتَّةِ، ثمَّ بايَعَهُ المهاجِرونَ والأنْصارُ ـ رضي اللهُ عنهم أجمعين ـ ثمَّ بايع سائرُ المسلمين، فَثَبَتَتْ لَهُ الخِلافةُ بالاخْتِيارِ والانْتِخابِ مِنْ أَهْل ِالحَلِّ والعَقْدِ وليس شرطاً أن يبايعَ كلُّ أحدٍ من المسلمين، إنما يبايعُ كلُّ زعيمٍ أو رئيس قبيلةٍ عن من يمثِّلُهم.
قولُه: {قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} أَعْلَمَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ موسى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ بِمَا فَعَلَهُ قَوْمُهُ مِنْ عِبَادَتِهِم العِجْلَ أثناء غيابه، فَر فَثَبَتَتْ لَهُ الخِلافةُ بالاخْتِيارِ والانْتِخابِ مِنْ أَهْل ِالحَلِّ والعَقْدِ َجَعَ إِلَيْهِمْ غَضْبَانَ حَزيناً، قَائلاً لَهُمْ بِئْسَ مَا فَعَلْتُمُوهُ فِي غَيْبَتِي بَعْدَ ذَهَابِي عَنْكُمْ إلى مُنَاجَاةِ رَبِّي، وَقَدْ كُنْتُ عَلَّمْتُكُمُ التَّوْحِيدَ، وَكَفَفْتُكُمْ عَنِ الشِّرْكِ، وَكَانَ مِنْ وَاجِبِكُمْ أَنْ تَقْتَفُوا أَثَرِي، وَتَسِيرُوا بِسيرَتي، فَفَعَلْتُمْ غَيْرَ ذلِكَ، وَاتَّخَذْتُمْ صَنَماً، وَعَبَدَهُ بَعْضُكُمْ، وَلَمْ يَرْدَعْكُمُ الآخَرُونَ عَنْ ذلِكَ. فَهَلْ اسْتَعْجَلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ، وَهُوَ انْتِظَارُ عَوْدَتِي وَأَنْتُمْ حَافِظُونَ لِعَهْدِي وَمَا وَصَّيْتُكُمْ بِهِ؟ فَبَنَيْتُمُ الأَمْرَ عَلَى أَنَّ المِيعَادَ قَد بَلَغَ آخِرَهُ وَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكُمْ، فَحَدَّثتكُمْ أَنْفُسُكُمْ بِأَنَّنِي مِتُّ ، فَغَيَّرْتُمْ كَمَا غَيَّرَتِ الأُمَمُ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ؟ أَسابَقْتُم قَضاءَ رَبِّكم ووَعْدَهُ، واسْتَعْجَلْتُم مجيئي قبلَ الوَقْتِ الذي قُدَّرَ فيهِ، أَوَ أَعْجَلْتُم عُقُوبَةَ رَبِّكم وإهْلاكَهُ لكم حيثُ عَبَدْتم غيرَهُ.
قولُهُ: {وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} فَأَلْقَى مُوسَى الأَلْوَاحَ، أَيْ: طَرَحَها مِنْ شِدَّةِ الغَضَبِ حميَّةً للدِّين، رُوِيَ أَنَّ التَوراةَ كانَتْ سَبْعَةَ أَسْفارٍ في سَبْعَةِ أَلْواحٍ، فلَمَّا أَلقاها انْكَسَرَتْ، فَرُفِعَ سِتَةَ أَسْبَاعِها، وكانَ فيها تَفْصيلُ كُلِّ شَيْءٍ، فَرُفِعَ ما كان مِنْ أَخبارِ الغَيْبِ، وبَقي سُبْعٌ كان فيه الموعِظَةِ والأَحْكامِ والحِلالِ والحرامِ، فقد أخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويْه عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ قال: قالَ النَبيُّ ـ صَلى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((يَرْحَمُ اللهُ مُوسى لَيْسَ المُعايِنُ كالمُخْبَرِ، أَخْبَرَهُ رَبُّهُ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ أَنَّ قومَهُ فُتِنوا بَعدَهُ فَلمْ يُلْقِ الأَلْواحَ، فلمَّا رآهم وعايَنَهم أَلْقى الأَلْواحَ فَتَكَسَّرَ ما تَكَسَّرَ)).
وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ هارُونَ (بذؤابتِه ولحيتِه) يَجرُّهُ إِليهِ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَهَاوَنَ فِي نَهْيِهِمْ عَنِ اتِّخَاذِ العِجْلِ، وكانَ هارون أكبر من موسى بثلاثِ سنين، وكانَ أحبَّ إلى بني إسرائيل لأنه كان أَلَينَ من موسى ـ عليهما السلام.
قولُهُ: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} خاف هرونُ ـ عليه السلامُ ـ أنْ يَتَوَهَّمَ جُهَّالُ بَني إسرائيلَ أَنَّ مُوسى ـ عليه السَّلامُ ـ غضبانٌ عليه كما أَنَّه غَضبان على عَبَدَةِ العِجْلِ من بني إسرائيل، فَقَالَ لَهُ: يَا أَخِي يَا ابْنَ أُمِّي، لاَ تُعَنِّفْنِي، وَ لاَ تَشُدَّ لِحيَتِي وَرَأْسِي ـ كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرى ـ فَإِنَّ القَوْمَ قَدِ اسْتَضْعَفُونِي، وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي لَمَّا نَهَيْتُهُمْ، فما أَطاعوني في تَرْكِ عِبادَةِ العِجِل، وقد نهيتُهم ولم يَكنْ معي مِنَ الجَمْعِ ما أَمنعُهم بهم عَنْ هذا العَمَلِ.
قولُهُ: {فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فَلاَ تَصُبَّ نِقْمَتَكَ عَلَيَّ فَتُشْمِتَ بِيَ الأَعْدَاءَ، وَلاَ تَعَامِلْنِي مُعَامَلَةَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ الذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ إِلهاً.
قولُهُ تَعالى: {غَضْبَانَ أَسِفاً} حالان مِنْ موسى عِنْدَ مَنْ يُجيزُ تَعَدُّدَ الحالِ، ومن لا يجيزُ تعدُّدَ الحالِ فإنَّ "أَسِفاً" عندَه حالٌ مِنَ الضَميرِ المُسْتَتِرِ في "غَضْبانَ" فَتَكُونُ حالاً مُتَداخِلَةً، أو يَجْعَلُها بَدَلاً مِنَ الأُولى، وفيهِ نَظَرٌ لعُسْرِ إدخالِهِ في أَقْسامِ البَدَلِ، وأَقْرَبُ ما يُقالُ: إنَّهُ بَدَلُ بعضٍ مِنْ كُلٍّ إنْ فَسَّرْنا الأَسِفَ بالشَديدِ الغَضَبِ، أَوْ بَدَلُ اشْتِمالٍ إنْ فَسَّرْناهُ بالحَزينِ. يُقالُ: أسِفَ يَأْسَفُ أَسَفاً، أي: اشْتَدَّ غَضَبُهُ. قالَ تَعالى في سورةُ الزُخْرُف: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ} الآية: 55. ويُقالُ: بَلْ مَعناهُ حَزِنَ ومِنْهُ قولُه من المديد:
غيرُ مأسوفٍ على زمنٍ ......................... ينقضي بالهمِّ والحزن
فلمَّا كانا مُتقاربَيْنِ في المعنى صَحَّتِ البَدَلِيَّةُ، ويَدُلُّ على مُقارَبَةِ ما بيْنَهُما كما قال الواحديُّ قولُ المتنبي:
جزاك ربُّك بالإحسانِ مغفِرة ..... فحزنُ كلِّ أخي حُزْنٍ أخو الغضبِ
وقال الأعشى:
أرى رجلاً منكمْ أسِيفاً كأنَّما .......... يَضُمُّ إلى كَشْحَيْه كَفَّاً مُخَضَّبا
فهذا بمعنى غضبان. وفي الحديث: ((إنََّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ)) أَيْ: حَزينٌ، ورَجُلٌ أَسِفٌ: إذا قُصِدَ ثُبوتُ الوَصْفِ واسْتِقْرارُهُ، فإنْ قُصِدَ بِهِ الزَمانُ جاءَ على فاعِل.
قولُهُ: {قَالَ: بِئْسَمَا} بئس: فعلٌ ماضٍ لإنشاء الذمِّ و "ما" نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ: تَمييزٌ، تَفسيرٌ للضَميرِ المُسْتَكِنِّ في "بئسوهذه الجملة واقعة في جوابِ "لمَّا" ولكنَّ المَخْصُوصَ بالذَمِّ محذوفٌ، والفاعلُ مُسْتَتِرٌ يُفسِّرُهُ "ما خَلَفْتموني" والتَقديرُ: بِئْسَ خِلافةً خَلَفْتُمونِيها خِلافَتُكم هذه. وقد تقدَّمَ الكلامَ على "بئس ما" بأوسعَ من هذا.
وقولُهُ: {ابنَ أُمَّ} مُنادى مُضافٌ، مَنْصوبٌ وعلامةُ نصبِه فَتْحَةٌ مُقَدَّرَةٌ قبلَ ياءِ المُتَكَلِّمِ، لأنَّ أَصْلَهُ: ابْنَ أُمِّي، فَحُذِفَتِ الياءُ، وفُتِحَتِ الميمُ تخفيفًا.
قوله: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} أَمْرَ: مَنْصوبٌ على المفعوليِّةِ بعدَ إِسْقاطِ الخافِضِ وتَضْمينِ الفِعْلِ مَعنى ما يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، والأَصْلُ: أَعَجِلْتُمْ عَنْ أَمْرِ رَبِّكم. يُقالُ: عَجِلَ عَنِ الأَمْرِ: إذا تَرَكَهُ غَيرَ تامٍّ، ونَقيضُهُ تَمَّ، وأَعْجَلَهُ عَنْهُ غيرُهُ، ويُضَمَّنُ مَعنى سَبَقَ فيَتَعدَّى تَعْدِيَتَه فَيُقالُ: عَجِلْتُ الأمْرَ. ويمكن أنْ يكونَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ غَيرَ مُضَمَّنٍ مَعنى فعلٍ آخرَ. يقالُ "عَجِلْتُ الشيءَ سَبَقْتُهُ" وأَعْجَلْتُ الرَجُلَ اسْتِعْجِلْتُهُ، أَيْ: حَمَلْتُهُ عَلى العَجَلةِ.
قولُهُ: {يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} هذِهِ الجُمْلَةُ حالٌ إمّا مِنْ ضَميرِ مُوسى المُسْتَتِرِ في "أخَذَ"، أيْ: أَخَذَ جارّاً إلَيْهِ. أو هي حالٌ مِنْ "رَأْس" وفيه نَظَرٌ لِعَدَمِ الرابِطِ. أوْ هي حالٌ مِنْ "أخيه" وهو ضَعيفٌ مِنْ حيثُ إنَّ الحالَ مِنَ المُضافِ إلَيْهِ يَقِلُّ مَجيئُها بَلْ يَمْتَنِعُ عِنْدَ بعضِهم. وقدْ تَقَدَّمَ غَيرَ مَرَّةٍ أَنَّ بَعْضَهم يُجَوِّزُهُ في صُوَرٍ هذِهِ مِنْها، وهوَ كونُ المُضافِ جُزْءً مِنَ المُضافِ إلَيْهِ.
قولُهُ: {قَالَ ابنَ أُمَّ} قَرَأَ الأَخَوانِ (حمزةُ والكِسائيُّ) وأَبو بَكْرٍ، وابْنُ عامرٍ هُنا وفي سورة (طه) بِكَسْرِ الميمِ، وقرأ الباقون بِفَتْحِها. فأَمَّا قِراءَةُ الفَتْحِ فَمَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ فيها أَنَّهما بُنِيا على الفَتَحِ لِتَرَكُّبِهِما تَرْكيبَ خَمْسَةَ عَشَرَ، فعلى هذا فَلَيْسَ "ابْنَ" مُضافاً ل "أم" بلْ مُرَكَّبٌ مَعَها فَحَرَكَتُهُما حَرَكَةُ بِناءٍ لا حركةُ إعْراب. أمَّا مَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ فهوَ أنَّ "ابن" مُضافٌ لِ "أُمّ" و "أُمَّ" مُضافةٌ لِياءِ المُتَكَلِّمِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ قَدْ قُلِبَتْ أَلِفاً كَما تُقْلَبُ في المنادى المضافِ إلى ياءِ المُتَكَلِّمِ نحو: يا غُلاماً، ثمَّ حُذِفَتِ الأَلِفُ واجْتُزِئَ عَنْها بالفَتْحَةِ كَما يُجْتَزَأُ عَنِ الياءِ بالكَسْرَةِ، فحركةُ "ابنَ" حينئذٍ حَرَكَةُ إعْرابٍ، وهُوَ مُضافٌ لِ "أُمَّ" فهيَ في مَحَلِّ خَفْضٍ بالإِضافَةِ.
وأَمَّا قِراءةُ الكَسْرِ فهُوَ كَسْرُ بِناءٍ لأجل ياءِ المُتَكَلِّمِ، عَلى رَأْيِ البَصْرِيّين بمَعنى أَنَّا أَضَفْنا هذا الاسْمَ المُرَكَّبَ كُلَّهُ لِياءِ المُتَكَلِّمِ فَكُسِرَ آخرُهُ، ثمَّ اجْتُزِئَ عَنِ الياءِ بالكَسْرَةِ فهوَ نَظيرُ: يا أَحَدَ عَشْري ثمَّ: يا أَحَدَ عَشْرِ بالحَذْفِ، وليس جائزاً أَنْ يَكونا باقيَينِ على الإِضافَةِ إذْ لم يَجُزْ حَذْفُ الياءِ لأنَّ الاسْمَ ليس مُنادى، ولكنَّهُ مُضافٌ إليْهِ المُنادَى فلم يَجُزْ حَذْفُ الياءِ مِنْهُ. أمّا على رَأْيِ الكُوفِيّينَ فالكَسْرُ كَسْرُ إعْرابٍ وحُذِفَتِ الياءُ مجتَزَأً عَنْها بالكَسْرَةِ كَما اجْتُزِئَ عَنْ أَلِفِها بالفَتْحَةِ. وهذانِ الوَجْهان يَجْريان في "ابن أم" و "ابن عم" و "ابنة أم" و "ابنة عم". ويجوزُ في هذه الأمثلةِ الأَرْبَعةِ خاصّةً خمْسُ لُغاتٍ، فُصْحاهُنَّ: حَذْفُ الياءِ مجتَزَأً عَنْها بالكَسْرَةِ، ثمَّ قَلْبُ الياءِ أَلِفاً فَيَلْزَمُ قَلْبُ الكَسْرَةِ فَتْحَةً، ثمَّ حَذْفُ الأَلِفِ مُجْتَزَأً عَنْها بالفَتْحَةِ، ثمَّ إثْباتُ الياءِ ساكِنَةً أَوْ مَفْتوحَةً، وأَمَّا غَيرُ هَذِهِ الأَمْثِلَةِ الأَرْبَعَةِ ممَّا أُضيفَ إلى مُضافٍ إلى ياءِ المُتَكَلِّمِ في النِداءِ فإنَّهُ لا يجوزُ فيهِ إلاَّ ما يَجوزُ في غَيرِ بابِ النِّداءِ لأنَّهُ ليس مُنادى نحوَ: يا غُلامَ أَبي، و يا غُلامَ أُمّي، وإنما جَرَتْ هذِه الأمثلةُ خاصَّةً هذا المُجْرى تَنْزيلاً للكَلِمَتَيْنِ مَنْزِلَةَ كَلِمَةٍ واحدَةٍ ولِكَثْرَةِ الاسْتِعْمالِ. وقُرئ "يا بن أمي" بإثباتِ الياءِ ساكِنَةً، ومِثلُ ذلك قولُه:
يا بنَ أُمِّي ويا شُقَيِّق نفسي ................. أنت خَلَّفْتَني لدهرٍ شديدِ
وقولُ السيد الحميري:
يا بنَ أمي فَدَتْكَ نفسي ومالي ............ كُنْتَ رُكْني ومَفْزَعي وجمالي
وقُرئ أيضاً: "ابْنَ إمِّ" بِكَسْرِ الهَمْزَةِ والميمِ وهُوَ إتْباعٌ. ومِنْ قَلْبِ الياءِ أَلِفاً قولُه:
يا بْنَةَ عَمَّا لا تَلُومي واهْجَعي ...
وقولُه:
كُنْ لي لا عَليَّ يا بْنَ عَمَّا .................. نَدُمْ عَزِيزَيْنِ ونُكْفَ الذَّمَّا
قولُه: {فَلاَ تُشْمِتْ } العامَّةُ على ضَمِّ التاءِ وكَسْرِ المِيمِ وهُو مِنْ أَشْمَتَ رُباعِيّاً، "الأعداءَ" مَفْعولٌ بِهِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَحَيْصِن "فلا تَشْمِتْ" بِفَتْحِ التاءِ وَكَسْرِ الميمِ، وقرأ مجاهد بِفَتْحِ التاءِ أَيْضاً وفَتْحِ الميمِ، "الأعداءَ" نَصْبٌ على المَفْعولِ بِهِ. وفي: هاتين القِراءتَينِ تخريجان، أَظْهَرُهما: أّنَّ شَمِتَ أَوْ شَمَتَ بِكَسْرِ الميمِ أَوْ فَتْحِها مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ كأشمَتَ الرُّباعي، يُقالُ: شمَتَ بي زَيْدٌ العدوَّ ، كما يُقالُ: أَشْمَتَّ بي العَدُوَّ. والثاني: أَنَّ "تَشْمِتْ" مُسْنَدٌ لِضَميرِ البارِي تَعالى، أي: فَلا تَشْمِتْ يا رَبّ، وجازَ هذا كَما جازَ {الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ثمَّ أَضْمَرَ ناصباً للأَعْداءِ كَقِراءَةِ الجَماعةِ قاله ابنُ جِنّي، ولا حاجةَ إلى هذا التَكَلُّفَ لأنَّ "شمت" الثُلاثي يَكونُ مُتَعَدِّياً بِنَفْسِهِ كما قدّمنا قبلُ، والإِضْمارُ على خِلافِ الأَصْلِ. وقال أبو البَقاءُ في هذا التخريج: (فلا تُشْمِتْ أََنْتَ) فجَعَلَ الفاعلَ ضَميرَ مُوسى، وهو أَوْلى مِنْ إسْنادِهِ إلى ضميرِ اللهِ تَعالى. وأَمَّا تَنْظيرُهَ بقولِهِ تعالى: {الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} فإنما جازَ ذَلك للمُقابَلَةِ في قَوْلِهِ: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} سورة البقرة، الآية: 14. وكَقولِهِ: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله} سورة آل عمران، الآية: 54. ولا يَجوزُ ذَلِكَ في غيرِ المُقابَلَةِ.
وقرَأَ حميدُ بْنُ قَيْسٍ: "فلا تَشْمِت" كَقِراءَةِ ابْنِ مُحَيْصِن، وقرأ مجاهد كقراءتِهِ فيه أَوَّلاً، إلاَّ أَنهما رَفَعا الأَعداءَ على الفاعليّةِ، جَعَلا "شمت" لازِماً فَرَفَعا بِهِ "الأعداء" على الفاعِلِيَّةِ، فالنَهْيُ في اللَّفْظِ للمُخاطَبِ والمُرادُ بِهِ غَيرُهُ كقولهم: "لا أُرَيَنَّك ههنا"، أيْ: لا يَكُنْ مِنْكَ ما يَقْتَضي أَنْ تَشْمِتَ بيَ الأَعْداءَ.
والإِشماتُ والشَّماتًةُ: الفَرَح بِبَلِيَّة تَنالُ عَدُوَّكَ قال الشاعرُ من الكامل:
أَشْمَتَّ بيَ الأعداءَ حينَ هَجَرْتَني ........... والموتُ دون شماتَةِ الأعداءِ
قيل: واشْتِقاقُها مِنْ شَوامِتِ الدابَّةِ وهيَ قَوائمُها؛ لأنَّ الشماتَةَ تَقْلِبُ قَلْبَ الحاسِدِ في حالَتَي الفَرْحِ والتَرَحِ كَتَقَلُّبِ شَوامِتِ الدَّابَّةِ. وتَشْميتُ العاطِسِ وتَسْمِيَتُهُ بالشين والسين الدُعاءُ لَهُ بالخيرِ، قالَ أَبو عُبَيْدٍ: "الشينُ أَعْلى اللُّغَتَين" وقال ثَعْلَب: "الأصلُ فيهما السينُ مِنَ السَّمْتِ، وهو القَصْدُ والهَدْيُ". وقيلَ: معنى تَشْميتِ العاطِسِ بالمُعْجَمَةِ أَنْ يُثَبِّتَهُ اللهُ كما يُثَبِّتُ قوائمَ الدابَّةِ. وقيلَ: بَلْ التَفْعيلُ للسَّلْبِ، أي: أَزَالَ اللهُ الشَماتَةَ بِهِ، وبالسينِ المُهْمَلَةِ، أي: رَدَّهُ اللهُ إلى سَمْتِهِ الأَوَّلِ أَيْ هَيْئَتِهِ لأَنَّهُ يحصُلُ لَهُ انْزِعاجٌ. وقالَ أَبو بَكْرِ ابنُ العربي: "يُقالُ: سَمَتُه وسَمَتُ عليْهِ، وفي الحديثِ: ((وسَمَّتَ عَلَيْهِما)).
__________________
أنا روحٌ تضمّ الكونَ حبّاً
وتُطلقه فيزدهر الوجودُ
عبد القادر الأسود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 174 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 12-05-2014 01:28 PM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 98 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-22-2014 03:38 PM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 94 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-19-2014 07:46 AM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 94 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-19-2014 07:41 AM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 96 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-19-2014 07:33 AM


الساعة الآن 03:55 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir