أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ،والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال           

إضافة رد
قديم 12-31-2009
  #1
نوح
رحمتك يارب
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,437
معدل تقييم المستوى: 18
نوح is on a distinguished road
دعاء في الحرم

قال تعالى: “وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام* رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم” (إبراهيم 35 - 36).


أخي القارئ تعال بنا لنعيش مع دعاء الخليل إبراهيم عليه السلام وهو في الحرم، ولنقترب من صياغة الآيات المباركة فجملة “وإذ قال إبراهيم...” معطوفة على جملة “ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا...” والمراد بها تأكيد تعجب النبي صلى الله عليه وسلم ببيان جناية أخرى من جنايات أهل مكة، حيث إنهم لم يكتفوا بتبديل نعم الله كفرا، وإهمال الشكر على ما بوأهم الله من النعم الجليلة بإجابة دعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام، وبدلوا اقتداءهم بسلفهم الصالح اقتداء بأسلافهم من أهل الضلالة، وبدلوا دعاء سلفهم الصالح لهم بالإنعام عليهم كفرا بمفيض تلك النعم.


ويجوز أن يكون قوله: “وإذ قال إبراهيم...” معطوفاً على قوله: “الله الذي خلق السموات والأرض” بأن انتقل من ذكر النعم العامة للناس التي يدخل تحت منتها أهل مكة بحكم العموم إلى ذكر النعم التي خص الله بها أهل مكة، وغيّر الأسلوب في الامتنان بها إلى أسلوب الحكاية عن إبراهيم لإدماج التنويه بإبراهيم عليه السلام والتعريض بذريته من المشركين.


و”إذ” ظرف زمان منصوب على أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره: اذكر، أي: واذكر وقت قول إبراهيم، وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت أي الزمن من دون ما وقع فيه من الحوادث مع أنها المقصودة بالذات للمبالغة، في إيجاب ذكرها.


والتعبير ب”قال” دون “دعا”، لأن القول عموما يشمل الدعاء وغيره، كما أن ما قاله إبراهيم عليه الصلاة والسلام منه ما هو دعاء، ومنه ما ليس بدعاء.


وأصل (رب) ربي، وحذفت ياء المتكلم تخفيفا وهو منادى بحرف نداء محذوف، وفي حذف حرف النداء إيحاء بقرب إبراهيم عليه السلام من ربه، وفي إيثار لفظ (رب) وإضافته إلى ضميره تأكيد لقرب إبراهيم من ربه، وعنايته بإبراهيم وتربيته له، كما ينبئ به مدلول اللفظ.


والبلد: المكان المحيز من الأرض، ويطلق على القرية، واللام فيه للعهد، والمراد مكة المكرمة، وأبهم لتعينه في علم المخاطبين، وقد وضح بعد ذلك بقوله: “عند بيتك المحرم”.


والبلد: بدل من اسم الإشارة، والإشارة لتعظيم البدل وتفخيمه، وتمييزه أكمل تمييز بوساطة الإشارة إليه.


البلد الآمن


ومن مشتبه النظم مع هذه الآية قوله تعالى في سورة البقرة على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام: “وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً...” (آية: 126) بتنكير (بلد) وقال في هذه السورة: “رب اجعل هذا البلد آمناً..” بتعريف لفظ (البلد) فالدعوتان مضمونهما واحد، وهما متشابهتان في النظم، مع وجود اختلاف في تعريف وتنكير لفظ (البلد) فما السر في هذا التغاير؟ يمكن أن يجاب عن ذلك بوجهين: أحدهما: أن يقال: إن الدعوة الأولى صدرت ولم يكن المكان قد صار بلدا، فكأنه قال: اجعل هذا الوادي بلداً آمناً، وعليه فاسم الإشارة مفعول أول، و(بلدا) مفعول ثان، و(آمنا) صفته، وأن الدعوة الثانية المعرف فيها لفظ (البلد) وقعت وقد جعل المكان بلدا، فكأنه قال: اجعل هذا المكان الذي صيرته بلدا ذا أمن على من أوى إليه، وسكن فيه، وعليه ف (هذا) مفعول أول، و(البلد) عطف بيان أو صفة، و(آمنا) مفعولاً ثانياً، وبذلك عُرف اللفظ حين كان بلداً معروفاً، ونُكر حين كان مكاناً من الأمكنة غير مشهور عنها بالتمييز بخصوصية من عمارة وسكنى الناس.


والوجه الثاني: أن تكون الدعوتان واقعتين بعدما صار المكان بلداً، وإنما طلب إبراهيم عليه الصلاة والسلام من ربه أن يجعله آمنا، وهذا ظاهر في قوله: “اجعل هذا البلد آمناً”، أما في قوله: “اجعل هذا بلداً آمناً” فكأنه قيل: اجعل هذا البلد بلداً آمناً، وبناء على هذا التقدير يكون المطلوب هو الأمن بعد ما صار بلدا. وخلاصة الكلام: إما أن تكون الدعوتان وقعتا في وقتين مختلفين، فالتي وردت بالتنكير وقعت قبل جعل المكان بلدا، والمسؤول فيها شيئان: البلدية والأمن، والتي وردت بالتعريف وقعت بعد جعل المكان بلدا والمسؤول فيها شيء واحد هو الأمن.


وإما أن تكون الدعوتان وقعتا بعدما صار المكان بلداً، والمسؤول في كل منهما هو الأمن فقط، والبلدية موجودة في حال التعريف تصريحا، وفي حال التنكير تقريراً.


الثبات على التوحيد


وننتقل لتأمل صياغة الدعاء الثاني للخليل إبراهيم عليه السلام وهو في رحاب البيت: “واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام” ووصل بين هذا الدعاء وسابقه لاتحاد الجملتين في الإنشائية مع التناسب، وهو ما يطلق عليه مصطلح التوسط بين الكمالين و”اجنبني” فعل أمر من “جنب”، يقال: جنبته الشيء، بفتح النون أي نحيته عنه وأبعدته، والجنب والجانب: الناحية، وأصل التجنب أن يكون الرجل في جانب غير ما عليه غيره، ثم استعمل بمعنى البُعد، ومعنى الدعاء: وبَعدْني وبنيّ أن نعبد الأصنام، كأنما سأل ربه أن يقوده عن جانب الشرك بألطاف منه وأسباب خفية كما قدره الراغب.


وآثر التعبير ب”اجنبني” على التعبير ب”أبعدني” لما في “اجنبني” من معنى البعد وزيادة معنى آخر هو جعله في جانب آخر غير ما هي (أي الأصنام) فيه.


وخرج الأمر “اجنبني” عن معناه الحقيقي إلى المعنى المجازي وهو الدعاء، والمراد طلب الدوام والثبات على التوحيد، والبعد عن عبادة الأصنام.


والمراد ببنيه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام أبناء صلبه، فهو من باب التغليب، تغليب الجمع على التثنية، أو استعمال الجمع في التثنية، وقيل: المراد ببنيه جميع نسله تعميما للخير فاستجيب له في البعض.


وأوثر المصدر المؤول (أن نعبد) على المصدر الصريح (عبادة) لأن في استعمال الفعل المضارع إشارة إلى عدم وقوعهم في عبادتها، ويطلب لهم الثبات على ذلك مستقبلاً.


والأصنام: جمع صنم وهو تمثال يصنع من حجارة أو خشب أو غير ذلك، وتأنيث الأصنام، لأنها جمع ما لا يعقل فيخبر عنها إخبار المؤنث.


اللجوء إلى الله


ودعاء الخليل عليه الصلاة والسلام يثير في النفس سؤالا: أنه إذا كان من المعلوم أن الله تعالى يثبت الأنبياء عليهم السلام على الاجتناب فما الفائدة في سؤال إبراهيم عليه السلام ربه التثبيت؟


والجواب أنه ذكر ذلك إظهاراً للحاجة والفاقة إلى فضل الله سبحانه وتعالى في كل المطالب.


أو أن عصمة الأنبياء عليهم السلام ليست لأمر طبيعي فيهم بل بمحض توفيق الله إياهم وتفضله عليهم، ولذلك صح طلبها.


أو إنما سأل هذا السؤال في حالة خوف أذهله عن ذلك العلم، لأن الأنبياء عليهم السلام أعلم الناس بالله فيكونون أخوفهم منه ويكون معذورا بسبب ذلك.


ويبدو في دعوة إبراهيم عليه السلام الثانية تسليم إبراهيم المطلق إلى ربه، والتجاؤه إليه في أخص مشاعر قلبه، فهو يدعو أن يجنبه عبادة الأصنام هو وبنوه، يستعينه بهذا الدعاء ويستهديه، ثم ليبرز أن هذه نعمة أخرى من نعم الله، وإنها لنعمة أن يخرج القلب من ظلمات الشرك وجهالاته إلى نور الإيمان بالله وتوحيده فيخرج من التيه والحيرة والضلال والشرود إلى المعرفة والطمأنينة والاستقرار والهدوء، ويخرج من الدينونة المذلة لشتى الأرباب إلى الدينونة الكريمة العزيزة لرب العباد. إنها لنعمة يدعو إبراهيم ربه ليحفظها عليه فيجنبه هو وبنوه أن يعبد الأصنام.


وقد علل إبراهيم عليه الصلاة والسلام دعاءه بأن الأصنام تسببت بضلال كثير من الناس، وذلك لما شهده وعلمه من كثرة من فتنوا بها وضلوا في جيله وفي الأجيال التي قبله فقال: “رب إنهن أضللن كثيراً من الناس” وتسمع في هذا التعليل نبرة الحزن والألم والشكوى إلى الله مما فعلته الأصنام بالناس وتحسره بسبب ذلك، وهذا ما أومأت به إعادة النداء، وفي تصدير النداء بلفظ الربوبية اهتمام ببث شكواه إلى من أحاطه برعايته وقربه.


و(إن) في قوله “إنهن أضللن كثيراً من الناس” أفادت الربط والتعليل.


وقد يقال: كيف أسند الإضلال إلى الأصنام وهي جمادات لا تضر ولا تنفع؟ وكيف جُعلت مضلة، والمضل ضار، وقد نفي عنها الضرر والنفع في آيات كثيرة منها قوله تعالى: “ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم” (يونس: 18)؟


ويجاب عنه بأن إسناد الإضلال إلى الأصنام من باب إسناد الفعل إلى سببه، وبيان ذلك أن الأصنام لما كانت سببا في الضلال فقد أسند الفعل إليها، أو أن كثيراً من الخلق لما ضلوا بسببها فكأنها أضلتهم، كما يقال: “فتنتهم الدنيا وغرتهم، وأهلكهم المال، أي افتتنوا بسبب الدنيا واغتروا، وهلكوا بسبب المال، وفي هذا الإسناد مجاز عقلي بعلاقة السببية، وفي إسناد الفعل إلى سببه إشارة إلى قوة السبب الأصنام وأثره الكبير في الإضلال وكأنها هي الفاعلة له، وقيد الإضلال بقوله “كثير”، وهذا يدل على قلة الذين لم تضلهم الأصنام، وعلى كثرة من أضلتهم.


بين الاتباع والعصيان


والفاء في قوله “فمن تبعني فإنه مني...” تفريعية، حيث تفرع عن التعليل في قوله: “رب إنهن أضللن كثيراً...” تقسيم الناس قسمين: قسم تبع إبراهيم فيما دعا إليه من التوحيد أي أنه من أهل دينه، وقسم أصر على الشرك وعبادة الأصنام فأمره موكول إلى الله تعالى.


و(من) في قوله (مِني) يجوز أن تكون تبعيضية على التشبيه أي فإنه كبعضي في عدم الانفكاك، لفرط اختصاصه بي وملابسته لي.


ويجوز أن تكون (من) في الآية اتصالية، أي فإنه متصل بي لا ينفك عني في أمر الدين، كما في قوله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه (أنت مني بمنزلة هارون من موسى).


وتسميتها اتصالية، لأنه يفهم منها اتصال شيء بمجرورها، وقوله (ومن عصاني) أي ومن لم يتبعني، والتعبير عن عدم اتباعه بالعصيان، للإشعار بأنه عليه السلام مستمر على الدعوة، وأن عدم اتباع من لم يتبعه إنما هو لعصيانه وليس لتقصير إبراهيم عليه السلام في تبليغ الدعوة إليه.


وبين الاتباع والعصيان طباق معنوي لما بينهما من تضاد في المعنى، فالاتباع طاعة، وعدم الاتباع عصيان. وقوله: “فإنك غفور رحيم” فيه إيجاز بالحذف تقديره: “ومن عصاني فليس مني وأفوض أمره إليك فإنك غفور رحيم”، وفي هذا التفويض تأدب من الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم في الدعاء، حيث لم يقترح على ربه، وترك أمر العاصي إلى الله تعالى، ولم يجزم في شأنه بشيء.


وأكد إبراهيم عليه الصلاة والسلام مغفرة ربه ورحمته بإن وبصيغتي المبالغة “فإنك غفور رحيم” أي بليغ الستر، بليغ الإكرام بعد ستر الذنوب.


ولعل هذا التأكيد فيه إلماح إلى زيادة رغبة إبراهيم عليه السلام في العفو، لأنه لا ينقص به شيء من عزته سبحانه ولا من حكمته، كما أشار إليه دعاء عيسى عليه السلام “إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم”. (المائدة 118)


والله أعلم بمراده، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________

نوح غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 01-02-2010
  #2
معين
محب متألق
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 140
معدل تقييم المستوى: 16
معين is on a distinguished road
افتراضي رد: دعاء في الحرم

قال تعالى: “وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام* رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم” (إبراهيم 35 - 36).
__________________
معين غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 01-02-2010
  #3
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: دعاء في الحرم

مقال مفيد -بارك الله بكم
__________________
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دعاء الإمام زين العابدين‏ عليه السلام يوم عرفة : دعاء كاف وا فراج يعقوب المناسبات الدينية واخبار العالم الاسلامي 0 09-10-2016 08:55 AM
دعاء الحاجه .. الوفا لله الآذكار والآدعية 0 07-23-2013 08:39 AM
من نفحات الحرم العين الساهرة الانشاد والشعر الاسلامي 10 07-08-2012 02:06 AM
الصيد يحرم في الحرم وعلى المحرم لا في الأشهر الحرم عبدالقادر حمود الفقه والعبادات 2 07-04-2010 03:45 PM
موقع عظيم بث مباشر من الحرم المكي ابن نجرس الصوتيات والمرئيات 6 01-28-2010 09:48 AM


الساعة الآن 12:48 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir