صانعوها يتنازعون على الأحقية في شهرتها
حلويات رمضان تسبح بالقطر وتنعم بالقشطة



نسرين درزي

هي سيدة المائدة الرمضانية والأكثر تألقا بين أطباقها على الإطلاق. فمن دونها لا تكتمل أي «عزومة» لا على إفطار ولا حتى على سحور. حضورها يريح النفس وألوانها تلفت الأنظار، فيما رائحتها تفتح الشهية وتدعو إلى التلذذ بها قطعة بعد قطعة في أي وقت خلال السهرة. فلا موعد محدد لتناول الحلويات في رمضان، ولاسيما الشرقية منها خصوصا إذا كانت من تلك الأصناف التي تؤكل ساخنة يتغلغل فيها القطر المحلى ويغلفها الفستق المبروش وزهر الليمون.

صغار وكبار يسألون كل يوم في رمضان عن الأصناف المختارة من الحلويات كمكافأة بعد نهار صيام طويل. ومع تنوعها وتعدد مسمياتها عند منصة العرض، يحتار الواحد فينا ماذا يطلب من بائعها وأي كمية يشتري. ومع خفة يد البائع ولهفة العين إلى مغرياتها، تجدنا نطلب أكثر من صنف ونشتري أكثر من حاجتنا. الجميع على هذه الحال والمشهد يتكرر يوميا، وكأن «الكنافة» و«الجزرية» و«العثمنلية» ورفيقاتها سوف تنفذ من السوق إن لم نحكم عليها قبضاتنا.

ومع حلاوة مذاق «اللقيمات» و»العصيدة» و«البلاليط»، وهي من الحلويات التراثية التي لا غنى عنها، والتي يقتصر تحضيرها في الغالب داخل البيوت، فإن قائمة الأطايب في الإمارات تتسع رقعتها لتشمل عشرات الأصناف الأخرى. وفي جولة على بعض من أنواع الحلوى، نروي قصصا عنها يتداولها صانعوها. وعلى الرغم من أن غالبيتها من بلاد الشام، غير أن الشاطر بشطارته ينسب أصل هذا الصنف أو ذاك إلى بلاده ويصر على ذلك، علما أن الحلويات دخلت منذ زمن في دائرة العولمة. وانتقلت مكوناتها إلى شعوب مختلفة بات كل منها يحضرها بطريقته ويمنحها توقيعه.




سر الصنعة
«الكلاج» الذي يعتبر من أكثر الحلويات الرمضانية شعبية، مازال يتصدر قائمة المبيعات. أما تاريخه الحديث فيعود إلى نحو 40 عاما، حين اكتشف رجل لبناني المادة الأساسية التي تتكون منها هذه الحلوى. وهي في الأصل حلوى تركية كانت من أسرار بعض العائلات العثمانية. واستطاع هذا الطاهي بعد قيامه بعدة تجارب أن يعرف سرّ هذه البضاعة، وصار يصنعها في لبنان. مادة «الكلاج» الرقيقة والتي تنقع في الماء، يتم حشوها عادة بخلاصة الحليب البلدي أي «القشطة». وبعد لفها بطريقة معينة، يتم قليها بالزيت ومن ثم تسبح بـ»القطر» وترش بالسكر الناعم.

وبالانتقال إلى «القطايف»، الصنف الذي يحتل الرقم 2 من حيث المبيع، فهو يعود إلى العصر العباسي، فيما آخرون يرجحون أنه نوع من الحلويات التي ظهرت في الحواري الدمشقية. وتذكر كتب التاريخ أن هذه الفطيرة أصلها من الأندلس، حيث عرفها العرب في مدن مثل غرناطة وإشبيلية، ثم انتقلت إلى بلاد المشرق العربي خلال الحكم الإسلامي.

والطريف في أمر الحلويات ذلك النزاع على أصل «البقلاوة»، والذي تحاول عدة دول نسبته إليها. والصراع هذه المرة لا يقتصر على لبنان وسوريا والأردن، وإنما يتعداها إلى صانعي الحلوى الأتراك والقبارصة الذين يصر كل طرف منهم على أنه الأحق في شهرة هذه الحلوى الشهية المذاق. وهي تعود في الغالب إلى المطبخ البيزنطي.

أطايب ولذائذ

أما المطبخ السوري فهو غني بأصناف الحلوى الرمضانية وغيرها، إلى حد أنه يتربع بلا منازع على عرش الأطايب والسكريات المصنوعة من كل أنواع اللذائذ، وعلى رأسها «حلاوة الجبن». وهي من الحلويات التي تصنع بطريقة خاصة وعلى عدة مراحل وبعدة أشكال من الدقيق و«القشطة» البلدية. وأول من أدخل هذه الحلويات، هي مدينة حماة ومنها انتقلت إلى حمص ودمشق ومن ثم إلى المدن المجاورة. ومثلها «النمورة» و«الكرابيج» و«الجزرية» و«الشعيبيات» و«البلورية» و«البرازق» و«المبرومة» و«النمورة» و«عش البلبل» و«الوربات» و«العوامة» و«المشبك» و»بلح الشام».

وعلى العكس من ذلك، ومن أصناف الحلوى اللذيذة والتي لم يصل صداها بعد إلى خارج أراضيها، قائمة الحلويات التونسية التي تضم مئات المذاقات. ومنها «محكوكة» و«مدموجة» و«رخايمية» و«رفيسة» و«محلبية» و«زريقة» و«جاوية» و«جوارش» و«تكوة» و«مجامع» و«طواجن» و«كعك». وتعود أصول الحلويات التونسية إلى خليط من العربية والبربرية والرومانية والأندلسية والتركية والإيطالية.