أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم أهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت           
العودة   منتديات البوحسن > التزكية > رسائل ووصايا في التزكية

رسائل ووصايا في التزكية كلّ ما يختص بعلوم السلوك وآداب القوم وتزكية النفس والتصوف الإسلامي

 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 03-23-2011
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي المثنوي العربي النوري - نور من انوار نجوم القرآن


المثنوي العربي النوري - ص: 435
الرسالة الثالثة عشرة
نور
من انوار نجوم القرآن


المثنوي العربي النوري - ص: 436
باسمه سبحانه
لقد كشف هذه الرسالة الباحث الدؤوب اخونا الكريم نجم الدين شاهين أر وذلك اثناء تحريه وتنقيبه عن آثار الاستاذ النورسى ، فوجدها ضمن مجموعة هائلة من الاوراق المتفرقة المدفونة تحت منصة الوعظ في الجامع الملاصق لمنزل الاستاذ النورسى في منفاه "بارلا". ولما كانت الرسالة مؤلفة باللغة العربية فسلمها لي مشكوراً وقد قمت بترجمتها الى اللغة التركية وضممتها مع ترجمتي للمثنوى العربي.
والمخطوط هو بخط جيد للحافظ توفيق الشامي وقد اجرى عليه الاستاذ تصحيحاتٍ دقيقة. والرسالة بحد ذاتها اصول موجزة واسس ملخصة لاجزاء من رسائل النور، ومن هنا فلها اهمية خاصة.
واذ اقدم هذا المخطوط لأخي الكريم احسان قاسم الصالحي ابارك له عمله في التحقيق والنشر راجياً له التوفيق.
عبدالقادر بادللى
اورفة


المثنوي العربي النوري - ص: 437
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
(الحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله
لقد جاءت رسل ربنا بالحق)
1.
والصلاة والسلام على حجّة الحق على الخلق سلطان الانبياء وبرهان الأصفياء حبيب ربِّ العالمين وعلى آله وصحبه أبد الآبدين.
اعلم 2! إنه ما ِمنْ سهل ولا جبلٍ ولا وادٍ ولا بادٍ ولا بحرٍ ولا بَرٍّ ولا قطعة ولا بقعة في اقطار الأرض الاّ وقد تزاحمَتْ عليها انواعُ سكّاتِ الأحدِ الصمدِ، حتى كأن هذا الجبلَ - مثلاً - يُعلَمُ أَنَّهُ مملوكُه سبحانه بعدد ما فيه من مماليكهِ المتوطنةِ فيهِ من اقسامِ الحيواناتِ واصنافِ الاشجارِ.. وكذا يُعرَف أنّه مصنوعُهُ تعالى بعدد شهاداتِ ما ضُرِبَ عليه من سكّاتهِ المتلألئة عليه من اجناسِ النباتات واَنواع الطيور.. ويُفهَم أنَّهُ مكتوبُهُ جلّ جَلاله بعدد ما ضُرِب على جوانبهِ من خواتمهِ سبحانَهُ من مُزيّنات الأزهار وجميلات الأثمار. فاذا عَرَفْتَ ان النَّحلَ والنَّخلَ - مثلاً - مالُهُ وصُنعُهُ سبحانه تعرِفُ ان كلَّ ما يُوجَدُ فيه نحلةٌ او نخلةٌ هو ايضاً مُلكُه. وهكذا الكلُّ شاهدُ الكلّ. وكلٌ دليلُ كلٍّ.
والدليل على انّ السكّاتِ والخواتمَ في جميع الأقطار لِمَلِكٍ واحدٍ ومالكٍ صمدٍ؛ وحدةُ زمانِ ضَربها ووضَعِها. ففي آن واحدٍ يُوجَدُ ما لايُحدّ في أقطار الأرض من المتماثلات من أجناس الأشياء.
_____________________
1 الاعراف: 43
2 تفصيل هذا البحث في الكلمة الثانية والعشرين، لاسيما اللمعة السادسة والثامنة منها.



المثنوي العربي النوري - ص: 438
فما هذا التوافق في الوجود والايجاد والصورة والإنشاء والزمان إلاّ لأن صانعَها واحدٌ أحدٌ لايمنعُه فعلٌ عن فعل ولايُشغلُهُ شأنٌ عن شأن ولا يلهيه قولٌ عن قول ولا يختلطُ عليه سؤالٌ - قولاً أو حاجةً او استعداداً - بسؤالٍ كذلك، جلّ جلاله ولا اله الاّ هو.
اعلم 1! انّك إن شئْتَ أنْ ترشُف إعجازيةً اُفيضتْ على قلبي من عمان القرآن.. فاستمعْ بقلبٍ شهيد ما اخاطب نفسي.
أيها السعيد الغافل حتى عن نفسه وعن غفلته!.
ان الغفلةَ والكفرانَ والكفرَ تأسسّتْ على محالات متضاعفة متسلسلة غير محصورة؛ ِاذْ اذا نظرتَ الى ايّ شيء كان لاسيما من ذوي الحياة ثم غفلتَ بسبب عدمِ الاسنادِ اليه تعالى - اي الى الاله الواحد - لَزِمتك هذه المحالات العجيبةُ بقبولِ آلهاتٍ بعدد أجزاء التراب والهواء والماء.. بل بعدد الذرات ومركباتها.. بل بعدد تجليات الله.. ولو أمكن عدمُ الاسناد لما لَزِم من فرضِ وقوعِهِ محالٌ - اذ اذا لَزِمَ المحالُ فهو ممتنعٌ، لاممكنٌ، مع انه لايلزمُ محالٌ واحد - بل محالاتٌ غير محصورة.
امّا لزومُ آلهاتٍ بعددِ أجزاءِ التراب: فلأنّك تعلم ان أيّ جزء من التراب ترى، يَصْلُح لحصول أيِّ نباتٍ وشجرٍ وأيَّةِ زهرة وثمرةٍ.. فاِنْ شِئْتَ عين اليقين فاملأ قصعَتك هذه من التراب.. ثم ادفن فيها نواةَ التين حتى تتشجّر تينةً مثمرةً.. ثم اقلعها وأدفنْ بَدَلَها نواةَ الرُّمانةِ. ثم بعدُ نواة التّفاح.. ثم.. وثم.. وثم.. حتى تستوعب جَميعَ الاشجارِ المثمرةِ، وقد ترى كم ما بينها من التفاوتِ في الجهازاتِ المنظمةِ والتشكلاتِ الموزونة.
مثلاَ: لو كانت (الماكينة القَدَرية) المندمجة في نواة التينة (كالفابريقة) التي تصنع السكرَ من النباتاتِ لكانت (الميكانيكية القُدرتية) المندرجة في نواةِ الرّمانة كالماكينة التي تنسج الحرير وهكذا فقس. ثم ادفن بدل نواةِ الأثمار كلَّ واحدٍ من بذور الأزهار، بذراً فبذراً، واحداً بعد واحد الى ان لاتبقى بذرةٌ في الدنيا ِالاّ وقد دخلتْ في قصعتك ذرّةً ميتةً جامدةً ثم خرجتْ حيةً متسنبلةً متزهرّة.
_____________________
1 توضيح هذا البحث في الكلمة الثانية والعشرين وبخاصة اللمعة الرابعة والثامنة، وكذا رسالة »الطبيعة«.




المثنوي العربي النوري - ص: 439
فياصاحبَ القصعةِ إنّ حصلتْ غفلتُك من مذهب المادّيين؛ لزِمك البتة وبالقطع واليقين الأوليّ - لادامة غفلتك - ان تقبل وجود (فابريقات) معنوية بعدد الاشجار (وماكينات) بعدد الأزهار في قصعتك هذه. فلو كان المرجع "الطبيعة" َلزِمَ ان يكون للطبيعة في كلِّ جزءٍ من التراب بل في ذرّةٍ مطبعات غير محصورة.. وما النواتاتُ والبذورُ الاّ أمورٌ متماثلة في المادة ومشابهة في التشكيل ومتقاربة في الشكل.. وما هي الاّ كمثل مثقالٍ واحد من قطن مع انه يُنسَج منه قناطير مقنطرة من أثواب الحرير والجوخ والصوف وغيرها. وآية (خَلَقكم من نفس واحدة) 1 وآية (خَلق كلَّ دابةٍ من ماء) 2 وغيرهما، تشير الى ان المادة التي تُخلَقون منها لـمّا كانت واحدة لامركبة كمثل أحدكم، بل أصغر، لايمكن ان تكون مصدراً تنشقون منه أو منشأً تُصنَعون منه، للزوم كونِ المصنوع منه أكبر أو مساوياً للمصنوع، على ان ايجاد البذور والنواتات - التي كل منها مع بساطتها كأنّها مِسطر قُدّرت خيوطُه بهندسة القَدَر، ومع صغرها كأنّها أصلٌ متضمن لمجموع دساتير وجود ماهو كأصلها - مع ابداعها في رقائقِ نهاياتِ دقائق حدودِ أغصان الشجر واعضاءِ النبات.. من أصدق شاهدٍ على أن خلَقها هكذا لا يُتصور الاّ ممن خَلق السموات والأرض، الذي تتساوى بالنسبة الى قدرته الذرات والشموس.
وإن نشأتْ غفلتُك من مذهب الطبيعيين، لَزِمك لحفظ غفلتك - ان كنت ذا شعور - ان تقبل في قصعتك وجود قدرةٍ بصيرةٍ خارقةٍ، بحيث تقتدر على تصوير جميع الأثمار والأزهار وانشائها وابداعها.. وكذا وجود علمٍ محيطٍ بتفاصيل خواصها وخاصيّاتها.. وكذا وجود اِرادة علمية بتفاريق موازينها ولوازماتها.. وهكذا من سائر الأسماء المطلقة المحيطة التي لايمكن ان يكون مسمىً لها:
الاّ مَن
(يطوي السّماء كطيّ السّجل للكتب) 3 ومَنْ؛ كما ان الأرضَ قبضتُه يتصرف فيها كيفما يريد، كذلك القلبُ بين أصبعيه يقلّبه كيفما يشاء، لا يُشغله كبيرٌ عن صغير، ولا يُلهيه خطيرٌ عن حقير..
_____________________
1 النساء: 1
2 النور: 45
3 الانبياء: 104




المثنوي العربي النوري - ص: 440
والاّ مَن يتجلّى بنور قدرته على العرش والشمس والذّر، باليسر والتساوي؛ كانعكاس الشمس على البحر والمرآة والقطرات بكمال السهولة والمساواة في ماهية الفيض وان تفاوتت الكيفية التابعة للقابلية.
كما يشهد لهذا السرّ ما يشاهَد في الربيع من الجود المطلق نوعاً.. في الاتقان الأكمل - شخصاً - في السهولة المطلقة، في السرعة المطلقة في ايجاد ما لايحدّ من أفرادِ ما لايعدّ من أنواع الأزهار والأثمار المنثورة والمنشورة في غالب وجه الأرض في زمان واحد..
ثم أفرغ قصعَتك في هذا التراب واملأها من صُبرة الأرض واعمل في هذا أيضاً كل المعاملة الجارية في أخيه الأول، ثم جدّد الكيل والمعاملة الى ان تكيل كل التراب.
كما يشهد لمساواة المعاملة في كلّ كيلٍ جريانُ المعاملة بالفعل في الجملة في غالب وجه التراب بظهور اشتات أفراد كثيرٍ من الأنواع في ما صادفته من صفحات التراب في سيرك في الأرض.
ثم توجّه الى الهواء والماء والضياء فَزِن وكِلْ بقسطاس قصعتك تخرج لك النتيجة سواءً بسواء.
هذا بالنظر الى جميع أفراد جميع الأنواع، والحال ان كل فرد واحد من كلّ زهرة وثمرة وحيوان وحُوَيْنَةٍ كقطرة محلوبة معصورة من كل الكون ومأخوذة من أجزاء العالم بموازين دقيقة حسّاسة وبنظامات رقيقة جسّاسة لايقتدر على خلقها هكذا الاّ مَن في قبضته تصرف كل الكون، فيعصر تلك القطرة من تلك الكائنات بموازين ومقادير قَدَره ان شاء النشوّ 1، او يُبدع مثالاً مصغراً يكتب في نسخته مآل ما في الكائنات، إن أراد الإبداع وايجاد الأيس من الليس 2، كما هو الحق أو الأكثر المطلق.
واما لزوم ذي الكفر والكفران آلهةً بعدد ذرّات العالم فقد مرّ في "حَباب" و"قطرة" وغيرهما.. [4] وامّا بعدد تجليّات الله، فقد مرّ في ذيل "شعلة" زبدته؛
_____________________
1 النشوء: النماء.
2 الأيس: الوجود. والليس: العدم الصرف.



المثنوي العربي النوري - ص: 441
كما أن تماثيل الشمس المتجلية على الشفافات والقطرات اِذا لم تسند الى الشمس الواحدة بالتجلّي السهل، لزِم قبول شموس بالاصالة في كلّ شفاف وقطرة وذرة متشمسة.
فان تفهمتَ ما تلوتُ على نفسي تفطنتَ للمعةٍ من انوار أعجاز بيان القرآن من جهةِ المعنى، إذ هذه المسألة رشحة من رشحات بحر اعجازه الزاخر المعنوي.
اعلم 1! ان الايمان إكسير يقلِبُ فحمَ المادة الفانية ألماساً مصنّعاً مرصّعاً باقياً بمعناه بنسبته الى الصّانع الباقي.. والانسان بالكفر يعكس فينتكس، اذ كما انه يوجد في مصنوعات البشر ما تكون قيمةُ مادته خمسة دراهم، وقيمةُ صنعته الوف الدنانير، وتتزايد القيمة بكون صانعه شخصاً مشهوراً خارقاً عتيقاً.
كذلك في مصنوعات الصانع القديم
(الّذي خَلقَ السّمــوات والأرض في ستّة أيّام) 2 وزيّن السماء بمصابيح، والأرض بأزاهير. بل من أغرب مصنوعاته "الانسانُ" الذي مادتُه "صلصال كالفخار" ينكسر ويتمزّق بسرعة، ماقيمته الاّ شئ قليل.. واما ما فيه من الصنعة فأمرٌ عظيمٌ تزيد قيمتُها على قيمة المادة بدرجات لاتعد ولاتحصى.. اذ الانسان بنقش الصنعة قصيدةٌ منظومةٌ من لطائف آثار جلوات الأسماء الحسنى.. ومرآة مجلوةٌ لتجليات اشعّات شؤون شمس الأزل والأبد.
فالايمان نسبةٌ يُنسِبُ الانسانَ الى مالكه، وجهةُ النسبة انما تنظر الى الصّنعة، فيكون مدار النظر حينئذٍ الى المصنوعية والصنعة. فبالايمان تزيد قيمةُ الانسان الى ان تصير الجنة ثمنَه، وتكون الخلافة رتبتَه، ويطيق على حمل الأمانة.. واما الكفر فهو قاطع النسبةِ، وقاطع الوصلة.. فاذا انقطعت النسبة استتر الصنعُ، وانتكست الصنعةُ واختفى التجلي، وظهرت المادةُ، وانقلبت المرآة وسقطت القيمة الى دركة يتمنّى الكافرُ العدمَ، أو ينقلب تراباً.
الحاصل: ان الانسان كماكينة مشتملة على ملايين آلاتِ الوزنِ وميزاناتِ الفهم، توزن بها مدخرات خزينة الرحمة.. وجواهر ثروة الكنز الخفي. حتى اُودعَ في اللسان فقط جهازاتٍ للوزن بعدد المطعومات، ليحسّ ذوو اللّسان بانواع دقائق نِعَم الحق.
_____________________
1 الكلمة الثالثة والعشرون توضح هذا المبحث.
2 الاعراف: 54



المثنوي العربي النوري - ص: 442
فاذا استعمل تلك الماكينة امينُ يمين يُمن الايمان أثمرت ثمرات واورثت آثاراً عند مَن لايضلّ ولاينسى.
واما اذا ما وقعت في يد الكفر صارت كمثل ماكينة غالية القيمة بلا مثيل، اخذها وحشيّ لايعرف ما هي، فاستعملها في خدمة النّار - كآلة عادية - حتى أحرقها.
فيامَن بيده ملكوتُ كل شئ، وبيده مقاليدُ كل شئ، ويامَن هو آخذ بناصيةِ كل شئ، ويامَن عنده خزائن كل شئ، لاتكِلنا الى أنفسنا، وارحمنا، ونوّر قلوبنا بنور الايمان والقرآن.
(إن وَعدَ الله حقٌ فلا تَغرنّكُمُ الحياةُ الدنيا ولا يَغرنّكُم بالله الغرور) 1
اعلم 2! أيها السكران السفيه الغافل الضّال! تورطتَ في مزبلة الدنيا فتريد اضلال الناس بتصوير تلك المزبلة معدن السّعادة ليتخَفّف عنك. فان امكن لك قلب أربعِ حقائق فاصنع ما شئت.
احدها: الموت. مع انّك لاتقلِب، بل تبدّل الموت الذي هو تبديل لمكان في نظر المؤمن اعداماً أبدياً.
والثاني: العجز في مقابلة الحاجات والأعداء الغير المحصورين، مع انك تحوّل العجز المنجر للاستناد الى القدير المطلق - كأن العجز داعٍ يدعوك اليه - الى عجز مطلقٍ مع اليتم وعدم نقطة الاستناد..
والثالث: الفقر في الأكثر المطلق، مع انك تصرّف الفقر - الذي هو وسيلة التوجه الى خزينة الغني المطلق كأن الفقر تذكرة دعوة - الى فقرٍ مظلمٍ مؤلم متزايد بتزايد رذائل المدنية.
والرابع: الزوال؛ اذ زوال اللذة ألمٌ دائم. فلا خيرَ في لذةٍ لاتدوم. مع انك تحول الزوال - الذي هو وسيلة الوصول الى اللذة الباقية ان قارن نية صالحة - زوالاً أليماً، لا الى بديلٍ، مورثاً آلاماً وآثاماً.
_____________________
1 لقمان: 33
2 الكلمة الثامنة توضح هذا المبحث بتمثيل لطيف.



المثنوي العربي النوري - ص: 443
فمَن ينتظر الموت دائماً.. ويحيط به العجز.. ويستولي عليه الفقر.. وهو على جناح السفر.. انما ينخدع بسفسطياتك حالةَ السُكر فقط، والسُكر لايدوم. [5] فالتي تسميها سعادة الحياة هي عين شقاوةِ الحياة من كل الوجوه، وانما تكون سعادة ظاهرية بشرط دفع الموت أو نسيانه على الاطلاق.. ورفع العجز أو الغرور المطلق.. ودفع الفقر. أو الجنة المطلقة ودوام الخلود أو تسكين جرخ الفلك.
نبّهني الله واياكم عن نوم الغفلة الذي تظنون فيه اليقظة الكاذبة - التي هي انغماسٌ في غمرات النوم - انتباهاً، وأفاقني الله واياكم من الجنون المطلق الذي تتوهمونه عقلاً منوراً.
اعلم! وانظر كيف أدرج الصانعُ القدير ملايين عوالمٍ من أنواع الحيوانات والنباتات في سطح الأرض، كل عالمٍ كبحرٍ صارت قطرات للتوظيف، كتوظيف النمل لتنظيف وجه الأرض من جنائز الحُوَينات. وقد أطبقت تلك القطرات على وجه الأرض.. أو ككلِّ ذي اُجزاء صار ككليّ ذي جزئيات.
كما ان الماء والهواء والضياء والتراب لاسيما الثلج كقطرات صارت بحراً لتماثل الوظيفة، ووحدة الأمر، وتلقي الأمر الوحداني. فاجزاء الأربعة ككلياتِ تلك، مشعورةٌ معلومة موظفةٌ. فتداخلت تلك العوالم الغير المحصورة واختلط الكلّ بالكلّ واشتبك، مع ان الصانع الحكيم ميّز كلَّ واحدٍ عن كلِّ واحدٍ بتشخصّاته المخصوصة ولوازماته المشخّصة، فاظهر نهاية الامتياز في غاية الاختلاط، بحيث يَضعُ عالمَ النمل أو الذباب - مثلاً - فيما بين أجزاء عوالم ذوي الحياة بايجادٍ يخصّه ثم يرفعه بإماتة تخصّه، كأن سطح الأرض وطنُه فقط، فلا تتشوش حياةُ الخاصة ولامماتُها المعين. فنسبةُ عالمٍ الى سائر العوالم المجاورة له، كنسبة حُسن انتظام تربيةِ فردٍ - مغمور في الأفراد - الى تدبير النوع. لايُشغل الصانع هذا عن ذاك، ولا ذاكَ عن هذا.
فيا مَن غشي بصَره بالطبيعة! وختم قلبَه بالطبع! ان تصورتَ الطبيعة الموهومة - التي لو تحققت لكانت كالمطبعة - طابعةً صانعةَ لَزمك ان ترى للطبيعة في كلّ جزءٍ من التراب مطبعات مكمّلات تزيد على جميع مطابع المدنيين.


المثنوي العربي النوري - ص: 444
اعلم! ايها الحيوان! لا تفتخر هكذا على النبات؛ اذ تفنّن الصنعة في اختك اتمُّ منها فيك. ألا ترى ان أجناس الحيوانات متقاربة أو متماثلة في لحومهم مع ان لحومَ أجناسِ الثمراتِ حتى أنواعها بل حتى أصنافها متفاوتة متخالفة؟ فهذا امارةٌ على ان قلمَ القُدرةَ تأنّقَ فيها. وكذا اِنَّ بركةَ النسلِ في الحيوانِ والبشرِ اذا كانت سبعاً ففي النباتِ والشجر سبعون، وسبع مائة، وسبعة آلاف. الاّ السمك فانه لأجل ضعف الحسيات الحيوانية فيه ملحَقٌ بالنباتات. تشير هذه الحالة الى انه للإطعام كالحَبّ.. فهذا علامةُ الخيرية والأهمية فيه.
وكذا ان اختك النبات والشجرَ مخدومةٌ متوكلةٌ، يجئ اليها رزقُها ورزق أولادِها الكثيرة. حتى كأنَّ جرثومةَ كلِّ شجرٍ متصلةٌ بخزينة الرحمة، لها منها منفذٌ اليها. فتقسمُ الرحمةُ عليها ما يوافقُ حاجاتِها المتخالفةَ فتعطي الوالدتين لبناً خالصاً - ولبنات الرّمان شراباً طهوراً - ولابناء الزيتون دهناً مباركاً.. وللجوز زيتاً منوّراً.. وهكذا فهذا آية (الحرمة) 1.
فيا أيها الحيوان المتكبر ان سبب ترجيح مرجوحِك بمراتِبٍ عليك بثلاث مراتبَ هو أنانيتُك ومرضُك واختيارُك فأسْلِمْ تسْلَمْ.
(وخُلِقَ الانسانُ ضعيفاً) 2
اعلم 3! أيها الأنسان! لا تتكبر على الحيوان، ان سببَ رفعتِك على سائر الحيوانات انما هو ضعفُك وعجزك، كما انَّ الصبيَّ يحكم على والديه واخوانه بقدرة عجزه وقوة ضعفه.. هل ترى في الحيوانات أعجزَ منك في تحصيل لوازمات الحياة، بل ما يحصل لك بالتجارب والتدرّس في عشرين سنةً - مما يلزم لحفظ حياتك - يحصل للحيوان في عشرين يوماً، وبعضاً في عشرين ساعة، وبعضاً في عشرين دقيقة، بل فردُه برأسه يساوي في حفظ الحياة الحيوانية جماعةً متعاونةً منكم. كما ان فرداً منكم يساوي أنواعاً منهم، من جهة كمال الانسانية المنحصرة في الاسلامية والعبودية.
_____________________
1 اي الاحترام والتقدير.
2 النساء: 28
3 الكلمة الثالثة والعشرون توضح هذا المبحث بتفصيل.



المثنوي العربي النوري - ص: 445
ياهذا ويا أنا! إما تصير أدنى من أدنى الحيوانات وأذلَّ واعجَزَ. واِما تصير أعزَّ وأكملَ من أنواعها. فاختَر ما شئت.. فاذ هذا هكذا فاعرف عجزَك وضعفك. واعلم بان قدرتَك وقوتَك في الدعاء والبكاء لدى مالكك.
وأما ما تفتخر به من المصنوعات الانسانية فمن أثرِ إلهامه، وخَلْقه، وإكرامه، ليجمع بك أشتاتَ الأنواع المتخالفة، لاظهار حُسن غريب، وايجاد كتابةٍ عجيبةٍ، وتشهير مصنوعاته المختلفة مجتمعةً، واذاقة مراتب نِعَمه الحاصلة من تمزيج بسائط النعم بهندسة هَوَسات الانسان.
اعلم! 1 يامَن يتوسوس من اختلافات الروايات في أمثال مسألة المهدي، وقرب الساعة والملاحم الاستقبالية! أتريد ايماناً ضرورياً في كل مسألة؟ حتى في المسائل الفرعية التي ليست من ضروريات الاعتقاد؟! بل يكفي فيها القبول التسليمي، وعدم الرد، لا الإذعان اليقيني القصدي حتى تحتاج الى طلب البرهان القطعي.
ألا تعلم ان متشابهات القرآن كما تحتاج الى التأويل كذلك مشكلات الأخبار تحتاج الى التعبير والتفسير؟ فاذا صادفك روايةٌ مخالفةٌ للواقع - في نظرك الظاهري - فمع احتمال: ان تكون من الاسرائيليات.. وان تكون من أقوال الرّواة.. وان تكون من مستنبطات الناقلين.. وان تكون من كشفيات الأولياء المُحدَّثين المحتاجة للتعبير.. وان تكون من المسموعات المتعارفة بين الناس، يذكرها النبي عليه الصلاة والسلام لا للتبليغ السماوي بل للمصاحبة العُرفية للتنبيه.. يلزم الناظر ان لايَقْصر النظر على الظاهر.. بل يؤّل بتأويل تمثيلي كنائي مسوّقٌ لمقصدٍ اِرشادي.. أو يفسّرُ بتعبير كتعبير النائم في نومه ما رآه اليقظانُ في يقظته.. فكما تُعبّر أيّها اليقظان مارآه النائم، كذلك فعبّر أيُهّا النائم - ان استعطت َ- في غفلة هذه الحياة ما رآه اليقظانُ الذي لاينام قلبُه الذي هو مظهر
(مازاغ البصر وما طغى). 2
ثم ان الحكمة في ابهام أجَل الشخص وموتهِ.. "لينتظره دائماً فيستعدّ لآخرته" هي الحكمة في إبهام الساعة، التي هي موتُ الدنيا لينتظرها أبناء الدنيا..
_____________________
1 راجع ان شئت توضيحاً لهذا المبحث الكلمة الرابعة والعشرين -الغصن الثالث.
2 النجم: 17

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المثنوي العربي النوري - قطعة من شمة عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 4 03-23-2011 08:14 PM
المثنوي العربي النوري - ذرة عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 1 03-23-2011 08:04 PM
المثنوي العربي النوري - حبة عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 3 03-23-2011 07:55 PM
المثنوي العربي النوري - حباب عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 3 03-23-2011 07:49 PM
المثنوي العربي النوري - رشحات عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 1 03-23-2011 07:31 PM


الساعة الآن 11:35 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir