أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           أعوذ بكلمات الله التَّامَّة من غضبه وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأنْ يحضرون           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > الرد على شبهات المخالفين

إضافة رد
قديم 04-22-2009
  #11
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

وقال مولانا الإمام الغزالي في (إحياء علوم الدين) :



"..قال بعض العارفين: إن ملك الموت عليه السلام إذا ظهر للعبد أعلمه أنه بقي من عمرك ساعة وأنك لا تستأخر عنها طرفة عين، فيبدو للعبد من الأسف والحسرة ما لو كانت له الدنيا بحذافيرها لخرج منها على أن يضم إلى تلك الساعة ساعة أخرى ليستعتب فيها ويتدارك تفريطه فلا يجد إليه سبيلاً، وهو أول ما يظهر من معاني قوله تعالى: " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " وإليه الإشارة بقوله تعالى: " من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين. ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها " فقيل: الأجل القريب الذي يطلبه: معناه أنه يقول عند كشف الغطاء للعبد: يا ملك الموت أخرني يوماً أعتذر فيه إلى ربي وأتوب وأتزود صالحاً لنفسي، فيقول: فنيت الأيام فلا يوم، فيقول: فأخرني ساعة فيقول: فنيت الساعات فلا ساعة، فيغلق عليه باب التوبة فيتغرغر بروحه وتتردد أنفاسه في شراسفه، ويتجرع غصة اليأس عن التدارك وحسرة الندامة على تضييع العمر، فيضطرب أصل إيمانه في صدمات تلك الأحوال، فإذا زهقت نفسه فإن كان سبقت له من الله الحسنى خرجت روحه على التوحيد فذلك حسن الخاتمة، وإن سبق له القضاء بالشقوة والعياذ بالله خرجت روحه على الشك والاضطراب وذلك سوء الخاتمة،


ولمثل هذا يقال: " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن " وقوله: " إنما التوبة للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب " ومعناه عن قرب عهد بالخطيئة بأن يتندم عليها ويمحو أثرها بحسنة يردفها بها قبل أن يتراكم الرين على القلب فلا يقبل المحو، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " أتبع السيئة الحسنة تمحها"، ولذلك قال لقمان لابنه: يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة ومن ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف كان بين خطرين عظيمين أحدهما أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي حتى يصير ريناً وطبعاً فلا يقبل المحو، الثاني أن يعاجله المرض أو الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو ولذلك ورد في الخبر " إن أكثر صياح أهل النار من التسويف" فما هلك من هلك إلا بالتسويف، فيكون تسويده القلب نقداً وجلاؤه بالطاعة نسيئة إلى أن يختطفه الموت فيأتي الله بقلب غير سليم، ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم، فالقلب أمانة الله تعالى عند عبده والعمر أمانة الله عنده وكذا سائر أسباب الطاعة، فمن خان في الأمانة ولم يتدارك خيانته فأمره مخطر.


قال بعض العارفين: إن الله تعالى [يفضي] إلى عبده سرين يسرهما إليه على سبيل الإلهام: أحدهما إذا خرج من بطن أمه يقول له: عبدي قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً واستودعتك عمرك وائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة وانظر إلى كيف تلقاني. والثاني عند خروج روحه يقول: عبدي ماذا صنعت في أمانتي عندك هل حفظتها حتى تلقاني على العهد فألقاك على الوفاء، أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب. وإليه الإشارة بقوله تعالى: " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم " وبقوله تعالى: " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " ." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #12
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

:extra73:




ويقول مولانا العارف بالله ابن عجيبة في تفسيره الإشاري ( تفسير البحر المديد في تفسير القران المجيد) :



"{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى; عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }



يقول الحقّ جلّ جلاله: إخباراً عن مقالات اليهود والنصارى وتقبيحاً لصنيعهم: { وقالت اليهود } في الرد على النصارى: { ليست النصارى على شيء } يعتد به، { وقالت النصارى } في سَبِّ اليهود، { ليست اليهود على شيء } يعتمد عليه، والحالة أنهم { يتلون الكتاب } ، فاليهود يتلون التوراة وفيها البشارة بعيسى عليه السلام، والنصارى يتلون الإنجيل، وفيه تقرير شريعة التوراة وصحة نبوة موسى عليه السلام، فقد كفرت كلُّ فرقة بكتابها غضباً وتعصباً، ومثل مقالتهم هذه { قال الذين لا يعلمون } وهم المشركون، فقالوا: ليس المسلمون على شيء، { فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } فيُدْخل أهلَ الحِقّ الجنةَ وأهلَ الباطل النار، وبالله التوفيق.


الإشارة: كل ما قصه الحق تعالى علينا من مساوئ غيرنا فالمقصود به التنفير والتحذير من مثل ما ارتكبوه، والتخلق بضد ما فعلوه، فكل من تراه ينقص الناس ويصّرُهم فهو أصغرهم، وكل من تراه يقول: أصحاب سيدي فلان ليسوا على شيء، وأصحاب سيدي فلان ليس عندهم شيء، فليس هو على شيء، وقد ابتلي بعض المتصوفة بهذا الوصف الذميم، ينصب الميزان على الناس، فيسقط ثوماً ويرفع آخرين، وهو يتلو كتاب الله، ويسمع قوله تعالى: { وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً... } [الحُجرَات: 12] الآية.


وأكثر ما تجد هذا الوصف في بعض الفقهاء المتجمدين على ظاهر الشريعة، يعتقد ألا علم فوق علمه، ولا فهم فوق فهمه، كيف؟ والله تعالى يقول: { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسرَاء: 85]، { وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يُوسُفِ: 76]، وقد قال إمام الحرمين: (لإِنْ أُدْخلَ ألْفَ كَافرٍ في الإسْلامِ بِشُبْهَةٍ خَيْرٌ مِنْ إِخراجِ واحدٍ منْه بشُبْهة).


فالواجب على مَن أراد السلامة أن يُحسن الظن بجميع المسلمين، ويعتقد فيهم أنهم كلهم صالحون، ففي الحديث: " خَصْلَتَان لَيْسَ فوقَهُما شَيءٌ منَ الخير: حُسْنُ الظن بالله، وحُسْنُ الظن بِعباد الله، وخَصْلَتَان لَيْسَ فوقَهما شيءٌ مِن الشرِّ: سُوءُ الظنّ بِالله، وسُوءُ الظنِّ بِعِبادِ اللّه " وبالله التوفيق.


ثم وبّخ الحق - تعالى - النصارى على منع الناس من بيت المقدس وإيذاء مَن يصلي فيه، وطرح الأقذاء فيه، مع زعمهم أنهم على الحق دون غيرهم، قاله ابن عباس، أو كفار قريش حيث منعوا المسلمين من الصلاة فيه، وصدوا رسول الله عن الوصول إليه، قاله ابن زيد، والتحقيق: أن الحق تعالى وبخ الجميع." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #13
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ




ويقول مولانا الإمام حجّة الإسلام العارف الهمام: أبو حامد الغزالي في (إحياء علوم الدين) :


"اعلم أنه قد ظنّ أن تارك المال زاهد، وليس كذلك؛ فإنّ ترك المال وإظهار الخشونة سهل على من أحب المدح بالزهد، فكم من الرهابـين من ردوا أنفسهم كل يوم إلى قدر يسير من الطعام ولازموا ديراً لا باب له، وإنما مسرة أحدهم معرفة الناس حاله ونظرهم إليه ومدحهم له، فذلك لا يدل على الزهد دلالة قاطعة، بل لا يعدّ من الزهد في المال والجاه جميعاً حتى يكمل الزهد في جميع حظوظ النفس من الدنيا بل قد يدعي جمال الزهد مع لبس الأصواف الفاخرة والثياب الرفيعة، كما قال الخوّاص في وصف المدعين إذ قال: وقوم ادعوا الزهد ولبسوا الفاخر من اللباس يموّهون بذلك على الناس ليهدى إليهم مثل لباسهم، لئلا ينظر إليهم بالعين التي ينظر بها إلى الفقراء فيحتقروا فيعطوا كما تعطى المساكين، ويحتجون لنفوسهم بأتباع العلم وأنهم على السنة، وأن الأشياء داخلة إليهم وهم خارجون منها وإنما يأخذون بعلة غيرهم. هذا إذا طولبوا بالحقائق وألجئوا إلى المضايق، وكل هؤلاء أكلة الدنيا بالدين لم يعنوا بتصفية أسرارهم ولا بتهذيب أخلاق نفوسهم، فظهرت عليهم صفاتهم فغلبتهم فادعوها حالاً لهم، فهم مائلون إلى الدنيا متبعون للهوى. فهذا كله كلام الخواص رحمه الله؛ فإذن معرفة الزهد أمر مشكل، بل حال الزهد على الزهد مشكل.


وينبغي أن يعوّل في باطنه على ثلاث علامات:


العلامة الأولى: أن لا يفرح بموجود ولا يحزن على مفقود، كما قال تعالى: {لِكَيْلاَ تَأْسَوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} بل ينبغي أن يكون بالضدّ من ذلك: وهو أن يحزن بوجود المال ويفرح بفقده.


العلامة الثانية: أن يستوي عنده ذامه ومادحه، فالأوّل علامة الزهد في المال والثاني علامة الزهد في الجاه.


العلامة الثالثة: أن يكون أنسه بالله تعالى والغالب على قلبه حلاوة الطاعة إذ لا يخلو القلب عن حلاوة المحبة إما محبة الدنيا وإما محبة الله، وهما في القلب كالماء والهواء في القدح، فالماء إذا دخل خرج الهواء ولا يجتمعان، وكل من أنس بالله اشتغل به ولم يشتغل بغيره، ولذلك قيل لبعضهم: إلى ماذا أفضى بهم الزهد؟ فقال: إلى الأنس بالله؛ فأما الأنس بالدنيا وبالله فلا يجتمعان." اهـ


(المصدر: كتاب إحياء علوم الدين للغزالي - كتاب الفقر والزهد - بيان علامات الزهد)



(يتبع إن شاء الله تعالى مع نقول أخرى في وصف الأدعياء والمتزييّن بلباس الأصفياء... )

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #14
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ





"الشرط الثامن- أن يكون طعام الداعي مباحاً.


فإن لم يكن مباحاً بأن كان أكثر ماله حراماً، أو فيه شبهة، كرهت الإجابة. وإن علم أن عين الطعام حرام، حرمت الإجابة. قال الزركشي وهذا يؤدي إلى سقوط الإجابة في هذا الزمان،لغلبة الشبهة انتهى. قال الحصني: فإن لم يكن مباحاً، كطعام المكثر والظلمة من أمراء الجور وقضاة الرشى وأتباعهم من فقهاء المزبلة، الذين يأكلون الأوقاف بغير استحقاق من عدم القيام بشروط الواقفين، أو كان في الوقف شيء يحتاج إلى العمارة، فأن كانت المدرسة ونحوها خراب، فهو أشد في التحريم، والأكل من ذلك من الكبائر لا خلاف في ذلك عند أحد، ومن استحله فهو كافر بلا خلاف، لأن تحريم ذلك مجمع عليه.


وكذا المتصوفة الذين ليسوا بصفة القوم، أكلهم من الربط والزوايا حرام لا خلاف في ذلك، ولو أعطي أحد منهم مالاً ليتخذ به عدوة وهو على غير صفة القوم فهو حرام أيضاً لا خلاف فيه، صرح به الغزالي.


فمثل هؤلاء لا تجب إليهم، بل يجب الإنكار على من يحضر عندهم، وإن كان فقيهاً يشار إليه بالفضل والعلم. فأعرف ذلك واتبع الحق، فما بعده إلا الضلال، والله أعلم انتهى." اهـ


(فص الخواتم فيما قيل في الولائم - لإبن طولون - باب شروط إجابة الدعوة )





(يتبع إن شاء الله تعالى مع نقول أخرى .... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #15
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ




قرأت لكم رضي الله تعالى عن مؤلفه وعنكم هذا الفصل من كتاب (حقائق عن التصوف) لمولانا العارف الغارف عبد القادر عيسى :


"بين الصوفية وأدعياء التصوف


لقد شوَّهَ التصوفَ رجالٌ مغرِضونَ تَزَيَّوْا بزيه، وانتسبوا له، فأساؤوا إِليه بأقوالهم وأفعالهم وسيرتهم، والتصوف منهم براء.


فمن أجل خدمة الحق وإِظهاره علينا أن نفرق بين أدعياء التصوف المنحرفين، وبين السادة الصوفية الصادقين العارفين، وخصوصاً الأئمة منهم الذين كانت لهم درجات عليا في الإِيمان والتقوى والورع، وآثار كبرى في نشر الأخلاق والدين والدعوة إِلى الله تعالى في سائر العصور والبلدان، وعلينا أن نقف وقفة رجل متمسك بشرعه ودينه ونقول: هناك فرق كبير بين التصوف والصوفي، وليس المتصوف بانحرافه وشذوذه ممثلاً للتصوف، كما أن المسلم بأفعاله المنكَرة ليس ممثلاً لإِسلامه ودينه.


ومتى كان في شريعة الحق والدين أن يُؤَاخذ الجار بظلم الجار ؟ وأن يتحمل الإِسلامُ في جوهره النقي أخطاءَ المسلمين المنحرفين ؟ وأن تنسب إِلى هذه الفئة الطيبة النقية أخطاءُ المتصوفة الشاذين ؟.


وإِنكار بعض العلماء على أفعال شاذة منسوبة إِلى الصوفية إِنما يستهدف هؤلاء الغلاة المنحرفين من أدعياء التصوف. ولطالما حذَّر مرشدو الصوفية الناسَ منهم. قال الشيخ أحمد زروق رحمه الله تعالى في كتابه قواعد التصوف: (فغلاةُ المتصوفة كأهل الأهواء من الأصوليين، وكالمطعون عليهم من المتفقهين، يُرَدُّ قولُهم، ويُجتنَبُ فعلُهم، ولا يُترَكُ المذهب الحق الثابت بنسبتهم له وظهورهم فيه) إِلخ [قواعد التصوف للشيخ أحمد زروق قاعدة 35، ص13].


إِن الخير والشر موجود في كل طائفة من الناس إِلى يوم القيامة، فليس كل الصوفية سواء، كما أنه ليس كل العلماء والفقهاء والمدرسين والقضاة والتجار والأمراء سواء ؛ إِذ فيهم الصالح وفيهم الأصلح، وفيهم الفاسد وفيهم الأفسد، هذا أمر ظاهر لا شبهة فيه عند الجمهور اعرفِ الحقَّ تعرفْ أهلَه، ويعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال.


ونحن ننكر ما أنكره العلماء على هؤلاء الأدعياء من المتصوفة المنحرفين، الشاذين عن دين الله تعالى، وأما المتمسكون بالكتاب والسنة، المستقيمون على شرع الله تعالى فهم الذين نَعنيهم، ونقتفي أثرهم، وسنعرض لك في الفصل التالي شهادة علماء الأمة الإِسلامية من سلفها إِلى خلفها بهم.


أعداء التصوُّف


إِن الذين طعنوا في التصوف الإِسلامي، وتهجموا عليه، واتهموه بشتى أنواع الأكاذيب والافتراءات، ورموه بالانحراف والزيغ ؛ إِما أن يكون باعثهم على ذلك الحقد والعداوة المتأصلة للإِسلام، وإِما أن يكون سبب وقوعِهم في هذا الإِثم جهلهم المطبق بحقيقة التصوف.


1ـ أما الصنف الأول: فهم أعداء الإِسلام من الزنادقة المستشرقين وأذنابهم وعملائهم الذين صنعتْهم الصليبية الماكرة والاستعمار البغيض، لطعن الإِسلام ودك حصونه، وتشويه معالمه، وبث سموم الفرقة والخصام بين صفوف أبنائه.


وقد كشفهم السيدُ محمد أسد، في كتابه: الإِسلام على مفترق الطرق في بحث: شبح الحروب الصليبية [انظر كتاب الإِسلام على مفترق الطرق ص52. أما المؤلف فنمساوي الأصل وكان اسمه ليوبولدفايس، فاعتنق الإِسلام وتسمى باسم "محمد أسد" وينصرف في الوقت الحاضر إِلى ترجمة معاني القرآن الكريم وصحيح البخاري إِلى اللغة الإِنكليزية].


وقد عكف هؤلاء المغرضون على دراسة الإِسلام دراسة دقيقة مستفيضة كي يعرفوا سرَّ قوَّته، ولِيعلموا من أي باب يلجون، وفي أي طريق يسيرون للوصول إِلى أهدافهم الماكرة ومآربهم الخبيثة. ومن أشهر كتَّابهم: نكلسون الإِنكليزي، وجولدزيهر اليهودي، وماسينيون الفرنسي وغيرهم.


فتارة يدُسُّون السم في الدسم، ويمدحون الإِسلام في بعض كتبهم كي ينالوا ثقة القارىء، فإِذا اطمأنَّ إِليهم، وركن إِلى أقوالهم شككوه في عقائده، وحشوا قلبه بأباطيل ألصقوها بالإِسلام زوراً وبهتاناً.


وتارة ينْتحلون صفة الباحث العلمي المتجرد، أو يلبسون ثوب الغيور على الدين، المتباكي على تراثه، فيشنون حملةً شعْواء على التصوف، وقد عرفوا أنه روح الإِسلام وقلبه النابض، فيدّعون أنه مقتبس من اليهودية أو النصرانية أو البوذية، ويتهمون رجاله بعقائد مكفرة وأفكار منحرفة ضالة، كالقول بالحلول والاتحاد، ووحدة الوجود، ووحدة الأديان، وغير ذلك.


ونحن لا نعتِبُ عليهم لأنهم أعداء، وهذا شأن العدو الماكر، ولا ندخل في تفاصيل الردِّ عليهم، وتفنيد افتراءاتهم بعد أنْ علمنا أغراضهم ومآربهم الخبيثة. ولكننا نعتب على جماعة يدّعون الإِسلام ثم يتبنَّون آراءَ هؤلاء الخصوم الألداء وخصوصاً في طعن الإِسلام في روحه وجوهره، ألا وهو التصوف. فهل يصِح لمسلم عاقل أن يتخذ أقوال الأعداء المتحاملين المغرضين الكافرين حجة لطعن إِخوته المؤمنين ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.


ولو كان هؤلاء المستشرقون صادقين في دفاعهم عن الإِسلام مخلصين في زعمهم بتنقيته من الشوائب وغيرتهم عليه وحبهم له، فلماذا لم يعتنقوه ؟! ولِمَ لم يتخذوه منهجاً لهم في حياتهم ؟!


2ـ وأما الصنف الثاني: فهم الذين جهلوا حقيقة التصوف الإِسلامي ولم يأخذوه عن رجاله الصادقين وعلمائه المخلصين ؛ بل نظروا إِليه نظرة سطحية بعيدة عن التمحيص والتبين، وهؤلاء أقسام:


أـ قسم أخذوا فكرتهم عن التصوف من خلال أعمال وسلوك بعض الدخلاء والمنحرفين من أدعياء التصوف ؛ دون أن يُفرِّقوا بين التصوف الحقيقي الناصع، وبين بعض الوقائع المشوهة التي تصدر عن الدخلاء على الصوفية والتي لا تَمُتُّ إِلى الإِسلام بصلة [انظر بحث بين الصوفية وأدعياء التصوف ص449 في هذا الكتاب].


ب ـ وقسم خُدعوا بما وجدوه في كتب السادة الصوفية من أمور مدسوسة أو مسائل دخيلة ؛ فأخذوها على أنها حقائق ثابتة، دون تحقيق أو تثبت [انظر بحث الدس على العلوم الإِسلامية ص 398 في هذا الكتاب] أو إِنهم أخذوا الكلام الثابت في كتب الصوفية ففهموه على غير مراده، حسب فهمهم السطحي وعلمهم المحدود، وأهوائهم الخاصة، دون أن يرجعوا إِلى كلام الصوفية الواضح الذي لا يحيد عن لب الشريعة، والذي يعطي الضوء الناصع والنور الكاشف لتأويل هذا الكلام المتشابه [انظر بحث التأويل ص 415 في هذا الكتاب].


مثلهم في ذلك كمثل الذي في قلبه زيغ ومرض ؛ فأخذ الآيات القرآنية المتشابهة في القرآن الكريم فأوَّلها حسب هواه وانحرافه، دون أن يلتفت إِلى سائر الآيات القرآنية المُحْكَمَة التي تُلْقي النور على معاني هذه الآيات المتشابهة وتوضح معانيها، وتبين أغراضها. قال الله تعالى في حقهم: {هُوَ الذي أنْزَلَ عليكَ الكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكتابِ وأُخَرُ مُتشابهاتٌ فأمَّا الذينَ في قُلوبِهِم زيغٌ فيتَّبِعونَ ما تشابَهَ منهُ ابتغاءَ الفتنَةِ وابتغاءَ تأويلِهِ} [آل عمران: 7].


لهذا ولئلا يلتبس الأمر على جاهل أحمق أو مغرض متحامل، وضع علماء الصوفية عقائدهم صريحة واضحة لا تحيد عن مذهب أهل السنة والجماعة، ومنهم الشيخ محي الدين رحمه الله تعالى، فقد ذكر عقيدته واضحة مفصلة في مطلع كتابه الفتوحات المكية، وكذلك صاحب الرسالة القشيرية وغيرهما..


ج ـ وقسم هم المغشوشون المخدوعون الذين أخذوا ثقافتهم وعلومهم عن المستشرقين كما بيَّنَّا سابقاً، وتَبنَّوا مزاعمهم وأباطيلهم كأنها بَدَهياتٌ لا تقبل الجدل، أو تنزيل من حكيم حميد. ولم تسعفهم الفطانة والذكاء إِلى إِدراك حقيقة هؤلاء المستشرقين الذين نَصَبُوا أنفسهم وجنَّدوا ثقافتهم لهدم الإِسلام، بتشويه معالمه، وطعنه في جوهره وروحه.


إِلا أن هذه الأمة الإِسلامية لا تزال فيها طائفة ظاهرة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله [أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" ومرَّ الحديث وعزوه ص42]، ولو اجتمع الثقلان على حربهم قبيلاً، يدعونَ مَنْ ضل إِلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويبصرون بنور الله أهلَ الضلال والعمى، اهتدوا بهدي النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، واستضاءوا بنوره على مر الأزمان والدهور." اهـ



(يتبع مع نقول أخرى إن شاء الله تعالى..... )

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #16
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

ويقول مولانا الإمام الحافظ العارف الغارف الجلال السيوطي في (الحاوي للفتاوى) - كتاب البعث - رسالة تنزيه الإعتقاد عن الحلول والإتحاد:


"ثم قال صاحب نهج الرشاد: وما زال عباد الله الصالحون من أهل العلم والإيمان ينكرون حال هؤلاء الاتحادية، وإن كان بعض الناس قد يكون أعلم وأقدر وأحكم من بعض في ذلك، وقال الشيخ سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد: وأما المنتمون إلى الإسلام فمنهم بعض غلاة الشيعة القائلون بأنه لا يمتنع ظهور الروحاني في الجسماني كجبريل في صورة دحية الكلبي، وكبعض الجن أو الشياطين في صورة الأناسي قالوا: فلا يبعد أن يظهر الله تعالى في صورة بعض الكاملين وأولى الناس بذلك علي وأولاده تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً


قال: ومنهم بعض المتصوفة القائلون بأن السالك إذا أمعن في السلوك وخاض معظم لجة الوصول فربما يحل الله فيه {تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً} كالنار في الجمر بحيث لا تمايز أو يتحد به بحيث لا اثنينية ولا تغاير، وصح أن يقول هو أنا وأنا هو.


قال: وفساد الرأيين غني عن البيان. قال: وههنا مذهبان آخران يوهمان الحلول أو الاتحاد وليسا منه في شيء، الأول أن السالك إذا انتهى سلوكه إلى الله وفي الله يستغرق في بحر التوحيد والعرفان بحيث تضمحل ذاته في ذاته تعالى وصفاته في صفاته وتغيب عن كل ما سواه ولا يرى في الوجود إلا الله تعالى، وهذا هو الذي يسمونه الفناء في التوحيد، وحينئذ ربما تصدر عنه عبارات تشعر بالحلول أو الاتحاد لقصور العبارة عن بيان تلك الحال وبعد الكشف عنها بالمقال، ونحن على ساحل التمني نغترف من بحر التوحيد بقدر الإمكان، ونعترف بأن طريق الفناء فيه العيان دون البرهان والله الموفق، ثم ذكر في المذهب الثاني وهو القول بالوحدة المطلقة [وقال: إنه غير الحلول والاتحاد وأنه أيضاً خارج عن طريق العقل والشرع وأنه باطل وضلال. وقد سقت بقية كلامه فيه في الكتاب الذي ألفته في ذم القول بالوحدة المطلقة] فإنه به أجدر، وذكر السيد الجرجاني في شرح المواقف نحو ذلك قد سقت أيضاً عبارته في الكتاب المشار إليه." اهـ


( وهذا رابط لموضوع يحذر من تغلغل الرافضة بين أوساط الصوفية في مصر)



(يتبع إن شاء الله تعالى مع نقول أخرى .... )


__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #17
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

ومن كتاب (عوارف المعارف) لمولانا العارف الغارف السهروردي قرأت لكم رضي الله تعالى عنكم :



الباب الحادي عشر في شرح حال الخادم ومن يتشبه به



"أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام وقال: يا داود إذا رأيت لي طالباً فكن له خادماً، الخادم يدخل في الخدمة راغباً في الثواب وفيما أعد الله تعالى للعباد، ويتصدى لإيصال الراحة ويفرغ خاطر المقبلين على الله تعالى عن مهام معاشهم ويفعل ما يفعله لله تعالى بنية صالحة، فالشيخ واقف مع مراد الله تعالى، والخادم واقف مع نيته، فالخادم يفعل الشيء لله تعالى، والشيخ يفعل الشيء لله فالشيخ في مقام المقربـين، والخادم في مقام الأبرار، فيختار الخادم للبذل والإيثار والارتفاق من الأغيار للأغيار، ووظيفة وقته تصديه لخدمة عباد الله، وفيه يعرف الفضل ويرجحه على نوافله وأعماله، وقد يقيم من لا يعرف الخادم من الشيخ الخادم مقام الشيخ، وربما جهل الخادم أيضاً حال نفسه فيحسب نفسه شيخاً لقلة العلم واندراس علوم القوم في هذا الزمان، وقناعة كثير من الفقراء من المشايخ باللقمة دون العلم والحال، فكل من كان أكثر إطعاماً هو عندهم أحق بالمشيخة ولا يعلمون أنه خادم وليس بشيخ، والخادم في مقام حسن وحظ صالح من الله تعالى.


وقد ورد ما يدل على فضل الخادم فيما أخبرنا الشيخ أبو زرعة ابن الحافظ أبـي الفضل محمد بن طاهر المقدسي عن أبـيه، قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله المقري، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي، قال: حدثنا أبو حامد الحافظ، قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري وأبو الأزهر، قالا: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا سفيان، عن الأوزاعي، عن يحيـى بن أبـي كثير، عن أبـي سلمة، عن أبـي هريرة [ ] أن النبـي [ ] أتي بطعام وهو بمر الظهران فقال لأبـي بكر وعمر [ ] : كُلاَ، فقالا: إنا صائمان، فقال: ارحلا لصاحبـيكما اعملا لصاحبـيكما ادنوا فكلا يعني أنكما ضعفتما بالصوم عن الخدمة فاحتجتما إلى من يخدمكما فكلا وأخدما أنفسكما، فالخادم يحرص على حيازة الفضل، فيتوصل بالكسب تارة، وبالاسترقاق والدروزة تارة أخرى، وباستجلاب الوقف إلى نفسه تارة، لعلمه أنه قيم بذلك، صالح لإيصاله إلى الموقوف عليهم، ولا يبالي أن يدخل في كل مدخل لا يذمه الشرع لحيازة الفضل بالخدمة، ويرى الشيخ بنفوذ البصيرة وقوة العلم أن الإنفاق يحتاج إلى علم تام ومعاناة تخليص النية عن شوائب النفس والشهوة الخفية؛ ولو خلصت عليه نيته ما رغب في ذلك، لوجود مراده فيه، وحاله ترك المراد وإقامة مراد الحق.


أخبرنا أبو زرعة إجازة، قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف إجازة، قال: أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن الحسين بن الخشاب يقول: سمعت جعفر بن محمد [ ] يقول: سمعت الجنيد [ ] يقول: سمعت السري [ ] يقول: أعرف طريقاً مختصراً قصد إلى الجنة؛ فقلت له: ما هو؟ قال: لا تسأل من أحد شيئاً ولا تأخذ من أحد شيئاً ولا يكن معك شيء تعطي منه أحداً شيئاً، والخادم يرى أن من طريق الجنة الخدمة والبذل والإيثار فيقدم الخدمة على النوافل ويرى فضلها، وللخدمة فضل على النافلة التي يأتي بها العبد طالباً بها الثواب، غير النافلة التي يتوخى بها صحة حاله مع الله تعالى لوجود نقد قبل وعد.


ومما يدل على فضل الخدمة على النافلة ما أخبرنا أبو زرعة قال: أخبرني والدي الحافظ المقدسي، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد السمسار بأصفهان، قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الله بن خرشيد، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي قال: حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا عاصم عن مورق عن أنس [ ] قال: كنا مع رسول الله [ ] ، فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا منزلاً في يوم حارّ شديد الحر، فمنا من يتقي الشمس بـيده، وأكثرنا ظلاً صاحب الكساء يستظل به، فنام الصائمون، وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب؛ فقال رسول الله [ ] : «ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأَجْرِ» .


وهذا حديث يدل على فضل الخدمة على النافلة، والخادم له مقام عزيز يرغب فيه؛ فأما من لم يعرف تخليص النية من شوائب النفس ويتشبه بالخادم ويتصدى لخدمة الفقراء ويدخل في مداخل الخدام بحسن الإرادة بطلب التأسي بالخدام، فتكون خدمته مشوبة، منها ما يصيب فيها لموضع إيمانه وحسن إرادته في خدمة القوم، ومنها ما لا يصيب فيها لما فيه من مزج الهوى فيضع الشيء في غير موضعه، وقد يخدم بهواه في بعض تصاريفه، ويخدم من لا يستحق الخدمة في بعض أوقاته، ويحب المحمدة والثناء من الخلق مع ما يحب من الثواب ورضا الله تعالى، وربما خدم للثناء، وربما امتنع من الخدمة لوجود هوى يخامره في حق من يلقاه بمكروه، ولا يراعي واجب الخدمة في طرفي الرضا والغضب لانحراف مزاج قلبه بوجود الهوى، والخادم لا يتبع الهوى في الخدمة في الرضا والغضب، ولا يأخذه في الله لومة لائم ويضع الشيء موضعه؛ فإذن الشخص الذي وصفناه آنفاً متخادم وليس بخادم ولا يميز بـين الخادم والمتخادم إلا من له علم بصحة النيات وتخليصها من شوائب الهوى، والمتخادم النجيب يبلغ ثواب الخادم في كثير من تصاريفه ولا يبلغ رتبته لتخلفه عن حاله بوجود مزج هواه؛ وأما من أقيم لخدمة الفقراء بتسليم وقف إليه أو توفير رفق عليه وهو يخدم لمنال يصيبه أو حظ عاجل يدركه، فهو في الخدمة لنفسه لا لغيره؛ فلو انقطع رفقه ما خدم، وربما استخدم من يخدم؛ فهو مع حظ نفسه يخدم من يخدمه، ويحتاج إليه في المحافل يتكثر به ويقيم به جاه نفسه بكثرة الأتباع والأشياع، فهو خادم هواه وطالب دنياه، يحرص نهاره وليله في تحصيل ما يقيم به جاهه ورضى نفسه وأهله وولده، فيتسع في الدنيا ويتزيا بغير زي الخدام والفقراء وتنتشر نفسه بطلب الحظوظ، ويستولي عليه حب الرئاسة، وكلما كثر رفقه كثرت مواد هواه واستطال على الفقراء، ويحوج الفقراء إلى التملق المفرط له تطلباً لرضاه وتوقياً لضيمه وميله عليهم بقطع ما ينوبهم من الوقف فهذا أحسن حاله أن يسمى مستخدماً، فليس بخادم ولا متخادم، ومع ذلك كله ربما نال بركتهم باختياره خدمتهم على خدمة غيرهم وبانتمائه إليهم وقد أوردنا الخبر المسند الذي في سياقه: «هُمُ القَوْمُ لاَ يَشْقَىٰ بِهِمْ جَلِيسُهُمْ» ، والله الموفق والمعين. " اهـ



(يتبع إن شاء الله تعالى مع نقول أخرى..... )

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #18
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم




ومن كتاب (عوارف المعارف) لمولانا العارف الغارف السهروردي قرأت لكم رضي الله تعالى عنكم :


"وأما وجه الإنكار فيه [ أي السماع ] فهو أن يرى جماعة من المريدين دخلوا في مبادىء الإرادة ونفوسهم ما تمرنت على صدق المجاهدة حتى يحدث عندهم علم بظهور صفات النفس وأحوال القلب حتى تنضبط حركاتهم بقانون العلم ويعلمون ما لهم وعليهم مشتغلين به.


حكي أن ذا النون لما دخل بغداد دخل عليه جماعة ومعهم قوّال؛ فاستأذنوه أن يقول شيئاً فأذن له فأنشد القوال:




صغير هواك عذبني=فكيف به إذا احتنكا
وأنت جمعت من قلبـي=هوًى قد كان مشتركا
أما ترثي لمكتئبٍ=إذا ضحك الخليُّ بكى



فطاب قلبه، وقام وتواجد وسقط على جبهته والدم يقطر من جبهته ولا يقع على الأرض. ثم قام واحد منهم فنظر إليه ذو النون فقال: اتق الذي يراك حين تقوم؛ فجلس الرجل، وكان جلوسه لموضع صدقه وعلمه أنه غير كامل الحال غير صالح للقيام متواجداً، فيقوم أحدهم من غير تدبر وعلم في قيامه وذلك إذا سمع إيقاعاً موزوناً بسمع يؤدي ما سمعه إلى طبع موزون، فيتحرك بالطبع الموزون للصوت الموزون والإيقاع الموزون، وينسبل حجاب نفسه المنبسط بانبساط الطبع على وجه القلب، ويستفزه النشاط المنبعث من الطبع فيقوم يرقص موزوناً ممزوجاً بتصنع وهو محرّم عند أهل الحق، ويحسب ذلك طيبة للقلب، وما رأى وجه القلب وطيبته لله تعالى.


ولعمري هو طيبة القلب ولكن قلب ملون بلون النفس ميال إلى الهوى موافق للردى لا يهتدي إلى حسن النية في الحركات ولا يعرف شروط صحة الإرادات، ولمثل هذا الراقص قيل: الرقص نقص؛ لأنه رقص مصدره الطبع غير مقترن بنية صالحة لا سيما إذا انضاف إلى ذلك شوب حركاته بصريح النفاق بالتودد والتقرب إلى بعض الحاضرين من غير نية، بل بدلالة نشاط النفس من المعانقة وتقبـيل اليد والقدم، وغير ذلك من الحركات التي لا يعتمدها من المتصوفة إلا من ليس له من التصوف إلا مجرد زي وصورة، أو يكون القوال أمرد تنجذب النفوس إلى النظر إليه وتستلذ ذلك وتضمر خواطر السوء، أو يكون للنساء إشراف على الجمع وتتراسل البواطن المملوءة من الهوى بسفارة الحركات والرقص وإظهار التواجد فيكون ذلك عين الفسق المجمع على تحريمه فأهل المواخير حينئذٍ أرجى حالاً ممن يكون هذا ضميره وحركاته، لأنهم يرون فسقهم وهذا لا يراه ويريه عبادة لمن لا يعلم ذلك، أفترى أحداً من أهل الديانات، يرضى بهذا ولا ينكره؟


فمن هذا الوجه توجه للمنكر الإنكار، وكان حقيقاً بالاعتذار، فكم من حركات موجبة للمقت، وكم من نهضات تذهب رونق الوقت، فيكون إنكار المنكر على المريد الطالب يمنعه عن مثل هذه الحركات، ويحذره من مثل هذه المجالس، وهذا إنكار صحيح. " اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع نقول أخرى..... )



وهذا رابط لموضوع قيّم كتبه سيدّي الفاضل العارف الغارف الناهل (الصادي) - جزاه الله خيراً والمقام العالي في الفاني والباقي، وأيدّه بروح القدس السامي ما نافح عن التصوّف الراقي:


( آفة الدعوى والإدعاء في بعض المجتمع الصوفي !! )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #19
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم





وقال مولانا العارف بالله الغارف من العوارف الرحيبة ابن عجيبة في نفسيره (البحر المديد في تفسير القرآن المجيد) - سورة: البقرة-113


في قوله جلّ ذكره: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }


"يقول الحقّ جلّ جلاله: إخباراً عن مقالات اليهود والنصارى وتقبيحاً لصنيعهم: { وقالت اليهود } في الرد على النصارى: { ليست النصارى على شيء } يعتد به، { وقالت النصارى } في سَبِّ اليهود، { ليست اليهود على شيء } يعتمد عليه، والحالة أنهم { يتلون الكتاب } ، فاليهود يتلون التوراة وفيها البشارة بعيسى عليه السلام، والنصارى يتلون الإنجيل، وفيه تقرير شريعة التوراة وصحة نبوة موسى عليه السلام، فقد كفرت كلُّ فرقة بكتابها غضباً وتعصباً، ومثل مقالتهم هذه { قال الذين لا يعلمون } وهم المشركون، فقالوا: ليس المسلمون على شيء، { فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } فيُدْخل أهلَ الحِقّ الجنةَ وأهلَ الباطل النار، وبالله التوفيق.


الإشارة: كل ما قصه الحق تعالى علينا من مساوئ غيرنا فالمقصود به التنفير والتحذير من مثل ما ارتكبوه، والتخلق بضد ما فعلوه، فكل من تراه ينقص الناس ويضّرُهم فهو أصغرهم، وكل من تراه يقول: أصحاب سيدي فلان ليسوا على شيء، وأصحاب سيدي فلان ليس عندهم شيء، فليس هو على شيء، وقد ابتلي بعض المتصوفة بهذا الوصف الذميم، ينصب الميزان على الناس، فيسقط قوماً ويرفع آخرين، وهو يتلو كتاب الله، ويسمع قوله تعالى: { وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً... }[الحُجرَات: 12] الآية.


وأكثر ما تجد هذا الوصف في بعض الفقهاء المتجمدين على ظاهر الشريعة، يعتقد ألا علم فوق علمه، ولا فهم فوق فهمه، كيف؟ والله تعالى يقول: { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }[الإسرَاء: 85]، { وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ }[يُوسُفِ: 76]، وقد قال إمام الحرمين: (لإِنْ أُدْخلَ ألْفَ كَافرٍ في الإسْلامِ بِشُبْهَةٍ خَيْرٌ مِنْ إِخراجِ واحدٍ منْه بشُبْهة).


فالواجب على مَن أراد السلامة أن يُحسن الظن بجميع المسلمين، ويعتقد فيهم أنهم كلهم صالحون، ففي الحديث: " خَصْلَتَان لَيْسَ فوقَهُما شَيءٌ منَ الخير: حُسْنُ الظن بالله، وحُسْنُ الظن بِعباد الله، وخَصْلَتَان لَيْسَ فوقَهما شيءٌ مِن الشرِّ: سُوءُ الظنّ بِالله، وسُوءُ الظنِّ بِعِبادِ اللّه " وبالله التوفيق." اهـ

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #20
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم





وقال مولانا الإمام الحافظ العارف الرباني جلال الدين السيوطي في رسالته (شعلة نار) :


"...وكثير من الناس يظن أن كل من مارس كتب التصوف وقرأ شيئا منها وكتب وعلق, يسمى صوفيا, وليس كذلك. ولكن لا يستحق هذا الاسم حتى يلج الجمل في سم الخياط.


إنما التصوف علم الحال, لا علم المقال, وهو أن يتخلق بمحاسن الأخلاق التي وردت بها السنن النبوية.


ولهذا قالوا: التصوف ارتكاب كل خلق سني, وترك كل خلق دني.


وقال بعض الأئمة: التصوف علم مركب من الحديث وأصول الدين. فمن تضلع بالأحاديث النبوية وعمل بها, وكان اعتقاده صحيحا على مذهب أهل السنة والجماعة, كان صوفيا.


ومن تضلع بعلم الحديث دون علم أصول الدين, كان محدثا. ومن تضلع بعلم أصول الدين دون الحديث, كان أصوليا, أو متكلما, ولا يسمى واحد منهما صوفيا.


فإذا جمع الأمرين فتضلع بالحديث وعمل به وبالأصول, وصح معتقده, كان هو الصوفي.


ولهذا قال بعض المتقدمين: لا يتم للإنسان هذا الطريق حتى يقدم على ذلك حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعلم ما يجب اعتقاده على طريق أهل السنة.


وكثير من يدعي الآن التصوف, لو سئل عن السنة في تطهير غائطه وبوله لم يعرفها, فضلا عن أن يعرف جميع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عباداته وعاداته, وأكله وشربه, ولبسه وحركته, وسكونه ويقظته, ونومه وجلوسه, وقيامه ومشيه, ومعاشرته لأهله, إلى غير ذلك.


إلا ترى أن الجنيد كيف امتنع من أكل البطيخ لأنه لم يثبت عنده كيفية أكله صلى الله عليه وسلم له, وإن ثبت أصل أكله.


وقد سأل حفاظ عصره عن كيفية أكله له, فقالوا: لم يثبت في ذلك شيء.


ولقد اجتمع بي رجل فسألني عن شيء, فقلت له: حتى تكمل في السنة أولا. فقال: قد كملت في السنة.

فقلت له: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس؟ فلم يعرف ذلك, فبينت له غلطه في نفسه.


ومن شأن الصوفية الخلص, أن لا يضيعوا شيئا من السنن مطلقا, ولا يتعاونون بتركها, سواء علموا وجه الحكمة في ذلك, أم لم يعلموا, فان ذلك يكون سببا لمزيد علمهم, وكلما فعل الإنسان سنة, رماه الله إلى فعل سنة أخرى لم يكن يعمل بها قبل ذلك.


كما قالوا: الحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة. والسيئة بعد السيئة عقوبة السيئة. ولقد أقمت سنين لا ادري وجه الحكمة في نهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل التمر وجعل النوى على الطبق, فببركة امتثال هذه السنة أوقعني الله على وجه الحكمة في ذلك منقولا في كلام بعض أئمة الحديث.


ثم اعلموا أيها الناس, أن الصوفية قسمان:


أحدهما: صوفية السنة كالجنيد وأتباعه, وهؤلاء هم الخلص الذين هم صفوة الله من خلقه, افنوا عمرهم في تتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بها, فصاروا صفوة الصفوة.



والقسم الثاني: متصوفة الفلاسفة, وأصلهم كفار يونان, فإنهم كانوا أهل حكمة وعقل, فأخذوا في التزهد والتريض, ثم بعث الله تعالى موسى عليه السلام في زمانهم, فدعاهم إلى شريعته, فأبوا واستكبروا وقالوا له: نحن في غنية عما عندك, فانا نقول بما تقول به, ونزيد عما جئت به, إنا لا نرى ذبح الحيوان شفقة عليه, وأنت تراه, فاستنكفوا عن اتباعه. فأضلهم الله تعالى وركبهم إبليس, فجرهم في رياضتهم تلك إلى الاعتقادات الفاسدة كقولهم: بقدم الروح, وبقدم العالم, وبالهيولى, وبالوحدة المطلقة.


فلما جاء الإسلام ونبعت فرقة الصوفية الخلص, أراد جماعة أن يتشبهوا بهم, فعز عليهم تتبع الأحاديث والآثار, وشق عليهم مقاساة المواظبة على فعل السنن والمحافظة عليها, فعمدوا إلى طريقة متصوفة الفلاسفة لأنها اقل عملا, وأدنى كلفة. ورأس هذه الطائفة ابن سينا الفيلسوف الذي قال فيه ابن الصلاح في "فتاويه": "إنه لم يكن عالما, وإنما كان شيطانا من شياطين الأنس".


فمهد طريق الفلاسفة, وقررها ودعا الناس إليها, فتبعه من تبعه في عصره ومن بعده. ومن ثم انتدب الأئمة وصنفوا كتبا بينوا فيها التفرقة بين صوفية السنة الخلص, وبين متصوفة الفلاسفة الضالة, وأوضحوا حال كل من الفريقين إيضاحا بينا, وأثنوا على الأولين وحثوا على أتباعهم, وذموا الآخرين, وحذروا من الاغترار بضلالهم, ولم يزل الأئمة ينتدبون للتنبيه على ذلك سلفا وخلفا.


وأما هذا الزمان, فكثير ممن يدعي التصوف فيه ليس عنده من شروطه شيء, ولا أتقن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عرفها, فضلا عن أن يعمل بها. وإنما يعمد إلى كتب صنفها هؤلاء وهؤلاء, فيأخذ منها ما اختاره ويقرره.


ولهذا ترى الواحد منهم عليه ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض لأنه لم تشرق عليه أنوار السنة, ولا صفا باطنه حتى يستنير ظاهره, فترى الجاهل منهم يدندن حول الوحدة المطلقة وحول قدم الروح, ونحو ذلك, والسامعون لهم ثلاثة رجال:


رجل عامي: جاهل حسن الظن بالصالحين, سمع كلاما ظن انه خير, فصادف قلبا خاليا فتمكنا, فرسخ ذلك في قلبه وصار يقاتل عليه بالسيف. وإذا أرشده مرشد إلى ترك اعتقاد ذلك, قال: هذا يحط على الصالحين.


ورجل فقيه: يعلم أن هذه المقالات تخالف الشريعة, غير انه ليس بواسع الدائرة, فما يسعه إلا أن يزعق من رأسه بما لا يعيه حتى يملأ الدنيا عياطا, ويكفر كل صوفي, ويسيء الظن بكل صالح. ولو أمكنه أن يخرج عليهم بالسيف لفعل, وهو معذور, فان الفقيه لا يطيق أن يسمع ما يخالف الشرع, فضلا عن أن يوافق على انه رتبة عالية. غير انه ليس معذورا في إطلاقه سوء الظن بجميع الصوفية, فان الناس ليس كلهم سواء.


والرجل الثالث: رجل متضلع بجميع العلوم واسع الدائرة, طويل الباع راسخ القدم, يعرف الأمور وأصولها وفروعها, ويعرف طرق الناس المختلفة وأهوائهم المشتبهة, وكل مقالة من أين جاءت.


فهذا يتثبت في كل أمره, ويحكم على كل إنسان بما يستحقه. فإذا جاءه رجل يدعي انه صوفي, نظر إليه أولا والى سمته والى حركته وسكونه, والى كلامه وسكوته. فان رآه سالكا في سمته وهديه سبيل السنة, متحركا في موضع الحركة, ساكنا موضع السكون, متكلما في موضع الكلام, ساكتا في موضع السكوت, يضع الأمور مواضعها, ويوقع الأشياء مواقعها, خاض معه وفتش على ما عنده, فإذا رآه بصفة الكمال أكرمه وعظمه, وأوصله محله.


وإن رآه تاركا للسنة, خاض معه في السؤال عن السنن, لينظر أتركها عن جهل بها أو عن علم, فان رآه جاهلا بها, أرشده إلى تعلمها, وإن رآه عالما بها, عنفه في التخلف عنها, ونظر هل يقبل منه النصيحة أو تشق عليه.


ثم يفتش على معتقده, فان رآه يميل إلى معتقد متصوفة الفلاسفة, نصحه وأرشده وبين له بطلان ما هو عليه وضلاله, فان قبله, فبها ونعمت. وإن رآه رجلا جاهلا بالسنة جاهلا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره وآثار أصحابه, جاهلا بأحكام الشريعة, متشبعا بما لم يعط, غرضه إقامة نار موسى وتار خوشى, وشهرة كاذبة, ودعوى باطلة, وأن يصير له في الناس ذكر بعد سفالة, وشهرة بعد خمالة, أدرجه في حيز أولي السقط, وأدخله في زمرة القرود والقطط." اهـ




وما للمرء خير في حياة = إذا ما عد من سقط المتاع






(يتبع إن شاء الله تعالى مع نقول أخرى .... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشهداء منهم محمد الميانى المواضيع الاسلامية 0 03-23-2015 12:31 PM
ديمقراطيتنا خادمة للإسلام وليس العكس admin الصوتيات والمرئيات 1 05-05-2012 05:02 PM
التعدد نعمة وليس نقمة عبدالقادر حمود القسم العام 9 01-11-2012 04:43 PM
النقاب عبادة وليس عادة ساره القسم العام 10 12-26-2009 06:27 PM
احذروا منهم أبو أنور القسم العام 11 09-10-2009 05:44 AM


الساعة الآن 02:13 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir