http://wwwفي فضل تلاوة القرآن وأنواعها
الحمد لله الداعي إلى بابه ، الموفق من شاء لصوابه ، أنعم بإنزال كتابه ، يشتمل على مُحْكَم ومتشابه ، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ، وأما الراسخون في العلم فيقولون آمنا به ، أحمده على الهدى وتيسير أسبابه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من عقابه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل الناس عملا في ذهابه وإيابه ، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر أفضل أصحابه ، وعلى عمر الذي أعز الله به الدين واستقامت الدنيا به ، وعلى عثمان شهيد داره ومحرابه ، وعلى علي المشهور بحل المشكِل من العلوم وكشف نقابه ، وعلى آله وأصحابه ومن كان أولى به ، وسلم تسليما .
إخواني : قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ }{ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } [ فاطر : 29 - 30 ] .
لاوة كتاب الله على نوعين : تلاوة حُكْميَّة وهي تصديق أخباره وتنفيذ أحكامه بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، وسيأتي الكلام عليها في مجلس آخر إن شاء الله .
والنوع الثاني تلاوة لفظية
وهي قراءته وقد جاءت النصوص الكثيرة في فضلها إما في جميع القرآن ، وإما في سور أو آيات معينة منه , فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « خيركم من تعلم القرآن وعلمه » ، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران » .
والأجران أحدهما على التلاوة ، والثاني على مشقتها على القارئ ، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « مَثَل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجَّة ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو » ، وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه » .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين ، وثلاث خير له من ثلاث ، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل » ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده » وقال صلى الله عليه وسلم : « تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تَفَلُّتًا من الإبل في عُقُلها » ، وقال صلى الله عليه وسلم : « لا يقل أحدكم : نسيت آية كيت وكيت بل هو نُسِّيَ » ؛ وذلك أن قوله : نَسِيت قد يُشْعِر بعدم المبالاة بما حفظ من القرآن حتى نسيه ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف » وعنه رضي الله عنه أيضا أنه قال : « إن هذا القرآن مأدُبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم ، إن هذا القرآن حبل الله المتين والنور المبين ، والشعاع النافع ، عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يزيغ فيُسْتَعْتَب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخْلَق من كثرة الترداد ، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات ، أمَا إني لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف » .
إخوتي : هذه فضائل قراءة القرآن , وهذا أجره لمن احتسب الأجر من الله والرضوان ، أجور كبيرة لأعمال يسيرة ، فالمغبون من فرَّط فيه ، والخاسر من فاته الربح حين لا يمكن تلافيه ، وهذه الفضائل شاملة لجميع القرآن ، وقد وردت السنة بفضائل سور معينة مخصصة .
* فمن تلك السور سورة الفاتحة ، فعن أبي سعيد بن الْمُعلى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : « لأعلمنك أعظم سورة في القرآن : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُه » ، ومن أجل فضيلتها كانت قراءتها ركنا في الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خِداج » يقولها ثلاثا , فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام . فقال : اقرأ بها في نفسك .
ومن السور المعينة سورة البقرة وآل عمران ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : « اقرءوا الزهراوين : البقرة وآل عمران ؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان ، أو كأنهما فِرْقان من طير صواف تُحَاجَّان عن أصحابهما ، اقرءوا سورة البقرة فإن أَخْذها بركة وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البَطَلَة - يعني السَّحَرَة - » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن البيت الذي تُقْرَأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان ؛ وذلك لأن فيها آية الكرسي ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « أن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ، ولا قربه شيطان حتى يُصْبِح .»« وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن جبريل قال وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم : " هذا باب قد فُتِحَ من السماء ما فُتِحَ قط ، قال : فنزل منه مَلَك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أَبْشِرْ بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب وخواتيم البقرة ، لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته ».
ومن السور المعينة في الفضيلة { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، فعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها : « والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن » ، وليس معنى كونها تعدله في الفضيلة أنها تجزئ عنه ، ولذلك لو قرأها في الصلاة ثلاث مرات لم تجزئه عن الفاتحة , ولا يلزم من كون الشيء معادلا لغيره في الفضيلة أن يجزئ ، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الْمُلْك وله الحمد عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل » ومع ذلك فلو كان عليه أربع رقاب كفارة فقال هذا الذكر لم يُجْزِئه عن هذه الرقاب وإن كان يعادلها في الفضيلة .
ومن السور المعينة في الفضيلة سورتا المعوذتين { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } : فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ألم تر آيات أُنْزِلت لم يُرَ مثلهن : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }» ، وعنه صلى الله عليه وسلم « أنه أمر عقبة أن يقرأ بهما ثم قال : " ما سأل سائل بمثلها ولا استعاذ مستعيذ بمثلها » .
فاجتهدوا إخوتي في كثرة قراءة القرآن المبارك لا سِيَّمَا في هذا الشهر الذي أنزل فيه ، فإن لكثرة القراءة فيه مزية خاصة ، وكان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان كل سنة مرة ، فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه مرتين تأكيدا وتثبيتا ، وكان السلف الصالح رضي الله عنهم يُكْثِرون من تلاوة القرآن في رمضان في الصلاة وغيرها ، وكان الزهري رحمه الله إذا دخل رمضان يقول : إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام ، وكان مالك رحمه الله إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالس العلم وأقبل على قراءة القرآن من المصحف ، وكان قتادة رحمه الله يختم القرآن في كل سبع ليالٍ دائما وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر الأخير منه في كل ليلة ، وكان إبراهيم النخعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث ليالٍ وفي العشر الأواخر في كل ليلتين ، وكان الأسود رحمه الله يقرأ القرآن كله في ليلتين في جميع الشهر .
فاقتدوا رحمكم الله بهؤلاء الأخيار واتَّبِعوا طريقهم تلحقوا بالبَرَرَة الأطهار ، واغتنموا ساعات الليل والنهار بما يُقَرِّبكم إلى العزيز الغفار ، فإن الأعمار تُطْوَى سريعا والأوقات تمضي جميعا وكأنها ساعة من نهار .
اللهم ارزقنا تلاوة كتابك على الوجه الذي يرضيك عنا ، واهدنا به سبل السلام ، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور ، واجعله حجة لنا لا علينا يا رب العالمين .
اللهم ارفع لنا به الدرجات ، وأنقذنا به من الدركات ، وكفر عنا به السيئات ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين ..alkeltawia.com/vb/showthread.php/-