أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > المواضيع الاسلامية

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 12-25-2014
  #1
عبد القادر الأسود
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبد القادر الأسود
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 216
معدل تقييم المستوى: 15
عبد القادر الأسود is on a distinguished road
افتراضي فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 193

وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ
صَامِتُونَ
(193)
وقولُه ـ سبحانَهُ وتَعالى: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ} أيْ: إنْ تَدعُوا أَصْنامكم التي تَعبدونَ أَيَّها المشركون إلى أَنْ تتبعكم إلى الهدى وسبيل الحق والخير، أو أنْ تَهْتَدي هي إلى الحقِّ، أَوْ وتُرْشِدَكم إليه، أَوْ إنْ تَبْغوا منْها شيئاً أوْ تطلبوا الحصولَ منها على أَيْ شَيءٍ تَرغبون، أَوْ تَنْجونَ بِهِ منْ مَكروهٍ، فلن تُجيبَكم إلى أيٍّ مما تَطْلُبون، ممَّا هُو أَدْنى مِنَ النَّصْرِ البعيدِ العزيزِ، الذي تحدَّثت عنه الآيةُ السابقة، ولا تَقْدِر عليْهِ لأنَّها جَماداتٌ لا حَياةَ فِيها ولا قُدْرَةَ لها عَلى أَيْ فِعْلٍ. وهذا بيانٌ لِعَجْزِ هذِهِ الأَصْنامِ سواءً ما كان منها مَعْدِناً أَوْ حَجَراً أوْ بشراً أوْ بَقَراً، أَوْ أيّاً ممَّا سِوى اللهِ ـ عزَّ وجَلَّ ـ فكلُّ ما هو في الكونِ خلقٌ مِنْ خلق اللهِ ـ تبارك وتعالى ـ لا يملك لِنَفْسِهِ ولا لِغَيرِهِ نَفْعاً ولا ضَرّاً, فإنَّه لما أُثْبِتَ بالآيةِ المُتَقَدِّمَةِ أَنَّه لا قُدْرَةَ لهذِهِ الأَصْنامِ على أَمْرٍ مِنَ الأَمورِ، بيَّنَ اللهُ تعالى بهذِهِ الآيَةِ أَنَّهُ لا عِلْمَ لها بِشَيْء مِنَ الأَشْياءِ، والمعنى أَنَّ هَذا المَعبودَ الذي يَعبُدُهُ المُشرِكون مَعلومٌ مِنْ حالِهِ أَنَّهُ كما لا يَنْفَعُ ولا يَضُرُّ، فكذا لا يَصِحُّ فيه الأتباعُ إذا دُعِيَ إلى الخيرِ. ولا يَفْصِلُ حالَ مَنْ يُخاطِبُهُ ممَّن يَسْكُتُ عَنْهُ، فالخِطابُ للمُشركين بِطريقِ الالْتِفاتِ، توبيخاً لهم وتَبْكيتاً.
قولُه: {سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صامتون} اسْتِئنافٌ مُقَرِّرٌ لمَضمون ما قَبْلَهُ ومُبَيِّنٌ لِكَيْفِيَّةِ عَدَمِ الاتِّباعِ، أَيْ: مُسْتَوٍ عَلَيْكم في عَدَمِ الاسْتِفادَةِ والانْتِفاعِ ممَّا تَعْبُدونَ سِوَى اللهِ، دُعاؤكم لهم وسُكوتُكم، فإنَّه حالَكم واحدٍ الحاليْنِ لا يتغيرُ ولا يَتَبَدَّلُ كما هو حال هذه الجماداتِ لا يَتَغيرُ ولا يَتَبَدَّلُ إلاَّ بِأَمْرِ اللهِ ومَشيئَتِهِ.
وقيل: أَنَّ ضَميرَ "تَدْعُواْ" يَعودُ لِلنَبيِّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ والمؤمنينِ أَوْ لَهُ وحدَهُ ـ صلى الله عليه وسَلَّمَ ـ وإنّما أتى جُمعاً للتَعْظيمِ، أمَّا ضَميرُ المَفْعولينَ فإنَّه للمُشركين، والمُرادُ بالهُدى دينُ الحقِّ، أيْ إنْ تَدْعوا المُشْركين إلى الإسْلامِ لا يَتَّبِعوكم، أَيْ لا يحصِّلونَ ذَلِك مِنْكم ولا يَتَّصِفونَ به، وتُعِقِّبَ هذا القولُ بِأَنَّ سياقَ النظم الكريمِ مما لا يُسْعِفُه، وإنَّ سِياقَهُ أَصْلاً على أَنَّه لو كان كذلك لَقيلَ عليهم مكان "عليكم" كما هو قولُهُ تعالى في الآية السادسة من سورة البقرة: {سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} فإنَّ اسْتِواءَ الدُعاءِ وعَدَمِه إنَّما هو بالنِسْبَةِ إلى لمُشرِكين، لا بالنِسْبَةِ إلى الداعينَ فإنهم فائزون بِفَضْلِ الدعوة. إلاَّ أَنَّ الفَرْقَ في تِلكَ الآيةِ عَطفُ الفِعْلِ على الفِعْلِ، وهُهُنا عَطَفَ الاسْمَ على الفِعلَ، لأنَّ قولَهُ: "أَدَعَوْتُمُوهُمْ" جملةٌ فِعْلِيَّةٌ: وقولهُ: "أَمْ أَنتُمْ صامتون" جملة إسميَّةٌ. ولا يَجوزُ إلاَّ لِفائدةٍ وحِكْمَةٍ، وتلكَ الفائدةُ هيَ أَنَّ صِيغةَ الفِعْلِ مُشْعِرَةٌ بالتَجَدُّدِ والحُدوثِ حالاً بَعْدَ حالٍ، وصيغةُ الاسْمِ مُشْعِرَةٌ بالدَوامِ والثَباتِ والاسْتِمْرارِ، وهؤلاءِ المُشركين كانوا إذا وَقَعوا في مُهِمٍّ، أوْ مُعْضِلَةٍ، أوْ حَزَبهم أمرٌ تَضَرَّعُوا إلى تِلكَ الأَصْنامِ، ونادوهم: يا هُبَلُ، يا لاتُ، يا عُزَّى. وإذا لم يحْدُثْ لهم مُنَغِّصٌ مزعجٍ ولم تَقَعْ لهم واقعةُ بَقُوا ساكتينَ صامِتينَ، لذلك لم يَقُلْ: (سواءٌ أَدَعَوْتموهم أَمْ صَمَتّم)؛ لأنَّ الفِعْلَ يَقْتَضي الحُدوثَ، وبما أَنَّهم كانوا لا يَفْزَعُون إلى آلهتِهم إلاَّ عِنْدَ الأَحْداثِ الجِسامِ. لذلك قيلَ لهم لا فَرْقَ بَينَ إحْداثِكم دُعاءَهم وبَينَ أَنْ تَسْتَمِرّوا عَلى صَمْتِكم وسُكُوتِكُمْ، وهذه هي فائدةُ هذِه الصياغِةِ.
قوله تعالى: {وَإِن تَدْعُوهُمْ}: الظاهرُ أنَّ الخِطابَ للكُفَّارِ وضَميرَ النَصْبِ للأَصْنامِ. ويجوزُ أَنْ يَكونَ الضميرُ للرَسولِ والمؤمنين والمنصوب للكفارِ وقد تقدَّم تفسير المعنى في كلتا الحالتين. ولا يجوزُ أَنْ يَكُونَ "تَدْعوا" مُسْنَداً إلى ضَميرِ الرَّسولِ فَقَطْ، والمَنْصوبُ للكُفَّارِ أَيْضاً، لأنَّهُ كانَ يَنْبَغي أَنْ تُحْذفَ الواوُ لأَجْلِ الجازِمِ، ولا يَجُوزُ أَنْ يُقالَ قُدِّرَ حَذْفَ الحركَةِ وثَبَتَ حَرْفُ العلَّةِ كما هو في قولِ قيس بْنِ زُهَيرٍ العبسي:
ألم يأتيك والأنباء تَنْمي ....................... بما لاقَتْ لَبونُ بني زياد
أو كقولِ الإمامِ زِبانَ أَحَدُ أئمة النحوِ والقراءات وهو أبو عمرو بْنُ العلاءِ، لما رُوِي أَنَّ الفَرَزْدَقَ جاءَ مُعْتَذِراً إليْهِ مِنْ هَجْوٍ بَلَغَهُ عَنْه، فقالَ لَهُ أَبو عَمْرٍو:
هَجَوْت زَبَّان ثم جِئْتَ مُعْتذراً ......... مِنْ هَجْو زبَّانَ لم تهجو ولم تَدَعِ
فاعْتَذَرَ إلِيْهِ الفَرَزْدَقُ وامْتَدَحَهُ بمَقْطوعَةٍ مِنْها قولُهُ:
ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها ............. حتى أتيت أبا عمر بن عمار
ويكون مثلَ قوله تعالى في سورة يوسُفَ ـ عليه السلامُ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقي وَيِصْبِرْ} الآية: 90، وكقولِه تعالى في سورةِ طَهَ: {فَلاَ تنسى} و {لا تَخَفْ دَرَكاً ولا تخشى} الآية: 77. لأنَّه ضَرورةٌ، وأَمَّا الآياتُ فمُؤوَّلَةٌ وسَيَأْتي ذَلكَ، إنْ شاء اللهُ تعالى.
قولُهُ: {أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} هَذِهِ جملةٌ اسميةٌ عُطِفَتْ على أُخرى فعلية لأنها في معنى الفِعْليَّة، والتقدير: أدعوتموهم أَمْ صَمَتُّم. ومِنْ عَطَفَ الاسمَ على الفعلِ قولُ الشاعر:
سواءٌ عليك الفقرُ أم بِتَّ ليلةً .......... بأَهْلِ القِبابِ مِنْ نميرِ بْنِ عامرِ
قال الشيخُ أبو حيّان التوحيديُّ: وليسَ مِنْ عَطْفِ الفعلِ على الاسْمِ، إنَّما هُوَ من عَطْفِ الاسميَّةِ على الفِعْلِيَّةِ، وأَمَّا البيتُ فليس فيهِ عَطْفُ فِعْلٍ على اسْمٍ، بَلْ مِنْ عطفِ الفِعْليةِ على اسْمٍ مُقدَّرٍ بالفِعْلِيَّةِ إذِ الأصلُ: سَواءٌ عَليك أَفْتَقَرْتَ أَمْ بِتَّ، وإنَّما أَتَى في الآيةِ بالجملة الثانيةِ اسميَّة لأنَّ الفِعْلَ يُشْعِر بالحدوثِ ولأنها رَأْسُ فاصِلَةٍ. وقد تقدمَ لنا عَنْ هَذا بيانٌ في تفسير الآية.
والصَّمْتُ: السكونُ، يُقالُ مِنْهُ: صَمَتَ يَصْمُتُ: بالفَتْحِ في الماضي والضِمِّ في المُضارِعِ. ويُقالُ: صَمِتَ بالكِسْرِ يَصْمَتُ بالفَتْحِ، والمَصْدَرُ: الصَّمْتُ والصُّماتُ. و (إِصْمِتُ) بِكَسْرِ الهَمْزَةِ والميمِ اسْمُ فَلاةٍ مَعروفَةٍ، وهو مَنْقولٌ مِنْ فِعلِ الأَمْرِ مِنْ هذِهِ المادَّةِ. وقد رَدَّ بعضُهم هذا بأنَّه لو كانَ مَنْقُولاً مِنَ الأَمْرِ لَكان يَنْبَغي أَنْ تَكونَ همزتُهُ همزةَ وَصْلٍ، ولَكانَ يَنْبَغي أَنْ تَكونَ ميمُه مَضْمَومةً، إنْ كان مِنْ يَصْمُت، أَوْ مَفْتُوحةً إنْ كان مِنْ يَصْمَتُ، ولأنَّهُ كان يَنْبَغي أَلاَّ يُؤنَّثَ بالتاءَِ وقدْ قالوا: (إصْمِتَةٌ). والجوابُ أَنَّ فِعلَ الأَمْرِ يجبُ قَطْعُ همزتِهِ إذا سُمِّي بِهِ نحو (إشْرِب) لأنَّه ليس لنا مِنَ الأَسماءِ ما همزتُه للوَصْلِ إلا أسماءٌ عَشَرَةٌ. ونَوعُ الانْطلاقِ مِنْ كُلِّ مَصْدَرٍ زَاد على الخَمْسَةِ، وهوَ قليلٌ فالإِلحاقُ بالكَثيرِ أَوْلى، وأَمَّا كَسْرُ الميم فلأنَّ التغييرَ يُؤْنِسُ بالتغيير، وكذلك الجوابُ عَنْ تَأْنيثِهِ بالتاءِ.
قَرَأَ الجُمْهورُ: {لا يَتَّبِعكم}. وقَرَأَ نافع "يَتْبَعُكم" بالتَخفيفِ، وكذا قرأ في سورة الشعراء: "يَتْبَعُهم"، فقيل: هما لُغتانِ، ولهذا جاءَ في قصَّةِ آدَمَ عليه السلامُ ـ قولُهُ تعالى: {فَمَن تَبِعَ} سورة البقرة، الآيةُ: 38، في موضع آخر {اتبَعَ} سورة طه، الآية: 123. وقيلَ: تَبِعَ: اقْتَفى أَثَرَهُ، واتَّبَعَهُ بالتَشديدِ اقْتَدَى بِهِ. والأوَّلُ أَظْهَرُ.
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
(194)
قولُهُ ـ تعالى مجدُه: {إنَّ الذين تَدْعونَ مِنْ دونِ اللهِعِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} يُؤَكِّدُ اللهُ تَعَالَى عَلَى المعنى السابقِ في الآياتِ التي ذُكرتْ آنِفاً: بأَنَّ هَذِهِ الأَصْنَامُ التِي يُسَمِّيها المُشْرِكونَ آلهَةً ويَعْبُدُونهَا مِنْ دُونِ اللهِ، وَيَدْعُونَها لكشف الضرِّ والبلاءِ والشدائدِ عنهم، هِيَ حِجَارَةٌ وَمَخْلُوقَاتٌ مِثْلُهُمْ، لاَ تَمْلِكُ لِنَفْسِهَا نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً. أَيْ: مماثلَةٌ لَكُم مِنْ حيثُ أَنَّها مملوكَةٌ للهِ تَعالى، مُسَخَّرَةٌ لأَمْرِهِ عاجِزَةٌ عَنِ النَفْعِ والضَرِّ. فهي تُشْبِههم في ذَلِكَ مَعَ كَونِ عَجْزِها أَظْهَرُ مِنْ عَجْزِهم، وإنما كان سببَ الَتجائهم إليها هو اعترافُهم بِعَجْزِ أَنْفُسِهم، وتوهُّمُهم أنها أقوى منهم وأشدُّ قدرةً، وهذا هو ما كان يَدعوهُم إلى عِبادَتِها والاسْتِعانَةِ بها على ما هم عاجزون عَنْهُ.
قولُه: {فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} يَقُولُ تَعَالَى لِعَابِدِي هَذِهِ الأَصْنَامِ: إِذا كِنْتُم صَادِقِينَ فِي اعْتِقادِكُمْ وزَعْمِكمِ أَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى مَا تَعْجَزُونَ عَنْهُ أَنْتم بِقِواكُمْ البَشَريَّةِ مِنْ نَفْعٍ وَضَرٍّ، فَلْتَدْعُوها لِتَسْتَجِيبَ لَكُمْ، إِمَّا بِأَنْفُسِهَا، أَوْ بِحَمْلِها الرَّبَّ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، عَلَى إِعْطَائِكمْ مَا تَطْلُبُونَ مِنَها. وَبِمَا أنَّها لَنْ تَسْتَجِيبَ لِمَنْ يَدْعُوهَا، لأنَّهَا حِجَارَةٌ وَجَمادَاتٌ، وَمَخلُوقَاتٌ عَاجِزَةٌ، لِذَلِكَ فإنَّ مَنْ يَعْبُدُونَها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. والأمرُ هنا للتَعْجيزِ؛ لأَنَّ الأَصْنامَ لا تَقْدِرُ أَنْ تُجيبَ، فَلا تَسْتَحِق أَنْ تُعْبَدَ.
قولُهُ تَعالى: {إِنَّ الذين}: إنَّ حرفٌ مشبَّهٌ بالفعل (مِنَ النَواسِخِ)، و "الذينَ" اسمها، و "عبادٌ" خبرها. وهذه الجملةُ استئنافٌ ابتدائيٌّ انتَقَلَ بِهِ إلى مخاطَبَةِ المُشْرِكين، ولذلكَ صُدِّرَ بحرفِ التَوكيدِ لأنَّ المُشْركين يُنْكِرونَ مُساواةِ الأَصْنامِ إيَّاهم في العُبوديَّةِ، وفيهِ التفاتٌ مِنَ الغَيْبَةِ إلى الخِطابِ. وتعريف الأصنامِ بالمَوصولِ لِتَنْبيهِ المُخاطَبينَ على خَطأِ رَأْيِهم في دُعائِهم إيَّاها مِنْ دونِ اللهِ، في حين هي لَيْسَتْ أَهْلاً لِذلكَ، فَهَذا الموصولُ كالموصولِ في قولِ عَبْدةَ بْنِ الطَبيبِ:
إن الذين ترونهم إخوانكم ......... يشفي غليلَ صُدورِهم أَنْ تُصْرَعوا
وإطلاقُ "العِباد" عَليهم مجازٌ رُوعيَ فيه المشاكلةُ التَقديريَّةُ لأنَّهُ لمّا ماثَلَهم بالمُخاطَبين في المخلوقيَّة وكان المخاطبون عبادَ اللهِ أَطْلقَ العِبادَ على مماثِليهم مُشاكَلَةً. وفَرَّعَ على المُماثلةِ أَمْرَ التَعجيزِ بِقولِهِ: "فَادْعُوهُمْ" فإنَّه مُسْتَعْمَلٌ في التَعجيزِ باعتِبارِ ما تَفَرَّعَ عَلَيْهِ مِنْ قولِهِ: "فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ" المتضمِّنِ إجابةَ الأَصنامِ إيَّاهُم، لأنَّ نَفْسَ الدُعاءِ ممكنٌ ولكنَّ اسْتِجابَتَها لهم لَيْسَتْ ممْكِنةً. والأَظهرُ أَنَّ المُرادَ بالدَعْوَةِ المَأْمُورِ بها الدعوةُ للنَصْرِ والنِجْدَةِ.
قَرَأَ العامَّة: {إنَّ}بتَشديدِ "إنَّ". وقَرَأَ سَعيدُ بْنُ جُبَيْرٍ "إنْ" بِتَخْفِيفِها ونَصْبِ "عباد" و "أمثالكم". وقد خَرَّجها أَبو الفَتْح ابْنُ جِنِّي وغيرُهُ على أَنَّها "إنْ" النافيةُ، وهي عاملةٌ عَمَلَ "ما" الحجازية، وهو مَذْهَبُ الكِسائيِّ وأَكْثَرِ الكُوفِيِّينَ غيرَ الفَرَّاءِ، وقالَ بِهِ ابنُ السرّاجِ والفارسيُّ وابنُ جنّي من البصريين، واختلف النقل عَنْ سِيبَويْه والمُبرِّدِ. والصحيحُ أَنَّ إعْمالَها لُغَةٌ ثابتةٌ نَظْماً ونَثْراً فمن النظمِ قولُ الشاعر، من المنسرح:
إنْ هو مستولياً على أحد ..................... إلاَّ على أَضْعف المجانين
ولكن قد استشكلوا هذه القراءة من حيث إنها تَنْفي كونَهم عِباداً أَمثالَهم، والقراءةُ الشهيرة تُثْبتُ ذَلِكَ، ولا يجوزُ التَنَاقُضُ في كلامِ اللهِ تَعالى. وقد أَجابوا عَنْ ذلكَ بِأَنَّ هذِهِ القِراءِةَ تُفْهم تحقيرَ أَمْرِ المَعْبودِ مِنْ دونِ اللهِ وغَباوَةَ عابِدِهِ، وذلك أنَّ العابدين أَتمُّ حالاً وأَقدرُ على الضرِّ والنَفعِ مِنْ آلهَتِهم فإنها جمادٌ لا تفعل شيئاً مِنْ ذلكَ فَكيْفَ يَعْبُدُ الكاملُ مَنْ هُو دونَهُ؟ فهي مُوافِقَةٌ للقِراءةِ المُتَواتِرَةِ بِطَريقِ الأَوْلى. وقد رَدَّ أَبو جَعْفَر النحّاسُ هذِهِ القِراءةَ بِثلاثةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُها: مخالفتُها لِسَوادِ المُصْحَفِ. الثاني: أنََّ سِيبَوَيْهِ يختارُ الرَفْعَ في خَبرِ "إنْ" المُخَفَّفَةِ فيَقولُ: "إنْ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ" لأنَّ عَمَلَ "ما" ضَعيفٌ و "إنْ" بمَعناها فهيَ أَضْعَفُ مِنْهَا. الثالث: أَنَّ الكِسائيَّ لا يَرى أَنَّها تَكون بمُعنى "ما" إلاَّ أَنْ يَكونَ بَعدَهُا إيجابٌ. وما رَدَّ بِهِ النَحَّاسُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لأنَّها مُخالَفَةٌ يَسيرةٌ. قالَ الشيخُ أبو حيّان: ويجوزُ أَنْ يَكونَ كَتَبَ المَنصوبَ على لُغَةِ رَبيعةَ في الوَقْفِ على المُنَوَّنِ المَنْصُوبِ بِغَيرِ أَلِفٍ فَلا تَكونُ فيهِ مُخالِفَةً لِلسَوادٍ. وأَمَّا سِيبوَيْهِ فاخْتَلَفَ النَّاسُ في الفَهم عنهُ في ذَلِكَ. وأَمَّا الكِسائيُّ فهذا القَيْدُ غيرُ مَعروفٍ لَهُ. وخَرَّجَ الشَيْخُ القراءةَ على أَنَّها "إنْ" المُخَفَّفَةَ قال: و "إنْ" المُخفَّفَةُ تَعْمَلُ في القِراءةِ المُتَواتِرَةِ كقِراءَةِ {وإنْ كُلاً}، ثمَّ إنَّها قد ثَبَتَ لها نَصْبُ الجُزْأَين، وأَنْشَدَ لِعُمَرَ بْنِ رَبيعةَ المخزومي:
إذا اسْوَدَّ جنحُ الليلِ فلتأتِ ولتكنْ ..... خُطاك خِفافاً إنَّ حُرَّاسنا أُسْدا
قال: (وهي لغة ثابتة) ثم قال: (فإنْ تأوَّلْنا ما وَرَدَ مِنْ ذلك، نحو قول العجَّاج: يا ليت أيامَ الصِّبا رواجعاً أي: تُرى رَواجِعاً فَكذلك هَذه يَكونُ تَأْويلُها: (إنَّ الذين تَدعونَ مِنْ دُونِ اللهِ خَلَقْناهم عِباداً أَمْثالَكم. فَيكونُ هذا التَخريجُ مَبْنِيًّاً عَلى مَذْهَبَين أَحَدُهُما: إعمالُ المُخَفَّفَةِ، وقَدْ نَصَّ جماعةٌ مِنَ النَحْوِيّينَ على أَنَّهُ أَقَلُّ مِنَ الإِهمالِ، وعبارةُ بعضِهم: (إنّهُ قَليلٌ) ولا أَرْتَضيهِ لِوُرودِهِ في المُتواتِرِ. والثاني: أَنَّ "إنَّ" وأَخواتها تَنْصِبُ الجُزْأَيْنِ وهوَ مَذْهَبٌ مَرجوحٌ. وقدْ تحصَّلَ في تخريجِ هذِهِ القِراءةِ ثَلاثةُ أَوْجُهٍ: كونُ "إنْ" نافيةً عامِلَةً، أَوْ المَخَفَّفَةَ الناصِبَةَ للجزأيْن، أَوْ النَصْبُ بفِعْلٍ مُقدَّرٍ هُو خَبَرٌ لها في المعنى.
وقرأ بعضهم "إنْ" مخفَّفةً، و "عباداً" نَصْباً، و "أمثالُكم" رَفْعاً، وتخريجُها على أَنْ تَكونَ المُخفَّفةَ وقد أُهمِلَتْ، و "الذين" مُبْتَدَأٌ، و "تدعون" صِلَتُها، والعائدُ محذوفٌ، و "عباد" حالٌ مِنْ ذلكَ العائدِ المحذوفِ، و "أمثالكم" خبرُهُ. والتقديرُ: إنَّ الذين تَدعونهم حالَ كونِهم عِباداً أَمثالَكم في كونهم مخلوقين مملوكين، فكيفَ يُعْبَدون؟ ويَضْعُفُ أَنْ يَكونَ الموصولُ اسماً مَنْصوبَ المحَلِّ لأنَّ إعْمالَ المُخَفَّفَةِ كما تَقَدَّمَ قَليلٌ.
وحكى أَبو البَقاءِ أَيْضاً قِراءةً رابعةً وهي بِتَشديدِ "إنَّ"، ونَصْبِ "عباد"، ورفعِ "أَمثالُكم"، وتخريجها على ما تقدَّمَ قبلَها.
__________________
أنا روحٌ تضمّ الكونَ حبّاً
وتُطلقه فيزدهر الوجودُ
عبد القادر الأسود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 174 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 12-05-2014 01:28 PM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 98 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-22-2014 03:38 PM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 94 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-19-2014 07:46 AM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 94 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-19-2014 07:41 AM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 96 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-19-2014 07:33 AM


الساعة الآن 01:18 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir