أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > المواضيع الاسلامية

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 12-13-2014
  #1
عبد القادر الأسود
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبد القادر الأسود
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 216
معدل تقييم المستوى: 15
عبد القادر الأسود is on a distinguished road
افتراضي فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 185

أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)
قولُهُ ـ تباركت أسماؤه: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} استفهامٌ إنكاريٌّ توبيخي، وعَجَبٌ مِنْ إعْراضِ الكفرةِ عَنِ النَظَرِ في آياتِهِ ـ سبحانه؛ لِيَعْرِفوا كَمالَ قُدْرَتِهِ، وقد تَقَدَّمَ في سُورَةِ "البَقَرَةِ" أَنَّ الملَكوتَ مِنْ أَبْنِيَةِ المُبالَغَةِ ومَعناهُ المُلْكُ العَظيمُ. وبذلكَ يَنْتَقِلُ الجَدَلُ مِنَ الرَسُولِ إلى التفكير ومسئولِيَّتِهِ.
أَخْرَجَ أَحمدُ وابْنُ أَبي شَيْبَةَ في مُصنَّفِه عَنْ أَبي هُريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قالَ رَسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم: ((رأيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي، فلَمَّا انْتَهَيْنا إلى السَماءِ السابِعَةِ، نَظَرْتُ فَوقي فإذا أَنَا بِرَعْدٍ وبَرْقٍ وصَواعِقَ. قال: وأَتيتُ على قومٍ بُطونُهُمْ كالبُيوتِ فيها الحَيَّاتُ تُرى مِنْ خارجِ بُطونِهم، قلتُ: مَنْ هؤلاءِ يا جِبْريلُ؟ قالَ هَؤلاءِ أَكَلَةُ الرِّبا، فلَمّا نَزَلَتُ إلى السَماءِ الدُنيا، فَنَظَرْتُ إلى أَسْفَلَ مِني فإذا أَنَا بِرَهْجٍ ودُخانٍ وأَصْواتٍ، فقُلْتُ: ما هذا يا جِبريلُ؟ قال: هذِهِ الشِياطِينُ يَحَرِّجُونَ على أَعْيُنِ بَني آدَمَ أَنْ لا يَتَفَكَّروا في مَلَكوتِ السَمواتِ والأَرْضِ، ولولا ذلك لَرَأَوْا العَجائبَ)).
والتَفْكيرُ هُو إعْمالُ العَقلَ حتى لا يَقولَنَّ أَحَدٌ: إنَّ رَسُولَ اللهِ مجنون، لأنَّ مُجَرَّدَ النَظَرِ في الكونِ يجعلُ الإنسانَ رائياً للسَماءِ مَرْفوعةً بِلا عَمَدٍ، والأرضَ مَبْسوطَةً والهواءَ يَتَحَرَّكُ في انْتِظامٍ دَقيق. وهُناكَ ما فوقَ السَماءِ، وتحتَنا الأرضُ، وفيها ما تحتَ الأَرْضِ، وهُناكَ بَينَ السَموات والأرض. وما نراهُ في الظاهِرِ هُوَ ما يُسَمّونَهُ "مُلْكٌ" أَمَّا الخَفِيُّ عَنْكَ الذي لا تَقْدِرُ أَنْ تَصِلَ إليْهِ بمعادلات تُسْتَخْرَجُ مِنْها النتائج فاسمُهُ "مَلَكوت". ولكنَّ العَظَمَةَ والسِّرَّ لَيْسا في السَماءِ والأَرْضِ فقط، بَلْ هُناكَ أَشْياءُ دَقيقةٌ جِدّاً، بَلَغَتْ مِنَ اللُّطْفِ أَنَّها لا تُدْرَكُ بالنَظَرِ، ومَعَ ذلك فإنَّ فيها الحِكْمَةُ العُليا للخَلْقِ.
وقدِ اخْتَلَفَ العلماءُ في أَوَّلِ الواجباتِ، هلْ هُوَ النَظَرُ والاستدلالُ، أَوِ الإيمانُ الذي هُوَ التَصْديقُ الحاصلُ في القَلْبِ الذي ليس مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ المَعْرِفَةُ. فذَهَبَ القاضي أبو بكرٍ ابْنُ العربيِّ وغيرُهُ مستدلِّين بهذه الآية وأمثالها في كتاب الله العزيز، والتي تحُضُّ على النَظَرِ في الكونِ للاسْتِدْلالِ على وُجودِ إلهٍ خالِقً عَظيمٍ مُتَصَرِّفٍ بمُلْكِهِ بما لا تَسْطيعُ العُقولُ الإحاطةَ بكنهه ومدى دقَّتِه وعظمته، إلى أَنَّ أَوَّلَ الواجباتِ النَظرُ والاسْتِدلالُ؛ لأنَّ اللهَ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ لا يُعْلَمُ ضَرورَةً، وإنَّما يُعْلَمُ بالنَظَرِ والاسْتِدْلالِ بالأَدِلَّةِ التي نَصَبَها لمَعرِفَتِهِ. وإلى هذا ذَهَبَ البُخاريُّ رحمَهُ اللهُ حيثُ بَوَّبَ في كتابِهِ (بابَ العِلْمِ قبلَ القَوْلِ والعَمَلِ لِقَوْلِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ في سورة محمَّدٍ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ} الآية: 19.
قال بعضُهم: مَنْ لم يَكُنْ عالماً باللهِ فهُوَ جاهلٌ، والجاهلُ بِهِ كافِرٌ. قالَ ابْنُ رُشْدٍ في مُقدّمَاتِهِ: وليس هذا بالبَيِّنِ؛ لأنَّ الإيمانَ يَصِحُّ باليَقينِ الذي قَدْ يَحْصَلُ لمنْ هَداهُ اللهُ بالتَقْليدِ، وبِأَوَّلِ وَهْلَةٍ مِنَ الاعْتِبارِ بما أَرْشَدَ اللهُ إلى الاعْتِبارِ بِهِ في غيرِ ما آيَةٍ. قالَ: وقدْ اسْتَدَلَّ الباجي عَلى مَنْ قالَ إنَّ النَظَرَ والاسْتِدْلالَ أَوَّلُ الواجباتِ بإجماعِ المُسْلِمين في جميعِ الأَعْصارِ على تَسْمِيَةِ العامَّةِ والمُقَلِّدين مُؤمِنينَ. قال: فَلَوْ كانَ ما ذَهَبوا إليْهِ صَحيحاً لما صحَّ أَنْ يُسَمى مُؤمِناً إلاَّ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ بالنَظَرِ والاسْتِدْلالِ. قالَ: وأَيْضا فَلَوْ كان الإيمانُ لا يَصِحُّ إلاَّ بَعْدَ النَظَرِ والاسْتِدْلالِ لجازَ للكُفَّارِ إذا غَلَبَ عَلَيهِمُ المُسلِمونَ أَنْ يَقولوا لهم: لا يَحِلُّ لَكم قَتْلُنا؛ لأنَّ مِنْ دِينِكم أَنَّ الإيمانَ لا يَصِحُّ إلاَّ بَعْدَ النَظَرِ والاسْتِدْلالِ فأَخِّرونا حتى نَنْظُرَ ونَسْتَدِلَّ. قالَ: وهذا يُؤدِّي إلى تَرْكِهم عَلى كُفْرِهم، وألاَّ يُقْتَلوا حتى يَنْظُروا ويَسْتَدِلّوا.
وهذا هو الصَحيحُ في البابِ، لحديث أبي هريرة ـ رضي اللهُ عنه ـ أنَّ رَسُولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عَليه وسَلَّمَ ـ قال: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتى يَقولوا لا إله إلا الله ويُؤْمِنوا بي وبما جِئْتُ بِهِ فإذا فَعَلوا ذلكَ عَصَمُوا مِني دِماءَهم وأَموالهم إلاَّ بحقِّها وحِسابُهم على الله)). أَخْرَجَهُ الشَيْخانِ وغيرُهما. بَلِ اكْتَفَى ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ مِنْ كَثيرٍ ممّنْ أَسْلَمَ بالنُطْقِ بالشَهادَتين، وحتى إنَّهُ اكْتَفى بالإشارَةِ في ذلك. أَلا تَراهُ لما قالَ للسَوْداءِ: ((أَينَ اللهُ))؟ قالتْ: في السَماءِ. قالَ: ((مَنْ أَنَا))؟ قالتْ:أَنْتَ رَسولُ اللهِ. قالَ: ((أعتقها فإنها مؤمنة)). رواهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَديثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ السُّلَمِىِّ ـ رضي اللهُ عنه ـ قَالَ: َكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِى آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ ـ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: ائْتِنِي بِهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ اللهُ؟... إلخ الحديث. ولم يَكُنْ هُناكَ نَظَرٌ ولا اسْتِدْلالٌ، بَلْ حَكَمَ بإيمانهم مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، وإنْ كانَ هُناكَ عَنِ النَظَرِ والمَعْرِفَةِ غَفْلَةٌ. واللهُ أَعْلَمُ.
وتَرْجَمَ ابْنُ المُنْذِرِ في كتابِ الأَشْرافِ "ذِكْرُ صِفَةِ كَمالِ الإيمانِ" أَجمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ عَلى أَنَّ الكافِرَ إذا قالَ: أَشْهَدُ أَنْلا إلهَ إلاَّ اللهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ محمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، وأَنَّ كلَّ ما جاءَ بِهِ محمَّدٌ حَقٌّ، وأَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخالِفُ دِينَ الإسلامِ ـ وهُوَ بالِغٌ صَحيحُ العَقلِ ـ أَنَّهُ مُسْلِمٌ. وإنْ رَجَعَ بَعْدَ ذَلك وأَظْهَرَ الكُفْرَ كانَ مُرْتَدّاً يجِبُ عَليهِ ما يَجِبُ على المُرْتَدِّ.
وقالَ أَبو حَفْصٍ الزَنْجانيُّ: وكانَ شيخُنا القاضي أَبو جَعْفَرَ أَحمدُ بْنُ مُحمَّدٍ السمناني يَقولُ: أَوَّلُ الواجِباتِ الإيمانُ باللهِ وبِرَسولِهِ وبِجميعِ ما جَاءَ بِهِ، ثمَّ النَظَرُ والاسْتِدْلالُ المُؤَدِّيانِ إلى مَعرِفَةِ اللهِ تَعالى. فيَتَقَدَّمُ وُجوبُ الإيمانِ باللهِ تَعالى عِنْدَهُ على المَعْرِفَةِ بالله. قال: وهذا أَقْرَبُ إلى الصَوابِ وأَرْفَقُ بالخَلْقِ؛ لأنَّ أَكْثَرَهم لا يَعْرِفون حَقيقةَ المَعرِفَةِ والنَظَرِ والاسْتِدْلالِ. فلَو قُلْنا: إنَّ أَوَّلَ الواجباتِ المَعْرِفَةُ باللهِ لأَدّى إلى تَكْفيرِ الجَمِّ الغَفيرِ والعَدَدِ الكَثيرِ، وأَلاَّ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إلاَّ آحادُ النَّاسُ، وذَلِكَ بَعيدٌ؛ لأنَّ الرَسولَ ـ صلى اللهُ عَليْهِ وسَلَّمَ ـ قَطَعَ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الجَنَّةِ أُمَّتُهُ، وأَنَّ أُمَمَ الأَنْبِياءِ كُلَّهَم صَفٌّ واحِدٌ وأُمَّتُهُ ثمانونَ صَفًّا. وهَذا بَيِّنٌ لا إِشْكالَ فيهِ. والحَمْدُ للهِ رب العالمين.
قولُه: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُم} أَوْلم يَنْظُروا أيضاً في اقترابِ آجالهم، وتوَقُّعِ حُلولها فيُسارعوا إلى طَلَبِ الحقِّ والتَوَجُّهِ إلى ما يُنْجيهم قَبلَ مُفاجأَةِ المَوْتِ لهمْ ونُزولِ العَذابِ بهم، وهُم في أَتعسِ حال. ولَعَلَّ آجالهَم قد قَرُبَتْ فَسَيَهْلِكونَ على الكُفرِ، ويَصيرون إلى النارِ، وإذا كان هذا الاحْتِمالُ قائماً وَجَبَ على العاقلِ المُسارَعَةُ إلى التوبةِ والمبادَرةُ بالأعمالِ الصالحات، سَعياً في تخليصِ النَفْسِ مِنْ هذا الأمرِ المخيفِ والخَطَرِ العَظيم.
قولُهُ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} أي: إذا لم يؤمنوا بهذا الكِتابِ الجَليلِ، فَبِأَيِّ حَديثٍ يُؤمِنون بِهِ؟ أَبِكُتُبِ الكَذِبِ والضَلالِ؟ أَمْ بِحَديثِ كُلِّ مُفْتَرٍ دَجَّالٍ؟ ولكنَّ الضَالَّ لا حِيلَةَ فِيهِ، ولا سبيلَ إلى هِدايَتِهِ. فالحَقُّ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ يُوَضِّحُ هنا بأنَّه إذا كانَ هذا الحديث الذي أَنْزَلْتُهُ إليهم وفيه ما فيهِ مِنَ الإعْجازِ ومِنَ الإبْداعِ، ويجمعُ كلَّ أَنْواعِ الكَمالاتِ، فماذا يُريدونَ أَكْثَرَ مِنْ ذلك؟ وهلْ في اتِّباعِهمْ للأهواءِ سَعادة لهم؟ بالعكس إنهم يشقوْن بذلك. وكان يجب عليهم أنْ يَتَأَدَّبوا مَعَ اللهِ ومَعَ الرسُولِ.
تمسك الجبائي وغيرُهُ منَ المعتزلة الذين يقولونَ بأَنَّ القُرآنَ ليسَ قَديماً، بقولِه تعالى في هذه الآيةِ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يؤمنونَ} قالوا: لأنَّ الحديثَ ضِدَّ القَديمِ، وأَيْضاً فَلَفْظُ الحديثِ يُفيدُ مِنْ جِهَةِ العادَةِ حُدوثَهُ عَنْ قُرْبٍ، ولِذلِكَ يُقالُ: إنَّ هذا الشيءَ حَديثٌ، ولَيْسَ بِعَتيقٍ فَيْجعَلونَ الحديثَ ضِدَّ العَتيقِ الذي طالَ زَمانُ وُجودِهِ، ويُقالُ: في الكَلامِ إنَّه حَديثٌ، لأنَّهُ يَحْدُثُ حالاً بَعْدَ حالٍ على الأَسماعِ. والجوابُ: أَنّ قولَهُ "حديث" محمولٌ عَلى الأَلْفاظِ مِنَ الكَلِماتِ ولا نِزاعَ في حُدوثِها، أمّا المعاني فهي قديمةٌ لأنها كلامُ اللهِ، والكلامُ صفةٌ للهِ تَعالى، والصفةُ لا تنفكُّ عن الموصوفِ وهي قائمةٌ بذاته سبحانهُ وذاته قديمةٌ، ولذلك فالقرآنُ قديم وغيرُ حادثٍ وبالتالي فهو غيرُ مخلوقٍ، واللهُ أعلم.
قوله تعالى: {وَأَنْ عسى} أنْ: الأصحُّ فيها أَنَّها المُخَفَّفةُ مِنَ الثَقيلةِ، واسمُها ضَميرُ الأَمْرِ والشَأْنِ. و "عسى" وما في حيِّزها في محلِّ رفعٍ خَبراً لها، ولم يُفْصل هنا بين أنْ والخَبرِ وإنْ كان فِعْلاً؛ لأنَّ الفِعْلَ الجامِدَ الذي لا يَتَصَرَّفُ يُشْبِهُ الأَسماءَ، ومثلُه قولُه تعالى في سورة النجم: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} الآية: 39. وقولُه في سورة النور: {والخامسة أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَا} الآية: 9. في قِراءَةِ نافِعٍ لأنَّهُ دُعاءٌ. وقدْ وَقَعَ خَبرُ "أَنْ" جملةً طَلَبِيَّةً في هاتين الآيتين الأَخيرتَين فإنَّ "عسى" للإِنشاء، و "غَضِبَ اللهُ" دُعاء. وقال أبو البقاء: بأن "أنْ" هنا هي المصدريَّةُ التي تَنْصِبُ المُضارِعَ الثُنائيَّةُ الوَضْعِ، وقد نَصَّ النحاةُ على أَنَّ "أَنْ" المصدرية لا تُوصَلُ إلاَّ بالفِعلِ المُتَصَرِّفِ مُطْلَقاً، أيْ ماضٍ ومُضارِعٍ وأَمْرٍ، و "عسى" لا يَتَصَرَّفُ، فكيفَ يَقَعُ صِلَةً لها؟ و "أنْ" على كِلا الوَجْهين في محَلِّ جَرٍّ نَسَقاً على "ملكوت"، أيْ: و أَلم يَنْظُروا في أَنَّ الأمرَ والشأْنَ عَسى أَنْ يَكونَ. و "أَنْ يكونَ" فاعلُ "عسى" وهيَ حينئذٍ تَامَّةٌ لأنَّها متى رُفِعتْ أَنْ وما في حيِّزِها كانتْ تامَّةً، ومَثَلُها في ذلك "أوشك" و "اخْلَولَقَ". واسْمُِ "يكونَ" هو إمّا ضَميرُ الشَأْنِ، ويَكونُ "قد اقترب أجلهم" خبراً لها. وإمّا أَنَّهُ "أَجلُهم" و "قد اقترب" جملةٌ مِنْ فِعْلٍ وفاعِلٍ هُوَ ضَميرُ "أَجَلُِهم" ولكنْ قَدَّمَ الخَبرَ وهو جملَةٌ فِعْلِيَّةٌ على اسمِها، وقد تَقَدَّمَ ذلك والخِلافُ فيه: وهو أَنَّ ابْنَ مالِكٍ يُجيزُهُ، وابْنُ عُصْفُور يَمْنَعُهُ عندَ قولِهِ تعالى في الآية: 137 من هذه السورة: {مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ}.
قوله: {فَبِأَيِّ} متعلِّقٌ بِ "يُؤْمنون" وهي جملةٌ اسْتِفْهامِيَّةٌ سِيقَتْ للتَعّجُّبِ، أيْ: إذا لم يُؤمِنوا بهذا الحَديثِ فكَيْفَ يُؤْمنون بِغَيْرِهِ؟ والهاءُ في "بعدَه" تحتَمِلُ العَوْدَ على القُرآنِ وأَنْ تَعودَ على الرَسُولِ، ويَكونُ الكلامُ على حَذْف مُضافٍ، أيْ: بَعدَ خَبرِهِ وقِصَّتِهِ، وأَنْ تَعودَ على "أجلُهم"، أيْ: إنَّهم إذا ماتوا وانْقَضى أَجَلُهم فَكيْفَ يُؤمِنونَ بَعدَ انْقِضاءِ أَجَلِهم؟ و "فبأي حديث بعده يؤمنون" متعلِّقٌ بقولِهِ: "عسى أن يكونَ قد اقترب أجلهم". والتقدير: لَعَلَّ أَجَلَهُم قدِ اقْتَرَبَ، فما لهم لا يُبادِرون إلى الإِيمانِ بالقرآنِ قبلَ الموتِ، وماذا يَنْتَظِرونَ بعدَ وُضوحِ الحقِّ.
__________________
أنا روحٌ تضمّ الكونَ حبّاً
وتُطلقه فيزدهر الوجودُ
عبد القادر الأسود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 174 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 12-05-2014 01:28 PM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 98 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-22-2014 03:38 PM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 94 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-19-2014 07:46 AM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 94 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-19-2014 07:41 AM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 96 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-19-2014 07:33 AM


الساعة الآن 12:12 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir