رد: جواهر من كلام الشيخ احمد جامي
س: تكلَّمتم عن المغناطيس بين القلب الرّبّاني والقلب الجسماني، فماذا عن المغناطيس بين المريد وشيخه؟
ج: إذا وجّهتَ قلبَك الرّبّاني يحصل لك محبّة مَن للتّفكُّر بالآخرة وتحصيل رضا الله تعالى واتّباع رسول الله يحب الله ويتّبع رسوله. هذا ليس بدعةً، بل هو أمرٌ حقيقيٌّ، يحرِّكنا بقدَرِ ؛ لأنّ هذا الطّريق المبارك أُسِّس على التّقوى، الله وفضلِه وبركة الرّسول والتّقوى مصدرُها الشّريعةُ، والشّريعةُ نَزَلَ بها جبريل على الرّسول الكريم عليه الصّلاة والسّلام.
يقول سيدي الشيخ أحمد جامي حفظه الله:
- العلم عند النّاس كثير، لكنَّ العمل ليس موافقاً للعلم؛ خصوصاً منهم العرب، عندهم علم كثير لكن هذا العلم صار آلةً للهوى والتَّشدّق في الكلام. قال الله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام / 120]. لا يمكن للعالِم أن يفعل ظاهر الإثم لأنّه يكسر عزَّةَ نفسِه، لكن باطن الإثم لا يطَّلع عليه النّاس، فيبقى دفيناً في قلبه، فإذا غُرِسَتْ فيه إبرة يَخرج هذا الخُلُقُ الذّميم وتُشَمُّ منه رائحته. الطُّرق الصّافية مبرّأة عن هذه الأمور. فلا بدّ للذي فهم الطّريق أن يبرّئ نفسه من هذه الأمور حتّى يكون محبوباً عند الله تعالى.
-في هذا العصر: المهِمُّ توجيه المؤمنين إلى الإيمان ؛ لأن الأسباب الدنيويّة تؤثّر على الإيمان.
والذين يزعمون أنّهم من أهل السّير والسّلوك متعلّقون بالأذواق والكرامات والكشف. هذه ليست مطلوبة من العبد، بل المطلوب أن يُقِرَّ بصفات الله كما يقرُّ بوجوده. هو معي كيف أخالفُه؟ وهو يعلم ما في قلبي كيف أخفي شيئاً وأظهر شيئاً آخر؟
نرجو الله أن يضع هذا الإيمان في، فإنه قلوب المؤمنين ببركة سيّد المرسلين. {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} [الكهف / 17].
فالوعظ والنصح يجب ألا يكون بالقيل والقال وذكر الخلافات الشرعية، ولكن بالتوجيه إلى ما في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت / 10]، ذَكَرَ المحلَّ (الصدر) وأراد الحالَّ (القلب)، وقولِه تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ } [الإسراء / 25].
يقول أيضا حفظه الله:
- اعلمْ أن للشريعة ثلاثة أجزاء: العلم والعمل والإخلاص؛ وما لم يتحقق كلٌّ من هذه الأجزاء الثلاثة لا تُحقق الشريعة. ومتى تحقّقت الشّريعة فقد تحقّق رضا الحق جلّ وعلا، وَرِضْوَانٌ مِنَ الذي هو فوق جميع السّعادات الدّنيويّة والأخرويّة: [آل عمران / 15]. فلَمْ يبقَ مَطلَب يقع فيه الاحتياج وراء اللَّهِ أَكْبَرُ الشّريعة، أما الطّريقةُ والحقيقةُ فهما خادمتان للشريعة في تكميل جزئها الثالث، ألا وهو الإخلاص. وتحليةُ الظاهر بالشّريعة الغرّاء، وربطُ الباطن على الدّوام بالله أمرٌ عظيم. رزَقَنا الله من كمال كرامة الاستقامة مع تغيير الصّفات المذمومة بمتابعة سيّد الأوّلين والآخرين عليه الصّلاة والسّلام.
-يا أخي المؤمن الطالب الاستفادة من السير والسلوك: إنّ المقصودَ من السّير والسّلوك تزكيةُ النّفس الأمّارة وتطهيرُها حتّى تتيسّر النّجاةُ من عبادة الآلهة الباطلة النّاشئة عن الهوى النّفسانيّ، ولا تبقى قبلةُ التّوجّه في الحقيقة غيرَ المعبود الواحد الحقيقيّ تعالى وتقدّس، ولا يُختارَ عليه وعلى رضاه مقصِدٌ ما أصلاً ؛ سواء من المقاصد الدّينيّة أو المطالب الدّنيويّة. والمقاصدُ الدّينيّة وإن كانت من الحسنات لكنها من شغل الأبرار، والمقرّبون يرونها سيّئة، ولا يَعدّون سوى الواحد من المقاصد.
أيّها الأخ: الإنسانُ على نفسه بصيرة، ففتِّشْ نفسَك تفتيشاً إنصافيّاً، هل تجاهدُ الجهةَ أو تشتغلُ بالدّنيا أو بما لا يعني؟ الحُكْمُ لكَ.
يقول حفظه الله تعالى:
- أيّها الأخ المؤمنُ الطالبُ لرضا الخالق تعالى وتقدّس: اعلمْ أن الإنسان مادام متلوّثاً بدنس التّعلّقات الشتّى محرومٌ ومهجور ؛ فلا بدّ من تصقيل مرآة الحقيقة الجامعة أعني القلب من صدأ محبّة ما سوى الله عزّ وجلّ. وأفضل المصاقل لإزالة ذلك الصّدأ متابعةُ النّبي عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام، مع كثرة ذكر الربّ عزّ وجلّ. ومدارُ ذلك على رفع العادات النّفسانيّة ودفع الرّسوم الظلمانيّة.
فطوبى لِمَن تشرّف بهذه النّعمة العظمى، وويل لِمَن حُرم من هذه الدّولة القصوى. وذلك بعد الاهتمام التّام بالصّلاةِ المفروضة، لأنها تنهى عمّا لا يليق بالمؤمن بقراءةِ القرآن مع الآداب الظّاهرة والباطنة، وكثرةِ الذّكر الإلهي، وتركِ المعاصي بالكليّة، وعدم نسيان الاستغفار.
- المقصود من أعمال الشّريعة وأحوال الطّريقة هو تزكيةُ النّفس وتصفيةُ القلب. وما لم تُترَك النّفسُ لا تَحصل السّلامة للقلب. قال الله تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوْبُ} [الرّعد / 28]، فطريق اطمئنان القلب إنّما هو ذكر الله، لأن الذّكر اكتسابُ المناسبة بجانب الله تعالى وإن لم تكن هناك مناسَبةٌ أصلاً ؛ يعني: في الحقيقة ما للتراب وربِّ الأرباب؟ ولكن يحصل بين الذّاكر والمذكور نوع من الارتباط والعلاقة الموجبة للمحبّة، فإذا استولت المحبّة على الذّاكر فلا شيء بعده إلا الاطمئنان أصلاً.
- اعلم أن هذه الدنيا حلوة في الظّاهر، ولها طراوة صُوريّة، لكنّها في الحقيقة سمٌّ قاتل، ومتاع باطل، وليس في التّعلق والارتباط بها طائل. مقبولها مخذول، ومفتونها مجنون، وحُكْمها حكمُ نجاسةٍ طُلِيتْ بالذّهب، ومَثَلُهَا مَثَلُ سمٍّ مخلوط بالسُّكّر. والعاقل هو الّذي لا يغترّ بمثل هذا المتاع الكاسد، ولا يتعلّق بمثل هذا الشّيء الفاسد، كما قال ربُّنا تعالى: {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ} [لقمان / 33]، قَرَنَ عزّ وجل بين غرور الدّنيا وغرور الشّيطان الْغَرُورُ اللعين. فانتبه واتّعظ بالموعظة الإلهيّة.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 10-08-2008 الساعة 11:21 AM