«طرابلس الغرب» تؤرخ ملحمة الصمود من الرومان إلى الإيطاليين
حواضر الإسلام.. اتخذها الفينيقيون محطة لتسويق السلع الواردة من أفريقيا السوداء
«طرابلس الغرب» تؤرخ ملحمة الصمود من الرومان إلى الإيطاليين
طرابلس تميزت بموقعها الحصين على البحر
تاريخ النشر: الثلاثاء 24 أغسطس 2010
أحمد الصاوي
طرابلس إحدى مدينتين عربيتين تحملان ذات التسمية. أولاهما في لبنان بالمشرق العربي، والثانية تلك الواقعة على شاطئ المتوسط بأفريقيا وسميت “طرابلس الغرب” بدءاً من العصر العثماني أو بكتابة اسمها كما ينطقه الأهالي هناك “طربولس”.
وتحتل طرابلس رأس تل صخري يمثل قمة سهل الجفارة ويقابل الرأس الجنوبي لجزيرة صقلية على الساحل الأوروبي للمتوسط. والمدينة خماسية الأضلاع يحيط بها البحر من جهتين.
ونظراً للموقع الحصين لهذا التل فقد وقع اختيار الفينيقيين عليه لتأسيس محطة تجارية تقوم بتسويق السلع الواردة من أفريقيا السوداء وكان ذلك بين القرنين السابع والثامن قبل الميلاد. وعرفت المدينة باسم أويات بيلات ماكار أو بلدة “الإله ماقارت” واكتشف بها العديد من القبور الفينيقية وكذلك مصنع فينيقي لإنتاج الفخار.
وتعود تسمية المدينة باسمها الحالي “طرابلس” للعصر الروماني وهي تحريف لكلمة لاتينية تعني المدن الثلاث وذلك لأن الفينيقيين أسسوا معها مدينتين هما “لبدة”و”مصراتة”.
وخلال خضوع المدينة لحكم الرومان تمت إعادة تخطيط طرابلس وفقاً للتقاليد الرومانية فأصبح بها شارع رئيسي يمتد من الشمال إلى الجنوب “كاردو” وآخر يشق المدينة من الشرق للغرب يعرف باسم “ديكومانوس” وعند تقاطع الشارعين كان من المألوف أن يشيد الرومان قوسا للنصر يطلق عليه اسم الإمبراطور الروماني. وقد بقي بطرابلس هذا القوس المسمى”ماركوس أوريليوس” الذي يواجه ميناء الشمال الشرقي جهة باب البحر.
ومع تداعي أركان الإمبراطورية الرومانية احتلت شعوب الوندال القادمة من وسط أوروبا طرابلس بدءاً من عام 449م. ثم سيطر البيزنطيون عليها في عام642م. وشرعوا في تحصينها لمواجهة محتملة مع جيوش الفتح الإسلامي التي اجتاحت الشام ووصلت إلى مصر.
الفتح الإسلامي
وفي عام 645 م فتحها العرب المسلمون وبقيت المدينة تحت الحكم العربي معظم سنوات العصور الوسطى فيما عدا بعض سنوات تعرضت فيها للاحتلال الأجنبي بسبب موقعها الحيوي والحصين على البحر المتوسط.
فقد استولى عليها الرومان عقب طرد المسلمين من صقلية لقرابة 12 عاما “1146-1158م” وما أن اشتعلت حروب الاسترداد الإسبانية وسقوط غرناطة آخر معقل إسلامي بالأندلس حتى شرعت إسبانيا في احتلال مدن عربية منها سبتة وطنجة وتلمسان والمرسى الكبير ووهران وبجاية وطرابلس التي احتلت في 25 يونيو عام 1510م. بعد مقاومة باسلة من أهلها باعتراف الكونت بترو دي فارو قائد الأسطول الإسباني.
ويقف موقع طرابلس الاستراتيجي في مقدمة أسباب احتلالها من قبل إسبانيا حيث الميناء الحصين وثرواتها المتعددة التي رأى الإسبان ضرورة الاستفادة منها في تمويل جيوشهم في مواصلتهم الحرب ضد المسلمين، وكذلك لجعلها قاعدة حربية إسبانية لصد الهجمات المتتالية من الشرق والمتمثلة في الخط المعاكس، وهو المد العثماني الذي ظهر كقوة بحرية كبيرة في حوض البحر الأبيض المتوسط بقيادة خير الدين بربروس وخليفته درغوت باشا الذي مثل خطراً حقيقياً على الوجود الإسباني فـي دويلات شمال إفريقيا.
واتسمت سياسة الإسبان داخل القطر الطرابلسي بالوحشية والتعصب والظلم، فقد عملوا على طرد جميع الطرابلسيين من المدينة، وجلب أكبر عدد من المسيحيين، ولم يقوموا بأي إصلاح يذكر، فقد أهملوا التجارة والصناعة والزراعة وأثقلوا كاهل المواطنين بالضرائب، مما أدى إلى كساد التجارة، وهذا الضغط أدى إلى ظهور المقاومة الوطنية التي اتخذت من منطقة “تاجوراء” مركزاً لشن الحملات الحربية ضد الإسبان في الدويلة الليبية وتمكنت من محاصرة الإسبان في طرابلس، إلا أن المحاولة لم يكتب لها النجاح.
مدينة الفرسان
لكن المقاومة أجبرت الإسبان على تسليم المدينة لفرسان القديس يوحنا في مالطة وفشل هؤلاء في الحفاظ على مواقعهم أمام الجيوش العثمانية لتصبح طرابلس ولاية تركية عثمانية من عام 1151م، يحكمها ولاة أتراك حرصوا على تحصين المدينة وتزويدها بالمساجد والحمامات التركية.
وفي عام 1711م. استقل أحمد باشا القره ماني بحكم طرابلس عن العثمانيين وظلت قاعدة للأسرة القرمانلية حتى عام 1835م. واستعادت الدولة العثمانية السيطرة عليها وظلت بحوزتها إلى أن احتلتها إيطاليا عام 1911م.
ومرت على طرابلس الكثير من الأحداث خلال مقاومة الليبيين للاحتلال الإيطالي بقيادة عمر المختار الذي حكم عليه بالإعدام شنقا، واستمرت المقاومة حتى نالت ليبيا استقلالها وأصبحت طرابلس عاصمة لليبيا وتضم المدينة نحو 36 مسجداً و3 حمامات تاريخية ومدرستين ومستشفى بشارع سيدي سالم المشاط، كما تضم المدينة عدداً من المباني التاريخية منها حوش القرمانلي وعدد من القنصليات التاريخية منها القنصلية الإنجليزية والهولندية والفرنسية وقنصلية جنوا والعديد من الأسواق القديمة.
ومن أشهر معالمها القديمة السراي الحمراء وهي قلعة رومانية قديمة تضم قصراً لحاكم المدينة واستخدمها فرسان القديس يوحنا ومن بعدهم الأتراك كمقر رسمي للحكم.
رواج سياحي وتجاري
تشهد طرابلس في السنوات الأخيرة رواجاً سياحياً وتجارياً ملحوظاً بسبب العلاقات المزدهرة مع أوروبا والدول الأفريقية وعرفت المدينة جهوداً حثيثة لتحديث بنيتها الأساسية لاستيعاب الأنشطة الاقتصادية والتجارية ومن المنشآت اللافتة للنظر الأبراج التجارية المعروفة بذات العماد وينظر إليها أهل طرابلس باعتبارها أحد الرموز الحديثة لمدينتهم.
ويستطيع زائر طرابلس أن يتمتع بالأجواء الشعبية الخاصة بطرابلس إذا ما اقترب من “ساحة الشهداء” أو الساحة الخضراء فهي من جهة تطل على ساحل المتوسط ومن جهة أخرى تجاور السوق الشعبية الواقعة داخل “باب المشير” وتعرف بالسوق التركية وتعرض فيها بعض نساء البادية الحلي الذهبية الثمينة.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
08-24-2010
تعليمات المشاركة
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
